أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن زهري - أزمنة التشظّي














المزيد.....


أزمنة التشظّي


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 16:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


‏يمكنني القول بكثير من التأكد أن العالم قد دخل في حقبة يمكن وصفها بـ"أزمنة التشظّي"، حيث تسود حالة من التشتت والانقسام على المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية. في قلب هذا التشظّي تقف وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يُفترض أن تعزز الترابط بين البشر، لكنها في الواقع ساهمت في تفتيت الانتماءات الجماعية، ونشر النزعة الفردانية، وتصاعد الخطابات المتطرفة، وانحسار الثقافة العميقة لصالح ثقافة الاستهلاك السريع.

وسائل التواصل الاجتماعي: تواصل أم تفتيت؟
كان يُنظر إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات ثورية ستسهم في توحيد الشعوب وتعزيز الوعي الجمعي، إلا أن الواقع كشف عن وجه آخر لهذه الوسائل، حيث تحولت إلى منصات تُعمّق العزلة وتغذي الانقسامات. فمن خلال خوارزميات مصممة لتعزيز التفاعل بناءً على الاستقطاب، أصبح الأفراد محصورين في "فقاعاتهم المعلوماتية"، مما أدى إلى تضاؤل فرص الحوار الحقيقي، وتعزيز الانغلاق على الذات، وانتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة التي تؤدي إلى مزيد من التشظّي الاجتماعي.

صعود الفردانية وانحسار الجماعية
إلى جانب وسائل التواصل، يشهد العالم موجة غير مسبوقة من النزعة الفردانية التي تجعل الأفراد أكثر تركيزًا على تحقيق ذواتهم بمعزل عن أي انتماء جماعي. لقد ضعفت الهويات الجماعية التي كانت تشكل سابقًا نسيج المجتمعات، مثل الأسرة، والنقابات، والأحزاب السياسية، لصالح هويات آنية متغيرة، غالبًا ما تُبنى على الاستهلاك والميول الشخصية. وقد أدى ذلك إلى تقلّص الروابط الاجتماعية التقليدية، وتزايد الشعور بالوحدة والاغتراب حتى في ظل الفائض الاتصالي الذي نعيشه اليوم.

تفكك الانتماءات وصعود اليمين المتطرف
يواكب تفكك الهويات الجماعية صعود لافت لليمين المتطرف في العديد من دول العالم، حيث يجد بعض الأفراد في الأيديولوجيات المتطرفة ملاذًا من حالة الاضطراب والتشظّي التي يعيشونها. فبينما تضعف الانتماءات التقليدية، توفر الحركات اليمينية المتطرفة خطابًا يُعيد تشكيل الهوية من خلال بناء "العدو المشترك"، سواء كان المهاجرين أو الأقليات أو النخب الثقافية. وهذا ما أدى إلى تزايد موجات الكراهية، وصعود سياسات الهوية التي تعمّق الاستقطاب داخل المجتمعات بدلاً من البحث عن قواسم مشتركة توحدها.

اضمحلال الثقافة: من المعرفة إلى الاستهلاك
في ظل هذه التغيرات، لم تسلم الثقافة من موجات التشظّي. فقد تراجعت القيم الثقافية العميقة أمام ثقافة الاستهلاك الفوري، حيث أصبح المحتوى السريع والمبتذل هو السائد، بينما تضاءلت مساحة الفكر العميق والمعرفة الرصينة. لقد أصبح "المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي" أكثر تأثيرًا من المفكرين والعلماء، وأصبحت الثقافة تُقاس بعدد المشاهدات والتفاعلات بدلاً من عمق الطرح وجودته. وهكذا، ساهمت هذه الظاهرة في خلق حالة من السطحية الثقافية التي تجعل المجتمعات أقل قدرة على فهم تعقيدات الواقع وأقل قدرة على مواجهة تحدياته.

هل من سبيل إلى إعادة التماسك؟
في ظل أزمنة التشظّي هذه، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن إعادة بناء نسيج اجتماعي وثقافي أكثر تماسكًا؟ قد يكون ذلك ممكنًا من خلال استعادة دور المؤسسات الثقافية والتعليمية، وتعزيز قيم الحوار والانتماء المشترك، ومواجهة النزعات الفردانية ببدائل تعزز الوعي الجماعي. كما ينبغي إعادة النظر في دور وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تصبح أداة للتواصل الحقيقي بدلاً من أن تكون عاملاً لتعميق الفرقة. إن تجاوز هذه المرحلة يتطلب وعيًا جماعيًا بمخاطر التفكك، وسعيًا جادًا نحو إعادة بناء الجسور بين الأفراد والمجتمعات.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم الدولي للمهاجرين 2024: هل من جديد؟
- مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية 1994 في ذكراه الثلاثين
- عصر الإتاحةِ المدمّرة
- سياحة التقاعد في مصر
- لا تجلدوا محمد حسين يعقوب
- هل زادت الرغبة في الهجرة؟
- سكان مصر في العشرية الأخيرة 2011-2021
- ذكريات العيد وحلوياته
- مصر ما بعد الكورونا
- فيروس كورونا ومستقبل الحراك البشري
- توضيح بشأن المدعو حمّو بيكا
- مصر وأفريقيا بين الماضي والحاضر!
- في مفهوم المواطنة والدين
- الخروج من المأزق: كيف يتقدم العرب؟
- هل مازلنا بحاجة لمعرض للكتاب؟
- لِباس رانيا يوسف ولِباس التقوى
- عُدتَ يا يوم مولدي
- ماذا لو عاد المصريون من الخليج؟
- التغيرات الهيكلية المجتمعية والمسألة السكانية ومكانة المرأة ...
- لماذا يهاجر أبناء الصعيد إلى القاهرة؟


المزيد.....




- -إنه بخير-.. بروس ويليس يحتفل بعيد ميلاده الـ 70
- نتنياهو يواجه غضبا شديدا مع تفاقم الانقسامات في إسرائيل جراء ...
- اليوم العالمي للسعادة: هل يختلف مفهومها بين الشعوب؟
- سلسلة غارات جوية مكثفة تستهدف مواقع تابعة للحوثيين في العاصم ...
- وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت: نرفض -أي احتلال إسرائيلي ...
- سوريا.. اللجنة الأمنية في اللاذقية تجتمع مع وجهاء وأعيان الد ...
- روبيو: تاريخ القرن الـ 21 سيتمحور حول الولايات المتحدة والصي ...
- البيت الأبيض يتهم إدارة بايدن بقتل 8 ملايين دجاجة
- فيدان يلتقي حسين الشيخ في أنقرة
- قائد فرقة غزة السابق: الجيش وصل لأقصى حدود قدرته على إجبار ح ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن زهري - أزمنة التشظّي