أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ














المزيد.....


إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 18:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


في مخيم كفربدّا، وُلدَ إبراهيم خالد أبو خليل عام 1967. كان طفلاً مشاكساً، يركضُ بين البيوتِ الطينيّةِ، يطاردُ أحلامه كما يطاردُ الفراشاتِ بين زهورِ الميرمية والزعتر. كانت عيونُ المخيمِ تعرفه، وكان البرتقالُ والليمونُ شهوداً على حكاياته التي همسَ بها في ظلِّ شجرِ التينِ والزيتونِ.
كبرَ إبراهيم، وكبرت معهُ حكاياتُ البطولةِ، فأصبحَ شابّاً يحملُ روحه على راحتيه، كمن يحملُ حفنةً من ترابِ الوطنِ. كان يعرفُ أن المخيمَ ليس بيتاً، بل جرحاً مؤقتاً، وأن العودةَ ليست فكرةً، بل قسماً مكتوباً بحروف الدم.
كانت أمّهُ فاطمة تحضنهُ كما تحضنُ الأرضُ جذورها، أما ندى كلَّم(أم علي)، فهي التي كانت تقرأُ في عينيه ما لا يقولهُ لأحد. كان يزورها منذ طفولته، يحدثها عن الفتياتِ اللواتي وقعنَ في حبِّ روحهِ المتمردةِ، وعن أحلامه التي كانت بحجمِ سماءِ الوطن. كانت ندى تعرفُ أن إبراهيم لم يكن يحلمُ بزفافٍ، بل باستشهادٍ، ولم يكن يعدُّ الأيامَ، بل كان يعدُّ الطلقاتِ التي ستشقُّ طريقه نحو المجد.
في يومِ 5 يناير 1988، في مخيم شاتيلا، سقطَ إبراهيم شهيداً. كان يحملُ بندقيتهُ كما يحملُ الفلاحُ سنبلة قمحٍ، يقاتلُ كما يقاتلُ النسرُ حين يُحاصرُ، لكنه لم يسقط بسهولةٍ. قاومَ حتى آخرِ رصاصةٍ، حتى آخرِ نفسٍ، حتى آخرِ خفقةٍ من قلبه الذي كان مليئاً بحبِّ الأرض. قتله رفاقُ الخندقِ، أولئك الذين ظنوا أنهم إخوةُ السلاحِ، لكن بعض الإخوةِ يطعنون من الخلف.

بكته فاطمة كما تبكي الأرضُ غيابَ المطرِ، وبكته ندى كلَّم(أم علي) كما تبكي الشجرةُ سقوط آخرِ أوراقها في الريحِ. بكاهُ الزعترُ حين لم يجد خطواته تمرُّ فوقه، وبكته الميرميةُ حين لم تسمع صوتهُ يرددُ أناشيد الثورة. بكى البرتقالُ والليمونُ حين لم يعد إبراهيم يسرقُ منه حبةً وهو عائدٌ في المساء، وبكاهُ التينُ والزيتونُ حين رحلَ قبل أن يرى قمرَ العودةِ يشرقُ من جديد.
بكته فاطمة، أمُّ الشهداءِ، حتى لحقت به، وكأن الموتَ لم يحتمل فراقَ قلبها عن قلبه. بكته ندى كلّم، أمُّ عليٍ، حتى لحقت به، وكأن الأرواحَ التي تتآلفُ في الحياةِ، تلتقي لا محالةً في رحابِ الخلودِ.
يا إبراهيم، أيها الفارسُ الذي لم ينحنِ، أيها الفتى الذي كان قلبه أخضرَ كأشجارِ الجليلِ، نم قريرَ العينِ، فقد تركتَ خلفك حكايةً لن تموت، وحبّاً لن يشيخ، وأمّاً تبكيك حتى التقت بك، وأرضاً تحفظُ اسمك كما يحفظُ الشجرُ أسماءَ من سقوها بدمائهم.
رحلَ إبراهيم، لكن صوته لم يرحل، لا تزالُ جدرانُ المخيمِ ترددُ خطواته، ولا تزالُ أشجارُ الزيتونِ تذكرُ يديه وهما تعبثانِ بأوراقها. كأن روحه تطوفُ في الأزقّةِ الضيّقةِ، تقفُ عند الأبوابِ، تنظرُ إلى الأطفالِ الذين يشبهونه حين كان صغيراً، ثم تمضي بخفةِ النسيمِ نحو الغروبِ.
رحلَ إبراهيم، ولحقته فاطمة، أمُّ الشهداءِ، كأن قلبها لم يحتمل بردَ الوحدةِ بعده. ثم لحقت به ندى كلَّم، أمُّ عليٍ، كأن الحياةَ فقدت معناها حين صار اسمه نقشاً في ذاكرةِ من رحلوا.

لم يعد إبراهيم بيننا، لكن البرتقالَ لا يزالُ ينبتُ، والتينَ لا يزالُ ينضجُ، والزيتونَ لا يزالُ يحفظُ سرَّ دمائهِ. أما الميرميةُ والزعترُ، فقد نبتا فوق قبره، كأن الأرضَ ردّت إليه بعضاً من روحه، وكأنها تهمسُ له في الليلِ: نم مطمئناً، فحكايتك لم تنتهِ بعد، ولن تنتهي أبداً.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!
- عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ


المزيد.....




- حفلة تتحول لكارثة.. كاميرا ترصد لحظة انهيار شرفة تحمل أشخاصً ...
- سلطات كورسك تشرع بالعمل على تطوير استراتيجية لإعاد إعمار الأ ...
- ترامب يكشف أسباب شن الجيش الأمريكي عملية عسكرية -حاسمة- ضد ا ...
- نكهةٌ بين الحموضة والحلاوة، ما سرّ وصفة طاجين اللحم بالبرقوق ...
- وفد درزي سوري يزور مقام النبي شعيب في إسرائيل
- -في رسالة تحد وصمود-.. أهالي مخيم النصيرات ينظمون إفطارا جما ...
- تظاهرة احتجاجية في برلين ضد زيادة الإنفاق الدفاعي
- مستشفيات نيوجيرسي الأمريكية تطلب من الأهل تقرير جنس المولود ...
- جنوب إفريقيا ترد على قرار الولايات المتحدة بطرد سفيرها من وا ...
- تونس.. وزارة الفلاحة تصدر بيانا بشأن دخول الجراد الصحراوي إل ...


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ