أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - بهجت العبيدي البيبة - حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طريقة وصولنا إلى منازلنا؟














المزيد.....


حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طريقة وصولنا إلى منازلنا؟


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 17:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لطالما كنت مفتونًا بتلك النظريات الكبرى التي لا تنتمي فقط لعالم الفيزياء، بل تتسرب ببطء إلى تفاصيل حياتنا اليومية. لست عالمًا، وليس في جيبي معادلات تثبت إدراكي لها، لكنني كنت دائمًا ذلك القارئ المهووس بفهم الأساسيات. كعاشقٍ للأسئلة الوجودية، حاولت مرارًا وتكرارًا أن أخوض في متاهات نظرية التطور، لأفهم كيف يمكن لطفرة جينية صغيرة أن تفتح أبوابًا جديدة في تاريخ الحياة.
لاحقًا، قادني فضولي إلى عالم فيزياء الكم، حيث لم تعد القوانين مطلقة كما تبدو في الفيزياء الكلاسيكية، بل صارت غارقة في احتمالات مذهلة. تجسّدت هذه الدهشة في مفارقة قطة شرودنغر، التي وضعها العالم النمساوي إروين شرودنغر لتوضيح غرابة التفسير الكمّي للواقع. كان الأمر أشبه بحوار مع الكون بلغة الغموض، حيث تساءلتُ كيف يمكن للواقع أن يكون معلقًا بين الاحتمالات حتى يُرصد. وما زلت أذكر تلك اللحظة التي قرأت فيها عن مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، وكأنني أفك شيفرة رسالة خفية كتبت بين النجوم
وقبل ذلك كنت دائمًا أحاول فهم نظرية الانفجار العظيم، وكيف بدأ الكون من حالة متفردة ذات كثافة ودرجة حرارة لا نهائية، ثم مرّ بمرحلة التضخم الكوني التي ساعدت في تجانس حرارته عبر الامتداد الشاسع. ومع تقدم العلم، خاصة عبر ملاحظات إشعاع الخلفية الكونية الميكروية، تمكّن العلماء من تحديد عمر الكون بحوالي 13.8 مليار سنة، بينما أسس ماكس بلانك نظرياته حول ميكانيكا الكم، التي ساهمت في فهم أعمق للطاقة والإشعاع في المراحل الأولى من الكون

وجاءت النسبية لأستمر في محاولاتي لفهم تلك النظريات المعقدة.
وفي كل مرة أحاول الغوص في النسبية، أجد نفسي مسحورًا بقدرة الإنسان على إعادة تعريف مفاهيم أساسية كالمكان والزمن. ربما لم تكن محاولاتي كلها مثمرة، لكنني أجد أن هذا السعي لفهم الأسس العلمية للنسبية يتجسد اليوم في شيء بسيط لكنه معجز: تطبيق الخرائط في الهاتف.
ما أجمل أن نجد هذا التزاوج بين الفيزياء الدقيقة والحياة اليومية! فبفضل تلك الأقمار الصناعية التي تقيس الزمن بمقياس آينشتاين وتصحح انحرافاته، أصبح بإمكاننا الانتقال من مكانٍ إلى آخر دون أن نفقد طريقنا. كل ضغطة زر على تطبيق الملاحة هي شهادة على عبقرية بشرية اجتمعت بين صفحات كتب العلم وسماء التكنولوجيا.
ففي كل مرة تخرج هاتفك من جيبك، تفتح تطبيق الخرائط، وتطلب من النظام أن يرشدك إلى وجهتك، فأنت تمارس سحرًا عصريًا دون أن تدري. بضغطة زر، يتحرك سهمٌ صغير على الشاشة، يقودك عبر الشوارع، ينعطف حين يجب، ويتوقف عندما تصل. الأمر يبدو بسيطًا، وتلقائيًا، بل وبديهيًا، لكنه في جوهره مبني على واحدة من أعقد النظريات الفيزيائية التي عرفتها البشرية: النسبية، تلك التي غيّرت فهمنا للزمن والمكان، وجعلت من الممكن أن نصل إلى عناويننا بدقة لا تخطئها العين.
قبل آينشتاين، كان الزمن يبدو كيانًا مطلقًا، يجري بنفس الوتيرة في كل مكان، لا يتأثر ولا يتغير. لكن هذا التصور لم يصمد أمام عبقرية الرجل الذي أدرك أن الزمن، مثل المكان، يمكن أن يتمدد أو ينكمش، أن يسرع أو يبطئ، وفقًا للسرعة والجاذبية. لم يكن هذا مجرد استنتاج فلسفي، بل حقيقة فيزيائية تم قياسها بدقة، وكان على العالم أن يعيد حساباته بناءً على ذلك.
في الفضاء، حيث تدور الأقمار الصناعية التي يعتمد عليها نظام تحديد المواقع العالمي، الزمن لا يجري كما يجري على سطح الأرض. هذه الأقمار تدور بسرعة هائلة تصل إلى أربعة عشر ألف كيلومتر في الساعة، وفي مدار يرتفع عشرين ألف كيلومتر عن الأرض. عند هذه السرعة، يقول آينشتاين إن الزمن داخل القمر الصناعي يجب أن يتباطأ مقارنة بالزمن على الأرض. لكن هناك عاملًا آخر لا يقل أهمية: الجاذبية. فكلما ابتعدنا عن مجال الجاذبية القوي، تسارع الزمن، وهذا يعني أن الأقمار الصناعية، البعيدة عن قبضة الجاذبية الأرضية، تعيش زمنًا أسرع من ذلك الذي نعيشه نحن على سطح الأرض.
هذه المفارقة الزمنية الصغيرة، التي لا تتجاوز بضعة ميكروثوانٍ في اليوم الواحد، قد تبدو تافهة للوهلة الأولى، لكنها في عالم الـ GPS تعني كارثة. أنظمة تحديد المواقع تعتمد على إشارات دقيقة تقيس الفارق الزمني بين الأقمار الصناعية المختلفة لتحديد موقعك بالضبط. فارق زمني صغير، غير محسوب، يعني خطأً في حساب المسافات، وهذا الخطأ يتراكم يومًا بعد يوم، حتى يصل إلى عشرة كيلومترات أو أكثر خلال أربع وعشرين ساعة فقط. تخيل أنك تحاول الوصول إلى منزلك، لكن هاتفك يقودك إلى منتصف البحر، أو إلى حي آخر تمامًا.
لتجنب هذا المصير الفوضوي، كان على العلماء أن يأخذوا النسبية في الحسبان. ومن هنا كان لابد أن تتم برمجة أنظمة الـ GPS بحيث تعدّل الزمن في الأقمار الصناعية، فتعوض الفارق الزمني الناتج عن السرعة والجاذبية، وتجعل الساعات هناك متزامنة مع الساعات على الأرض. بفضل هذه التصحيحات، يمكن للنظام أن يرشدك إلى باب منزلك بدقة تصل إلى سنتيمترات قليلة.
ليس من السهل أن نتصور أن هذه الحسابات الدقيقة، التي تعتمد على معادلات آينشتاين، تجري في كل مرة نطلب فيها سيارة عبر تطبيقات النقل، أو نبحث عن أقرب مطعم، أو حتى نحاول معرفة موقع صديق. النظريات التي وُلدت في عقول الفيزيائيين قبل قرن، أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تعمل بصمت في الخلفية، دون أن نشعر بها.
لولا آينشتاين، لما تمكنّا من الاعتماد على أنظمة الملاحة كما نفعل الآن. ولولا النسبية، لكان العالم الذي نعرفه اليوم أقل دقة، وأكثر ارتباكًا، وربما مليئًا بأشخاص تائهين يبحثون عن عناوين لا يمكن العثور عليها. في كل مرة تصل فيها إلى وجهتك بسهولة، تذكّر أنك تدين بهذا الإنجاز لرجل قرر أن يعيد تعريف الزمن، وأقمار تدور في السماء وهي تحمل سر الدقة التي لم نكن لنصل إليها بدونه.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في ...
- عندما تصبح الخرافة تهديدًا للوعي: قراءة نقدية في تصريحات حول ...
- الصيام عبر الزمن: من عادات القدماء إلى عبادة الإسلام
- رمضان… حين يشرق النور في القلوب
- التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية ف ...
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...
- بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل


المزيد.....




- الكويت.. إلغاء حفل هيفاء وهبي المرتقب في عيد الفطر
- الجزائر ترفض قائمة ترحيل جديدة من فرنسا وتنتقد -المقاربة الا ...
- برج إيفل يرتدي الحجاب: ما حقيقة هذا الفيديو المثير للجدل؟
- دمشق وبيروت تتفقان على وقف إطلاق النار بعد اشتباكات حدودية أ ...
- البنتاغون: كل الخيارات مطروحة ضد إيران ردا على هجمات الحوثيي ...
- الحوثي: نحذر الأمريكيين من أن استمرار عدوانهم يدفعنا إلى موا ...
- صراع من أجل البقاء.. عشرات الفلسطينيين يتدافعون للحصول على ا ...
- إسرائيل: توجه نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك يهدد بأزمة سياسية ...
- إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي يقصف دمشق
- وزير الخارجية اللبنانية ونظيره السوري يبحثان التطورات على ال ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - بهجت العبيدي البيبة - حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طريقة وصولنا إلى منازلنا؟