سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 09:23
المحور:
القضية الفلسطينية
ترافق الحديث عن اتصالات أمريكية صهيونية مع دول أفريقية، لقبول لاجئين مهجرين من غزة، مع ما اعتبره بعض المراقبين تراجعا من الرئيس الأمريكي رونالد ترامب عن قنبلته تهجير سكان قطاع غزة والسيطرة عليه، التي شكلت صدمة ليس لأهل غزة، التي يكمل فيها ترامب حرب الإبادة الصهيونية، بمشروعه لاقتلاعهم من وطنهم وحسب، وإنما للعالم كله باستثناء الكيان الصهيوني، عندما قال خلال لقاء صحفي مشترك مع رئيس وزراء آيرلندا: "لن يطرد أحد أحداً من غزة"، وإنه "لا أحد يجبر سكان غزة على المغادرة".
لكن ما يثير الشك في صدقية تراجع ترامب عن السيطرة على غزة وتهجير أهلها، هو ما ما نقلته وكالة أسوشيتد برس من أن" الولايات المتحدة وإسرائيل أجروا اتصالات سرية مع مسؤولين في ثلاث حكومات في شرق إفريقيا لمناقشة استخدام أراضيهم كوجهات محتملة لتوطين الفلسطينيين، إن جرى تهجيرهم من قطاع غزة. وهي السودان والصومال ومنطقة الصومال الانفصالية المعروفة باسم أرض الصومال"، وهذا الخبر يطرح سؤال: هل تراجع ترامب فعلا عن فكرته المجنونة تفريغ قطاع غزة من أهله؟
ولا يمكن للمراقب أن يعتبر نفي بعض المسؤولين من تلك الدول أي اتصال معهم بهذا الشأن، في حين أكده آخرون، هو أن الموضوع لم يعد قائما في ذهن ترامب، ذلك أن قول مسؤولون من السودان إنهم رفضوا مبادرات من الولايات المتحدة، وقول مسؤولون من الصومال وأرض الصومال لوكالة "أسوشيتد برس" إنهم لم يكونوا على علم بأي اتصالات، أنه موت للفكرة. مع أن مسؤولين أمريكيون وإسرائيليون، طالبوا بعدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مبادرة دبلوماسية سرية، قد أكدوا الاتصالات مع الصومال وأرض الصومال.
وكانت قد بدأت جهود منفصلة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني للوصول إلى الوجهات المحتملة الثلاث أشهر الماضية، بعد أيام من طرح ترامب خطة غزة إلى جانب نتنياهو، وفقًا للمسؤولين الأمريكيين، الذين قالوا إن إسرائيل تتولى زمام المبادرة في المناقشات.
وأكد مسؤولان سودانيان، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة قضية دبلوماسية حساسة، أن إدارة ترامب اتصلت بالحكومة التي يقودها الجيش بشأن قبول الفلسطينيين.
وقال أحدهم إن الاتصالات بدأت حتى قبل تنصيب ترامب بعروض مساعدة عسكرية ضد قوات الدعم السريع، ومساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب وحوافز أخرى.
وقال المسؤولان إن الحكومة السودانية رفضت الفكرة. وقال أحد المسؤولين: "تم رفض هذا الاقتراح على الفور". "لم يفتح أحد هذا الأمر مرة أخرى". غير أن هذا النفي أيا كان سببه، لا يعني انتهاء التفكير في العمل على تنفيذ ترامب لخطته، وإنما قد تتغير الوسيلة.
وأمام حالة الرفض من أهل غزة والدول العربية والاستنكار والإدانة العالمية لهذه النوايا الأمريكية، لجأ الكيان الصهيوني مستغلا وجود إدارة ترامب المتماهية في المشروع الصهيوني، إلى ما يسمى أسلوب التهجير الناعم، أي "الهجرة الطوعية"، وليست القسرية، سيما وأن خبراء قانونيين أسرائيليين كما نقلت صحيفة إسرائيل اليوم "يعتقدون" أن القانون الدولي لا يحظر على الدولة المحتلة تشجيع "الهجرة الطوعية"ـ لأنه لا يعتبر ذلك طردا، وأن إدارة ترامب تعتمد الآن على مثل هذه الآراء القانونية، وتعتزم استخدامها عندما تصبح خططها المتعلقة بسكان غزة عملية..
وفي سياق تنفيذ هذا المخطط، أعلن وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس، أن وكالة خاصة من أجل "المغادرة الطوعية" لسكان غزة سيتم إنشاؤها، مع إبداء إسرائيل التزامها المقترح الأميركي بالسيطرة على القطاع الفلسطيني وتهجير سكانه.
وجاء في بيان للوزارة أن كاتس "أجرى اجتماعاً، بشأن المغادرة الطوعية لسكان غزة، وقرر في نهايته إنشاء مديرية في وزارة الدفاع للمغادرة الطوعية لسكان غزة.
وستكون مهمة الإدارة الجديدة "تمكين الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة طواعية"، تنفيذاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وستضم الإدارة الجديدة ممثلين من مختلف الوزارات الحكومية وهيئات الدفاع، و"تشمل مساعدات واسعة النطاق تسمح لأي مقيم في غزة يرغب في الهجرة إلى دولة ثالثة، بالحصول على دعم يشمل ترتيبات مغادرة خاصة عبر البحر والجو والبر، من بين أمور أخرى".
وربما توكل مهمة التهجير في شكله الناعم للكيان الصهيوني بدعم أمريكي، سيما وأن الكيان يستحضر مؤشر أن 300 ألف مواطن غزي قد غادروا منذ انقلاب حماس في يونيو 2007 وسيطرتها على قطاع غزة، ضمن ما يسمى الهجرة الاقتصادية، لتنفيذ مخططه عبر التضييق الاقتصادي والأمني وفتح نوافذ لإغراء البعض على مغادرة القطاع، وهنا يجب التفريق بين من يبحث عن مواجهة الحصار بالبحث عن مصادر رزق جديدة، وبين مغادرة القطاع من أجل التوطن في مكان آخر.
لكن يجب الوعي أن فكر التهجير القسري أو الطوعي للفلسطيني من وطنه، هو مكون أصيل في الذهن الصهيوني الذي بني خرافة مشروعه على أن فلسطين هي "أرض بلا شعب"، ولهذا عملت الحركة الصهيونية على تصور ذلك كواقع، في حين أنه ليس كذلك، ولهذا هي تعمل على التخلص من الشعب الفلسطيني كوجود موضوعي في فلسطين بوسائل مختلفة، وهو مشروع متواصل منذ أن زرع هذا الكيان عام 1948، تؤكد ذلك المصادر الصحفية اليهودية، التي كشفت أن نشاط الكيان الصهيوني لم يبدأ بعد هزيمة حزيران 1967 والسنوات الأولى على نكبة 1948، وإنما حتى خلال الحرب ردا على غزة بعد هجوم حركة حماس ضدها في السابع من أكتوبر 2023، ونقلت الصحيفة أن وزير الشؤون الإستراتيجية الصهيوني رون ديرمر ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غرسا فكرة التهجير الطوعي للفلسطينيين في ذهن دونالد ترامب في لقائهما معه قبل عدة أشهر من توليه منصب الرئاسة الأميركية. كما كشفت الصحيفة أن وزير الخارجية السابق إيلي كوهين كان قد أنشأ فرقا أجرت مفاوضات مع حكومتي رواندا والكونغو لقبول المُهجَّرين من غزة.
وفي 13 أكتوبر2023 ـــــ أي بعد حوالي أسبوع من هجوم حماس ـــــ قدمت وزيرة الاستخبارات جيلا غمليئيل اقتراحا مكتوبا إلى نتنياهو لـ"إجلاء السكان غير المقاتلين من مناطق القتال" وتسهيل "الإجلاء الطوعي الإنساني" إلى خارج قطاع غزة.
وفي خضم كل هذه التحركات، كانت إسرائيل منهمكة في دراسة خطط لإنشاء مطار بالقرب من غزة، تنطلق منه طائرات تحمل على متنها سكان غزة إلى وجهاتهم الجديدة، من بينها دول أفريقية مختلفة، بالإضافة إلى مصر والأردن وقطر.
وأكدت "إسرائيل اليوم" أن المجلس الأمني وجهاز الشاباك قدما أوراقا رسميا بهذا الشأن، لكن هذه الخطط والخطط اللاحقة انهارت بسبب رفض الدول العربية التعاون. وحدث ذلك مع مصر والأردن بعد جولات من المحادثات، ومع قطر "التي انسحبت من الفكرة بعد عدة جولات من الاجتماعات".
وإذا كان الموقف العربي والفلسطيني والاستنكار العالمي قد جعل ترامب يتراجع، ولو نظريا فإنه من خلال ما قيل عن تواصل إدارته مع حكومات في أفريقيا يوكد أن الرجل قد انحنى لعاصفة الرفض لمشروعه، ولكنه ربما يؤجل ذلك، بأن يتراجع خطوتين للخلف، ويترك للكيان الصهيوني العمل بهدوء في هذا الاتجاه، سيما وأنها هي سلطة الاحتلال في الضفة وغزة، وفي ظني أن هذه الاتصالات مع بعض الدول الأفريقية، حتى وإن نفت تلك الدول الاتصال، أو رفضت الفكرة، فهذا لا يعني أن فكرة التهجير قد ألغيت من ذهن ترامب المهووس بنفسه وسياساته، وهي من ثم تعكس تصميم إدارة ترامب والكيان الصهيوني، على استمرار خطة اقتلاع أهل غزة والضفة بكل الوسائل، وهي خطط تثير قضايا قانونية وأخلاقية خطيرة رغم تغليفها بمفهوم الطوعية، يدينها العالم وترفضها الدول العربية، وبشكل أساسي أهل غزة. ولسان حالهم يقول: نعم لتحسين ظروف حياتنا الاقتصادية، ولكننا سنبقى مزروعين في غزة..
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟