صباح حزمي الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 09:47
المحور:
الادب والفن
مقامة تهويمات سوريالية :
يقول سلفادور دالي : (( إن المرور من الجنون إلى الجنون هو أكثر الطرق منطقية للوصول إلى الحقيقة )) , هؤلاء (( السورياليون متهمون بأنهم يريدون ان يعدوا مثقفين , مع انهم لا يملكون اي ثقافة في الواقع , وهم يحسبون انهم يصلون الى ذلك باظهار احتقارهم للعادات القديمة , ويبلغون في هذا حد الشعور بالخجل والعار من إيمان ابائهم)) , انهم وحدهم الذين غرقوا بما يكفي , يستطيعون التحدث عن الأشياء بعمق واضح , فتأكد بأن الحزن جميل جداً والليل عديم الطعم بدون هموم .
كل إنسان يحمل في داخله صوتين , أحدهما يهمس له بالحقيقة العارية , والآخر يزيف له الواقع كي يحتمله , كم مرة نظرنا إلى المرآة ولم نرَ سوى وجوهنا , بينما كانت أرواحنا تقف خلف الزجاج , تنظر إلينا بعيون خاوية , الليل صديق جميل ولكنه يكثر من السؤال , كُل حروب العالم تهدأ في الليل , إلا حُروبنا مع أنفسنا تَشتعل في عَتمة اللَيل , تضيق كأنها لن تتسع , وتتسع كأنها لم تضيق يوماً , ليسَ الموتُ غربة , ولا الميتونَ منفيونَ فيها , وحدها الحياةُ غربةٌ و وحدهم الأحياءُ هم المُتغرِبونْ , وهذا العالم مُخيب للآمال , ما من تسلية عظيمة فيه إلا النوم , وألا لم لا نزال نبني الجسورفوق انهارٍ جفت ؟ ولماذا مُنذ أن كبرنا وتركنا صناعة القوارب الورقية ونحن نغرّق ؟.
يقول سيغموند فرويد : (( بدأت الحضارة عندما قام رجلٌ غاضب بإلقاء كلمة بدل إلقاء حجر )) , يتجدد الإنسان كلما مر بتجربة لم يكن قاصدًا الذهاب إليها , تظل تطحنه أيامها حتى تنتزع منه قدرة عجيبة على المقاومة , فمازال يتخبط حتى يتخطاها بالفهم لا بالقوة , بالصبر لا بالعجلة , فيا أيها الوحيد , ستدرك يوما ما عند أول عثرة في حياتك أنك كنت كمن يدخل معركة طاحنة وهو يحمل سكين المطبخ , ويلوح به كالمجنون وسط وابل من الرصاص , الوحدة ليست دائما جميلة كما تتوقع , إنزع تلك الفكرة المقحمة داخل رأسك السميك , وعش حرا , لتشعر بالإنتماء .
ترك السرياليون وصايا ووصفات طريفة حول الكتابة الحرة , لخّصها تريستان تزارا في نص (( كيف تكتب قصيدة دادائية )) : ((خذ جريدة ومقصاً , اختر من الجريدة مقالاً بطول القصيدة التي تزمع كتابتها , اقتطع المقال من الجريدة , قص كل كلمة من هذا المقال بعناية , ضع الكلمات في كيس , حرك الكيس على مهلك , وأخرج الكلمات الواحدة بعد الأخرى , افعل كل هذا بعناية لأن القصيدة ستشبهك )) ,أما النص المختار لريمون كينو (( من أجل فن شعري)) فيقدم وصفة أيضا , لكنها شبيهة بإعداد الطعام مبتدئا جمله الشعرية بفعل الأمر: (( خذوا كلمة أو كلمتين , اطبخوا الكلمتين مثلما تطبخون البيض , خذوا كسرة من المعنى وقطعة كبيرة من البراءة , سخّنوا على نار هادئة , على نار التقنية , صُبوا صلصة اللغز , رشّوا بعض النجوم , أضيفوا الفلفل , واستعدوا للرحيل )) .
كتبت احلام مستغانمي في رواية ألاسود يليق بك : ((حاولت أن تخفي عن الجميع دمارها الداخلي , كان يلزمها إعادة إعمار عاطفي , كأنها مدينه مرّ بها هولاكو , فأهلك كلّ ما كان جميلاً فيها , عزاؤها أنها استطاعت أن تنقذ من الدمار كرامتها , وذلك الشيء الذي لم تمنحه إياه )) , أيها الحنين , اذهب إليه , ادخل غرفته على أطراف أصابعك , ولا تزعجه , وضع تلك الباقه من أشواقي بجواره , وعد إلي لتخبرني : أيذكرني في أحلامه ؟
من رسائل جبران خليل جبران الى مي زيادة : (( تسألينني سيدتي ما إذا كنت وحيد الفكر والقلب والروح , فَبِمَ ياترى أُجيبكِ ؟أشعر ان وحدتي ليست بأشد ولابأعمق من وحدة غيري من الناس , كلنا وحيدٌ منفرد , كلنا سرٌ خفي , كلنا محجوب بألف نقاب ونقاب , ومالفرق بين مستوحد ومستوحد سوى إن الأول يتكلم عن وحدتهِ والثاني يظل صامتاً , وقد يكون في الكلام بعض الراحة , وقد يكون في الصمت بعض الفضيلة )) , ومن رواية حفلة التفاهة لـ ميلان كونديرا : ((بدا لي دومًا أنه من المرعب إرسال شخص إلى العالم دون أن يطلب ذلك , لا أحد من جميع أولئك الذين حولك موجود هنا بإرادته , بالتأكيد ما قلته منذ برهة هو الحقيقة الأكثر تفاهة بين جميع الحقائق , إنها في غاية التفاهة والجوهرية إلى حد أنهم كفوا عن رؤيتها وسماعها )) , يقول محمود درويش : (( يا بائع الأزهار, إغمد في فؤادي زهرة صفراء , تنبت في الوحول , هذا أوان الخوف , لا أحد سيفهم ما أقول )) .
أحد الذين قدموا بعد 2003 , كتب تحليلا سورياليا للوضع قال فيه : (( نحاول قراءة الواقع بعيون خلّدونية , لكن يبدو أنا نسينا أن (دار, دور) لم تعد فقط لعبة للعمران , بل تحولت إلى مسرح عبثي , حيث الجميع ممثلون بلا نص , والجمهور متفرج بلا تصفيق , أما (الإطار التسويقي) الذي جمع الفقراء والأغنياء في المولات , فهو ليس من بركات الديمقراطية , بل من نِعَم اقتصاد السوق الذي جعل (اللحمة الوطنية) مجرد عرض خاص في محلات الجزارة السياسية , يباع وفقًا لسعر الدولار وسقف الاتفاق النووي , ترامب لم يصمت عن العراق , بل اكتفى بمراقبته عبر كاميرات المراقبة البريطانية , حيث الساسة يتسابقون في مضمار الطاعة , ووزيرة الدفاع البريطانية تتسكع في شارع المتنبي , كما يتسكع المحتل في ذاكرة الشعوب المنهكة , أما (قوزي العم سام) , فهو طبق سياسي يُطهى على نار بطيئة , تُضاف إليه توابل المعارضة بجرعات مدروسة , ويُقدم على موائد الصفقات الإقليمية , فيما الشعب يلعق ما تبقى من أوهام التغيير , وفي عراق (عاصمة الدياحة العربية) , ترى السياح يتوافدون من كل حدب وصوب , سياح المناصب , سياح الصفقات , وسياح الفصائل المسلحة , يتنابزون بالبطولات كما يتنابز الأطفال في الأزقة , يكتبون الشعارات بمداد الطائفية , فيما بغداد تقرأها بحبر الحزن واليأس , وصاحبنا (رامبو العصر) , فهو منشغل الآن بإعادة ترتيب العالم , يضغط على زر الاقتصاد هنا , ويفكك تحالفًا هناك , بينما العراق يقف في طابور الانتظار, بانتظار ساعة الصفر وكلمة السر, وكأن التاريخ لم يعلمه أن من لا يملك إرادته , لا يملك حتى حق الانتظار , طريق (البهارات) هو ليس مجرد طريق تجاري , بل وصفة جديدة لطهي المنطقة على الطريقة النيوليبرالية , تُقطع الطرق القديمة , ويُعاد رسم الخرائط , فيما العرب لا يزالون يبحثون عن بوصلة )) .
صباح الزهيري .
#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟