أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود عباس - نوروژ بين الدين والقومية، بين الثورة والطمس














المزيد.....


نوروژ بين الدين والقومية، بين الثورة والطمس


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 07:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تشكل عيد نوروژ قبل قرابة ثلاثة آلاف عام، وانبثق عبر التاريخ كمفهوم متعدد الأبعاد، متجذر في الهوية الروحية والثقافية لشعوب المنطقة.
نوروژ ليس مجرد احتفالٍ عابرٍ، بل طقسٌ موغلٌ في الرمزية، يعكس تفاعل الإنسان مع الطبيعة والكون، ويمثل إرثًا مشتركًا لأممٍ متعددة، كل منها احتفت به وفق رؤيتها الفكرية والدينية والقومية. غير أن الشعب الكوردي، دون سواه، كان الأعمق احتواءً له، إذ تقاطع في وجدانه البعدان القومي والديني، ليصبح نوروژ عنده أكثر من مجرد عيدٍ، بل رمزًا لإحدى أعرق الثورات في التاريخ، ثورة على الظلم، ونهوض الشعوب ضد الاستبداد، كما أراد له الكورد أن يكون، وكما أشار المؤرخ الألماني كارل بروكلمان حين وصف نوروز بأنه "ليس مجرد عيدٍ، بل ذاكرة مقاومة".
لقد حمل نوروژ في جوهره بُعدًا روحانيًا ممتدًا من عقائدٍ سحيقة، تُقدّس النور والنار باعتبارهما جوهر الحياة وسبيل الخلاص، كما في الزرادشتية التي رأت في النار رمزًا للطهارة، والأزداهية القديمة التي احتفت به كعهدٍ بين الإنسان والطبيعة، وكذلك المانوية والمزدكية اللتين جسّدتا الصراع الأزلي بين النور والظلام في فلسفتهما الكونية. لكن مع مجيء الإسلام كدينٍ قادمٍ من بيئةٍ مختلفة، أصبح نوروژ مساحة صراعٍ ثقافي بين ترسبات الإيمان القديم، والهيمنة الدينية الجديدة التي حملتها القوميات العربية والتركية والفارسية، وجعلت منه ساحةَ مقاومةٍ خفية. وهكذا، لم يكن نوروژ عند الكورد مجرد احتفالٍ، بل فعلًا وجوديًا، يُعبّر عن تحدٍّ لإرثٍ طويلٍ من محاولات الطمس والتذويب القومي.
ورغم أن البعد القومي لنوروژ طغى على مضمونه الديني في العصر الحديث، إلا أنه لا يزال يحتفظ بجذوره الروحانية العميقة، التي تتجلى في احتفاليةٍ تحمل إحساسًا لا شعوريًا بالتقديس، لا يختلف كثيرًا عما عبّر عنه المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي حين قال: "الأعياد التي تصمد عبر التاريخ، ليست مجرد احتفالات، بل انعكاسٌ لروحٍ أبديةٍ تقاوم النسيان".
إن نوروژ، بالنسبة للكورد، ليس مجرد طقس احتفالي، بل شهادةٌ على تاريخٍ طويلٍ من النضال ضد الاستبداد، ودليلٌ على صراعٍ لم يُحسم بعد، بين إرادة البقاء القومية، ورغبة القوى المهيمنة في طمس الذاكرة الكوردية، تمامًا كما فعلت الإمبراطوريات الكبرى عبر العصور. لكنه، رغم كل محاولات الطمس، لا يزال ينبعث في كل ربيع، شاهدًا على أن الشعوب التي تتنفس الحرية، لا يمكن أن تموت.
لهذا، وباعتباره بعدًا حضاريًا وتجسيدًا لإرادة وثقافة الشعب الكوردي، يتطلب من الحكومات التي تحتل كوردستان أن تتعامل مع نوروز ليس فقط كعيدٍ كورديٍّ، بل كرابطٍ وطنيٍّ وإنسانيٍّ يوحّد بين مكونات المنطقة القومية والدينية. إن الاعتراف به رسميًا، وتعطيل الدوائر الحكومية في هذا اليوم، ليس مجرد لفتة رمزية، بل خطوة نحو احترام التعددية الثقافية، واعترافٌ بمكونٍ أساسي من شعوب المنطقة، لا يمكن إنكار حقه في الاحتفاء بإرثه التاريخي.
إن نوروژ، بعيدًا عن كونه مجرد مناسبة احتفالية، يحمل في جوهره معاني السلام والتآخي والسعادة، وهو يومٌ تتسامى فيه الروح البشرية فوق الصراعات، ليصبح لحظة اندماجٍ عميقة بين الإنسان والطبيعة، حيث تتجدد الحياة ويُبعث الأمل. في هذه اللحظات، يتجاوز الإنسان حدود الماديات، ويقترب من إلهه بإحساسٍ ضمنيٍّ صادقٍ ونقيّ، حيث تتجلى هيمنة اللاشعور، ويذوب الفاصل بين الفاني والأبدي، بين الأرضي والسماوي.
إن الاعتراف بنوروژ لا يعني فقط احترام حقوق الشعب الكوردي، بل يعني أيضًا التصالح مع تاريخ المنطقة وثقافاتها العريقة، والتأسيس لرؤيةٍ تتجاوز التعصب القومي والديني، نحو مستقبلٍ أكثر انفتاحًا وعدالة. فمن يرفض نوروژ، يرفض روح الشرق، ومن يحتفي به، يحتفي بجوهر الإنسانية، حيث تتلاشى الحواجز المصطنعة، ويولد ربيعٌ جديدٌ للوعي المشترك.
نوروژكم أيها الشعب الكوردي والعالم سعيد، آملاً أن يكون نوروژنا (يومنا الجديد) هذا بداية لمرحلة الحرية تُشيَّد فيها أوطان تتسع للجميع، حيث يُبنى المستقبل بروحٍ حضاريةٍ تنبض بالسلام، ويُؤسَّس لعالم تسوده الديمقراطية والعدل، ليكون الغد أكثر إشراقًا، والإنسان أكثر حريةً وكرامة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
19/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أي درك كارثي تتهاوى سوريا؟
- حين يتقيأ الحقد، العروبة المشوهة في مواجهة الحقيقة الكوردية
- إعادة قولبة سوريا
- سوريا نحو الاستبداد الدستوري
- صناعة الشعوب المشوهة
- قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع
- سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام الس ...
- سوريا بين المركزية القاتلة والفيدرالية المنقذة
- بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...


المزيد.....




- -ياما نفسي قلك-.. إيمي سمير غانم تعبر عن تأثرها بأغنية شقيقت ...
- تحقيق لـCNN يكشف عن توسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية ...
- تدعمهم رواندا.. متمردون يتقدمون نحو بلدة غنية بالمعادن شرق ا ...
- بنعبد الله يستقبل وفدا من الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة. ...
- أسباب تجعل السعادة مهمة للحفاظ وتكريس الديمقراطية
- لأول مرة .. انخفاض طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 13 ...
- كيرستي كوفنتري: أول سيدة تتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولي ...
- -سي إن إن-: إسرائيل ضالعة في استهداف مبنى أممي بغزة
- انتقال سفارة المملكة العربية السعودية لدى روسيا الاتحادية إل ...
- زيلينسكي يطلب من الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو إضافية


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود عباس - نوروژ بين الدين والقومية، بين الثورة والطمس