|
سلطة ترامب مبنية على الرمال / بقلم: أنغار سولتي*
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 21:15
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ترجمة
ستكون ولاية دونالد ترامب الثانية قاتمة: فسوف يثير صراعات جديدة في الخارج ويظهر قسوة استبدادية في الداخل. لكن قوته الظاهرة ليست سوى واجهة. لأنه في الحقيقة رئيس بلا شعبية. بدأت ولاية دونالد ترامب الثانية، وسوف يكون مختلفا عما كان عليه خلال ولايته الأولى. لقد تحولت الظروف التي يعمل في ظلها ترامب اليوم لصالح أهدافه السياسية والقوى التي تدعمه. واتجاه رحلته بدا واضحا من خلال المدعوين إلى حفل تنصيبه: لم يتواجد الرئيس الفرنسي ماكرون أو المستشار الألماني شولتس أو زعيم المعارضة البرلمانية الألمانية ميرتس حاضرا، ولكن ميلوني وفايد كانا إلى جانبه، وفي المنتصف، اصطف مليارديرات وادي السيليكون مارك زوكربيرغ وإيلون ماسك وجيف بيزوس مثل دجاجة حاضنة. إن ترامب يرى نفسه، وهذه هي الرسالة، ممثلاً لليمين المتطرف، وليس لمجتمع دولي أو "غربي". لقد جدد مطالبه ببنما وغرينلاند: يريد إعادة قناة بنما إلى السيطرة الأمريكية وضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، وأعلن حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك. وعلاوة على ذلك، احتفل بالتزامه بمركزية سلطات اتخاذ القرار بتوقيعه مجموعة ضخمة من المراسيم. إن الزعماء الغربيين، بما في ذلك القوى الليبرالية "اليسارية" التي وصفت ترامب بالفاشي، هم ترامبيون في نواح كثيرة. إن ترامب ليس السبب الحقيقي، بل هو أحد أعراض التطورات الأساسية في الرأسمالية والإمبريالية الغربية، التي تعيش أزمة عميقة منذ عام 2007. وفي نهاية المطاف، فإن ترامب هو رئيس أميركي يرث ويواجه معضلات الإمبراطورية الأميركية، وهي كثيرة.
حرب اقتصادية ضد الجميع
الولايات المتحدة في منافسة تقنية عالية مع الصين. وهذا هو الصراع التاريخي العالمي في القرن الحادي والعشرين، ويبدو أن الولايات المتحدة تخسره، على الرغم من كل مصادر القوة الكبيرة التي تتمتع بها الدولة الأميركية. إن استراتيجية الصين للخروج من الأزمة المالية العالمية، والتي تضمنت تدخلاً حكومياً واسع النطاق لخلق أبطال وطنيين في مجال التقنيات المستقبلية بشكل عام والتقنيات الخضراء بشكل خاص، تفوقت على الاستراتيجية الغربية القائمة على "التخفيض الداخلي" للتكاليف والأجور. والنتيجة هي أن الصين أصبحت منافساً على قدم المساواة في العديد من التقنيات المستقبلية، من الاتصالات المتنقلة إلى الذكاء الاصطناعي وتقنيات البيانات الضخمة مثل تقنيات التعرف على الوجه والصوت. وعلاوة على ذلك، فإن الثورة الإلكترونية، التي لا رجعة فيها في الصين جعلت البلاد رائدة عالمية في مجال التكنولوجيات الخضراء، من توربينات الرياح والخلايا الشمسية إلى السيارات الكهربائية والقطارات عالية السرعة. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تتسامح مع تفوق أي منافس، ولم تنجح في مسعاها. لقد فشلت محاولة بوش للدفاع عن السيطرة على موارد النفط في الشرق الأوسط ضد كل المنافسين المحتملين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، كما فشل الحصار البحري للتجارة الصينية في سياق سياسة أوباما "التحول نحو آسيا" وعسكرة غرب المحيط الهادئ ("التمركز المتقدم"). ونتيجة لذلك، تعمل الولايات المتحدة على تكثيف صراعها من أجل الهيمنة العالمية، وتستخدم كل موارد قوتها المتبقية. التي ما تزال كثيرًة، ولكن أصبح من الواضح، بشكل متزايد، أن هذه التدابير قسرية. ويتجلى هذا، من ناحية، في الحرب الاقتصادية الأميركية ضد الصين والمنافسين الأجانب، التي بدأها أوباما، ونظمها ترامب، وكثفها جو بايدن: أولا، تسييس سلاسل التوريد، والذي يصل إلى حد فرض الحكومة الأميركية عقوبات على شركات القطاع الخاص الأجنبي التي لديها تعامل تجاري مع الصين أو حتى التي تقوم بتوظيف مواطنين صينيين. ثانيا، يتم استخدام السوق المحلية في الولايات المتحدة كأداة لابتزاز الصين وأيضا أوروبا، لضمان احتكار برمجيات شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون ومنتجات الأدوية مثل اللقاحات. ثالثا، القيام بتدخل قسري واسع النطاق في "السوق الحرة". ومن الأمثلة على ذلك المحاولة الفاشلة، لصالح مليارديرات التكنولوجيا وباسم "الأمن القومي"، لإجبار مجموعة تيك توك الصينية بايت دانس على الخروج من السوق الأمريكية من خلال فرض بيعها أو فرض الحظر غير القانوني عليها.
حرب باردة جديدة
ومن ناحية أخرى، فإن وسائل الإكراه واضحة في الجغرافيا السياسية. إن الولايات المتحدة تحاصر الصين بواسطة عسكرة غرب المحيط الهادئ والتراجع العدواني عن مبدأ الصين الواحدة الدبلوماسي، حيث تعترف بتايوان بموجب القانون الدولي إحدى عشرة دولة صغيرة فقط، بينما تعترف جميع دول العالم الأخرى بالجزيرة كجزء من البر الرئيسي للصين، في حين تدفع الولايات المتحدة نحو انفصالها، وهو ما أعلنت الصين رفضه مطلقا. وفي عالم يتحول مركزه الاقتصادي نحو الشرق والجنوب، حيث أصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة في العالم، وحيث أصبحت دول مجموعة بريكس أكثر جاذبية على نحو متزايد. إن هذه السياسة تهدف إلى دفع العالم إلى مواجهة بين الكتل الجديدة. وتتعرض دول كبيرة مثل الهند وكوريا الجنوبية لضغوط للتخلي عن سياساتها الخارجية الرامية إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة والصين، مما يدفعها إلى حرب باردة جديدة ضد جمهورية الصين الشعبية. لكن الحرب الباردة الجديدة تختلف عن الحرب الباردة القديمة في أنها ذات معالم معكوسة: في الحرب الباردة القديمة كانت الولايات المتحدة متفوقة اقتصاديا على الاتحاد السوفييتي ومهيمنة داخليا وخارجيا. لقد كانت بمثابة إمبراطورية الغرب الرأسمالي بلا منازع. وفي الوضع الجديد، يفقد الاقتصاد الأميركي موقعه المهيمن، ويتدهور مستوى معيشة أغلبية السكان الذين يتقاضون أجوراً في الغرب. ونتيجة لهذا، فقدت الإمبريالية الغربية هيمنتها: ففي الداخل، تتسبب الشعبوية اليمينية، التي تحرض السكان ضد المؤسسة السائدة والسياسات الحزبية الزبائنية، في اختلال وظائف الدولة إلى حد كبير. وبالإضافة الى ذلك، تتطلب استراتيجيات الخروج من الأزمات الرأسمالية أساساً برجوازية موحدة تتمتع بموارد سياسية هائلة وفضاء تعامل واسع. إن المفارقة في أزمات النظام الرأسمالي هي أنها تميل إلى تفتيت البرجوازية إلى أحزاب زبائنية عديدة أكثر التزاما بالحفاظ على سلطتها. وهي بالتالي غير قادرة على تنفيذ تخطيط واسع النطاق ضروري لمواجهة قدرات التخطيط الهائلة التي تتمتع بها الصين والحزب الشيوعي. في ضوء هذا الواقع، يجب أن ننظر إلى قرار ترامب المعلن بالحكم بطريقة استبدادية، بما في ذلك جعل السلطة التشريعية تحت سيطرة السلطة التنفيذية، والتطهير واسع النطاق لـ "الأعداء الداخليين" في أجهزة الدولة، والحكم بالأوامر التنفيذية، وربما حالة الطوارئ الدائمة الناجمة عن الصراعات العنيفة بشأن الترحيل الجماعي، وربما بسبب حسابات السلطة. إن عملية إعادة هيكلة الدولة الاستبدادية التي يريد ترامب البدء بها تجري في وضع تاريخي حيث أصبحت النخب والجماهير على حد سواء أقل اقتناعًا بوظيفة البرلمانية الليبرالية، وإن كان لأسباب متناقضة. ومن الممكن أن يكون انتقاد البرجوازية الليبرالية لهذا التمركز في وظائف السلطة فاتراً وبالقدر نفسه، تصبح الرأسمالية ما بعد الليبرالية.
لا عودة إلى اقتصاد ما بعد الحرب
سوف يستخدم ترامب، الذي يحلم علانية بـ "إمبراطورية موحدة"، سلطته الجديدة لمحاولة منع صعود الصين. ويتعزز موقفه بحقيقة أن إدارة بايدن واصلت وحتى كثفت الحرب الاقتصادية ضد الصين، على سبيل المثال من خلال زيادة الرسوم الكمركية العقابية على المركبات الكهربائية الصينية والألواح الشمسية من 25 إلى 100 في المائة. وبالإضافة إلى ذلك، تخطط الإدارة الجديدة لفرض تعريفة كمركية أساسية بنسبة 20 في المائة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة وتعريفة كمركية أساسية بنسبة 60 في المائة على جميع الوارد من الصين. وعلى الصعيد الداخلي، يتجادل فصيلان حول ما إذا كانت الحمائية، كما كانت في عهد ريغان وإدارة ترامب الأولى، مجرد وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في فرض شروط تجارية أفضل وانتزاع الجزية من بقية اجزاء العالم في مقابل حقوق الملكية الفكرية، أو ما إذا كانت غاية في حد ذاتها. وسوف يدور هذا النقاش حول الاتجاه بين وزير الخزانة المعين سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي يحظى بدعم من الرئيس الظل إيلون ماسك. وما يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كانت إدارة ترامب ستحافظ على قانون خفض التضخم وقانون التأمين الصحي للأطفال والعلوم باعتبارهما الركائز الأساسية لـ "التعبئة"، أي جذب الاستثمار الرأسمالي من بقية انحاء العالم. عندما أصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة لأول مرة، نفذ برنامجًا متطرفًا من السياسات الليبرالية الجديدة العتيقة. قام بخفض معدل الضريبة على أعلى شريحة من السكان من 39,6 في المائة إلى 37 في المائة، وخفض معدل الضريبة على الشركات من 37 إلى 21 في المائة. وبرر هذه الإجراءات باسم الطبقة العاملة. وزعم أن التخفيضات الضريبية التي تطبق اليوم على الشركات والأثرياء ستكون بمثابة استثمارات ووظائف بعد غد. ومن الممكن بالتالي إعادة تمويل التخفيضات الضريبية من خلال معدلات النمو الهائلة. وسوف يضمن النمو ارتفاع الأجور الحقيقية إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود، حتى في غياب النقابات والإضرابات العمالية. إن شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" هو شوق إلى "الفردوس المفقود" الذي كان سائداً في خمسينيات القرن العشرين، عندما كان الرجال الذين لا يحملون شهادات جامعية قادرين على إعالة أسرهم، وبناء منزل، وشراء سيارتين، وإرسال أطفالهم إلى الجامعات بدخل واحد، وكانت زوجاتهم يمارسن العمل المنزلي، ويعتمدن مالياً عليهم، ولا يستطعن تطليق أزواجهن المسيئين حتى لو أردن ذلك. وهذا ما يقصده المحافظون عندما يتحدثون عن "القيم العائلية". ولكن ما ضاع من الذاكرة بوضوح هو أن هذا "العصر الذهبي للرأسمالية"، كما أسماه المؤرخ الماركسي إريك هوبسباوم، كان يتطلب نقابات قوية، وضرائب عالية على رأس المال والأثرياء، وقطاع عام قوي مع ضوابط قوية، وسياسة نقدية تهدف إلى تشغيل العمالة الكامل وهو عكس ما قرره ترامب في ولايته الأولى وما يقترحه اليوم تماما. ونتيجة لذلك، لم يف ترامب بوعوده أبدًا. ويؤدى هذا إلى جعل طبقة المليارديرات أكثر ثراءً، ومضاعفة الدين العام الجديد تقريباً. ولم يكن مستغربا هبوط شعبية ترامب في عام 2017 بسرعة استثنائية إلى أقل من نسبة التأييد الحاسمة البالغة 40 في المائة فقط، بل غادر منصبه كرئيس غير شعبي تاريخيا ايضا. واليوم تتكرر القصة المأساوية كمهزلة. لقد فشلت استراتيجية بايدن الاقتصادية ليس بسبب المقاومة داخل حزبه من جانب السيناتور ورجل الأعمال الرأسمالي جو مانشين فقط، بل لأن إدارة بايدن، على عكس الصفقة الجديدة لروزفلت، امتنعت عن امتصاص ثروات فئة المليارديرات بشكل منهجي لتمويل استثمارات بايدن الضخمة، واعتمدت بدلاً من ذلك على أسعار فائدة منخفضة تاريخيًا. وعندما بدأ التضخم، أصبح من المؤكد أن "سياسة بايدن الاقتصادية" ستفشل.
رئيس بلا دعم
لقد أدى التضخم والمركزية السياسية لمؤسسة الحزب الديمقراطي الآن إلى عودة ترامب إلى السلطة، على الرغم من أنه لا يزال غير محبوب على نطاق واسع وينظر إليه من قبل غالبية السكان على أنه "متطرف للغاية". ويظهر سلوك التصويت للطبقة العاملة الأميركية المتنوعة أيضاً أن المسألة الطبقية كانت عاملاً حاسماً بالنسبة لكثيرين منهم. ولكن يبقى السؤال قائما حول ما إذا كان هناك حقا مشروع لترامب سيكون قادرا على اكتساب دعم أغلبية الأميركيين، ـ بما في ذلك العمال البيض واللاتينيين والآسيويين الأميركيين الذين صوتوا لصالحه. ومن المشكوك فيه أن يكون هناك مشروع ترامبي يتمتع بهذه القدرات المهيمنة. وهذا صحيح بشكل خاص لأن استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024 تظهر بوضوح أن ترامب لا يحظى بدعم واسع النطاق لخططه المتعلقة بالترحيل الجماعي، أو حظر الإجهاض، أو إعادة التوزيع الشامل من الأسفل إلى الأعلى. إن الولايات المتحدة دولة ذات طبقة عاملة معرضة للخطر بشكل كبير. لقد ارتفعت نسبة الذين يعيشون على الكفاف وليس لديهم أي مدخرات إلى 60 في المائة. قبل الأزمة المالية العالمية، كانت النسبة قرابة 40 في المائة. وبعبارة أخرى، فإن ثلاثة من كل خمسة أميركيين ليس لديهم مدخرات للتعامل مع المخاطر والغموض الهائل، الذي يلف الحياة في ظل الرأسمالية: التضخم، وفقدان الوظائف، والتوظيف غير الطوعي قصير الأجل، والعجز البدني أو العقلي عن العمل، ورعاية الأقارب، وولادة الأطفال أو تعليمهم الجامعي، أو حتى تكاليف الرعاية الطبية والصحية، والتي تعد السبب الأكثر شيوعا للإفلاس الشخصي في الولايات المتحدة. إن فردية المخاطر والتفكيك المتزامن لشبكة الأمن الاجتماعي يشكلان الأساس المادي الذي ينشأ عنه المزاج الشعبوي، الذي يدفع أغلبية سكان الولايات المتحدة إلى الاعتقاد بأن البلاد كانت "على المسار الصحيح" آخر مرة في أيار 2003. (في إشارة الى استطلاعات مؤسسة غالوب الامريكية العالمية – المترجم) تكمن المفارقة التاريخية في أن ترامب انتخب بسبب الغضب الواسع النطاق من التضخم، لكن الولايات المتحدة ستعاني من المزيد من التضخم بمجرد تنفيذ سياساته. وعندما حدثت صدمة فولكر (رئيس الاحتياطي الفيدرالي – المترجم) في عام 1979، والتي أدت إلى رفع أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمكافحة التضخم، كان التحول الليبرالي الجديد قد أكتمل. لقد أدت البطالة الجماعية الناتجة عن ذلك إلى كسر عنق قوة النقابات العمالية في الغرب، كما يتضح من حقيقة أن موجات الإضرابات الضخمة في السبعينيات قد هدأت قبل وقت طويل من إقالة ريغان لمراقبي الحركة الجوية أو قيام تاتشر بسحق إضراب عمال المناجم. وفي الوقت نفسه، أدى التضاعف المفاجئ في ديون الدولار في "العالم الثالث" الناجم عن صدمة فولكر إلى كسر ظهر حركات التحرر الوطني ذات التوجهات الاشتراكية إلى حد كبير، وبالتالي تمكين العولمة القسرية من خلال إمبريالية التجارة الحرة من خلال برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. إن القدرة على الحركة الناتجة عن ذلك لرأس المال مكنته من ابتزاز الطبقات العاملة في العالم لإجبارها على تقديم تنازلات في سياسة الأجور، وإجبار دول العالم على تقديم الإعانات وخفض الضرائب. أن تدمير هذين العمودين (حركات التحرر والطبقة العاملة في الغرب) أدى بدوره إلى تسهيل تدمير العمود الثالث، الاتحاد السوفييتي وبلدان الاشتراكية الفعلية، وخلق تناقضات جديدة. أحد هذه الأسباب هو أن الطبقة العاملة في البلدان الغربية أصبحت تعتمد بشكل متزايد على السلع الاستهلاكية الرخيصة المستوردة من الجنوب العالمي وخاصة من الصين. ومن نواح عديدة، تم تعويض ضعف قوة النقابات العمالية في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، بالعولمة الرأسمالية. ولكن نتيجة لذلك، فإن الرسوم الكمركية العقابية ضد الصين وبقية العالم سوف تزيد بشكل كبير من تكاليف المعيشة، وقد تدفع الطبقة العاملة شديدة الضعف إلى أزمة وجودية جماعية. وتتوقع دراسات مختلفة أن يرتفع التضخم إلى مستويات جديدة تتراوح بين 6,3 و8,9 في المائة. والآن هناك بعض "الاتجاهات التعويضية"، على حد تعبير ماركس، للإفقار النسبي والمطلق للطبقة العاملة في الولايات المتحدة. وتشمل هذه السياسات زيادات في الحد الأدنى للأجور في ولايات أمريكية منفردة، والنجاحات الأخيرة التي حققتها النقابات، وبعض سياسات ترامب الحالية، مثل خطة إنشاء "أكاديمية أميركية" مجانية يتم تمويلها من الضرائب على جامعات آيفي ليج الليبرالية، ومكافآت الولادات على غرار ما يفعله رئيس الوزراء الهنغاري اليميني المتطرف فيكتور أوربان، والإعانات للآباء والأمهات، ومعظمهم من اليمين المسيحي، الذين يرغبون في تعليم أطفالهم في المنزل بدلا من المدارس العامة (التي يُزعم أنها "يسارية"). ولكن من غير المرجح أن تمنع هذه التدابير التضخم المتوقع من مفاقمة وضع الطبقة العاملة أكثر ويتحول ترامب بسرعة إلى رئيس غير محبوب مرة أخرى. ولكن من المرجح أيضا أن يعني هذا استبداد في الداخل وتكثيف الصراعات الخارجية، وخاصة ضد الصين، حيث يلعب هنا وزير الخارجية ماركو روبيو شديد التطرف، دورا محوريا. إن تحديد الأعداء المشتركين هو الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يحافظ على تماسك المجتمع الذي ينهار اقتصاديا واجتماعيا. ــــــــــــــــــــــــــــــــ *ولد الدكتور أنغار سولتي، في 14 نيسان 1979، وهو كاتب وعالم اجتماع ألماني. عمل كمساعد باحث في جامعة يورك الكندية. وتشمل اهتماماته البحثية الاقتصاد السياسي العالمي، وعلم الاجتماع السياسي، والنظرية السياسية، وعلم الجمال. ومنذ حزيران 2016 يعمل استشاريا لسياسة السلام والأمن في معهد التحليل الاجتماعي في مؤسسة روزا لوكسمبورغ، التابعة لحزب اليسار الألماني. له العديد من المؤلفات والبحوث في مجالات اهتماماته المختلفة، وصدر له أخيرا كتاب بعنوان "انتصار ترامب". الترجمة لمقالته المنشورة في موقع "جاكوبين" الألماني في 23 كانون الثاني 2025 ,
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع تصاعد الغضب الشعبي.. هل يتجاوز رئيس وزراء اليونان الأزمة؟
-
صراع الهيمنة الرأسمالية في زمن البلطجية
-
خطط تَسلُّح الاتحاد الأوروبي.. أرباح على حساب السلام
-
قراءة في النجاح الانتخابي لحزب اليسار الالماني
-
على الرغم من تقدم اليمين المحافظ والمتطرف/ الانتخابات الألما
...
-
خطاب فانس في مؤتمر ميونخ للأمن وجديد الرأسمالية الغربية
-
صوتوا لحزب اليسار الألماني في الانتخابات المبكرة
-
مؤتمر ميونخ للأمن.. اختفاء الإجماع الغربي وغياب الحلول
-
بعد تولي ترامب السلطة / ملفات الاختلاف داخل المعسكر الغربي ت
...
-
بعد الاقتراب من التعادل في الجولة الأولى.. هل تصبح مرشحة الي
...
-
البحث عن سردية معاصرة لليسار
-
لا لترامب والحرب، نعم للاشتراكية.. حول الطبقة العاملة وعسكرة
...
-
خمس سنوات على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.. خيبة أمل تع
...
-
للفلسطينيات المفرج عنهن وجوه وأسماء أيضاً
-
احتجاجات غاضبة ضد التعاون بين اليمين المحافظ والنازيين الجدد
...
-
كولومبيا وبقية بلدان أمريكا اللاتينية ترفض غطرسة ترامب
-
قبيل الانتخابات المبكرة في ألمانيا.. دعوات لهيكلة الدولة على
...
-
حزب اليسار الألماني.. مؤتمر استثنائي وحملة انتخابية واعدة
-
تمثيل واسع لليمين المتطرف الأوربي في مراسيم تنصيب ترامب
-
لماذا تفوز الأحزاب اليمينية المتطرفة بأصوات الطبقة العاملة ف
...
المزيد.....
-
آسر ياسين يتحدث عن مي عز الدين في مسلسل -قلبي ومفتاحه-
-
حميدتي: -الدعم السريع- لن يخرج من الخرطوم أو القصر الجمهوري
...
-
صربيا.. الرئيس فوتشيتش يؤكد إصابة 56 شخصا خلال احتجاجات السب
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع للحوثيين بالعاص
...
-
للمرة الأولى بعد سقوط الأسد.. احتفالات في أنحاء سوريا بالذكر
...
-
بينها كوبا وإيران واليمن وسوريا والسودان وليبيا.. واشنطن تدر
...
-
ترامب يطلق سلسلة ضربات ويهدد الحوثيين بـ-جحيم لم يروه من قبل
...
-
مصر.. جنوح مركب سياحي في نيل أسوان والسلطات تتحرك وتكشف السب
...
-
لحظات رعب داخل مسجد برفح: مسيّرة إسرائيلية تطلق النار بكثافة
...
-
ما الذي يحفز الحركة النشطة ضد روح الوحدة الأفريقية ولماذا تس
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|