أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد فرحات - لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟














المزيد.....


لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 12:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"ليس الإشكال في رثاء الموتى، بل في رثاء من أمضى حياته في تبديع الأحياء والطعن في المؤسسة التي ترثيه."


أثار البيان الصادر عن الصفحة الرسمية لشيخ الأزهر الشريف في رثاء الشيخ أبي إسحاق الحويني جدلًا واسعًا وردود فعل متباينة، ليس فقط في أوساط المهتمين بالشأن الديني، بل حتى في دوائر النخبة الثقافية والجمهور العام. ولم يكن سبب هذا الجدل مجرد صيغة الرثاء أو توقيته، بل الدلالات العميقة التي يحملها صدور مثل هذا البيان من جهةٍ تمثّل المرجعية الدينية العليا في العالم الإسلامي السني.

فشيخ الأزهر، بصفته وموقعه، لا يمثل ذاته فحسب، بل يُمثّل تيارًا راسخًا من أهل السنة والجماعة، يتمثل في المدرسة الأشعرية والماتريدية التي شكّلت عبر قرون الامتداد العقدي والعلمي للأزهر الشريف. هذه المدرسة المعروفة بوسطيّتها وتعقّلها، ظلت سدًا منيعًا أمام موجات التجسيم والتشدد التي حملها التيار السلفي الوهابي منذ نشأته في الجزيرة العربية مطلع القرن الثامن عشر.

من هنا جاءت الصدمة. فالشيخ الحويني، رحمه الله، لم يكن مجرد داعية تقليدي، بل كان من أبرز رموز المدرسة السلفية الوهابية، وأحد أعمدتها الدعوية في العالم العربي، وقد تميز خطابه - بشهادة مريديه وخصومه على السواء - بالتشدد العقدي والنقد الحاد للمدرسة الأزهرية، حتى بلغ الأمر به إلى اتهام الأشاعرة والماتريدية بالضلال، وتبديع علماء الأزهر ومناهجه التعليمية، باعتبارها مخالفة لما يسميه “منهج السلف الصالح”.

صدور بيان رسمي من مكتب شيخ الأزهر برثاء شخصية كهذه، يبعث برسائل ملتبسة في نظر كثير من المتابعين. فحين يرى عامة الناس هذا البيان، فإنهم يقرؤونه كنوع من الإشادة أو التزكية أو على الأقل كنوع من الاعتراف الضمني بمكانة الرجل ومذهبه، دون إدراك للفروق العقدية والمنهجية الجوهرية بين التيارين. وهنا مكمن الخطورة: فمثل هذه الرسائل تُربك بوصلة الوعي الديني، وتُذيب الحدود الفاصلة بين منهج الاعتدال الأزهري ومنهج الغلو السلفي، خاصة لدى من لا يمتلك أدوات التمييز أو خلفية علمية دقيقة.

إن المشكلة ليست في الرثاء الإنساني ذاته، فهذا سلوك محمود تُقرّه مكارم الأخلاق، ولكن في رمزية المُرثى وموقعه الفكري المناقض لمؤسسة الأزهر. فكيف تُرثى شخصية قضت عقودًا في الطعن في المرجعية الأزهرية وتفسيق رموزها؟ وكيف يُفهم هذا الموقف من قبل المتابعين، في ظل صراع فكري واضح بين التيارين لم يكن يومًا خفيًا؟

التاريخ القريب يشهد على جهود كبيرة قام بها علماء الأزهر في التصدي للفكر الوهابي المجسِّم، بدءًا من الشيخ محمد بخيت المطيعي، ومرورًا بالإمام زاهد الكوثري، وانتهاءً بالإمام الأكبر الشيخ شلتوت ومن بعده. كانت تلك جهودًا علمية حاسمة لإبراز الفرق بين منهج أهل السنة الحقيقي، وبين ما وصفوه بتيار الحشو والتشدد.

وفي ظل هذا التراث العقدي، فإن واجب المؤسسة الأزهرية اليوم، لا يقتصر على التفاعل الاجتماعي المجامل، بل يقتضي قدرًا أكبر من الحذر في الخطاب الرمزي، حفاظًا على المرجعية العلمية من جهة، وصيانة للوعي العام من جهة أخرى. فالناس تنظر إلى ما يصدر عن الأزهر بصفته معيارًا لما يُقبل ويُرفض في الشأن الديني، وما يُزكّى وما يُستبعد.

باختصار، ليس المطلوب من الأزهر أن يُخاصم الجميع، ولكن أن يُبقي على وضوح هويته الفكرية، دون لبس أو تداخل، خاصة في زمن تُشوّه فيه المرجعيات وتُخلط فيه المسارات.



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأساة العصافير: قراءة اجتماعية ماركسية في بنية القمع الرمزي
- الميليشيا بديل الدولة: من الحلم الإسلامي إلى الوكالة الاستخب ...
- مسلسل -معاوية-
- حارس الكلمة الأخير
- -مرارًا وتكرارًا- جسور التجريبية والتراث بشعر خالد السنديوني ...
- الوجود والعدم عند مصطفى أبو حسين، قصة -ابن الجزمة- نموذجا.
- تحقيق الشفا للقاضي عياض: بين السخرية العلمية وتزوير التراث
- لينين الزعيم الإنساني الديمقراطي
- نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.
- اسمي نجيب سرور ٧
- صعود
- حلم
- -اسمي نجيب سرور--٤
- اسمي نجيب سرور -1-
- -نعي الأحلام المجهضة-
- -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .
- عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أح ...
- -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا


المزيد.....




- حماس ردا على كاتس: لا هجرة إلا إلى القدس.. ندعو الأمة العربي ...
- الفاتيكان يفصح عن حالة البابا فرنسيس الصحية
- فيها ليلة القدر .. دار الإفتاء تُذكر بموعد الليالي الوترية ر ...
- قيمة زكاة الفطر 2025 دار الإفتاء المصرية توضح قيمتها نقدًا و ...
- ما هو مقدار زكاة الفطر لشخصين وفقًا لقرارات دار الإفتاء المص ...
- ما مستقبل الأقلية المسيحية في سوريا في ظل النظام الجديد؟
- مستعمرون يضرمون النار في خيام البدو غرب سلفيت
- الاحتلال يعتدي على طوباس واعتقالات في سلفيت
- دار الإفتاء المصرية توضح بعض الفتاوى الخاطئة المنتشرة عن الص ...
- حكومة نتنياهو توافق على عودة وزراء -عوتسما يهوديت- بينهم بن ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد فرحات - لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟