أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - هل يعيد التاريخ نفسه؟














المزيد.....


هل يعيد التاريخ نفسه؟


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 06:25
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في زوايا الذاكرة الإنسانية، تُخفي الأحداثُ السياسيةُ الحاليةُ وجوهاً مألوفةً، كأنها ظلالٌ لواقعٍ عاشته البشرية من قبل. فالحروبُ التي تشتعل، والتحالفاتُ التي تتشكل، وحتى الخطاباتُ التي تُلقى من فوق المنصات، تبدو أحياناً كصدى لأصواتٍ غابرة. لكن هل هذا الصدى مجردُ وهمٍ يخلقه القلقُ من المجهول، أم أن التاريخَ حقاً يدور في حلقةٍ لا تنتهي؟

لو أمعنّا النظر في صراعات اليوم، لوجدنا أن الحربَ في أوكرانيا، برغم حداثتها التكنولوجية وتعقيداتها الجيوسياسية، تذكرنا بصراعات القرن العشرين حول النفوذ بين القوى العظمى. فكما كانت أوروبا ساحةً للحربين العالميتين، تعود اليوم لتكون نقطةَ احتكاكٍ بين الشرق والغرب. ليست التكتيكاتُ نفسها، ولا الأسلحةُ ذاتها، لكن جوهرَ الصراع – السعي للهيمنة أو البقاء – لم يتغير. هنا يطرح السؤال نفسه: هل نعيد إنتاجَ نفس الأخطاء تحت مسميات جديدة؟

في الشرق الأوسط، حيث لا تزال النزاعاتُ تشتعل كالنار في الهشيم، تبدو المشاهدُ مكررةً بدرجةٍ تثير الذهول. فمنذ اتفاقيات سايكس بيكو قبل قرن، وحتى اليوم، تتراوح المنطقةُ بين الاستقرار الهش والانفجار العنيف. الاحتلالات، الثورات، التدخلات الخارجية... كلها عناوينُ يمكنك أن تجدها في أي فصلٍ من فصول تاريخ المنطقة. لكن هل هذا التكرار قدرٌ محتوم، أم أن هناك عواملَ جديدةً – مثل الصحوة الشبابية أو التكنولوجيا – قد تكسر الحلقة؟

أما التنافسُ الأمريكي الصيني، فيشبه إلى حدٍّ كبير سباقَ القوى الذي شهده القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فالحرب الباردة الجديدة ليست "باردة" تماماً، لكنها تحمل نفس الروح: سباق التسلح، الحرب الإعلامية، استقطاب العالم إلى كتلٍ متحالفة. الفارق اليوم هو أن التكنولوجيا أصبحت سلاحاً أعظم، وأن الاقتصادَ صار ساحة معركةٍ لا تقل أهمية عن ساحات القتال.

لكن هل يكفي التشابه الظاهري لندعي أن التاريخَ يعيد نفسه؟ قد يقول البعض إن البشر يتعلمون من أخطائهم، لكن الوقائعَ تشير إلى أن "التعلم" بطيءٌ جداً. فالأزمات الاقتصادية، مثلاً، تظهر بانتظامٍ رغم تطور النظريات المالية. أزمة 2008 لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، لأن الجشعَ والثقةَ المفرطة في الأسواق سماتٌ بشريةٌ يصعب تطويعها.

من زاوية أخرى، قد نرى أن التاريخ لا يُعيد نفسه، بل نحنُ مَن نعيد قراءته عبر عدسة الحاضر. فالمؤرخون غالباً ما يبحثون عن تشابهاتٍ تبرر تفسيراتهم للأحداث الجارية. عندما ننظر إلى صعود الشعبوية في أوروبا وأمريكا، نربطها بسهولةٍ بصعود النازية في الثلاثينيات، لكننا نتجاهل أن السياقَ اليوم مختلفٌ جذرياً: العولمة، وسائل التواصل الاجتماعي، التهديدات البيئية... كلها عواملٌ تُضعف مقارنة الماضي بالحاضر.

لكن ربما يكون السؤال الأعمق: لماذا نصرُّ على مقارنة الحاضر بالماضي؟ هل هو بحثٌ عن طمأنينةٍ زائفة بأن "كل شيءٍ قد مرَّ وسيمر"؟ أم أننا نحاول استخلاصَ دروسٍ تمنحنا بصيرةً لتجنب الكوارث؟ الحقيقة أن التاريخ، وإن لم يكرر نفس الأحداث بدقة، يُقدم لنا أنماطاً يمكن تتبعها: صعودُ الإمبراطوريات وسقوطُها، دوراتُ العنف والسلم، تحولاتُ القوة من حضارةٍ لأخرى. هذه الأنماط ليست قوانينَ حتمية، بل إشاراتٌ تحذيريةٌ لمن يملكون عيناً ترى ما وراء الأحداث العابرة.

اليوم، بينما يقف العالم على حافة تحولاتٍ كبرى – من الذكاء الاصطناعي إلى التغير المناخي – قد يكون من المغري أن ننظر إلى الماضي بحثاً عن إجابات. لكن ربما يكون التحدي الأكبر هو إدراك أننا نعيش في زمنٍ لا سابق له. فالتاريخُ لم يشهد من قبل قوةً تكنولوجيةً قادرةً على تغيير مصير البشرية خلال سنوات، ولم يُعايش تهديداً وجودياً كالمناخ. هذه العناصر الجوهرية تجعل من السذاجة اختزال الحاضر في مجرد نسخةٍ مكررةٍ من الماضي.

في النهاية، قد لا يكون السؤال "هل يعيد التاريخ نفسه؟" هو الأهم، بل "ماذا سنفعل بما تعلّمناه من التاريخ؟". فالإجاباتُ ليست في كتب الماضي، بل في كيفية توظيفنا لذكريات الجماعية لبناء مستقبلٍ لا يكرر مآسيها. التاريخُ ليس سيداً نتبعه، بل مرآةٌ نرى فيها انعكاسَ خياراتنا. وإن كانت هذه المرآة تُظهر وجوهاً مألوفة، فربما لأن الطبيعةَ البشرية، في جوهرها، ما زالت تبحث عن نفس الأشياء: الأمان، العدل، والكرامة. والصراعُ من أجلها هو القصة الوحيدة التي لا تتغير.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- خطة دافوس 2025.. الذكاء الاصطناعي والتقشف
- لماذا يُسارع الأغنياء لمغادرة بريطانيا؟
- الرفيق فيليب نودجينومي، الأمين العام للحزب الشيوعي بالبنين: ...
- الماركسيون في تونس بين النظرية والواقع
- فيديو لاستخدام سلاح صوتي ضد متظاهرين في صربيا..والسلطات تنفي ...
- التحولات الراهنة بالمنطقة العربية والمغاربية*
- تونس: بيان حزب العمال حول العدوان الأمريكي البريطاني الجديد ...
- بيان فرع الرباط لحزب النهج الديمقراطي العمالي حول عمليات هدم ...
- شيخ الأزهر يهاجم اليمين المتطرف في الغرب ويدعو للحوار بين ال ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب : الشهيدة حلبجة وشقيقاتها دروس لا ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - هل يعيد التاريخ نفسه؟