|
التكتوكر كومي وعلم نفس-النانو: قراءة نفسية في مصفوفة تكتوك
عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)
الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 21:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحلقة 20 للقاص عبد النور إدريس
في زاوية مقهى معتمة، حيث تختلط رائحة القهوة بدخان السجائر، كان التكتوكر commentateur.national الذي ألف NOURI19 أن يدعوه تدليلا بكومي يجلس كالمشرد الإلكتروني، يطارد الإشعارات على هاتفه كصيّاد يقتفي أثر فرائسه في البراري الرقمية. خلف نظارته المتعبة، كانت عيناه تبرقان برغبة لا تهدأ، كعاشق تائه يبحث عن وجه معشوقته بين ملايين الوجوه. لكنه لم يكن يبحث عن وجه بشري، بل عن إشعاع الشاشة، عن اللايكات، عن دفء التفاعل الذي صار كالإبرة التي تضخ في عروقه نشوة التكتومين، ذلك الإدمان الجديد الذي لا يعترف به الطب، لكنه يفتك بالقلوب والعقول.
على الجانب الآخر من الشاشة، كان NOURI19 يراقبه كما يراقب فيلسوفٌ تجربة مختبرية على كائن وقع في مصيدة الزمن الرقمي. لم يكن NOURI19 مجرد صديق، بل كان مرآة تعكس انغماس كومي في بحر اللامتناهيات الرقمية. قال له ذات مساء، وهو يراقب أرقامه تتصاعد كفقاعات في كأس شمبانيا افتراضية: — كومي، أنت لا تدرك بعد أنك أصبحت مسافراً في متاهة بلا نهاية. لا أحد يخرج من التيه وهو الشخص نفسه الذي دخله. تكتوك ليس منصة، بل متاهة ديدالوسية، وأنت إيكاروس الذي يلاحق الضوء دون أن يدرك أن الشمع قد يذوب. كومي ضحك، هز رأسه وهو يحدّق في هاتفه كما لو كان يحمله كصليب في درب جلجلته الرقمية. ثم قال بسخرية ممزوجة بقلق لا يعترف به: — يا نوري، لا تكن فيلسوفاً أكثر من اللازم. نحن لا نملك أجنحة كي نحترق، نحن فقط نحاول الطيران ولو لبضع ثوانٍ. الفيديوهات،اللايف، اللايكات، إكسبلور القلب الأبيض، المتابعون، التكبيس… هذه الجمجمات هي الأكسجين الذي أتنفسه. في العالم الحقيقي أنا مجرد كائن شفاف، لكن هنا… هنا أنا نجم! هز نوري رأسه بأسى، ثم أرسل له رسالة صوتية قصيرة بصوته العميق، كواعظ في معبد مهجور: — النجوم التي تحترق سريعاً لا تترك إلا رماداً، يا كومي.
لكن كومي لم يكن مستعداً لسماع النبوءات. كان قد دخل عالماً حيث الزمن يتكثف في دقائق الفيديوهات القصيرة التي يبثها له صديقةAziz Monpellier من باريس، حيث الانتصار يُقاس بعدد القلوب الحمراء التي تتراقص على الشاشة، حيث الوجود نفسه يتحول إلى بث مباشر دائم لا مكان فيه للضعف أو الانسحاب. وفي ليلة باردة، بينما كان كومي جالساً في حديقة عامة بعد أن نازعته زوجته اهتمامه بمنصة تكتوك وبث الليف من المنزل، غارقاً في شاشة هاتفه كما لو كانت طوق نجاة في بحر من العزلة، جاءه إشعار: " NOURI19 بدأ لايفًا الآن" رفع رأسه إلى السماء، حيث النجوم كانت تلمع في صمت، لا تحتاج إلى جمهور، لا تحتاج إلى لايكات… فقط تلمع، بلا مقابل. لكنه لم يكن نجماً، كان فقط كومي، المشرد الرقمي، الباحث عن حقنة تكتومين جديدة. الجزء الثاني: رقصة الظلال في حقل التكتومين كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حينما انضم كومي إلى اللايف، متلهفًا كما لو أنه يدخل إلى قاعة أوبرا سرية، حيث الجمهور بلا وجوه والموسيقى هي صوت الإشعارات المتتالية. كان NOURI19 يتحدث كعادته بأسلوبه الفلسفي، يشرح لمتابعيه حركة الإكسبلور كيف أن تيك توك ليس مجرد منصة، بل مختبر اجتماعي قائم بذاته، حيث تتحول السلوكيات البشرية إلى بيانات، والرغبات إلى خوارزميات، والقلوب الحمراء إلى عملة رقمية جديدة في اقتصاد المشاعر. حيث الإشكال يا كومي يكمن ليست فقط في عدد المتابعين، بل في طبيعة التفاعل. كل ضغطة إعجاب هي بصمة سيكولوجية، كل تعليق هو اعتراف ضمني بوجود الآخر. في هذا العالم الافتراضي، نحن كائنات سائلة، بلا هوية ثابتة، نعيد تشكيل أنفسنا مع كل فيديو جديد، مع كل بث مباشر. لكن السؤال الحقيقي، كومي، هو: هل نمتلك المنصة، أم أن المنصة هي من تمتلكنا؟ كومي، الذي كان يراقب التعليقات المتسارعة أسفل الشاشة، ابتسم ابتسامة متوترة وردّ: — أنت تتحدث كأننا في محاضرة جامعية، نوري! أنا هنا لأحصل على بعض الجمجمات، لا لأتفلسف حول سيولة الهوية! ضحك نوري قليلاً، ثم ردّ بصوت هادئ كصوت معلم زِن يتحدث إلى تلميذ لم يدرك بعد أنه تائه: — أوه، كومي… المشكلة أنك تعتقد أن الجمجمات مجرد رقم. لكن في الحقيقة، كل "لايك" تحصل عليه هو جرعة صغيرة من التكتومين TIKTOMINE المقهوم الذي شرحته سابقا، وكلما حصلت على أكثر، زاد إدمانك. تخيل الأمر كحقل من المخدرات الرقمية، حيث كل فيديو هو زهرة مشرقة، وكل تفاعل هو رحيق جديد يُدخلك في دورة من النشوة والانهيار. لا تدرك أنك في هذه اللحظة لم تعد كائنًا حُرًا، بل صرت عبدًا لهذا الشعور المؤقت بالسعادة الافتراضية. كومي شعر بوخزة في صدره، لكنه تجاهلها كما يتجاهل المدمن إشارات جسده المنهك. كان يعرف أن هناك شيئًا من الحقيقة في كلمات نوري، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف. في تلك اللحظة، ظهر تعليق من أحد المتابعين: "كومي، أنت أسطورة! لايفاتك تجعلنا ننسى هموم الحياة!" ابتسم كومي بفخر، وشعر كما لو أن دفعة جديدة من النشوة تسري في دمه. نظر إلى الكاميرا وقال بحماس: — أرأيت يا NOURI19 ؟ الناس تحب ما أفعله! أنا لست مدمنًا، أنا فقط أجيد اللعب بالقواعد! لكن نوري لم يبتسم. أغمض عينيه لثانية، ثم قال بصوت خافت، كما لو كان يحدث نفسه أكثر مما يخاطب كومي: — اللاعب الذي يظن أنه يتحكم في اللعبة، هو غالبًا القطعة الأكثر عرضة للسقوط. في تلك الليلة، بينما كان كومي يجلس وحيدًا تحت شجرة البارك، يحضن هاتفه كمن يحتضن آخر شيء يربطه بالعالم، أدرك للحظة عابرة، كوميض برق في سماء ملبدة بالغيوم، أن نوري ربما كان محقًا. لكنه سرعان ما طرد الفكرة من رأسه، تمامًا كما يطرد المدمن فكرة الإقلاع عن الإدمان.لكن التكتومين كان ينتظره، وكان لا يزال بحاجة إلى جرعة أخرى. الجزء الثالث: المتاهة الرقمية وعبودية التفاعل مرت أيام وكومي يزداد انغماسًا في عالمه الرقمي، يعيش على إيقاع الجمجمات والعملات كما لو كانت دقات قلبه. صار يتنقل بين المقاهي بحثًا عن اتصال إنترنت مستقر، يحمل هاتفه كما لو كان أنبوب أكسجين في عمق محيط، لا يجرؤ على الابتعاد عنه خوفًا من الاختناق بالواقع. في إحدى الليالي، بعد بث مباشر طويل امتلأ بالصخب والإثارة، أرسل له NOURI19 رسالة صوتية: — كومي، هل أنت بخير؟ ضحك كومي وردّ بنبرة مرهقة: — بالطبع! لقد حطمت رقمي القياسي في اللايكات اليوم! أنا في القمة يا نوري، في القمة! لكن NOURI19 لم يضحك. بعد لحظات، أرسل له رابطًا لمقال علمي بعنوان: "الإدمان الرقمي: حين يصبح التفاعل حاجة نفسية ملحّة". — اقرأ هذا، ثم أخبرني… هل تظن أنك حقًا في القمة؟ فتح كومي المقال بفضول، وبدأ يقرأ: "في علم النفس الرقمي، يُعرف الإدمان على التفاعل الافتراضي بأنه نوع من التكيف العصبي، حيث تصبح العقول مبرمجة على طلب التعزيز الفوري. تتسبب الإشعارات، الجمجمات، العملات الافتراضية والمشاركات في إفراز التكتومين بنفس الطريقة التي يفعلها المخدر. مع الوقت، يصبح المستخدم معتمدًا على هذه الدفقات الصغيرة من النشوة الرقمية، غير قادر على اختبار المتعة خارج العالم الافتراضي." شعر كومي بقشعريرة تسري في جسده. لم يكن يريد أن يصدق، لكنه رأى نفسه في كل سطر. عاد إلى نوري وقال: — أنت تبالغ، نوري. أنا فقط أستمتع بوقتي! لكن نوري، بصبر المعلم الذي يعرف أن تلميذه يرفض الحقيقة، أجاب: — حسنًا، دعني أسألك شيئًا… متى كانت آخر مرة شعرت فيها بالسعادة دون أن يكون هناك اتصال بالشبكة التكتوكية على هاتفك؟ تجمد كومي. حاول أن يتذكر، لكنه لم يستطع. حتى لحظات الفرح الصغيرة—قهقهة مع صديق، وجبة لذيذة، نسيم بارد في ليلة صيفية—لم تعد تشعره بأي شيء إن لم تكن موثقة في فيديو، إن لم يكن هناك جمهور يشاركها معه، حتى طاجين القديد لم يدرك لذته حتى تم تصويره في فيديو، فهو ينتشي بالطعم الافتراضي اكثر من الواقعي. تابع NOURI19 حديثه: — أنت لم تعد تعيش، كومي. أنت فقط تبث. الفرق بين الإثنين هو أن الحياة تحدث حتى عندما لا يشاهدك أحد، بينما البث يتطلب جمهورًا دائمًا. والكارثة الكبرى؟ أن التفاعل الذي تبحث عنه ليس حتى حقيقيًا. إنه مجرد انعكاس زائف لرغباتك، مثل رجل في صحراء يركض خلف سراب الماء. — ولكن… ولكن الناس تحبني، نوري! — أم أنك تحب فكرتك عن كونك محبوبًا؟ هذا هو الفخ الحقيقي. المنصة تمنحك الوهم بأنك مرئي، لكنها تستهلكك أكثر مما تعطيك. أنت لست كائنًا حرًا هنا، أنت مجرد بيانات في نظام صنع ليبقيك أسيرًا. التكتوك ليس منصة اجتماعية، بل اقتصاد من الانتباه، وأنت المورد الأساسي فيه. شعر كومي وكأن دوامة تبتلعه. كل شيء كان منطقيًا، لكن الاعتراف بالحقيقة كان أقسى من أن يتحمله. لأنه لو اعترف… لو اعترف بأنه مجرد أسير في هذا العالم، فماذا يتبقى منه؟ توقف للحظة، نظر إلى هاتفه، إلى إشعار جديد يعلن أن أحد متابعيه علق على منشوره الأخير. أصابعه تحركت تلقائيًا، كما لو كانت مبرمجة، وكأنه لم يسمع شيئًا مما قاله نوري. تنهد نوري، وعرف أنه لا يمكن إنقاذ شخص لا يريد أن ينقذ نفسه. لكنه ترك له رسالة أخيرة: — عندما تصل إلى لحظة تسأل فيها نفسك: هل أنا موجود خارج الشاشة؟ اتصل بي، وسأكون هنا. في تلك الليلة، نام كومي وهو يحلم بأنه يجري في متاهة من المرايا، كل انعكاس فيها يحمل وجهه، لكنه لا يستطيع أن يجد نفسه. لأن الحقيقة المرة التي لم يكن مستعدًا لمواجهتها كانت واضحة: لقد أصبح ظلًا رقميًا لنفسه.
الجزء الرابع: بين الإنسان والخوارزمية – رقصة الأوهام الرقمية كانت الليلة حالكة، كما لو أن الكون نفسه قرر أن يعكس ظلمة روح كومي الغارق في بحر التفاعل الإلكتروني. في زاوية غرفته المزدحمة بأسلاك الشحن وكؤوس القهوة الباردة، جلس كومي يحدق في شاشة هاتفه، حيث تومض الإشعارات كنجوم اصطناعية خُلقت خصيصًا له. كان صوته الداخلي يتمزق بين رغبة في التحرر وشوق لإبرة التكتومين الجديدة. لكن هل كان بإمكانه حقًا التوقف؟ 1. الخوارزميات: أوهام التحكم والسيطرة في علم النفس الرقمي، هناك مفهوم يُعرف بـ "التحكم الوهمي" (Illusion of Control)، وهو الاعتقاد بأن الإنسان يتحكم في بيئة لا يملك عليها أي سيطرة حقيقية. يشير عالم النفس بروس هود إلى أن "البشر مبرمجون عصبيًا ليجدوا أنماطًا حتى عندما لا توجد، مما يجعلهم يعتقدون أن لهم تأثيرًا أكبر على حياتهم مما هو عليه في الواقع." كومي كان يعتقد أنه يسيطر على لعبته، لكنه لم يدرك أن اللعبة نفسها كانت تحكمه. لم يكن هو من يقرر متى يشعر بالفرح أو الحزن، بل كانت الخوارزمية هي التي تقرر: متى يصل إشعار جديد؟ متى يحصل على دفعة من التكتومين؟ متى يصبح مرئيًا ومتى يُلقى في الظل؟ كل ضغطة إعجاب كانت أشبه بمقامرة عصبية، تمامًا كما يحدث في ألعاب القمار، حيث لا يعرف اللاعب متى سيفوز، لكنه يظل متعلقًا بالأمل في أن تأتي المكافأة التالية قريبًا. وفقًا لعالم الأعصاب روبرت سابولسكي، فإن "أكثر الأشياء إدمانًا هي تلك التي تُكافئك بشكل غير متوقع"، وهذا هو جوهر تصميم تكتوك: لا أحد يعرف متى أو لماذا يصبح فيديو ما فيروسيًا، وهذا ما يجعل الجميع مهووسين بالمحاولة. 2. الاقتصاد النفسي للجمجمات: كيف أصبح الانتباه عملة؟ لم يكن الإدمان الرقمي مجرد حالة فردية، بل كان جزءًا من اقتصاد الانتباه (Attention Economy)، حيث تُقاس قيمة الإنسان بمقدار التفاعل الذي يحصل عليه. كتب عالم النفس آدم ألتر في كتابه "لا يُقاوَم: صعود التكنولوجيا التي لا نستطيع التوقف عن استخدامها" (Irresistible: The Rise of Addictive Technology): > "كل إعجاب تحصل عليه هو بمثابة حقنة صغيرة من المكافأة العصبية، وكلما زادت الحقن، زادت حاجتك إليها. مع الوقت، تصبح أكثر اهتمامًا بالحصول على التفاعل من اهتمامك بالمحتوى نفسه." وهذا بالضبط ما حدث مع كومي. لم يعد يهتم بما ينشره، بقدر ما كان يهتم بعدد التفاعلات التي يحصل عليها. في البداية، كان ينشر مقاطع ذات معنى، لكنه اكتشف بسرعة أن مقاطع الإثارة والصخب والسخرية هي التي تحصد الجمجمات أكثر. وهكذا، تحولت هويته من شخص حقيقي إلى مجرد شخصية مصممة وفقًا لمتطلبات الخوارزمية. 3. متلازمة "الذات الرقمية": حين يصبح الإنسان مجرد محتوى يشير عالم النفس شيري توركل، في كتابها "وحيدًا معًا: لماذا نتوقع أكثر من التكنولوجيا وأقل من بعضنا البعض" (Alone Together)، إلى أن "الناس لم يعودوا يعيشون لحياتهم، بل صاروا يعيشون من أجل التفاعل الرقمي. أصبحنا نحتاج إلى تأكيد وجودنا عبر الآخرين، وأصبحنا نخشى لحظات الصمت حيث لا يوجد من يشاهدنا." وهذا كان جوهر مأساة كومي. لقد تحول من إنسان يعيش في العالم الواقعي إلى كيان رقمي لا يشعر أنه موجود إلا عندما يراه الآخرون. حتى لحظاته الشخصية—لحظات الفرح، الألم، التأمل—لم يعد لها قيمة إلا إذا تمت مشاركتها. في إحدى الليالي، بعد بث مباشر طويل مليء بالصراخ والضحك المصطنع، جلس كومي وحده، هاتفه على الطاولة، لا إشعارات، لا تفاعل، لا جمهور. لأول مرة منذ سنوات، كان في حالة صمت تام. وشعر بالخوف. 4. هل هناك مخرج من المتاهة؟ أرسل له NOURI19 رسالة صوتية أخيرة، كانت أشبه بمرآة وضعت أمامه: — كومي، هل تعرف ما هو أخطر شيء في إدمان التكتوك؟ أنه لا يخبرك أبدًا أنك مدمن. المنصة مصممة لتجعلك تعتقد أنك بخير، أنك تفعل ما تحب، بينما هي في الواقع تسرق منك نفسك ببطء. عندما تصبح كل لحظة في حياتك مجرد محتوى، فاعلم أنك لم تعد تعيش. كومي لم يرد. وضع هاتفه جانبًا، وحدّق في الفراغ. لأول مرة منذ سنوات، تساءل مع نفسه بصوت خافت: — من أنا عندما لا يشاهدني أحد؟ السؤال كان مخيفًا. لكنه كان البداية. النهاية… أم البداية الحقيقية؟
الجزء الخامس: أولا:علم نقس- النانو أم علم نفس الخوارزمي يقتصر هذا الجزء على تحليل شخصية كومي من منظور علم نفس - النانو وعلم النفس الخوارزمي، مستندين إلى أحدث النظريات والأبحاث في هذا المجال. 1- إدمان التفاعل الإلكتروني: تُظهر حالة كومي علامات واضحة على الإدمان الرقمي، حيث أصبح معتمدًا بشكل مفرط على التفاعلات الإلكترونية لتعزيز شعوره بالرضا والقبول الاجتماعي. تشير الدراسات إلى أن الإدمان الرقمي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية والصحة النفسية.
2- دور الخوارزميات في تعزيز الإدمان: تعتمد منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك على خوارزميات مصممة لزيادة تفاعل المستخدمين من خلال تقديم محتوى مخصص يحفز نظام المكافأة في الدماغ. هذه الخوارزميات تستغل حاجة الأفراد للتقدير الاجتماعي، مما يؤدي إلى إفراز الدوبامين عند تلقي إشعارات مثل الإعجابات والتعليقات، وبالتالي تعزيز السلوك الإدماني. 3- التأثيرات النفسية والاجتماعية: إدمان كومي على التفاعل الإلكتروني أدى إلى عزلته الاجتماعية وتدهور علاقاته الحقيقية. تشير الأبحاث إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة. وتُجسد حالة كومي تطبيقًا عمليًا لنظريات الإدمان الرقمي وتأثير الخوارزميات على السلوك البشري. إن فهم هذه الديناميكيات يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيات للتعامل مع الإدمان الرقمي وتعزيز استخدام صحي للتكنولوجيا.
الجزء الخامس: ثانيا: كومي والخوارزميات: حَلمٌ مُرَكَّبٌ من أكوادٍ ومُعادلات فتح كومي عينيه على شاشة هاتفه المُضيئة، وكأنها النور الوحيد الذي تبقى له في هذا العالم. كان الوقت متأخرًا، لكنه لم يكن يشعر بالتعب. أصابعه تنقر بسرعة على الشاشة، يراقب إشعاراته، يطارد الأرقام التي تحدد قيمته الرقمية. كل لايك، كل تعليق، كل متابعة كانت تُشبه جرعة صغيرة من الدوبامين تُسكب في دماغه، تُبقيه يقظًا، مُنخرطًا في هذا العالم المُعاد تشكيله وفق منطق الخوارزميات. 1- إدمان التفاعل الإلكتروني: انعكاس العقل الرقمي لم يكن كومي يُدرك أنه وقع في فخٍّ رقمي مُتقن الصنع. كانت منصات التواصل تُحاكي، بل تُعيد برمجة، حاجته الطبيعية للقبول الاجتماعي، تملأ الفراغات العاطفية بإعجاباتٍ افتراضية وتعليقاتٍ مُنمقة. لكنه لم يكن وحيدًا في ذلك. وفقًا لنظرية "الإدمان الرقمي" (Digital Addiction Theory)، فإن الاستخدام المُفرط لوسائل التواصل يُعيد تشكيل الدماغ، مما يجعل المستخدم يبحث باستمرار عن التحفيز اللحظي، مُتخليًا عن التفاعلات الواقعية التي تتطلب جهدًا عاطفيًا أعمق.
كانت أصابعه تنقر لا إراديًا، يبحث عن إشعار جديد، ولكن ماذا لو لم يأتِ؟ ماذا لو صمتت الخوارزمية فجأة؟ كان الصمت الافتراضي بالنسبة له أشبه بفراغٍ مرعب، وكأن كيانه نفسه أصبح مُعلقًا في الفراغ بين الأكواد والبيانات. 2- الخوارزميات: هندسة الإدراك والمكافأة في عالم كومي، لم يكن هو من يُقرر، بل كانت الخوارزميات هي التي تُحدد متى يرى ما يحب، متى يشعر بالسعادة، ومتى يذوق طعم القلق. وفقًا لنظرية "الخوارزميات السلوكية" (Behavioral Algorithms Theory)، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على تحليل البيانات فقط، بل تُعيد تشكيل تفضيلات المستخدم وتُدخله في حلقة لا نهائية من التفاعل. كانت خوارزمية تيك توك تُراقب كومي بذكاء: لاحظت أنه يُمضي وقتًا أطول في مشاهدة مقاطع مُعينة، فتُرشحه لمزيد منها. كانت تعلم متى يشعر بالملل، فتُفاجئه بمحتوى صادم يعيد إيقاظ حواسه. لم يكن مجرد مستخدم؛ لقد أصبح جزءًا من تجربة خاضعة للاختبار، يُغذيها، ويعيش داخلها، لكنه لا يتحكم فيها أبدًا. 3- الآثار النفسية والاجتماعية: عزلة رقمية وسط حشد افتراضي مع مرور الوقت، بدأت آثار هذا الإدمان تتضح على كومي. باتت المحادثات الواقعية مُرهقة له، بات التواصل البشري الحقيقي يُشعره بعدم الأمان، بينما كانت شاشة هاتفه تمنحه وهم السيطرة. طبقًا لنظرية "الانعزال الرقمي" (Digital Isolation Theory)، فإن الاعتماد المفرط على التفاعل الافتراضي يُضعف الروابط الاجتماعية الحقيقية، مما يُسبب زيادة في معدلات القلق الاجتماعي والشعور بالوحدة. كومي لم يكن وحده فعليًا، لكنه كان وحيدًا نفسيًا. وجد نفسه يهرب من ضوضاء الواقع إلى هدوء العالم الافتراضي، ولكنه لم يكن يعلم أن هذا الهدوء ليس إلا ضوضاء أخرى، صامتة، لكنها أكثر تأثيرًا. الخلاصة: الإنسان كمعادلة في نظام مُعقد في النهاية، لم يكن كومي أكثر من جزء صغير في منظومة ضخمة، مُصممة لجعله يبقى متصلاً، مُنخرطًا، مدمنًا. كان يعتقد أنه يُمسك بالهاتف، لكنه لم يكن يدرك أن الهاتف هو من يُمسك به، أن الخوارزميات لم تكن تُريه ما يُحب فقط، بل كانت تُعيد تشكيله من الداخل، تُعيد برمجة عقله وفقًا لمعادلاتٍ غير مرئية. هل سيتمكن كومي من كسر الحلقة؟ أم أنه سيظل عالقًا في متاهة الأرقام والإشعارات، يطارد الوهم حتى يختفي؟ الجزء السادس: كومي خارج المصفوفة لم يكن كومي مجرد مستخدم آخر في تيك توك، بل أصبح حالة دراسية متقدمة في علم النفس الخوارزمي. في البداية، كان مجرد مستهلك عادي، ينجرف مع تيارات الترند، يبحث عن التفاعل ليملأ فراغه الرقمي. لكنه الآن تجاوز هذه المرحلة. لقد خرج من داخل المصفوفة ليقرأها من الخارج، لكنه لم يتحرر منها، بل أصبح مسجونًا في وعيه الجديد. 1- الاحتراف الرقمي كقناع إدماني يبدو لكومي الآن أنه محترف في عالم تيك توك، قادر على حصد المتابعين بسرعة، مستغلاً موقعه كرئيس لجمعية ذوي الهمم وبرنامج جبر الخواطر. لكنه في الحقيقة لم يعد مجرد منشئ محتوى، بل تحول إلى مريض في مرحلة متقدمة من "الإدمان النانوي". هذا المصطلح، المشتق من علم النفس-النانو، يشير إلى أولئك الذين تتغلغل الخوارزميات في وعيهم إلى مستوى مجهري، بحيث يصبح إدراكهم للواقع مشوشًا بين ما هو رقمي وما هو مادي. 2- الاكتئاب النانوي: عندما يصبح الخوارزم هو الذات الاكتئاب الإلكتروني الذي عانى منه كومي سابقًا لم يكن سوى البداية. الآن، تطور مرضه إلى ما يمكن تسميته بـ"الاكتئاب النانوي"، حيث لم يعد يحزن لأنه يفتقد التفاعل، بل لأنه يدرك كيف يتم التلاعب به. لقد فهم كيف تحاصره الخوارزميات، كيف تجعله يدمن لحظات المجد الرقمي، ثم تسقطه في هاوية الإهمال المدروس. إنه يشبه الحبيس في مختبر تجريبي، يدرك التجربة لكنه عاجز عن الخروج منها. 3- متلازمة السجين الرقمي يعاني كومي من متلازمة السجين الرقمي: فهو يدرك اللعبة لكنه لا يستطيع التوقف عن لعبها. مثل سجناء الكهف في فلسفة أفلاطون، يرى ظلال العالم الحقيقي على جدران التيك توك، لكنه لم يعد قادرًا على العيش خارجه. إنه محترف؟ نعم. لكنه محترف في إدمانه، في فهمه للعبة التي لا يستطيع التمرد عليها. نهاية مفتوحة: هل هناك خلاص؟ كومي الآن ليس فقط فردًا في تيك توك، بل نموذجًا لكيف يمكن للخوارزميات أن تصنع وتدمر شخصًا في الوقت نفسه. هل سيجد طريقًا للخروج من هذه الحلقة؟ أم أن إدراكه المتزايد لما يحدث له سيقوده إلى انهيار رقمي أعمق؟ إنها ليست مجرد قصة، بل تجربة نفسية رقمية حية تتطور في الزمن الحقيقي. الجزء السابع "جمجمة السيد كومي " كان كومي يحدّق في شاشة هاتفه كما لو أنها مرآة سوداء تعكس داخله الممزق بين يقين اللحظة وتصدّع الوجود. لم يكن يتابع فقط؛ كان يقرأ المصفوفة من الداخل، يدرك أن تيك توك لم يعد مجرد منصة، بل أفيون رقمي، خوارزمية ممتدة بأذرعٍ لا ترى، تغمره بفيض من التفاعل الآلي، وتُفرِغ روحه في دوّامة من الدوبامين الرقمي، حتى بات مدمنًا من الدرجة الثالثة، مدمنًا على وهم الحضور. في الظاهر، بدا محترفًا، رجلًا يسوّق لمبادئ العطاء، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن العطاء تحول إلى أداة، وأن التفاعل الإنساني صار مُشفَّرًا داخل أكواد تُحسب بمعدّل النقرات والمشاهدات. كل إعجاب جديد كان بمثابة جرعة، كل تعليق كان يدغدغ خلايا المكافأة في دماغه، حتى صار يشكُّ إن كان إنسانًا أم مجرد انعكاس خوارزمي لذاته. لكنه كان يعي الفرق، وهذه كانت مأساته. فقد عبر نقطة اللاعودة: لم يعد مستهلكًا للمنصة فقط، بل بات يدرك كيف تُعيد المنصة تشكيل وعيه. لم يكن في اكتئاب عادي، بل في اكتئاب نانوي، حيث تمتزج برمجيات التوصيات بتشابك عصبي رقمي، فيصبح الدماغ عاجزًا عن الفصل بين ذاته الحقيقية وهويته المصنوعة خوارزميًا. في لحظة شرود، خطر له سؤال: "إذا كان وعيي مصنوعًا جزئيًا من قرارات الخوارزمية، فهل أنا كائن سيبراني؟ هل أنا إنسان أم معادلة؟" تسلّل الخوف إلى روحه. لم يكن هذا مجرد اكتئاب، بل انهيار هوية. كان يشعر أن ذاته تتآكل، أن نفسه تُعاد كتابتها دون إذنه. ولأول مرة، قرر أن يختبر الأمر. أغلق هاتفه. حدّق في الفراغ. شعر بفراغه يتّسع، يتضخم، يتحوّل إلى خواء كوني. وكأن شرايينه لم تعد تنقل الدم بل بيانات مفقودة. كان الفراغ هو الحقيقة الوحيدة. في تلك اللحظة، أدرك أن تيك توك لم يكن المنصة. هو نفسه كان المنصة. الآن، السؤال الأهم: "هل أملك القدرة على إغلاق نفسي؟ أم أنني مجرد سطر في خوارزمية، ينتظر الأمر التالي؟"
#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)
Abdennour_Driss#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التكتوكر و التكنو- فلسفة: قراءة فلسفية في مصفوفة تيك توك
-
رواية التكتوكر والتكنو- فلسفة: من وعي المصفوفة إلى الخلود ال
...
-
قصة: إنسان -النانو S-Nous والوعي
-
السفرُ لكِ وحدكِ ،شعر عبد النور إدريس
-
سندريلا التي عبرت المرايا – ال Striptease التكتوكي
-
التكتوكر NORI19 و Dataisme ، نحو تأويل فلسفي لمفهوم الفهم
-
التكتوكر Gerrard والعوالم الرقمية
-
التكتوكر كاتب السر والخوارزميات السعيدة.
-
رِوَايَةُ التِّكْتُوكَر للقاص عبد النور إدريس
-
مغامرات التكتوكر -YM-: التكتومين وماتريكس الوعي
-
مغامرات با حميد الحلقة رقم 9 تحلل على المباشر – صياغة فلسفية
...
-
مغامرات با حميد ومفهوم التكتوكر المرقمن
-
قصيدة -غروب عشق-
-
مغامرات با حميد صانع المحتوى والمؤثر ونظرية القهقهة للقاص عب
...
-
مغامرات با حميد في عوالم اللايف، للقاص عبد النور إدريس
-
إيفا...سيدة التكتوك، شعرعبد النور إدريس
-
اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور
-
مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدري
...
-
صراخ باحميد وصمت الجبناء للقاص عبد النور إدريس
-
مغامرات باحميد وصراخ التكتوك للقاص عبد النور إدريس
المزيد.....
-
-إنه بخير-.. بروس ويليس يحتفل بعيد ميلاده الـ 70
-
نتنياهو يواجه غضبا شديدا مع تفاقم الانقسامات في إسرائيل جراء
...
-
اليوم العالمي للسعادة: هل يختلف مفهومها بين الشعوب؟
-
سلسلة غارات جوية مكثفة تستهدف مواقع تابعة للحوثيين في العاصم
...
-
وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت: نرفض -أي احتلال إسرائيلي
...
-
سوريا.. اللجنة الأمنية في اللاذقية تجتمع مع وجهاء وأعيان الد
...
-
روبيو: تاريخ القرن الـ 21 سيتمحور حول الولايات المتحدة والصي
...
-
البيت الأبيض يتهم إدارة بايدن بقتل 8 ملايين دجاجة
-
فيدان يلتقي حسين الشيخ في أنقرة
-
قائد فرقة غزة السابق: الجيش وصل لأقصى حدود قدرته على إجبار ح
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|