أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور التخطيط الحضري-














المزيد.....


تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور التخطيط الحضري-


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 02:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يُعدّ سوق نشتيمان من المشاريع التجارية الحديثة في قلب أربيل، حيث يقع مقابل قلعة أربيل التاريخية، وهو ما يمنحه موقعًا استراتيجيًا مهمًا. افتُتح السوق في 24 يناير 2015، وهو أحد مشاريع مجموعة شركات نصري المحدودة. يتكون من سبعة طوابق، ثلاثة منها مخصصة للتسوق، وأربعة مخصصة للأغراض السكنية والمكتبية، ويضم حوالي 150 محلًا تجاريًا، بمساحة بناء إجمالية تبلغ 85,000 م².

ورغم ضخامة المشروع وأهميته الاقتصادية، إلا أن السوق أثار جدلًا واسعًا بين المختصين في التخطيط الحضري والمعماري، حيث تُثار تساؤلات حول مدى ملاءمته للنسيج العمراني والتاريخي للمدينة، وتأثيره على البنية الحضرية وتدفقات الحركة التجارية، إلى جانب تداعياته على المشهد البصري لوسط أربيل. يناقش هذا المقال تأثير السوق من منظور التخطيط الحضري، ويرصد أهم المشكلات التي صاحبت تنفيذه.

1. التعدي على المقبرة القديمة وأثره على البنية التاريخية
أُقيم سوق نشتيمان على موقع مقبرة أربيل القديمة، ما أدى إلى إزالة عدد كبير من القبور، وهو ما يُعدّ إخلالًا بالتراث الديني والثقافي للمدينة. يُعدّ التعدي على أماكن الدفن القديمة قضية حساسة في التخطيط الحضري، حيث أن الحفاظ على المقابر التاريخية لا يقتصر على بعدها الديني، بل يمتد ليشمل قيمتها كمعالم تاريخية تعكس مراحل تطور المدينة.

إزالة المقبرة لصالح مشروع تجاري أثار استياء السكان المحليين، خاصةً أهل أربيل الأصيلين، الذين يرون في هذه الخطوة طمسًا لهويتهم التاريخية. ومن منظور التخطيط، كان من الأجدر البحث عن مواقع بديلة لا تمسّ البنية الثقافية والاجتماعية للمدينة، أو على الأقل دمج العناصر التاريخية ضمن التصميم الحضري للمشروع.

2. التصميم المعماري ومدى توافقه مع السياق العمراني
يقع السوق على مقربة من معالم تاريخية مهمة مثل قلعة أربيل وسوق القيصرية، وهما من أقدم وأبرز المعالم التراثية في المدينة. ومع ذلك، جاء تصميم السوق الحديث منفصلًا تمامًا عن الطابع العمراني التقليدي، حيث يظهر ككتلة خرسانية ضخمة تشبه جدارًا عازلًا بين القلعة وباقي المدينة، مما أدى إلى قطع العلاقة البصرية مع السوق القديم وحرمان القلعة من كونها نقطة محورية مرئية من مختلف أنحاء المدينة.

في التخطيط الحضري، يُنصح عند إقامة مشاريع جديدة في المناطق التراثية باعتماد تصاميم تحاكي العمارة المحلية وتنسجم مع البيئة المحيطة، بدلًا من فرض طراز معماري حديث غير متجانس. كان من الممكن دمج عناصر العمارة التقليدية مثل الأقواس، الحجر المحلي، والتفاصيل الزخرفية للحفاظ على التناغم البصري بين السوق الجديد والمحيط التاريخي.

3. الوظيفة التجارية وضعف التخطيط الداخلي
على الرغم من المساحة الكبيرة للمشروع، إلا أن السوق يعاني من ضعف في الوظيفة التجارية. فمعظم النشاط التجاري يتركز في الطابق الأرضي والطابق السفلي، بينما تبدو الطوابق العلوية شبه مهجورة أو غير فعالة اقتصاديًا. يعكس هذا قصورًا في التخطيط الداخلي، حيث لم يتم تصميم السوق بما يحقق توزيعًا متوازنًا للنشاط التجاري عبر جميع الطوابق.

في التخطيط التجاري الحضري، تؤخذ بعين الاعتبار عوامل مثل سهولة الوصول، تدفق الزوار، وتوزيع المساحات التجارية بشكل يضمن تشغيلًا اقتصاديًا مستدامًا. يبدو أن هذا الجانب لم يُدرس بعناية، ما أدى إلى انخفاض الجاذبية التجارية للسوق، خاصة في طوابقه العليا.

4. تأثير السوق على التخطيط الحضري للمدينة
من الناحية الحضرية، لم يسهم السوق في تعزيز التواصل بين أجزاء المدينة المختلفة، بل أدى إلى تقسيمها بصريًا وجغرافيًا. فبدلًا من أن يكون عنصرًا يربط بين السوق القديم والمناطق الحديثة، أصبح حاجزًا عمرانيًا يُضعف الانسجام بين المناطق التراثية والتجارية الحديثة.

كما أن السوق لم يُخطط ليكون مركزًا جاذبًا للحركة الحضرية، إذ لم يوفر مساحات عامة مفتوحة أو ساحات تتفاعل مع النسيج العمراني المحيط، ما قلل من تأثيره الإيجابي على تدفقات المشاة والحياة الحضرية في المنطقة. كان من الممكن تصميم السوق بحيث يدمج ممرات مشاة، ساحات عامة، وعناصر تفاعلية تعزز من تكامل المشروع مع المدينة بدلًا من أن يكون كيانًا منعزلًا عنها.

رؤية تخطيطية بديلة
لو أُعيد التفكير في تصميم السوق وفق مبادئ التخطيط الحضري المستدام، لكان بالإمكان:

إعادة توظيف موقع المقبرة عبر تطوير حديقة تراثية أو ساحة عامة تكريمًا للتاريخ المحلي.
تصميم السوق وفق النمط المعماري التقليدي، باستخدام مواد بناء محلية وانسجام مع المحيط التراثي.
تحسين التخطيط الداخلي عبر توزيع أفضل للمحلات التجارية، وتوفير عناصر جذب للطوابق العليا.
تعزيز الترابط الحضري من خلال إنشاء ممرات ومساحات مفتوحة تربط السوق مع القلعة والسوق القديم.

رغم أن سوق نشتيمان يُمثل استثمارًا كبيرًا في البنية التجارية لمدينة أربيل، إلا أنه يعاني من مشكلات جوهرية على مستوى التخطيط الحضري والمعماري. فقد أدى التعدي على المقبرة القديمة إلى فقدان جزء مهم من التراث الثقافي، كما أسهم التصميم غير الملائم في تشويه النسيج العمراني، فضلًا عن ضعف التخطيط التجاري الذي أدى إلى عدم تحقيق السوق لنجاحه الاقتصادي المتوقع.

من منظور التخطيط الحضري، كان من الممكن أن يكون السوق عنصرًا إيجابيًا يربط بين الحداثة والتراث، بدلًا من أن يصبح كتلة معمارية منفصلة عن السياق التاريخي للمدينة. إن إعادة النظر في مثل هذه المشاريع المستقبلية، وفق رؤية أكثر احترامًا للهوية الحضرية، سيكون أساسيًا في ضمان تنمية متوازنة تحافظ على تراث أربيل وتحقق تطورًا حضريًا مستدامًا.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا حياة لمن تنادي: واقع العراق وإقليم كردستان بين التحديات و ...
- أربيل في ظل الاحتلال البريطاني (1918-1920): قراءة في كتاب -س ...
- إربيل في مرآة التاريخ والفلسفة: دراسة مقارنة بين ابن المستوف ...
- أربيل عبر العصور: من مدينة تاريخية إلى لواء إداري في العراق ...
- دراسة سوسيولوجية لمدينة أربيل: التعددية الثقافية والتحولات ا ...
- -تاريخ اربل- لابن المستوفي: دراسة تحليلية علمية
- أربيل عبر العصور: تطور المخطط العمراني من القلعة إلى المدينة ...
- مقارنة بين مجزرة الكرد في العراق ومجزرة سربرنيتسا في البوسنة ...
- مشروع إعادة تأهيل قلعة أربيل: من الفكرة إلى التنفيذ
- قصور إعادة تأهيل قلعة أربيل: الأسباب والمسؤولية
- إلى السيدة وزيرة المالية العراقية المحترمة، طيف سامي محمد
- حكومة العراق: بين النفوذ المسلح والتحديات السياسية
- سوق القيصرية في أربيل: رمز التراث والتاريخ
- أسماء الأحياء السكنية في قلعة أربيل
- الحضارات التي تعاقبت على قلعة أربيل.
- المئذنة المظفرية في أربيل: دراسة تاريخية، معمارية، وأدوارها ...
- تشكيل حكومة تكنوقراط
- تقييم تشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كوردستان | العراق
- الحقيبة الوزارية للتركمان.. إستحقاقٌ قومي لا تصدّقٌ سياسي من ...
- الإفلاس الفكري لدى ممثلي الاحزاب التركمانية!


المزيد.....




- شاهد كيف علق مسؤول مصري على استئناف إسرائيل الحرب في غزة
- ألمانيا تعلن تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات ...
- ترامب: الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا تضع الخطوط العريضة ...
- الجيش السوداني يستعيد القصر الرئاسي بعد عامين من الحرب
- إفطار جماعي …على الحدود الجزائرية المغربية
- ما السر وراء الزر الأحمر في مكتب ترامب بالبيت الأبيض؟
- السيسي ودراما رمضان -غير الهادفة-
- قصة -سراي الحكمدارية- الذي كان قصر الحكم في السودان لنحو 200 ...
- ألمانيا -تصادر- ناقلة نفط يشتبه أنها تابعة لأسطول الظل الروس ...
- من أصول مصرية.. ما علاقة عيد الأم بالحضارة المصرية القديمة و ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور التخطيط الحضري-