خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم
(Khaled Ali Silevani)
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 14:01
المحور:
كتابات ساخرة
يُقال إن الكتابة نور، وإن الصحافة سلطة رابعة، وإن القلم لا ينحني إلا ليسجّل الحقيقة... لكن الواقع يصرّ على تكذيب كل هذه الشعارات المثالية! نحن في زمن أصبح فيه الفساد كائناً متعدّد الرؤوس، كلما قطعنا رأسًا نبت مكانه عشرة، نقف اليوم أمام مرحلة جديدة: فسادٌ يتسلل إلى أقلامٍ كانت تكتب عن الفساد!
الرقابة تحتاج إلى رقابة... والفساد إلى المزيد من الكتّاب!
الفكرة بسيطة، إذا كان هناك صحفيون وكتّاب فاسدون، فعلينا أن نضاعف عدد الصحفيين النزيهين لكشفهم، أليس كذلك؟ لكن ماذا لو فسد النزهاء؟ حسنًا، لا يستوجب القلق، فالحل مُعدّ: سنُنشئ جيلاً جديدًا من الصحفيين ليكتبوا عن فساد الذين كانوا يكتبون عن الفساد. وإذا فسدت هذه الدفعة أيضًا، فسنحتاج إلى دفعة ثالثة، وهكذا حتى يصبح كل مواطن صحفيًا متخصصًا في كشف فساد الصحفي الذي سبقه!
وفي هذا السباق المحموم، لن يكون الفاسد وحده مرعوبًا من التحقيقات، بل حتى النزيه سيبدأ في القلق: متى يحين دوري؟ لأن الحقيقة الصادمة هي أن النزاهة لم تعد صفة، بل وظيفة مؤقتة، تنتهي صلاحيتها فور ظهور صحفي أكثر "نزاهة"، أو لنقل... أكثر تعطشًا للأضواء!
الكاتب الشريف: مهنة قصيرة الأجل!
يبدأ الكاتب حياته المهنية كمحارب للفساد، يقاتل بلا خوف، يفضح الصفقات المشبوهة، وينال التصفيق. لكنه لا يدرك أن الأيام لا ترحم، وأن هناك جيشًا من الصحفيين الجدد ينبش في تفاصيله وما وراء الستائر كما نبش هو في تفاصيل غيره، حيث أنه بعدما يكشف الفساد، يُغرى بالمناصب والمال، فيصمت، ثم يصبح فاسدًا ليكشفه كاتب جديد.... فجأة، يجد اسمه متصدرًا العناوين كمُتهم، بعدما كان بطلاً، ويصبح هو "الفساد" الجديد الذي يجب استئصاله.
ثم، وبهدوء مريب، يختفي الكاتب السابق خلف الكواليس، بينما يكتب عنه آخر، ثم يختفي الثاني ليكتب عنه ثالث، وهكذا في سلسلة لا نهائية من الفضائح التي تحوّلت إلى المحتوى الإعلامي الأكثر انتشارًا... دون أن يتغير أي شيء حقيقي على أرض الواقع!
مستقبل الصحافة: الجميع متهم حتى إشعار آخر!
إذا استمر هذا الحال، فسيصبح كل مقال صحفي حلقةً في مسلسل درامي لا نهاية له، حيث يفضح الكاتب الأول الكاتب الثاني، والثاني يفضح الثالث، والثالث يفضح الرابع... حتى يتحوّل الإعلام كله إلى مؤسسة صانعة الفاسدين بدلًا من أن تكشفهم وتحاربهم!
وفي النهاية، قد يأتي يوم تُصبح فيه الصحف بلا أخبار، لأن جميع الصحفيين سيكونون مشغولين في قضايا فساد بعضهم البعض، فيما يجلس القارئ المسكين متحسرًا، يتساءل: "أين الفساد الحقيقي؟ ومن يكتب عنه؟"
ربما الجواب الوحيد سيكون: الفساد الحقيقي ليس في الصحفيين، بل في الذين جعلونا نظن أن الكتابة عنه ستصلح الأمور!
#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)
Khaled_Ali_Silevani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟