أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس بن يحيى السرياني - القول الفصيح في شهادة يوسيفوس على المعمدان والبار والمسيح















المزيد.....


القول الفصيح في شهادة يوسيفوس على المعمدان والبار والمسيح


إلياس بن يحيى السرياني

الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 04:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في سالف الدهر، إذ كانت ممالك الأرض تمور بفتنها، وكانت القوى العظمى تتصارع على الهيمنة والنفوذ، وُلد في العام السابع والثلاثين بعد الميلاد رجلٌ جليلُ الذكر، يُدعى يوسيف بن متتياهو، والذي بات يُعرف بين أهل العصور المتأخرة باسم يوسيفوس فلافيوس. نشأ في كنف بني إسرائيل، وترعرع بين أهل العلم والفضل، حتى إذا ما شبّ واستوى عوده، انبرى قائداً لجيوش اليهود في الجليل إبان الثورة الكبرى على روما سنة ست وستين للميلاد. ولكن الأيام تقلّبت، فغلبته دولتها، وأحاطت به الخطوب، فاستسلم للقائد الروماني فسباسيان، وأضحى بعدئذٍ من خاصته، يعيش في كنفه، وينعم برعاية الإمبراطور الجديد وأبنائه، تيتوس ودوميتيان.

كان ليوسيفوس شأنٌ عظيم في التأريخ لتلك العصور، وقد خلد للأجيال سير الحوادث الكبرى في مصنفات جليلة، من بينها حروب اليهود، التي دونها نحو سنة خمس وسبعين للميلاد، وآثار اليهود، التي أتمها في العقد التاسع من القرن الأول، والرد على أبيون، الذي دافع فيه عن بني إسرائيل تجاه انتقادات الفلاسفة اليونان. ولم يكن ينقص سيرته إلا أن يخطّ بقلمه لمحات من سيرته الذاتية، ففعل ذلك في كتابه حياة فلافيوس يوسيفوس، الذي ألفه قبيل وفاته سنة مئة للميلاد، فصار مرآةً لمن شاء أن يتبصر في أحوال تلك العصور المضطربة.

يوسيفوس وشهادته عن المعمدان والمسيح وأخيه يعقوب

إن الباحثين في نشأة النصرانية لا غنى لهم عن مطالعة مصنفات يوسيفوس، فهي تحوي من الكنوز ما لا يُستغنى عنه، ولعلّ من أندرها وأثمنها ذكره لثلاثة رجال كانت لهم مكانةٌ محورية في مسيرة هذه الدعوة الناشئة: يوحنا المعمدان، ويسوع الناصري، وأخوه يعقوب. وكلّهم، كما يخبرنا التاريخ، لقوا حتفهم قتلاً على يد السلطتين السياسية والدينية، حتى صاروا رموزاً لحركةٍ امتدت جذورها في الأرض، وتفرّعت أغصانها، وهي ما صار يُعرف عند الباحثين باسم حركة يسوع.

غير أن المتفحّص في آثار يوسيفوس يجد أن ذكر هؤلاء لم يظهر في كتابه الأول، حروب اليهود، الذي كُتب في أعقاب الدمار العظيم الذي حلّ بالقدس. بيد أنه في كتابه المتأخر آثار اليهود، الذي دُوّن بعد عقود، أورد هذه الأخبار، مما يرجّح أنه كان في أول أمره متوجساً من التطرّق إلى شأن أيّ حركة يُشمّ منها عبق "المسيانية"، لا سيما في ظل سعي الإمبراطور فسباسيان للقضاء على كل دعوة تحمل في طياتها تبشيراً بملك داوودي جديد على بني إسرائيل. وقد يكون يوسيفوس، بذكائه السياسي، تعمّد تجاهل هذه الشخصيات في حروب اليهود حفاظاً على سلامة أصحابها أو المتعاطفين معهم، أو لعله أراد أن يصرف أعين السلطة الرومانية عنهم.

يوسيفوس وذكره ليوحنا المعمدان ويعقوب أخي يسوع

ومما يزيد ذكر يوسيفوس قيمةً أنه لم يكن نصرانياً، بل كان مؤرخاً يهودياً خارجاً عن دائرة السجال اللاهوتي المسيحي. فلم يكن له غرض في تمجيد يسوع أو التنقيص منه، ولا في الانتصار لفريق دون آخر. ولذا، فإن ما أورده عن يوحنا المعمدان، وهو أن هيرودس أنتيباس أمر بقتله مخافة أن يؤدي نفوذه بين الناس إلى ثورة، يعكس طبيعة القلق السياسي من الحركات الدينية في ذلك العصر. وأما عن يعقوب، أخي يسوع، فقد ذكر أن قتله كان على يد رئيس الكهنة حنان بن حنان، الذي وصفه يوسيفوس بأنه رجل متعجرف ظالم.

أما عن يسوع الناصري، فإن ذكره في آثار اليهود وقع في موضع أثير عند الباحثين، إذ يُحتمل أنه تعرض مع الزمن لتحريفات أضافها النسّاخ المسيحيون في القرون الوسطى. فقد جاءت الرواية في نصّها التقليدي على هذه الصورة:

"كان في ذلك الزمان يسوع، رجلٌ حكيم، إن جاز أن يُدعى إنساناً، فقد كان صانعاً للآيات، ومعلماً لأولئك الذين يتلقّون الحق بسرور. وجذب إليه كثيرين من اليهود ومن الأمم. وكان هو المسيح. وعندما حكم عليه بيلاطس بالصلب بناءً على مشورة رؤساء قومنا، لم يكفّ محبّوه في بادئ الأمر عن التعلق به، إذ تراءى لهم حياً في اليوم الثالث، كما تنبّأ الأنبياء الإلهيون عن هذه الأمور وسواها من العجائب التي لا تحصى. ولا تزال عشيرته، التي تُدعى المسيحيين باسمه، قائمةً إلى هذا اليوم." (آثار اليهود 18: 63-64)

لكن الباحثين المتفحّصين، إذا ما أسقطوا من هذه الفقرة ما بدا زائداً على لسان يوسيفوس، وجدوا أن مضمونها يتلخص فيما يلي:

"كان في ذلك الزمان يسوع، رجلٌ حكيم، صانعٌ للآيات، اجتذب إليه كثيرين. وعندما حكم عليه بيلاطس بالصلب بناءً على مشورة رؤساء قومنا، لم يكفّ محبّوه عن التعلق به، ولا تزال عشيرته، التي تُدعى المسيحيين باسمه، قائمةً إلى هذا اليوم."

وهذا القدر من القول يتسق مع ما يراه المؤرخون عند استخلاصهم الحدّ الأدنى من حقيقة يسوع التاريخي: أنه كان معلماً صاحب كرامات، اصطدم بأصحاب السلطة، فقتلوه، غير أن أتباعه استمروا بعده، مقتنعين بأنه لم يُهزم بالموت.

وقد سعى بعض الباحثين، كروبرت أيزلر، إلى إعادة بناء النص الأصلي بناءً على افتراض أن بعض العبارات قد حُذفت من الأصل، ومن ذلك أنه قد يكون كُتب في الرواية الأولى أن يسوع "كان يُعدّ ساحراً"، أو أن أتباعه "كانوا ينظرون إليه بوصفه ابن الله". غير أن التعديل بالحذف لا يقلّ إشكالاً عن التعديل بالإضافة، مما يجعل أي قراءة تأويلية للنص موضع جدل طويل.

وقد أُميط اللثام عن نسخة عربية لنصّ يوسيفوس، محفوظة في مخطوطات تعود إلى القرن العاشر، خلت من الإضافات المسيحية الصريحة، وورد فيها:

"كان في ذلك الزمان رجلٌ حكيمٌ يُدعى يسوع، حسن السيرة، معروفٌ بالفضيلة. وكان له تلاميذ من بين اليهود والأمم. فحكم عليه بيلاطس بالموت صلباً. غير أن تلاميذه لم ينصرفوا عنه، إذ زعموا أنه ظهر لهم في اليوم الثالث، وكان حياً. ومن ثمّ آمنوا بأنه هو المسيح الذي تنبّأ عنه الأنبياء."

ومما لا غرو فيه أن هذه الروايات المختلفة تتلاقى في كونها تمثل شهادة يهودية قديمة عن يسوع وأخيه يعقوب، بعيداً عن التفاسير اللاهوتية التي تبناها أتباعه بعدئذٍ. فهي بذلك تُعدّ أثراً تاريخياً نفيساً، يشهد على ولادة واحدة من أعظم الحركات الدينية في التاريخ البشري.



#إلياس_بن_يحيى_السرياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مستوطنون يعتدون على المواطنين غرب سلفيت
- منحة دولية لحركة طالبان من أجل مكافحة تغير المناخ
- التعليم تعزل تدريسياً بالجامعة العراقية لإثارته النعرات الطا ...
- الإنجيليون تيار -الولادة الثانية- في الكنيسة البروتستانتية
- الكويت..اكتشاف بئر أثرية تنضح بالمياه تعود لفترة ما قبل الإس ...
- 760 وحدة استيطانية ومعهد ديني يهودي.. التفكجي لـ-القدس-: بلد ...
- -جائزة ترضية-.. -واشنطن بوست- تعلق على صورة البابا فرانسيس ف ...
- الفاتيكان ينشر أول صورة للبابا فرنسيس أثناء فترة علاجه في ال ...
- مصر.. الإفتاء تكشف عن الحد الأدنى لزكاة الفطر
- الفاتيكان ينشر أول صورة للبابا فرنسيس منذ أكثر من شهر (صورة) ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس بن يحيى السرياني - القول الفصيح في شهادة يوسيفوس على المعمدان والبار والمسيح