أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد














المزيد.....


البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 15:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د حمدي سيد محمد محمود
نشأت البنيوية كمنهج فكري في القرن العشرين، متأثرةً بالتطورات الفلسفية والعلمية التي سبقتها، خاصةً أعمال ديكارت، وكانط، وهيغل، ثم تحولت إلى تيار مؤثر بفضل علماء اللسانيات أمثال فرديناند دي سوسور، والفلاسفة مثل كلود ليفي شتراوس، وميشيل فوكو، وجاك دريدا. كانت الفكرة الجوهرية للبنيوية قائمة على اعتبار أن الظواهر الثقافية والفكرية ليست كيانات مستقلة أو فردية، بل هي أجزاء من أنساق مترابطة تخضع لقوانين داخلية تحكم بنيتها، تمامًا كما في اللغة أو الأساطير أو أنظمة الفكر.

جاءت البنيوية كرد فعل على التيارات الفلسفية التقليدية، خصوصًا الفلسفات الذاتية والتاريخانية التي ركزت على الوعي الفردي والتطور التدريجي للأفكار. فقدمت البنيوية تصورًا جديدًا يعيد فهم الواقع باعتباره بنية خفية تحكم الأفعال والأفكار، لا كنتاج لإرادة فردية أو تطور خطي. في هذا الإطار، صار الفيلسوف والمفكر أشبه بعالم آثار ينقب عن الأنظمة الرمزية والتراكيب العميقة التي تشكل الوعي الإنساني والتجربة البشرية.

البنيوية بين اللسانيات والأنثروبولوجيا والفلسفة
أحد الجوانب الحاسمة في تطور البنيوية كان التأثر العميق بلسانيات دي سوسور، التي أكدت أن اللغة ليست مجرد وسيلة تعبير، بل هي نظام ذو بنيان داخلي مستقل، حيث تتحدد المعاني بالعلاقات بين العناصر وليس بمرجعيتها الخارجية. هذا المبدأ تم توسيعه ليشمل مجالات أخرى مثل الأنثروبولوجيا، حيث قام ليفي شتراوس بتطبيق البنيوية على دراسة الأساطير والثقافة، مؤكدًا أن المجتمعات البشرية تُبنى على أنماط فكرية لا واعية تعيد إنتاج نفسها عبر التاريخ.

في الفلسفة، تبنى ميشيل فوكو هذا النهج في تحليله للمعرفة والسلطة، حيث رأى أن الخطابات الفكرية تخضع لقوانين بنيوية غير مرئية تشكل الوعي وتحدد ما يمكن التفكير فيه ضمن سياقات معينة. أما لويس ألتوسير فقد أعاد قراءة الماركسية من منظور بنيوي، معتبرًا أن الأيديولوجيا تعمل كبنية مستقلة تتحكم في الفكر والسلوك بدلاً من أن تكون انعكاسًا مباشرًا للعلاقات الاقتصادية.

من البنيوية إلى ما بعد البنيوية: التفكيك والتجاوز
رغم تأثيرها العميق، واجهت البنيوية تحديات نقدية، خاصةً من داخل الفلسفة ذاتها، حيث أتى جاك دريدا بمفهوم "التفكيك" ليقوّض الأسس البنيوية. اعتبر دريدا أن أي بنية تحمل في ذاتها تناقضات داخلية تجعلها غير ثابتة، وأن محاولات فهم النصوص أو الخطابات عبر البحث عن أنظمة ثابتة تفشل لأنها تتجاهل الطبيعة الديناميكية والدلالية للغة والمعنى. هكذا، أطلق التفكيك تيارًا جديدًا يُعرف بما بعد البنيوية، حيث لم يعد الفكر محصورًا في أنساق جامدة، بل صار يُنظر إليه كفضاء مفتوح للمساءلة والتعددية.

أما فوكو، فقد ذهب أبعد من البنيوية حين رأى أن الخطابات لا تُفهم فقط كبُنى مجردة، بل كأدوات تمارس السلطة وتعيد إنتاج الهيمنة الاجتماعية. في هذا السياق، تجاوزت الفلسفة المعاصرة الطرح البنيوي الصارم، متجهة نحو تحليلات أكثر ديناميكية تتناول التأثير المتبادل بين الخطاب والممارسة والسلطة والمعرفة.

البنيوية في الفكر المعاصر: إرثها وموقعها الحالي
ورغم كل هذه التحولات، لا تزال البنيوية ذات تأثير عميق في العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث استمر تطبيقها في تحليل الأدب، والفن، والثقافة، وحتى في الذكاء الاصطناعي وعلم النفس الإدراكي. الفكرة الأساسية القائلة بأن الظواهر الفكرية والثقافية تخضع لبُنى عميقة لم تفقد بريقها، بل تم تطويرها وإعادة تشكيلها وفق السياقات الجديدة.

اليوم، ينظر البعض إلى البنيوية بوصفها مرحلة أساسية ساهمت في تفكيك التصورات التقليدية، بينما يرى آخرون أنها مجرد نقطة انطلاق لحقبة ما بعد البنيوية. وبين هذين الرأيين، يبقى تأثير البنيوية حاضرًا، سواء في النقاشات الفلسفية حول اللغة والمعنى، أو في مناهج البحث في العلوم الإنسانية، مما يعكس قدرتها المستمرة على إعادة تعريف ذاتها والتفاعل مع التغيرات الفكرية الكبرى.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية
- انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية ...
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل
- فلسفة العقل: المفهوم، القضايا، والتأثير في الفكر الفلسفي الم ...
- تحليل الخطاب: تفكيك السلطة والمعرفة في اللغة وصناعة المعاني
- متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الف ...
- العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
- التحرر من سجن العقل: فن إيقاف التفكير الزائد واستعادة صفاء ا ...
- جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...


المزيد.....




- الكويت.. إلغاء حفل هيفاء وهبي المرتقب في عيد الفطر
- الجزائر ترفض قائمة ترحيل جديدة من فرنسا وتنتقد -المقاربة الا ...
- برج إيفل يرتدي الحجاب: ما حقيقة هذا الفيديو المثير للجدل؟
- دمشق وبيروت تتفقان على وقف إطلاق النار بعد اشتباكات حدودية أ ...
- البنتاغون: كل الخيارات مطروحة ضد إيران ردا على هجمات الحوثيي ...
- الحوثي: نحذر الأمريكيين من أن استمرار عدوانهم يدفعنا إلى موا ...
- صراع من أجل البقاء.. عشرات الفلسطينيين يتدافعون للحصول على ا ...
- إسرائيل: توجه نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك يهدد بأزمة سياسية ...
- إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي يقصف دمشق
- وزير الخارجية اللبنانية ونظيره السوري يبحثان التطورات على ال ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد