أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس بن يحيى السرياني - ولاية يعقوب الصدِّيق: سرُّ الخلافة المكنون في إرث المسيح المأذون















المزيد.....


ولاية يعقوب الصدِّيق: سرُّ الخلافة المكنون في إرث المسيح المأذون


إلياس بن يحيى السرياني

الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 04:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أما بعد، فإن من المسائل الجليلة، والمباحث العميقة، التي طواها النسيان وأهملها الاعتبار، ما كان من شأن يعقوب البار، أخي المسيح، والذي قُدر له أن يكون عماد الحركة التي أعقبت رحيل السيد المسيح عليه السلام. وإن المرء ليعجب كيف غُيِّب ذكر هذا الرجل في مدونات التاريخ المسيحي، وصُرف الاهتمام عنه إلى غيره من الرجال، حتى خفيت مكانته على عامة الناس، ولولا شذرات من الأخبار وأسانيد متفرقة في بطون الكتب، لما أمكن لنا أن نعيد رسم صورته بما يليق بجلال شأنه.

لقد سألت الحواريون سيدهم قائلين: "إنا نعلم أنك مفارقنا، فمن يكون لنا زعيمًا بعدك؟" فقال لهم المسيح: "إلى يعقوب البار فارجعوا، فهو الذي لأجله خُلقَت السماء والأرض." وهكذا، فإنه حينما اختطف الموت المسيح عليه السلام، لم تتفرق أتباعه ولم تنقض عرى دعوته، كما كان الحال مع غيره من المصلحين الذين قُتلوا في ذلك الزمان. فقد كان فيهم من الرجال من نهض بعبء القيادة، وثبت في موضعه، حتى أمكن لهذه الحركة أن تستمر وتنتشر، رغم ما نزل بها من المحن والخطوب.

أما أمر بقائها وامتدادها فمرده إلى ثلاثة أسباب، أولها: قيام يعقوب البار مقام المسيح، واتخاذه زعيمًا لجماعة المؤمنين، حيث كان ذا نسب شريف، فهو من آل داوود، كما كان صاحب يقين ثابت، وعزيمة ماضية. ومن كان له أخ كهذا، ورث عنه النسب والإيمان، لم يكن لأتباع المسيح أن يجدوا سندًا أقوى منه في زمن الشدائد.

وثاني هذه الأسباب، ما دعا إليه المسيح ويحيى المعمدان من البشارة بملكوت الله، وما اشتملت عليه دعوتهم من إصلاحٍ ونداء للعدل والتوبة، وهو أمر لم يكن ليزول بموتهم، إذ كان متأصلًا في نفوس أتباعهم، ممتدًا بجذوره في تراث بني إسرائيل ومعتقداتهم. وإن دعوة الحق، إذا ما قامت على أساس من النبوة، لم يكن لموت صاحبها أن يطويها، بل إن أصداءها تظل تتردد بين الأجيال.

وأما ثالثها، فهو اعتقاد الجماعة بأن المسيح لم يكن قد انتهى أمره بموت الجسد، بل رفعه الله، وأكرمه بمنزلة عنده، مما جعلهم يستبشرون بنصر الله، ويرون في تلك الآيات تصديقًا لما كانوا يرجون من اقتراب الملكوت.

ثم إن هؤلاء النفر، الذين بقوا بعد وفاة المسيح، عادوا إلى أورشليم، حيث اجتمعوا في الدار التي اجتمع فيها المسيح مع أصحابه قبيل وفاته، وأقاموا فيها نواة للحركة الجديدة. وكانوا في أيامهم الأولى يعيشون في وحدة واتفاق، يقتسمون أرزاقهم، ويؤازر بعضهم بعضًا، حتى استقرت لهم حال، وعادوا إلى دعوتهم التي نشأت على أيدي نبيهم.

وهنا نشأت المسألة التي طالما أساء التاريخ فهمها، وهي مسألة الزعامة بعد المسيح، فمن الناس من ذهب إلى أن بطرس هو الذي تزعّم الجماعة، وأنه كان أول أركان الكنيسة الناشئة، وأنه من بعده صار بولس حاملاً لواء النصرانية، وسائرًا بها في أرجاء العالم الروماني. غير أن ما ورد في رسائل بولس نفسه، وما نقله المؤرخون المعاصرون، يشير إلى أن يعقوب البار كان رأس الجماعة، وأن بطرس ويوحنا ما كانا إلا رسلًا من قبله، ينقلون أمره، ويعملون برأيه.

لكن بمرور الزمن، وتحوّل مراكز القوى في الديانة المسيحية، أُغفل ذكر يعقوب البار، وطُمِسَ أثره، وساد الاعتقاد بأن بطرس وبولس هما الركنان اللذان قامت عليهما الكنيسة، بل إن ذكر إخوة المسيح أنفسهم قد أصبح من المحظورات، إذ استقر في العقيدة الكنسية أن مريم ظلت بتولًا لم تلد غير المسيح، ومن ثم استُبعد أي ذكر ليعقوب وإخوته، حتى كادوا يغيبون عن الذاكرة التاريخية.

غير أن الحقائق التي طمست لا تبقى مدفونة إلى الأبد، ومن ينقّب في الوثائق والنصوص القديمة، يجد أن يعقوب البار لم يكن رجلًا عابرًا في تاريخ النصرانية، بل كان هو حامل لواء الدعوة بعد المسيح، وهو الذي قاد أتباعه، ورسّخ أركان الجماعة الناشئة، حتى صارت إلى ما صارت إليه. وإن في كشف هذا التاريخ الخفي لعبرة لمن أراد أن يقف على جذور الأمور، وينظر في نشأة المعتقدات على وجهها الصحيح.

هكذا، في رواية لوقا الواردة في سفر الأعمال، حينما ظهر يعقوب فجأة قائداً للحركة النصرانية في مجمع أورشليم، كان ذلك دليلاً على وعي لوقا بمقام يعقوب ومنزلته، إذ لم يجرؤ على إقصائه من الرواية في هذه اللحظة الحاسمة.

علينا أن نبدأ بحثنا عن يعقوب في المصادر التي بين أيدينا من العهد الجديد، إذ من هنا تحديدًا طُمست ذكراه أو كادت. لا نملك إلا رواية وحيدة متكاملة عن تاريخ الحركة المسيحية الأولى بعد وفاة يسوع، ألا وهي سفر أعمال الرسل. ومؤلف هذا السفر هو ذاته كاتب إنجيل لوقا، حيث وضعه ليكون المجلد الثاني لمؤلفه الأدبي. ولقد اضطلع هذا السفر بتشكيل الصورة القياسية للمسيحية الأولى، تلك التي يظهر فيها بطرس وبولس في أدوار غالبة، فيما يكاد يعقوب يُغيب عن المشهد. ولكن على الرغم من ذلك، فإن رؤية لوقا جاءت منحازة انحيازًا بيّنًا، وكانت مشوبة بكثير من الشك التاريخي. إذ كان يعلم بلا شك أن يعقوب تولى القيادة بعد وفاة يسوع، لكنه لم يكن راغبًا في التصريح بذلك. ففي الفصول الأولى من سفره، لم يأت على ذكر يعقوب مطلقًا، وصور بطرس على أنه القائد الذي لا منازع له بين أتباع يسوع. أما غايته الكبرى من هذا الكتاب فكانت إبراز مركزية الرسالة التي حملها بولس ونشرها.

وعلى الرغم من أن السفر يتألف من أربعة وعشرين فصلًا، إلا أنه بعد تقديم بولس في الفصل التاسع، ينصب تركيزه بالكامل عليه، حتى أن بطرس نفسه يبدأ في التلاشي من السرد. وبذلك، كان من الأجدر أن يُدعى الكتاب بـ "مسيرة بولس التبشيرية" بدلًا من "أعمال الرسل". ومع ذلك، لا يمكن القول بأن السفر خالٍ من القيمة التاريخية؛ إذ لولاه، لكانت معرفتنا بتاريخ المسيحية الأولى أقل بكثير. والأدهى من ذلك، أن لوقا ترك، من غير قصد، دلائل ضمن سفره، تسمح لنا بالتحقق مما وصل إلينا من مصادر أخرى، وهو أن يعقوب، لا بطرس، كان الخليفة الشرعي ليسوع والقائد الحقيقي للحركة. بيد أن قراءة سفر الأعمال قراءة فطِنة تتطلب وعيًا مستمرًا بالتحريف الذي أضفاه لوقا على القصة.

أكثر من أي إنجيل آخر، كان لوقا هو الأكثر إهمالًا لأسرة يسوع وتهميشًا لها. فهو الوحيد الذي تعمد عدم ذكر إخوة يسوع، فضلًا عن تسميتهم، رغم أن مصدره، مرقس، أورد أسماءهم بوضوح: يعقوب، ويوسي، ويهوذا، وسمعان (مرقس 6:3). وعندما صاحت امرأةٌ في الجموع التي تبعت يسوع: "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما!"، كان لوقا وحده من نسب إلى يسوع ردًا مفاده: "بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها" (لوقا 11:27-28). وحتى عند الصليب، حيث ذكر مرقس بوضوح أن "مريم أم يعقوب ويوسي"، بالإضافة إلى أخت يسوع سالومة، كن حاضرات، غيّر لوقا النص ليقول: "النساء اللواتي تبعنه من الجليل" دون تسميتهن (لوقا 23:49). ومثل هذا التغيير تكرر عند ذكر القبر، حيث لم يسمّ مريم المجدلية ومريم أم يعقوب، كما فعل مرقس، بل اكتفى بذكر "النساء اللواتي جئن معه من الجليل" (لوقا 23:55).

أما السبب في هذا التحريف، فهو أن لوقا أراد تجنب إثارة أي تساؤلات حول قيادة بطرس للاثني عشر أو تفوق رسالة بولس إلى الأمم. ولا ريب أن مثل هذه التعديلات الجريئة لم تكن عفوية، بل كانت جزءًا من مخطط لوقا لإعادة تشكيل تاريخ الحركة المسيحية الأولى بحيث يكون بولس في المقدمة، دون منازع، حتى لو استدعى ذلك طمس دور يعقوب. ولكن ما الذي كان يكمن وراء هذا الصراع؟

لقد كان لوقا أمميًا، بل الوحيد بين كتاب العهد الجديد الذي لم يكن يهوديًا. وبطبيعة الحال، كان يميل إلى إبراز الوجهة الأممية للمسيحية التي كان بولس يحمل لواءها. لم يكن بمقدوره إنكار أن يسوع كان يهوديًا، وأن جميع أتباعه الأوائل كانوا من بني إسرائيل، وأن الحركة المسيحية الأولى كانت حركة مهدوية نشأت في قلب الفكر اليهودي. ولكن حين كان لوقا يكتب، بعد مرور عقدين على الثورة اليهودية ضد روما، كانت تلك الجذور اليهودية للحركة تتعرض للتهميش المتزايد، كما بدأ الأمل القريب بعودة المسيح يخفت.

وكان لوقا أيضًا ذا نزعة مؤيدة للرومان. فقد صور بولس، بطله الرئيس، على أنه مواطن روماني، مشددًا على أن هذه الصفة يجب أن تحظى بالتقدير من قِبل قرائه الرومان. وفي روايته لمحاكمة يسوع، ذهب إلى أبعد مما فعله مرقس ليظهر بيلاطس البنطي حاكمًا عادلًا حاول جاهدًا الإفراج عن يسوع. وحذف لوقا من سرده مشاهد الجلد والتهكم الرهيبة التي تعرض لها يسوع على أيدي جنود الحامية الرومانية (لوقا 23:25). ووفقًا للمنظور اللاهوتي البولسي، لم يكن ممكنًا أن يموت يسوع "متروكًا من الله"، إذ كانت وفاته جزءًا من خطة إلهية تهدف إلى تحقيق الغفران (لوقا 24:47). وحتى في لحظة الصلب، لم يُدرج لوقا الصرخة الأخيرة التي تعبر عن الألم واليأس، بل أورد أن يسوع دعا بالمغفرة لصالبيه الرومان، قائلًا: "يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون" (لوقا 23:34). من هنا، فإن لوقا لم يكن يكتب تاريخًا محضًا، بل كان ينسج رواية لاهوتية، يتوجب علينا التعامل معها بحذر شديد، مع إدراك ميلها الواضح إلى نصرة بولس والتوجه الروماني.

لقد كان فقدان الذاكرة الجماعية بشأن "سلالة يسوع" ناتجًا عن تعمد سفر الأعمال طمس وجودها. فبحسب لوقا، لم يكن هناك مجال لأن يكون أتباع يسوع قد انسحبوا إلى الجليل بعد موته في حزنٍ وانكسار. فجميع "ظهورات" يسوع عنده حدثت في أورشليم، دون أدنى إشارة إلى الجليل وما قد يكون وقع فيه. وفي روايته، وقعت هذه "الظهورات" يوم الأحد ذاته، اليوم الذي اكتُشف فيه القبر الفارغ، بحيث تبددت أي شكوك قد خامرت التلاميذ إزاء موت زعيمهم الرهيب. ولقد أراد لوقا بذلك أن يضع "البشارة البولسية" في فم يسوع نفسه منذ البداية. بل وصل به الأمر إلى أن ينسب إلى يسوع أمرًا صريحًا بعدم مغادرة أورشليم (أعمال 1:4). وكان ذلك مقصودًا منه للإبقاء على المركزية الأورشليمية للحركة، مع طمس أي دور محتمل للجليل، حيث كانت الجذور العائلية ليسوع وأتباعه الأوائل.

من هنا، فإن فهمنا للحركة المسيحية الناشئة يظل قاصرًا ما لم نقرأ المصادر المتاحة قراءة نقدية، متحررة من القيود التي فرضها لوقا وتحريفه للأحداث بما يخدم مصالح معينة.

قال الحواريون لعيسى عليه السلام: "إنا لنعلم أنك مرتحل عنَّا، فمن يكون قائدنا بعدك؟" فأجابهم قائلاً: "مهما تكن وجهتكم، فانطلقوا إلى يعقوب البار، فهو الذي لأجله خُلقَت السماء والأرض."

لقد اكتُشف إنجيل توما في صعيد مصر سنة 1945، خارج قرية نجع حمادي. ورغم أن نصه المتوافر لدينا يعود إلى القرن الثالث للميلاد، فقد أظهر الباحثون أنه، رغم ما أصابه من إضافات لاهوتية لاحقة، يحفظ بين طياته وثيقة آرامية أصيلة تعود إلى الأيام الأولى لجماعة أورشليم المسيحية. وقد أفضت الدراسات إلى أن هذا الإنجيل يفتح لنا نافذة نادرة على ما اصطلح على تسميته بـ"المسيحية اليهودية"، أي الإيمان الذي تبناه أوائل أتباع المسيح عليه السلام، وكان يعقوب أخوه—الذي طوته يد النسيان—هو قائدهم الأول.

ليس إنجيل توما سرداً لحياة المسيح، بل هو مجموعة من 114 قولاً منسوبة إليه. ففي القول الثاني عشر نجد الحوار التالي:

قال الحواريون للمسيح: "إنا لنعلم أنك مرتحل عنَّا، فمن يكون قائدنا بعدك؟" فأجابهم: "مهما تكن وجهتكم، فانطلقوا إلى يعقوب البار، فهو الذي لأجله خُلقَت السماء والأرض."

هنا نجد تصريحاً صريحاً من المسيح ذاته بأنه عهد بالقيادة الروحية لجماعته إلى أخيه يعقوب! وهو تصريح يحمل في ثناياه إعلاءً لمقام يعقوب لا يقل عما قاله المسيح عن يحيى المعمدان، إذ وصفه بأنه "أكثر من نبي" وأعظم "المولودين من النساء" في ذلك الجيل، كما ورد في المصدر Q الذي يحتفظ بأقدم أقوال المسيح والمدمج حالياً في إنجيلي لوقا ومتى (لوقا 7: 24-28).

إن وجود هذا النص في إنجيل توما في صورته المتأخرة يشير إلى أن مسألة "من يكون قائدنا؟" كانت ذات شأن عظيم في أوساط أتباع المسيح بعد رحيله. والعبارة "مهما تكن وجهتكم" توحي بأن سلطة يعقوب لم تكن مقصورة على كنيسة أورشليم وحدها، ولا حتى على فلسطين الرومانية، بل امتدت إلى كافة أتباع المسيح. وأما قوله "لأجله خُلقَت السماء والأرض"، فهو يعكس فكرة يهودية قديمة مفادها أن العالم إنما يُحفظ بفضل نفر قليل من الصالحين. ولذا، لُقب يعقوب بـ"البار" تمييزاً له عن غيره ممن حملوا الاسم نفسه، وإعلاءً لشأنه بين الجماعة.

إن هذا الإنجيل يمثل أقدم شهادة جلية على أن يعقوب تسلم قيادة الحركة بعد المسيح، وهو أمرٌ يفهم ضمناً من سفر أعمال الرسل (15: 1-21)، بل تؤكده مصادر أخرى عديدة خارج العهد الجديد.

ومن هؤلاء الشهود كليمانس الإسكندري، الذي كتب في أواخر القرن الثاني الميلادي مؤكداً انتقال القيادة إلى يعقوب، إذ قال: "لم ينافس بطرس ويعقوب ويوحنا على المجد بعد صعود المخلِّص، إذ كانوا قد نالوا الكرامة منه سلفاً، بل اختاروا يعقوب البار أسقفاً على أورشليم" (أوسابيوس، تاريخ الكنيسة 2.1.3). وفي موضع آخر يضيف كليمانس قائلاً: "بعد القيامة، نقل الربُّ [يسوع] سرَّ المعرفة إلى يعقوب البار ويوحنا وبطرس، وهؤلاء بدورهم نقلوه إلى سائر الرسل، والرسل نقلوه إلى السبعين" (أوسابيوس، تاريخ الكنيسة 2.1.4). ويكشف لنا هذا النص عن الهيكل التنظيمي الذي تركه المسيح خلفه: في المقدمة يعقوب البار، يعاونه عن اليمين والشمال يوحنا وبطرس، ثم سائر الاثني عشر، ثم حلقة أوسع من التلاميذ بلغ عددهم السبعين، يشكلون ما يشبه "سنهدريم ناصري."

أما أوسابيوس، مؤرخ الكنيسة في القرن الرابع، فقد أورد قائلاً: "لقد دُعي يعقوب، الذي لقبه القدماء بالبار لفرط فضله، أول من انتُخب ليجلس على كرسي رئاسة الكنيسة في أورشليم" (تاريخ الكنيسة 2.1.2).

كما حفظ لنا أوسابيوس شهادة المؤرخ اليهودي المسيحي هجيزبوس، الذي عاش في أوائل القرن الثاني، حيث قال: "لقد انتقلت خلافة الكنيسة إلى يعقوب أخي الرب، مع سائر الرسل. وكان يُدعى ‘البار’ من الجميع، منذ عهد الرب إلى يومنا هذا، إذ أن كثيرين حملوا اسم يعقوب، أما هو فقد كان طاهراً منذ بطن أمه" (تاريخ الكنيسة 2.23-24). ومن اللافت أن الكلمة اليونانية التي استخدمها هجيزبوس، διαδεξομαι (ديادِكسوماي)، تدل على وراثة مشروعة، كما استُخدمت عند الحديث عن انتقال الحكم من فيليب ملك مقدونيا إلى ابنه الإسكندر الأكبر.

ولدينا أيضاً مصدر سرياني مكتشف حديثاً، وهو "صعود يعقوب"، المدون في مجموعة تُعرف بـ"الاعترافات الكلمنتيّة الزائفة"، ويعكس بعضاً من أقدم التقاليد المتعلقة بكنيسة أورشليم تحت قيادة يعقوب البار. ففيه نجد ما يلي:

"كانت كنيسة أورشليم، التي أسسها ربنا، تزداد عدداً، وكان يعقوب يحكمها باستقامة وثبات، إذ جعله ربنا ناظراً عليها" (الاعترافات السريانية 1.43.3).

وفي النسخة اللاتينية من الاعترافات نقرأ التحذير التالي:

"لذلك، احترزوا أشد الاحتراز، فلا تقبلوا أي معلم ما لم يحمل شهادة من يعقوب أخي الرب، أو ممن يخلفه" (4:35).

أما "رؤيا يعقوب الثانية"، وهي من النصوص التي وُجدت مع إنجيل توما في نجع حمادي، فقد شددت على الرابطة الوثيقة بين المسيح ويعقوب، إذ صُوِّرا على أنهما "رُضِعا من ذات الثدي." وفيها يقبّل المسيح أخاه يعقوب قائلاً: "هأنذا أُعلن لك كل شيء، يا حبيبي" (50.15-22).

وحتى إنجيل العبرانيين يضع يعقوب في العشاء الأخير، مما يوحي بأنه كان أحد الاثني عشر، بل يرجح أنه هو نفسه "التلميذ الذي كان يسوع يحبه."

إن ما يثير الإعجاب في هذه المصادر، على تنوعها في الأزمنة والأصول والاتجاهات، هو اتفاقها جميعاً في جوهرها على حقيقة واحدة:

المسيح سلَّم قيادة حركته إلى يعقوب؛ وكان يعقوب شخصية مشهورة حتى بين غير المسيحيين مثل المؤرخ يوسيفوس، بسبب سمعته في الصلاح؛ وكان بطرس ويوحنا وسائر الرسل ينظرون إليه بوصفه قائدهم.

وبهذا، فإننا اليوم على أتم الاستعداد للتعمق في طبيعة الإيمان الذي تسلمه يعقوب من أخيه المسيح، وما تكشفه هذه السلالة النصرانية من أسرار عن الرسالة التي عاش المسيح لأجلها ومات.



#إلياس_بن_يحيى_السرياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول الفصيح في شهادة يوسيفوس على المعمدان والبار والمسيح


المزيد.....




- مستوطنون يعتدون على المواطنين غرب سلفيت
- منحة دولية لحركة طالبان من أجل مكافحة تغير المناخ
- التعليم تعزل تدريسياً بالجامعة العراقية لإثارته النعرات الطا ...
- الإنجيليون تيار -الولادة الثانية- في الكنيسة البروتستانتية
- الكويت..اكتشاف بئر أثرية تنضح بالمياه تعود لفترة ما قبل الإس ...
- 760 وحدة استيطانية ومعهد ديني يهودي.. التفكجي لـ-القدس-: بلد ...
- -جائزة ترضية-.. -واشنطن بوست- تعلق على صورة البابا فرانسيس ف ...
- الفاتيكان ينشر أول صورة للبابا فرنسيس أثناء فترة علاجه في ال ...
- مصر.. الإفتاء تكشف عن الحد الأدنى لزكاة الفطر
- الفاتيكان ينشر أول صورة للبابا فرنسيس منذ أكثر من شهر (صورة) ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس بن يحيى السرياني - ولاية يعقوب الصدِّيق: سرُّ الخلافة المكنون في إرث المسيح المأذون