أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - تازة .. حول عمارة وتعمير مدينة امتناع وكشف قناع ..















المزيد.....


تازة .. حول عمارة وتعمير مدينة امتناع وكشف قناع ..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 06:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بمشاهد وأثر تاريخي مادي ولا مادي وفضاء عتيق فسيفسائي متفرد، هي تازة التي بمثابة حديقة كبرى معلقة في شرفتها على وقع دروب وأزقة وعمارة وهوية يحضرها كل طيف زمن المغرب. ومن هنا ما يسجل فيها وحولها من عمق تاريخي ومخزون حضاري ثقافي، تذكره أمهات المصادر التاريخية المغربية والمشرقية، فضلا عن تقارير أجنبية وابحاث ودراسات إنسانية حول المغرب، إن قبل زمن الحماية الأجنبية أو خلالها.
ولعل الذي يثير عناية كل زائر للمدينة، ما تحتويه من عمارة دينية وعلمية واجتماعية ودفاعية تاريخية، تلك التي بقدر ما هي عليه من خصوصية وعلاقة بطبيعة مواقعها وأدوارها وذاكرتها، بقدر ما تشهد على سلف مغرب العصر الوسيط وعظمة ما كان عليه من بناء وتشييد في ارتباط بما طبع تازة من تطورات عبر تجارب من حكم البلاد من كيانات سياسية. مع أهمية الإشارة الى أن ما يميز عمارة المدينة التاريخية، يكمن في قوة صمودها عبر قرون من الزمن، وفيما تسمح به من صورة وعودة للماضي عند التأمل في شواهدها، حيث الزمن القديم فضلا عن الوسيط والحديث وحتى المعاصر. وهي المآثر التي تبعث بعبق تاريخ شامخ، لا تزال حمولاته واحالاته تملأ دروب المدينة وازقتها، فضلا عن بيوت أهاليها وثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم، وما هناك من تراث يخص هذه البيوت من حيث أبوابها ونوافذها واندماجها وترابطها، على إيقاع دروب وأزقة جامعة بين الضيق منها والأكثر ضيقا وكذا المفتوح منها والمغلق. ضمن تعمير عتيق نفسه الذي طبع حواضر المغرب الوسيطية الإسلامية، والذي لم يكن ابدا نمطا عيش عشوائي ولا عبثا، انما تهيئة قامت على أصول مجتمع وثقافة وطبيعة ونمط تفكير وهوية وغيرها. عوامل وغيرها لا شك أنها بمعالم ومشاهد وأشكال ما هي عليه تازة من عمارة عتيقة، يحضرها ما كان سائدا من نظام حياة وترابط أسري اجتماعي ثقافي، في علاقة بجوامع ومساجد وزوايا وأضرحة اعلام وعلماء فضلا عن مرافق مؤثثة لحاجيات حياة.
وتازة التي بموقع جبلي وعلو وخصوصية تراب وطبيعة، منها ما يميزها من هبوب رياح قوية من جهة الغرب، وقد جعلها بباب شهير ب"باب الريح"، المعطى الطبيعي الذي ورد في وصف دقيق للسان الدين ابن الخطيب عند زيارته للمدينة ذات يوم من زمن مغرب العصر الوسيط، قائلا:" تازة بلد امتناع وكشف قناع ومحل ريع وايناع، وطن طاب ماؤه وصح هواؤه وبان شرافه واعتلاؤه وجلت فيه مواهب الله وآلاؤه.. وأمر الخصب به ممتثل وفواكه لا تحصى .. وحبوبه تدوم على الخزن وفخارة آية في لطافة الجرم وخفة الوزن، إلا أن ريحه عاصف وبرده لا يصفه واصف..". هكذا معطى الريح الذي يميز تازة بحكم موقعها وشرفتها، والذي لا شك أنه من العوامل التي جعلت المدينة بما هي عليه من تعمير وعمارة وتوزع وسير أزقة ودروب ممتدة في سوادها الأعظم من الشمال الى الجنوب، اتقاءً وتخفيفا ربما من شدة ما طبع تازة من عصف ريح ووقاية من انسيابه وأثره على دينامية المدينة وحركة أهلها خاصة في فصل الشتاء. وهكذا كانت الطبيعة ومنها الريح عاملا موجها لعمارة تازة، وما هي عليه الآن من تركيب وشاهد ومنظر وهندسة وأبواب وأسوار، نظرا لِما اتخذته المدينة من وجهة واتجاهات لدرجة أن ما يميز بعض دروبها وأزقتها من تركيب وعدم استقامة، لا شك أنه كان فعلا وعملا ووعيا بما هو طبيعي مؤثر من قبيل أثر ريح وشمس وظل وغيره، فضلا عن انسجام تعمير مع ما كان يتخلل هذه الدروب من خدمات أفرنة وحمامات وفنادق وأسواق وغيرها.
وغير خاف أن تازة بأسوار أثرية محيطة بحوالي الثلاث كلمترات، تلك التي تعود لفترة العصر الوسيط والجامعة بين الأثر الموحدي والمريني، علما أن أول سور موحدي بالمدينة يعود للقرن السادس الهجري، ولعله الوحيد الذي أقيم بالجهة الغربية منها وقد يكون بامتداد بين أجراف باب الريح في بعدها المجالي الأوسع حتى ما يعرف محليا ب"البرج الملولب". وقد يكون انشاء هذا السور بهذا المكان المطل على اجراف منحدرة، جاء لوقاية المدينة من الرياح القوية التي لا تزال بأثرها على عدة مستويات حتى الآن، مع أهمية الإشارة الى أن هذا السور لم يكن بأبراج ولا أبواب لغرض من الأغراض، ومن ثمة ما يكون من خلفية طبيعية ريحية في بناءه، خلافا لِما طبع باقي الأسوار المحيطة خاصة من جهة الجنوب والشرق. دون نسيان أن ما كان من بيوت مجاورة لهذا السور ربما لم تكون تتجاوز الطابق الأرضي، وأنها كانت مبنية بحجر صلب فضلا عن مواد محلية طينية، ربما لتجنب أثر الرياح القوية والبرودة الناتجة عنها مع حفظ الدفء في البيوت، التي ربما بقدر ما كانت بجدران متسعة شكلت خطوطا أمامية ضد عنصر الريح، بقدر ما لم تكن تتوفر على نوافذ وحتى إن وجدت فربما اقتصرت على فتحات صغيرة كانت تنعت عند الأهالي ب"الطاقة". بعض فقط من اشارات يمكن منها التقاط ما يعني ويظهر ويفيد ما كان للطبيعة من شأن وأثر فضلا عن عناصر الأخرى، في عمارتها وتعميرها ومنظرها منذ العصر الوسيط، ومن ثمة ما هي عليه من خصوصية وتفرد مشهد بين مدن المغرب العتيقة، ومن نمط عيش ومظاهر حياة ومعالم مادية وموروث.
هكذا هي تازة العتيقة بدهشة عمارتها وتاريخ تعميرها وتماسها مع جبل وريح وأجراف وأودية وممر، مدينة لا تزال شامخة رغم ما طبع زمنها من أحداث وتدافعات وفترات حرجة خاصة اثناء انهيار ما حكم البلاد من كيانات سياسية وصعود أخرى. حيث كانت تازة تبرز على السطح مؤثرة في الأحداث قبل أن تغيب خلال فترات استقرار. ولا شك أن ما طبع المدينة من تعمير بدأ من جهة الشمال، حيث النواة التي قد تكون سابقة عن تاريخ تأسيسها زمن الموحدين، وحيث الجامع الأعظم قبل أن تأخذ اتجاهها جنوبا لعوامل طبيعية بالدرجة الأولى. وعليه، ما يسجل بها من تنوع معالم تاريخية حاضنة لجميع أزمنة المغرب السياسية والحضارية. ولعل العناية بمجال تازة العتيق وما يمكن أن تسهم به الأبحاث عموما والأركيولوجية خاصة حولها، وكذا تدخلات المؤسسات والمنظمات الأثرية المعنية الوطنية والدولية، لمن شأنه ابراز درر أثرية ربما لا تزال مغمورة هنا وهناك. وهو ما كان مفترضا بعد تصنيف تازة تراثا وطنيا، والذي على أهميته وقيمته الرمزية المضافة لم يكن بشيء كبير يذكر، من حيث إعادة الاعتبار للمدينة وترميم معالمها وتثمين تراثها عبر ما ينبغي من ذكاء ترابي وحسن استثمار ما هي عليه من خلفية تاريخية وحضارية، وعبر أيضا ادماج تراثها في التنمية المحلية. فضلا عن حماية ما لا يزال صامدا من أثر تاريخي وإبعاد ما يهدده من إتلاف وإهمال ولامبالاة. وعليه، ما لا يزال قائما من أمل ورهان على الجميع كل من موقعه، من أجل ما ينبغي من التفات رصين لذاكرة تازة وتراثها المادي واللامادي، في أفق مدينة بموقع انساني رافع.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرف والحرفيين بفاس زمن الحماية بالمغرب ..
- حول مقولة - صابون تازة - بالمغرب ..
- المسجد الكبير / جامع تازة .. المغرب
- حول المغرب الأركيولوجي أعلام وتجارب ..
- حول أفق مهرجان تازة الدولي للسينما ..
- حول اتفاق مدريد وصحراء المغرب قبل نصف قرن ..
- رقصة التبوريدة بقبيلة غياتة / تازة / المغرب
- حول تاريخ تازة بعيون النقيب - فوانو -..
- حول جمعية تازة الكبرى للتنمية ..
- ذاكرة فاس والكفاح الوطني من اجل الاستقلال ..
- تازة : حول سؤال البحر والأثر البحري محليا ..
- معركة بين الصفوف في ذاكرة تايناست / تازة ..
- الآخر والتاريخ في زمن المغرب ..
- من جدل المغرب السينمائي الى حين ..
- حول مغارة فريواطو التي بتازة المغرب ..
- في الحاجة لثقافة أرشيف وأرشفة بالمغرب ..
- ثقافة تازة بحاجة لأسماء المدينة وتجاربها ..
- من تجارب راهن مغرب الصحافة ..
- في رحاب درس وروح المؤرخ محمد زنيبر ..
- حول تازة في زمن المغرب الأركيولوجي ..


المزيد.....




- ترامب ينشر سجلات اغتيال كينيدي.. إليك ما يجب معرفته
- ما هو الاتفاق الذي تهدد فرنسا بإلغائه مع الجزائر؟
- اليمن: الحوثيون ينفذون هجوما رابعا على حاملة طائرات أمريكية ...
- محمود خليل الطالب الفلسطيني بجامعة كولومبيا: أنا سجين سياسي ...
- خلال إفطار رمضاني في مسجد باريس الكبير.. وزير الخارجية الفرن ...
- اجتماع ثلاثي بالدوحة بين قطر ورواندا والكونغو الديمقراطية
- ترامب: استمرار النزاع في أوكرانيا كان سيؤدي إلى الحرب العالم ...
- أنصار الله يعلنون عن استهداف جديد لحاملة الطائرات الأمريكية ...
- الولايات المتحدة تكشف عن المجموعة الأخيرة من الملفات السرية ...
- كانت -رائعة- وناقشنا عدة قضايا بمافيها الطريق نحو السلام.. ت ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - تازة .. حول عمارة وتعمير مدينة امتناع وكشف قناع ..