أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هدى زوين - الصبر بين الاحتراق والخلود: حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه














المزيد.....


الصبر بين الاحتراق والخلود: حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه


هدى زوين
كاتبة

(Huda Zwayen)


الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 22:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الصبر ليس مجرد فعل انتظار، بل هو احتراق بطيء لا يشعر به إلا من تجرع مرارته. هناك صبرٌ يشبه الظل، يمنح صاحبه راحة وطمأنينة، وهناك صبرٌ أشبه بالجمر، كلما طال أمده ازداد التهابًا. الصبر الذي يتحدث عنه العابرون لا يشبه صبر من عاش الخذلان، من تجرع الألم حتى أصبح طعمه مألوفًا، من وقف أمام مرآة الأيام ورأى نفسه يذوب ببطء، لكنه رغم ذلك، لم يسقط.

"أنا الصابر صبر عاكول بل بيد،
من يعطش جمر بشفايفه يذوق."

إنها ليست مجرد كلمات، بل حالة وجودية يعيشها الإنسان حين يتحول الصبر من فضيلة إلى اختبار قاسٍ، من انتظارٍ إلى معركة بين الإرادة والانهيار. سوف نغوص في أعماق الصبر حين يصبح عبئًا ثقيلًا، حين يصبح جمرًا يلسع الروح، وحين يتحول، رغم كل شيء، إلى الخلود. وهنا يأتي السؤال
متى يصبح الصبر موتًا صامتًا؟

هناك نوع من الصبر لا يقود إلى النجاة، بل إلى الانطفاء التدريجي. هو ذلك الصبر الذي يشبه السير في صحراء بلا نهاية، حيث كل خطوة تزيد العطش، وكل أمل يتبخر قبل أن يكتمل. هذا النوع من الصبر يقتل الإنسان ببطء، ليس جسديًا، بل روحيًا. إنه الصبر الذي يجعل صاحبه يرى الأيام تتكرر بلا تغيير، بلا خلاص، حتى يصبح جزءًا من الانتظار نفسه، لا من الحياة.

لكن رغم ذلك، لماذا يصبر الإنسان؟ هل هو الإيمان بأن هناك ضوءًا في آخر الطريق؟ أم أنه مجرد وهم يحاول التمسك به حتى لا ينهار تمامًا؟ أحيانًا، يكون الصبر شكلاً من أشكال الانتحار البطيء، حيث يقتل الإنسان رغباته، أحلامه، وحتى إحساسه بالحياة، فقط كي لا يواجه الحقيقة.

حين يتحول الصبر إلى عادة، يصبح الإنسان عبدًا له. يعتاد الصمت بدل المواجهة، والانتظار بدل التغيير، والتضحية بدل الانتصار. هذا الصبر ليس قوة، بل استسلام مقنع، إذ يُقنع الإنسان نفسه أنه قوي لأنه يتحمل، لكنه في الواقع يسحق نفسه ببطء، وكأن صبره مجرد قيد يمنعه من الانفجار.

الفرق بين الصبر والقهر هو أن الأول يمنح الأمل، والثاني يستهلك الروح حتى تصبح فارغة من كل شيء إلا الألم. وهنا يُطرح السؤال: هل كل صبرٍ فضيلة، أم أن بعضه مجرد شكل آخر للانهزام؟

هناك نوعًا آخر من الصبر، ذلك الذي يولد من النار لكنه لا يحترق، بل يزداد صلابة. هو الصبر الذي يحول الألم إلى درع، والخذلان إلى معرفة، والانكسار إلى خطوة أخرى نحو القوة.

الصبر في هذه الحالة ليس مجرد تحمل، بل هو عملية إعادة تشكيل للذات. إنه إدراك أن الألم جزء من الرحلة، لكنه ليس النهاية. هذا الصبر هو ما يجعل الإنسان قادرًا على الوقوف بعد كل سقوط، على الابتسام رغم الدموع، وعلى العيش رغم كل ما فقده.

الإنسان الذي يصبر ليس هو نفسه بعد أن يعبر الألم. كل صبر يترك أثرًا، كل جرحٍ يضيف طبقة أخرى إلى روحه، حتى يصبح كيانًا مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي بدأ الرحلة. بعض الأشخاص يخرجون من الصبر محطمين، لكن البعض الآخر يخرجون خالدين، لأنهم تعلموا كيف يجعلون النار وقودًا بدل أن تكون لعنة.

الصبر جمرٌ على الشفاه، لكنه أيضًا الجسر بين الانكسار والانتصار. هناك صبرٌ يستهلك الإنسان حتى لا يبقى منه شيء، وصبرٌ يصنع منه كيانًا أقوى من الألم نفسه. والسؤال الحقيقي ليس هل يجب أن نصبر، بل أي نوع من الصبر نختار؟

هل نختار الصبر الذي يقتلنا، أم الصبر الذي يحيينا رغم كل شيء؟



#هدى_زوين (هاشتاغ)       Huda_Zwayen#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشموع والزمن: إحتراق الروح في مسيرة الحياة
- حين تبوح الأيام بأسرارها..دروس تخط بمداد التجربة
- أنين البقاء: صمت يتهامس مع الزمن
- الثقافة ضمير وسلوك
- الأرجوحة التي لا تتوقف
- أمير من نار وعشق: حين يلتقي الشغف بالقوة
- أرض الظلال: مقاومة في بلد طغيان القادة وهوسهم بالنساء
- -حين تنهض الأرواح: القبور التي تلاشت وعادت من جديد-
- أرض الظلال:مقاومة في بلد طغيان القادة وهوسهم بالنساء
- حين يصبح اللازمن موطنًا
- رقصة على حافة الزمن
- أقنعة في عصر العولمة
- الابتزاز بقلم التطور الحضاري
- القرارات تحت طاولة المسؤولية
- صرخة الياقوت
- الأنثى المتمردة
- الوسادة العائمة
- آخر رجال الأرض
- المرأة تحت الوصايا الجبرية
- لوحة عمياء


المزيد.....




- اتفاق بين لبنان وسوريا على وقف إطلاق النار بعد اشتباكات الحد ...
- ترامب يكشف عن اتفاق على عناصر في تسوية الأزمة الأوكرانية ويق ...
- تصاعد الاشتباكات في الخرطوم مع تقدّم الجيش السوداني، وعشرة ق ...
- الدفاع المدني السوري: مقتل 3 أشخاص وإصابة 19 آخرين جراء غارت ...
- قطاع غزة.. مخاطر صحية جراء غلق المعابر
- العاهل السعودي يوجه بصرف أكثر من 3 مليارات ريال كمعونة في شه ...
- روبيو يعلق على المحادثة المرتقبة بين بوتين وترامب
- بلومبرغ: ألمانيا تعتزم تعزيز قواتها المسلحة بـ 6 فرقاطات و20 ...
- مصر.. بيان أمني حول واقعة السجل المدني بالإسكندرية
- أبو إسحاق الحويني شيخ وداعية مصري تسمى بقريته وبالشاطبي


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هدى زوين - الصبر بين الاحتراق والخلود: حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه