أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوبة الوصول إلى الجمهور














المزيد.....


تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوبة الوصول إلى الجمهور


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 00:51
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظلِّ الزحف الرقمي الذي اجتاح كلَّ تفاصيل حياتنا، أصبح من الواضح أن الكتابة والنشر لم يعودا محصورين في الأطر التقليدية. فمع الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي وأدوات النشر الرقمية، تحولت الكتابة إلى فضاء مفتوح حيث تتداخل الأصوات وتتنافس الأفكار بشكل غير مسبوق. إلا أن هذا التحول، رغم ما يظهر عليه من ديمقراطية وانفتاح، حمل في طياته العديد من الإشكاليات العميقة التي تمس جوهر العلاقة بين الكاتب والقارئ، بل وتؤثر على وجود هذه العلاقة نفسها. فالعصر الرقمي، على الرغم من أدواته الحديثة التي تعِد بالسهولة والسرعة، تحول إلى ساحة من التناقضات؛ فسهولة النشر تعني صعوبة الوصول، ووفرة المحتوى تعني ندرة القِراءة، واتساع الفضاء الرقمي يعني ضيق التأثير الحقيقي.

من أبرز المفارقات التي أفرزها هذا التحول الرقمي هو التحول العميق الذي طال طبيعة الكتابة نفسها. فقد كانت الكتابة في الماضي فعلًا تأمليًا، يعتمد على التفاعل العميق مع النصوص والتفكير في المعاني. أما اليوم، فقد أصبحت الكتابة، في كثير من الأحيان، سباقًا مع الزمن، حيث يسعى الكاتب لإيصال فكرة ما بأسرع وقت ممكن، دون الإبطاء للغوص في أعماق المعاني أو التفكير الطويل. في عالم يهيمن عليه سيل من الرسائل والتنبيهات، لم يعد القارئ يملك الفسحة الكافية للتأمل أو التأثر بمحتوى طويل معقد. هذا الواقع فرض على الكتابة أن تتبنى لغة مقتضبة، متقشفة، سريعة الاستيعاب؛ فهي تشبه الومضات التي تظهر وتختفي بسرعة، وتتماشى مع سرعة الانزياحات في عقول المتلقين.

لكن هذه السرعة كانت لها تبعات غير مرئية. فقد حولت هذه النصوص إلى مجرد "كونتنت" (محتوى)، يتم استهلاكه في ثوانٍ ثم يُنسى. فبدلاً من أن يكون النص محطة للتفكير العميق أو التأمل الفلسفي، أصبح عبئًا على القارئ يستهلكه ويمضي. هكذا، تتضاءل قدرة الكتابة على أن تكون عملية غنية بالمعنى. والنتيجة هي أن القراءة أصبحت سطحية، وأصبحت تستهلك في عجلة، وسط إشعارات الواتساب وتحديثات الإنستغرام، مما يهدد بتقليص الوقت المخصص للغوص في عمق النصوص واكتشاف أبعادها المختلفة.

ومع هذه السرعة في النشر والقراءة، نجد أن التحدي الأكبر يكمن في وهم الوصول. صحيح أن المنصات الرقمية منحت كل كاتب مساحة لا محدودة للنشر، لكن في الوقت نفسه غرقت هذه المنصات في فوضى المحتوى. الخوارزميات التي كان يُفترض أن تكون جسرًا بين الكاتب والجمهور، تحولت إلى سجون ذهبية، إذ تدفع الأكثر انتشارًا، لا الأفضل، فتكرس أشكالًا معينة من الكتابة وتهمش أخرى. والنتيجة هي أن الكاتب في هذه البيئة الرقمية يشبه منشداً يصرخ في ميدان مكتظ بالصّارخين، حيث تذوب أصوات الجميع في ضجيج مطبق. كيف يمكن لصوت فردي أن يخترق هذا الحجاب الرقمي دون أن يخضع لقواعد لعبة "التريند" و"الفيرال"؟

الأمر لا يقتصر على تحدي الوصول فقط، بل يمتد إلى جانب اقتصادي يغذي هذه الحلقة المفرغة. مع انخفاض عوائد النشر التقليدي، وتحول العديد من المنصات إلى نماذج إعلانات أو اشتراكات، أصبح الكاتب مضطراً لإنتاج نصوص تلتزم بمعايير تسويقية صارمة إذا أراد الوجود في هذا الفضاء. الكتابة التي كانت في السابق فعلًا إبداعيًا، أصبحت اليوم سلعة خاضعة لعرض وطلب، مما يهدد التنوع الفكري ويُعيد إنتاج ثقافة استهلاكية، تزداد فيها الهشاشة وتتضاءل فيها جودة المحتوى.

وفي مواجهة هذا الواقع، قد تكون العودة إلى الجوهر هي الحل الوحيد. القارئ الحقيقي يبحث عن نصوص تُلامس أعماقه، لا عن محتوى يُلهيه لِحظات. ربما على الكاتب أن يرفض الانسياق وراء إملاءات الرقمنة، وأن يصنع مساحات خاصة يُعيد فيها ترميم الجسور مع القارئ، بعيدًا عن ضوضاء الخوارزميات. فالتحدي ليس في التكنولوجيا نفسها، بل في كيفية توظيفها لخدمة الكلمة، لا لتكريس أزمتها. قد تكون الرقمنة عاصفة هوجاء، لكنها أيضًا فرصة لإعادة اختراع الكتابة كفعل مقاوم، يرفض أن يكون مجرد رقم في سجلات "البيج داتا".



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة: الجريمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ ضمير العالم
- الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية ت ...
- انحدار الذوق في البرامج التلفزية: بين الاستهلاك السطحي وإشكا ...
- عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواي ...
- 23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب
- هل يعيد التاريخ نفسه؟
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- -إنه بخير-.. بروس ويليس يحتفل بعيد ميلاده الـ 70
- نتنياهو يواجه غضبا شديدا مع تفاقم الانقسامات في إسرائيل جراء ...
- اليوم العالمي للسعادة: هل يختلف مفهومها بين الشعوب؟
- سلسلة غارات جوية مكثفة تستهدف مواقع تابعة للحوثيين في العاصم ...
- وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت: نرفض -أي احتلال إسرائيلي ...
- سوريا.. اللجنة الأمنية في اللاذقية تجتمع مع وجهاء وأعيان الد ...
- روبيو: تاريخ القرن الـ 21 سيتمحور حول الولايات المتحدة والصي ...
- البيت الأبيض يتهم إدارة بايدن بقتل 8 ملايين دجاجة
- فيدان يلتقي حسين الشيخ في أنقرة
- قائد فرقة غزة السابق: الجيش وصل لأقصى حدود قدرته على إجبار ح ...


المزيد.....

- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوبة الوصول إلى الجمهور