أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد الجوهري - إيلون ماسك: ادعاءات الابتكار وتركيز السلطة – قراءة نقدية لاستراتيجيات السيطرة الاقتصادية والإعلامية















المزيد.....


إيلون ماسك: ادعاءات الابتكار وتركيز السلطة – قراءة نقدية لاستراتيجيات السيطرة الاقتصادية والإعلامية


أحمد الجوهري
مهندس مدني *مهندس تصميم انشائي* ماركسي-تشومسكي|اشتراكي تحرري

(Ahmed El Gohary)


الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 20:14
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الملخص
في العقود الأخيرة، ظهر اسم إيلون ماسك كنموذج مثالي لتقارب ريادة الأعمال المؤسسية مع الدعم الحكومي وتلاعب الإعلام. تفحص هذه المقالة، المكتوبة بأسلوب نعوم تشومسكي التحليلي، صعود ماسك إلى السلطة، ونفوذه الاقتصادي، واستخدامه للإعلام كأداة للسيطرة الإيديولوجية. من خلال التدقيق في كيفية تراكم ماسك لثروته عبر الاستثمارات الاستراتيجية والإعانات الحكومية والمناورات المالية، نستكشف كيف أعادت مشاريعه في استكشاف الفضاء، والمركبات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد الصناعي المعاصر. وفي الوقت نفسه، يكشف النقاش عن الجانب المظلم لهذا التحول: استغلال العمال، قمع النقابات، وظروف العمل غير الآمنة التي تكشف عن نمط إداري استبدادي كامن. يمتد التحليل إلى تلاعب ماسك بالسرد الإعلامي—وهو إجراء يتماشى مع "نموذج الدعاية" الذي يطرحه تشومسكي—مما يظهر كيف يضمن نفوذه المؤسسي تغطية إعلامية إيجابية مع قمع النقد. علاوة على ذلك، تُوضع شخصية ماسك في سياق أوسع من الهيمنة النيوليبرالية، مع تسليط الضوء على دعمه للتيارات الشعبوية اليمينية والتغييرات السياسية الناجمة عن ذلك، والتي تخدم مصالح النخب المؤسسية على حساب المساءلة الديمقراطية. وأخيراً، نستنتج أن الهدف النهائي لماسك لا يقتصر على النجاح المالي فحسب، بل يتمثل في احتكار الصناعات الحيوية (النقل، الفضاء، والذكاء الاصطناعي) لإرساء شكل من أشكال الإقطاعية المؤسسية. تُظهر استثماراته توافقها مع رؤية يتمكن فيها المليارديرات من ممارسة السيطرة الكاملة على الحياة الاقتصادية والسياسية. تختتم المقالة بتقديم استراتيجيات مقاومة تشمل الإعلام المستقل، النشاط النقابي، والتدخلات التنظيمية للحد من نفوذ ماسك، مؤكدين على أهمية الوعي العام والتفكير النقدي في مواجهة دعاية الشركات.
________________________________________
المقدمة
تشكل ظاهرة القوة المؤسسية في العصر الحديث موضوعاً مهماً يستحق الدراسة النقدية. نادراً ما يجسد شخصية ماسك الديناميات المتعلقة بتراكم الثروة، والتلاعب الإيديولوجي، والسيطرة الإعلامية بهذه الدقة كما يفعل إيلون ماسك. تتناول هذه المقالة تحليلًا شاملاً لصعود ماسك وتأثيره، معتمدةً على المنظورات النقدية التي طرحها نوام تشومسكي في دراساته حول تحالف الدولة والشركات ونماذج الدعاية الإعلامية. من خلال التدقيق في المناورات المالية، وممارسات العمل، واستراتيجيات الإعلام التي يتبناها، تهدف الدراسة إلى كشف الآليات التي يتم من خلالها بناء القوة المؤسسية وصيانتها.
يعتمد التحليل على عدة أطر مترابطة؛ أولاً، نستعرض المسار الريادي لماسك، مع تسليط الضوء على الدور الحاسم للإعانات الحكومية والهندسة المالية في تسهيل صعوده. ثانياً، ندرس تبعات استغلال العمال داخل شركات ماسك مثل تسلا وسبيس إكس، مبرزين سياسات الإدارة النيوليبرالية. ثالثاً، نطبق "نموذج الدعاية" لتشومسكي لفهم كيف يضمن ماسك تغطية إعلامية إيجابية عبر نفوذه المؤسسي، مع قمع النقد. رابعاً، تُحلل صفقة استحواذ ماسك على تويتر (المعروف الآن باسم "X") كدراسة حالة لتركيز السلطة الاتصالية وصناعة الموافقة الجماهيرية. وأخيراً، نضع ماسك في سياق الهيمنة النيوليبرالية الأوسع، مستعرضين كيف تُستخدم قوته الاقتصادية لتشكيل السياسات بما يخدم مصالح النخب المؤسسية على حساب المساءلة الديمقراطية.
تعتمد هذه المقالة على أدلة تجريبية وبيانات أرشيفية وأدبيات ثانوية لبناء نقد منهجي لممارسات ماسك واستراتيجياته الإعلامية. وفي الوقت ذاته، يؤكد التحليل على أهمية المقاومة العامة والحاجة إلى إصلاحات هيكلية لمواجهة الآثار السلبية للهيمنة المؤسسية.
________________________________________
1. صعود ماسك إلى الثروة والسلطة
1.1 تراكم الثروة عبر الإعانات الحكومية والمناورات المالية
يمتاز مسار إيلون ماسك من ريادي إلى واحد من أكثر رجال الأعمال نفوذاً في العالم بسلسلة من الاستراتيجيات المالية المحسوبة واستخدامه للموارد الحكومية. بخلاف الأسطورة التي تُصوّر الملياردير الذي صنع نفسه بنفسه، فإن تراكم ماسك لثروته مرتبط بعمق بالإعانات الحكومية، والتخفيضات الضريبية، والبيئات التنظيمية الملائمة. على سبيل المثال، ساهمت الحوافز الفدرالية والمحلية التي تهدف إلى تسريع تبني المركبات الكهربائية في النمو السريع لشركة تسلا. ورغم أن هذه الإعانات تُقدم تحت مظلة تعزيز التكنولوجيا الخضراء، إلا أنها ساعدت في تركيز السلطة الاقتصادية في أيدي عدد قليل من النخب المؤسسية.
علاوة على ذلك، اعتمد ماسك في تمويل مشاريعه على أدوات مالية معقدة مثل الديون القابلة للتحويل، وتبادلات الأسهم، والاندماجات والاستحواذات عالية المخاطر. لم تُسهّل هذه المناورات المالية عملية توسيع شركاته بسرعة فحسب، بل أسهمت أيضاً في إخفاء المخاطر الكامنة، مما خلق هالة من الابتكار الذي يبدو لا يقهر. كما يؤكد هرمان وتشومسكي (1988) في عملهما الأساسي حول الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام، أن لغة "الابتكار" غالباً ما تخفي عمليات أعمق لاستخراج الثروة والدعم الحكومي الذي يفيد النخبة الرأسمالية. وفي حالة ماسك، أدى التلاقي بين الطموح الخاص والتمويل العام إلى حالة يصبح فيها التمييز بين المصلحة العامة والربح الخاص غير واضح.
1.2 التموضع الاستراتيجي في الصناعات الحيوية
تمثل مشروعات ماسك في استكشاف الفضاء (سبيس إكس)، والمركبات الكهربائية (تسلا)، والذكاء الاصطناعي (مشاريع مثل نيورالينك والتعاون مع OpenAI) ليست مجرد ابتكارات تكنولوجية، بل أيضاً خطوات استراتيجية تهدف إلى ضمان احتلال موقع مهيمن في قطاعات حيوية للمستقبل الاقتصادي. من خلال وضع نفسه في قلب الصناعات التي تجمع بين التحول التكنولوجي والأهمية الاقتصادية، قام ماسك ببناء محفظة متنوعة تقلل من المخاطر وتعظم النفوذ.
تحمل كل من هذه القطاعات وعوداً بالنمو المستقبلي إلى جانب استثمارات حكومية كبيرة وإشراف تنظيمي دقيق. في مجال استكشاف الفضاء، على سبيل المثال، وفرت عقود سبيس إكس مع ناسا وغيرها من الوكالات الحكومية تدفقاً مالياً ثابتاً مع تعزيز مكانة ماسك كشريك حيوي في الأمن القومي والتقدم العلمي. وبالمثل، استفادت تسلا من التحول العالمي نحو سياسات الطاقة المستدامة، مدعومة باستثمارات من القطاعين العام والخاص. يُعزز هذا التموضع الاستراتيجي فكرة أن القوة الاقتصادية لا تستمد فقط من النجاح في الأسواق، بل أيضاً من القدرة على مواءمة المشاريع الخاصة مع الأولويات العامة، وهو موضوع يتماشى بقوة مع تحليلات تشومسكي حول التواطؤ بين الدولة والشركات.
________________________________________
2. استغلال العمال وممارسات العمل
2.1 قمع النقابات والانتقام من المعارضين
يُعد نهج ماسك تجاه علاقات العمل أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في إمبراطوريته المؤسسية. في سعيه لتحقيق الكفاءة والنمو السريع، اعتمدت شركات ماسك سياسات عدائية تجاه النقابات وممارسات قمعية في بيئة العمل. تشير التقارير الصادرة عن عمال تسلا وسبيس إكس إلى نمط منهجي لقمع النقابات، حيث يُستقبل أي محاولة لتنظيم العمل بالعداء والإجراءات العقابية. تتوافق هذه الممارسات مع الاتجاهات الأوسع في الرأسمالية النيوليبرالية، حيث يُعامل العمل كسلعة يمكن التخلص منها في سبيل تحقيق أقصى درجات الربحية.
تُبرز انتقادات تشومسكي للمجتمعات الرأسمالية الحديثة دور السلطة الحكومية في خدمة مصالح رأس المال على حساب مصالح العمال. في هذا السياق، يمكن اعتبار موقف ماسك المناهض للنقابات امتداداً لاستراتيجية أوسع لقمع المعارضة والحفاظ على السيطرة الإدارية. إن تقييد حقوق التفاوض الجماعي لا يقتصر على تقويض قدرة العمال على التفاوض على أجور وظروف عمل عادلة فحسب، بل يسهم أيضاً في إضفاء الشرعية على نموذج إداري هرمي واستبدادي. ومن خلال إسكات صوت العمال، يُعزز ماسك السرد الذي يصوّر النجاح السوقي بأنه مرادف للابتكار، مما يُخفي الطبيعة الاستغلالية لممارسات عمله.
2.2 ظروف العمل غير الآمنة والممارسات الاستغلالية
يتجاوز استغلال العمال في شركات ماسك مجرد قمع النقابات؛ فهناك أدلة متزايدة على وجود ظروف عمل غير آمنة داخل هذه المؤسسات. فقد أبلغ عمال مصانع تسلا عن تعرضهم لظروف خطرة، ونقص في بروتوكولات السلامة، وأهداف إنتاجية صارمة تهدد الرفاهية البدنية والأمن الوظيفي. تُعد هذه الممارسات مثالاً على الاتجاه العام في الصناعات المعاصرة، حيث يُفضل تحقيق الكفاءة على حساب سلامة الإنسان، وهو الديناميك الذي انتقده تشومسكي طويلاً باعتباره نتيجة مباشرة لفرض الربحية في الإنتاج الرأسمالي.
يمتد استغلال العمل في شركات ماسك إلى ما هو أبعد من المخاطر البدنية، ليشمل الأبعاد النفسية والاقتصادية أيضاً. حيث يواجه المبلغون عن المخالفات والمعارضون انتقامات تشمل التهميش، أو الإقالة، أو حتى التشويه العلني. تُسهم هذه البيئة القائمة على الخوف في إسكات النقد المشروع وتعزيز ثقافة مؤسسية تضع مصالح المساهمين والإدارة العليا فوق احتياجات العمال. إن هذا الاختلال في توزيع السلطة، حيث يتمتع القادة بحماية من تبعات الممارسات الاستغلالية، يُعد تجسيداً صارخاً لكيفية استمرار الرأسمالية المعاصرة في ترسيخ عدم المساواة وتقويض المساءلة الديمقراطية.
________________________________________
3. النفوذ الإعلامي ونموذج الدعاية
3.1 بناء صورة أسطورية
يُعتبر بناء ماسك لصورة شبه أسطورية للمبتكر هو أحد العناصر المحورية في تشكيل صورته العامة. حيث يُصوّر نفسه كرجل رؤية يتحدى الحكمة التقليدية ويدفع حدود التكنولوجيا. إلا أن هذه الصورة ليست نتاجاً عفويًا للعبقرية الفردية، بل هي نتيجة لاستراتيجية إعلامية محكمة التصميم. سمحت له ظهوراته المتكررة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب شخصيته الصريحة، بتجاوز الحواجز التقليدية للإعلام والتواصل المباشر مع جمهور عالمي. غير أن هذا التواصل المباشر ليس إلا جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى صناعة الموافقة الجماهيرية وإخفاء التفاوتات الهيكلية التي تكمن وراء صعوده.
3.2 دور القوة المؤسسية في تشكيل السرد الإعلامي
يتضح الترابط التعاوني بين ماسك والإعلام من خلال السرديات السائدة في الخطاب العام. حيث تقوم المؤسسات الإعلامية الكبرى بتصوير ماسك بصفة عبقري ومنشق، مع التركيز على إسهاماته في مجال الابتكار التكنولوجي مع التغاضي عن قضايا مثل استغلال العمال والأنشطة المالية المثيرة للجدل. يُعد هذا التغطية الانتقائية مثالاً واضحاً على دور الإعلام في صناعة الموافقة الجماهيرية، كما وصفه هرمان وتشومسكي (1988). ومن خلال السيطرة على السرد السائد، يضمن ماسك بقاء الجمهور في حالة من الجهل إلى حد كبير عن الانتهاكات النظامية المصاحبة لصعوده إلى السلطة.
علاوة على ذلك، يمنحه نفوذه المؤسسي زمام السيطرة على المنصات الإعلامية الناشئة. يُظهر استحواذ ماسك على تويتر (الذي يُعرف الآن بـ"X") كيف يمكن استغلال قنوات الاتصال لترويج المصالح المؤسسية. ومن خلال السيطرة على منصات كانت يوماً ما مساحات للنقد والحوار المفتوح، لا يقوم ماسك فقط بتضخيم السرديات الإيجابية، بل يقوم أيضاً بتهميش الأصوات المعارضة. يُعتبر هذا التلاعب الاستراتيجي بالمحتوى الإعلامي عنصراً حيوياً في مشروعه الإيديولوجي الأوسع، حيث تتلاشى الحدود بين المصالح المؤسسية والخطاب العام.
________________________________________
4. استحواذ تويتر/“X” والسيطرة على الخطاب العام
4.1 الاستحواذ كاستراتيجية للسيطرة الإيديولوجية
يمثل استحواذ ماسك على تويتر، والذي يعمل الآن تحت اسم "X"، لحظة فاصلة في تطور القوة الإعلامية. فمن خلال سيطرته على إحدى أهم منصات الاتصال في العالم، وضع ماسك نفسه في موقع يسمح له بالتحكم في الخطاب العام. يمكن فهم هذه الخطوة كاستراتيجية متعمدة لتركيز السلطة وضمان توافق السرديات التي تنبع من الفضاء الرقمي مع مصالح إمبراطوريته المؤسسية الأوسع.
تكتسب فكرة "صناعة الموافقة" أهمية خاصة في هذا السياق. كما يجادل تشومسكي وهيرمان (1988) بأن الإعلام يعمل كعامل للسيطرة الإيديولوجية من خلال ترشيح المعلومات وتأطير القضايا بما يخدم مصالح النخبة. يُعد استحواذ ماسك على تويتر/“X” تجسيداً عملياً لهذه الفكرة؛ إذ تُساهم سياسات المنصة في تنظيم المحتوى، واختيار الأصوات، وشراكتها الضمنية مع المعلنين، في خلق بيئة تُهمّش فيها المعارضة وتصنع فيها الموافقة الجماهيرية. إن هذه الخطوة ليست مجرد مناورة تجارية أو تكنولوجية، بل هي تحول جذري في مركز السلطة يحمل تبعات كبيرة على النقاش الديمقراطي.
4.2 تضخيم السرديات الرجعية والأصوات المتطرفة
من أكثر الجوانب المقلقة في سيطرة ماسك على تويتر/“X” هو تحول المنصة إلى مساحة تزدهر فيها السرديات الرجعية وتكتسب الأصوات المتطرفة وزناً متزايداً. فقد لاحظ النقاد أن السياسات التي كانت سابقاً تهدف إلى الحد من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة قد خُفّفت، مما أدى إلى إعادة تمكين الشخصيات التي تتحدى الإجماع الليبرالي. تُعد هذه الخطوة قراراً استراتيجياً ضمن حسابات سياسية أوسع؛ إذ من خلال إضفاء الشرعية على الآراء المتطرفة، يتمكن ماسك من زعزعة الخطاب السياسي التقليدي وجذب شرائح من الناخبين المستائين من سياسات التيار السائد.
تمتد تبعات هذا التحول إلى ما هو أبعد من مجرد الخطاب؛ إذ يُساهم تطبيع السرديات المتطرفة في خلق فضاء عام مستقطب يصعب فيه التوصل إلى حلول وسط تفضي إلى توافق جماهيري. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار أفعال ماسك جزءاً من مشروع إيديولوجي أوسع يسعى إلى تفكيك المعايير الراسخة للنقاش الديمقراطي. إن تآكل معايير الإعلام، إلى جانب دور المنصة في نشر المحتوى المتطرف، يخلقان بيئة تُصنّع فيها الموافقة بشكل نشط، مما يُبرز كيف يمكن استغلال القوة المؤسسية لإعادة تشكيل الخطاب العام بما يخدم مصالح أيديولوجية ضيقة.
________________________________________
5. النفوذ السياسي والهيمنة النيوليبرالية
5.1 الدعم المالي للتيارات الشعبوية اليمينية
يمتد نفوذ ماسك إلى ما هو أبعد من مجالات الإعلام والتكنولوجيا ليشمل الساحة السياسية. تُظهر مساهماته المالية وتأييداته الضمنية لتيارات الشعبوية اليمينية، بما في ذلك الدعم المزعوم لحملات سياسية مثل حملة دونالد ترامب، الطرق التي يُستخدم بها نفوذه الاقتصادي لتشكيل مخرجات السياسات. من خلال مواءمة نفسه مع حركات سياسية تدعو إلى تخفيض القيود التنظيمية والخصخصة وتآكل شبكات الأمان الاجتماعي، يعمل ماسك على تعزيز أيديولوجية نيوليبرالية تُفضل حرية الأسواق على المساءلة الديمقراطية.
لطالما كان الربط بين القوة المؤسسية والنفوذ السياسي محوراً أساسياً في أعمال تشومسكي. يُعتبر تمويل الحملات السياسية والضغط من قِبل الشخصيات ذات النفوذ المؤسسي أحد الأعراض الواضحة للمشكلة النظامية الأوسع. في حالة ماسك، تُعتبر مشاركاته السياسية وسيلة لإضفاء الشرعية على نموذج حكم يخدم مصالح الشركات الكبرى على حساب الأصوات العادية. إن التوزيع الانتقائي للدعم السياسي—إلى جانب تصريحاته العامة وظهوره الإعلامي—يخلق دائرة تغذية راجعة تُعزز باستمرار القوة المؤسسية عبر التحالفات السياسية والتدخلات التي تخدم النخب الاقتصادية.
5.2 تشكيل السياسات وتآكل المساءلة الديمقراطية
لا تقتصر آثار أنشطة ماسك السياسية على تمويل الحملات فحسب، بل تمتد إلى صياغة السياسات العامة نفسها. يُبرز تأثيره على الهيئات التنظيمية وقدرته على توجيه الأجندات التشريعية الاتجاه المقلق نحو تركيز السلطة في أيدي قلة من رجال الأعمال الكبار. إن السياسات التي تُفضل تخفيف القيود التنظيمية، وتقديم التخفيضات الضريبية للأثرياء، والخصخصة للخدمات العامة تُعتبر من المبادئ التي يروّج لها ماسك، مما يسهم في بيئة تُضعف فيها المساءلة الديمقراطية لصالح الربحية المؤسسية.
يُعد هذا التماهي بين المصالح الاقتصادية والسياسية سمة مميزة لما وصفه تشومسكي ونقاد آخرون بالهيمنة النيوليبرالية. في هذا النظام، لا تعمل الدولة كحاكم محايد يخدم المصلحة العامة، بل كعامل مساند لتراكم رأس المال. تُظهر أنشطة ماسك كيف يمكن استغلال القوة المؤسسية ليس فقط للتأثير في السياسات، بل لتشكيل الملامح الإيديولوجية للمشهد السياسي. والنتيجة هي نظام سياسي تُهمش فيه حقوق واحتياجات المواطنين العاديين لصالح توسع الأسواق وتركيز الثروة.
________________________________________
6. الهدف النهائي لماسك: الإقطاعية المؤسسية وتركيز السلطة
6.1 ما وراء النجاح المالي: رؤية السيطرة الكاملة
على الرغم من أن السرد العام لماسك يُركز على التقدم التكنولوجي والابتكار، يكشف التحليل النقدي عن هدف أكثر خبثاً: إقامة نموذج جديد من الإقطاعية المؤسسية. فبدلاً من الاكتفاء بالنجاح المالي، يبدو أن ماسك يسعى إلى احتكار القطاعات الحيوية—مثل النقل، واستكشاف الفضاء، والذكاء الاصطناعي—لبناء منظومة تصبح فيها المصالح المؤسسية مرادفة للسلطة الاجتماعية. تذكر هذه الرؤية بأنظمة إقطاعية تاريخية كان يتم فيها تركيز السلطة في أيدي نخبة صغيرة تتحكم في وسائل الإنتاج وفي المؤسسات الاجتماعية والسياسية على حد سواء.
لا يُستخدم مصطلح "الإقطاعية المؤسسية" بشكل عابر؛ فهو يشير إلى نظام تشبه فيه هياكل السلطة النظام الإقطاعي، حيث تتحكم نخبة صغيرة في وسائل الإنتاج وبالتالي في مؤسسات المجتمع بأكمله. وفي حالة ماسك، يُسهّل هذا التحكم التلاقي بين الدعم الحكومي والهندسة المالية وتلاعب الإعلام، مما يضمن استمرار هيمنة النخبة. ومن خلال توحيد السلطة عبر عدة قطاعات حيوية، لا يقوم ماسك فقط بتشكيل مستقبل التكنولوجيا، بل يمهد أيضاً الطريق لنظام مجتمعي يتم فيه تهميش المشاركة الديمقراطية لصالح صنع القرار المركزي المدفوع بالمصالح المؤسسية.
6.2 تداعيات ذلك على مستقبل الديمقراطية
تنبثق عن هذا التركيز المتزايد للسلطة آثار تمتد إلى أبعد من مجرد إعادة تنظيم الاقتصاد؛ إذ يصبح مستقبل الحكم الديمقراطي أكثر هشاشة. فعندما يتزايد تأثير ماسك في ميادين التكنولوجيا والإعلام والسياسة، تصبح إمكانية الحكم الديمقراطي الحقيقي أكثر تهديداً. إن احتكار القطاعات الحيوية إلى جانب التلاعب الاستراتيجي في الخطاب العام يخلق دائرة تغذية راجعة تُعزز مصالح النخبة على حساب المصلحة العامة.
لقد أكد تشومسكي منذ زمن بعيد أن المساءلة الديمقراطية تتآكل عندما تكون قنوات الاتصال وصنع السياسات تحت سيطرة جهات ذات مصالح اقتصادية ضيقة. في هذا السياق، لا يمثل الهدف النهائي لماسك مجرد امتداد للنجاح الرأسمالي، بل يشكل تحدياً أساسياً للمثل الديمقراطية التي تقوم على المشاركة، والشفافية، والمسائلة. يشير ظهور الإقطاعية المؤسسية في سياق مشروعات ماسك إلى اتجاه خطير تصبح فيه الحدود بين القطاع العام والخاص غامضة، مما يمهد الطريق لعصر يُهيمن فيه الربح والسيطرة على العملية الديمقراطية.
________________________________________
7. الخاتمة: الحاجة إلى المقاومة
7.1 مواجهة دعاية الشركات
في ظل الاستراتيجيات المتعددة التي يستخدمها إيلون ماسك لتراكم الثروة، والسيطرة على الخطاب العام، وتشكيل النتائج السياسية، يصبح من الضروري صياغة رد فعل يقوم على مبادئ المقاومة الديمقراطية. كما أظهرت هذه الدراسة، فإن تقاطع الدعم الحكومي، والمناورات المالية، واستغلال العمال، وتلاعب الإعلام، يعمل على ترسيخ نظام تُهيمن عليه المصالح المؤسسية. تُعد الخطوة الأولى لمواجهة هذه الديناميكية هي تعزيز الإعلام المستقل الذي يكون بعيداً عن التأثيرات المؤسسية. ومن خلال تنويع مصادر المعلومات وخلق منصات تعطي صوتاً للمعارضة، يمكن للمجتمع أن يبدأ في تحدي السرديات السائدة التي تُخفي التفاوتات الهيكلية.
7.2 دور النشاط النقابي والتدخلات التنظيمية
على نفس القدر من الأهمية، تظهر الحاجة الملحة إلى نشاط نقابي قوي. إن التجارب التي يمر بها العمال في شركات تسلا، وسبيس إكس، وغيرها من المشاريع التي يقودها ماسك، تُبرز الحاجة إلى حماية أفضل لحقوق العمال وإعادة تمكينهم لتنظيم أنفسهم. إن تمكين النقابات بدعم من أطر تنظيمية تقدمية يمكن أن يشكل توازناً مع الميول الاستغلالية للإدارة المؤسسية. فتعزيز حقوق العمال لا يمثل فقط ضرورة اقتصادية بل هو أيضاً ضرورة ديمقراطية، إذ يُعيد ذلك بعضاً من السلطة إلى الطبقة العاملة التي تُستغل لصالح النخب.
وفي الوقت ذاته، تُعد التدخلات التنظيمية أمرًا جوهريًا لتفكيك المزايا الهيكلية التي تسمح بتراكم السلطة في أيدي قلة من رجال الأعمال. يجب على الحكومات اعتماد سياسات لا تقتصر على تقليل الاعتماد على الإعانات الحكومية فحسب، بل تشمل أيضاً فرض معايير صارمة للسلامة المهنية، والحماية البيئية، وضمان المنافسة العادلة. إن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تساهم في الحد من تركّز السلطة وضمان توافق التقدم الاقتصادي مع العدالة الاجتماعية.
7.3 تعزيز الوعي العام النقدي
في نهاية المطاف، تعتمد المعركة ضد دعاية الشركات والإدارة الاستبدادية على بناء وعي نقدي لدى المواطنين. يجب تعبئة التعليم، والحوار العام، والتنظيم الشعبي لرفع مستوى الوعي بآليات صناعة السرد الإعلامي وإسكات الأصوات المعارضة. من خلال تعزيز التفكير النقدي وتشجيع المشاركة الفعّالة في العملية السياسية، يمكن مواجهة غزو السلطة المؤسسية واستعادة الوكالة الديمقراطية.
يُعد صعود ماسك، كما تم تناوله في هذه المقالة، بمثابة دراسة حالة وتحذير من الآثار المترتبة على هذا النوع من الهيمنة. إن تراكم ثروته من خلال المشاريع المدعومة من الدولة، والممارسات الاستغلالية في مجال العمل، والسيطرة الاستراتيجية على المنصات الإعلامية، يُظهر بوضوح كيف يمكن للرأسمالية المعاصرة أن تنحدر إلى نظام من الإقطاعية المؤسسية. والتحدي الذي يواجه المجتمع اليوم يكمن في مقاومة هذا التركّز للسلطة من خلال جهود منسقة ومستمرة تعيد إحياء المؤسسات الديمقراطية وتستعيد الفضاء العام من براثن المصالح المؤسسية.
________________________________________
المراجع
• تشومسكي، ن. (1989). الأوهام الضرورية: السيطرة على الفكر في المجتمعات الديمقراطية. دار ساوث إند للنشر.
• هرمان، إ. س.، وتشومسكي، ن. (1988). صناعة الموافقة: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام. دار بانثيون للنشر.
________________________________________
التأملات النهائية
هدفت هذه الدراسة إلى إظهار أن الصعود المذهل لإيلون ماسك ليس ظاهرة معزولة، بل هو عرض لأوسع الاتجاهات في الرأسمالية المعاصرة. من خلال تفكيك الأبعاد المتعددة لقوة ماسك—بدءاً من تراكم الثروة عبر المشاريع المدعومة من الدولة، وانتهاءً بتلاعب الإعلام والنفوذ السياسي—كشفنا نمطاً من الهيمنة المؤسسية يتماشى بشكل وثيق مع النظريات النقدية التي طرحها نعوم تشومسكي. في عصر يتآكل فيه مفهوم المساءلة الديمقراطية وتتركز السلطة في أيدي قلة، تصبح الحاجة إلى المقاومة المتعددة الجوانب أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
إن مستقبل الحكم الديمقراطي يعتمد على قدرة المجتمع المدني على التعرف على أشكال الإقطاعية المؤسسية التي تظهر في زي القناع التكنولوجي للابتكار، والمطالبة باستعادة القيم الديمقراطية من خلال دعم الإعلام المستقل، والحركات النقابية النشطة، والإطارات التنظيمية الصارمة. كما أكدت هذه المقالة، فإن إرث شخصيات مثل إيلون ماسك سيتحدد في النهاية ليس فقط بإنجازاتهم التكنولوجية، بل بقدرتهم على إعادة تشكيل النظام الاجتماعي والسياسي—وهي عملية، إن تُترك دون رادع، تحمل تحديات كبيرة لمستقبل المجتمع الديمقراطي.
من خلال اعتماد الأدوات التحليلية التي قدمها تشومسكي، سعت هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على آليات السلطة التي تقف وراء الصورة العامة لماسك، وتقديم مقترحات لمجابهة هذه الهيمنة. نأمل أن يسهم هذا التحليل النقدي في تعزيز الفهم الجماعي للقوى التي تشكل عالمنا اليوم، وأن يكون حافزاً للعمل الجماعي لاستعادة قيم الشفافية، والمسائلة، والمشاركة الديمقراطية.



#أحمد_الجوهري (هاشتاغ)       Ahmed_El_Gohary#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوسبة الكمومية: تحليل شامل للمبادئ والتطور التاريخي والتطب ...
- الاقتصاد العالمي الناشئ (مترجم الي العربية)
- إذا أردت فهم الماركسية، اقرأ جيرالد ألان كوهين (مترجم الي ال ...
- نعوم تشومسكي: ملاحظات حول الفوضوية (مترجم الي العربية)
- مايكل هارينجتون حول الماركسية والديمقراطية (مترجم الي العربي ...
- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ...
- فرضية الارتداد الكبير: تحليل علمي شامل ومقارنة مع نظرية الان ...
- ظاهرة الصيام في الأديان: استكشاف تاريخي وروحي
- الموضوع السياسي العربي :الكآبة اليسارية و مسألة فلسطين من ال ...
- العمل المنزلي غير المأجور للنساء من منظور الماركسية: تحليل م ...
- توحيد الماركسية الأصلية لكارل ماركس مع الشتراكية التحررية لن ...
- التواجد الأزلي للخالق والمادة: من منظور رياضيات المالانهاية
- الحقيقة الرياضية للواقع: النظام المتناغم للمادة والإرادة الح ...
- مسارات مختلفة نحو الاشتراكية: حوار بين الأجيال
- أهمية دراسة كارل ماركس في وقتنا المعاصرز
- الاعجاز العلمي افيون المتدين الشائع
- حول النظرة الحنبلية-العبرانية الرعوية للمرأة


المزيد.....




- غزة والحوثيون وترامب.. كاتب إسرائيلي كبير يشرح ماذا حدث؟
- مكالمة بوتين وترامب تشعل الجدل: هل تلوح فرصة للسلام أم استمر ...
- الكرملين: كييف تحاول تقويض جهود السلام
- ترامب يعرض تملّك منشآت طاقة أوكرانيا
- ملتقى الإمارات الرمضاني.. تسامح وتعايش
- الجيش اللبناني ينتشر في حوش السيد علي
- لامي يتراجع عن تصريحاته بشأن إسرائيل
- شويغو: هناك عقبات تعقد التسوية السلمية في أوكرانيا
- -أ ب- عن مصدر: كندا بصدد إجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي ل ...
- السلطات الأمريكية الاتحادية تبحث عن زعيم عصابة في لوس أنجلوس ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد الجوهري - إيلون ماسك: ادعاءات الابتكار وتركيز السلطة – قراءة نقدية لاستراتيجيات السيطرة الاقتصادية والإعلامية