أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - 23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب














المزيد.....


23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 08:39
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في زوايا الذاكرة المغربية، تُختزن لحظاتٌ لا تُمحى، كجرحٍ نازفٍ يُذكِّرُنا أن التاريخ ليس مجرد سرديةٍ تُروى، بل جسدٌ يحمل ندوبَ من سبقونا. أحداث 23 مارس 1965 في الدار البيضاء ليست مجرد "حادثة" عابرة في كتب التاريخ، بل انعكاسٌ لصراعٍ أبدي بين سلطةٍ تحاول ترويض المستقبل، وشبابٍ يرفضون أن يُسلَبَ منهم حقُّهم في صنعه.

كان القرار الحكومي بترحيل التلاميذ من المدارس – بحجة أعمارهم – أشبه بإلقاء حجرٍ في ماءٍ راكد. ففي مجتمعٍ يعاني الفقرَ وغيابَ العدالة الاجتماعية، يصبح التعليمُ آخرَ حصنٍ يلوذ به الفقراءُ للحلم بمستقبلٍ أفضل. لكن السلطة، بدل أن تمدَّ جسراً للأمل، اختارت أن تُحوِّل المدرسةَ إلى ساحةِ إقصاء. لم يكن الأمر مجرد "إجراء إداري"، بل ضربةٌ لقلبِ أحلام جيلٍ بكامله.

لم تكن المظاهرات التي انطلقت في شوارع البيضاء مجرد رد فعلٍ عفوي. فالشبابُ الذين خرجوا – وأعمارُ بعضهم لم تتجاوز العاشرة – كانوا يدركون، ولو بغريزتهم الطفولية، أنهم يُحاربون مصيراً جاهزاً: مستقبلٌ بلا تعليم يعني بالضرورة انضماماً إلى جيش العاطلين، أو عمالةً رخيصةً في مصانع الاستغلال. لكن المفارقة أن هؤلاء الصغار حوّلوا هشاشةَ عمرهم إلى قوة: فبراءةُ وجوههم كانت أكبرَ تحدي للرصاص.

لم تكن الدماء التي سالت في الشوارع سوى نتيجةٍ حتميةٍ لمنطق السلطة التي ترى في أي احتجاجٍ "تمرداً". فاليدُ التي تمسكُ بقرار فصل التلميذ من المدرسة هي نفسها التي تحملُ رشاشاً لقمع المتظاهرين. لم يفهم النظام أن البنادق لا تُخرس الأحلام، بل تُحوّلها إلى جمرٍ تحت الرماد. تحوّلت المدينةُ إلى مسرحٍ للمأساة: دباباتٌ تدوس أجساداً لم تكتمل، ورصاصٌ يُطلق على من حملوا كتباً بدلَ الأسلحة. الجنرال أوفقير، الذي أدار عمليات القمع من مروحيته، كان يُشبه طائرَ جارحاً ينقضُّ على فرائسَ أعزل، وكأنه ينسى أن أولئك الأطفال هم من يجب أن يحموا البلادَ مستقبلاً، لا أن يُبادوا.

الأكثر إيلاماً هو تحوّل الاحتجاج من مطلبٍ تعليمي إلى صرخةٍ شاملة ضد القمع والفقر. فالشعب الذي خرج لدعم التلاميذ لم يكن يناضل فقط من أجل حقوقهم، بل كان يفضحُ تراكمَ جراحٍ تاريخية: استعماراً داخلياً جديداً يرتدي عباءةَ الاستقلال. المطالبُ الاقتصاديةُ التي رُفعت لاحقاً كانت تعني ببساطة: "لا نريد حريةً منقوصةً تُبادل القيودَ الأجنبية بقيودٍ وطنية".

لكن التاريخ يكتبه المنتصرون، وهذه قاعدةٌ لا تُناقش. فما حدث في 23 مارس لم يُحَوَّل إلى فصلٍ في مناهج التعليم، بل بقي ذكرى مشوَّهةً تُروى همساً. النظامُ نجح في قمع الجسد، لكنه فشل في قتل الروح. فالأطفالُ الذين نزلوا إلى الشارع ذلك اليوم لم يعودوا أطفالاً، بل تحوّلوا إلى رمزٍ للانتفاضة التي تثبت أن الظلمَ مهما عَظُم، فإن شرعيته تتهاوى عند أول مواجهة مع الإرادة الجماعية.

اليوم، بعد عقود، لا تزال الأسئلةُ نفسها تُطرَح: هل تغيّرت آلياتُ القمع؟ أم أن السلطةَ فقط أصبحت أكثرَ دهاءً في تزيين وجهها؟ عندما نرى شباباً يخرجون مطالبين بالحق في التعليم أو العمل، نتذكّر أن التاريخ لا يكرر نفسه حرفياً، لكنه يُعيد إنتاجَ نفس التناقضات. الفرق الوحيد أن الرصاصَ الآن قد يكون رمزياً: فقرٌ ممنهج، بطالةٌ مقنَّعة، أو خطابٌ إعلامي يُجرمُ الحلمَ قبل أن يولد.

في النهاية، تبقى ذكرى 23 مارس مرآةً نرى فيها ثمنَ الصمت. فالشهداءُ الذين سقطوا لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا رسالةً مفادها أن الحقوقَ لا تُوهب، بل تُنتزع. ربما لو تعلمت السلطةُ من التاريخ، لاستوعبت أن قمعَ الشباب ليس حلاً، بل تأجيلٌ لانفجارٍ أكبر. لكن يبدو أن بعض الدروس تحتاج إلى دماءٍ جديدة كي تُفهم.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يعيد التاريخ نفسه؟
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- الجبهة الشعبية تدعو لتصعيد المواجهة ضد المشاركة الأمريكية في ...
- لنناضل من أجل إسقاط المشروع الصهيوني وداعميه من الطبقات الحا ...
- لابيد وغانتس يدينان عنف الشرطة بحق المتظاهرين المناهضين لنتن ...
- وثائق كينيدي كشفت عمليات ضد كوبا واليساريين العرب
- تنسيقة التعاقد المفروض: بعد سبع سنوات من النضال: (حوارات مع ...
- تنسيقة التعاقد المفروض: بعد سبع سنوات من النضال (حوار مع رجا ...
- صحفيو الصحف القومية المؤقتين يطالبون الوطنية للصحافة بإنهاء ...
- الشرطة الإسرائيلية تغلق شارع غزة في القدس تزامنا مع انطلاق م ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- آلاف المتظاهرين في لندن ينددون باستئناف حرب الإبادة في غزة ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - 23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب