عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 20:47
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بقلم : عليان عليان
المجاز والاعدامات الجماعية غير المسبوقة في تاريخ سورية، التي لم تتوقف منذ السابع من مارس – آذار الجاري وحتى اللحظة الراهنة ، بحق مدن وقرى أبناء الساحل السوري من الطائفة العلوية والمسيحيين ، والتي أسفرت عن استشهاد ما يزيد عن 1383 مواطن سوري وإبادة عائلات بأكملها ، وسرقة وحرق بيوتها ، لم تكن تجاوزات فردية وفق ما يروج له حاكم سورية ( أحمد الشرع) بل عمل إرهابي تكفيريي مخطط له على أرضية طائفية ، يشكل جزءاً أساسياً من المكون العقيدي لهيئة تحرير الشام والعصابات الاجرامية المتحالفة معها من فصائل الإرهاب العربية والأجنبية .
ويلفت النظر المسميات التي يجري استخدامها في إدارة الأمور في سورية منذ احتلال عصابات الإرهاب العاصمة دمشق مثل مسميات " وزارة الدفاع" و ( الأمن العام ) و( العدالة الانتقالية) ألخ ، فهذه المؤسسات لا وجود لها على أرض الواقع ، بحكم عدم وجود كيان دولة عليه إجماع من مكونات الشعب السوري الاجتماعية والسياسية والعرقية والطائفية ، إّذ أن معطيات الواقع تشير إلى أن الكيان الإرهابي الحاكم في سورية ، لا يعدو كونه ولاية تركية تأتمر بأوامر الرئيس التركي أردوغان ، كما أن عصابات الإرهاب الأجنبية والعربية باتت هي الجيش السوري وهي الأمن العام.
تكتيك يمزج بين العصرنة والتفرد
والمتتبع لمجريات الأمور ، منذ احتلال "هيئة تحرير الشام " وحلفائها للعاصمة دمشق بتاريخ 8 ديسمبر (كانون أول) 2033 ، وقبل ارتكاب المجازر وحرب الإبادة في مدن وقرى الساحل السوري ، يتوقف أمام المسائل التالية:
1-أن الشرع نصب نفسه بتاريخ 29 كانون ثاني (يناير) الماضي رئيساً لمدة أربع سنوات، بمبايعة فصائل الإرهاب العربية والأجنبية المتحالفة معه ، ومن ضمنها تنظيم القاعدة في بلاد الشام الذي سبق وأن غير اسمه من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام ، وذلك بعد أن ترأس اجتماعاً موسعا للفصائل العسكرية المتحالفة معه ، تقرر فيه أن يتولى رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية ، فضلا عن حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وإلغاء العمل بدستور سنة 2012 وبالقوانين الاستثنائية ،وحل ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق وملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على إنجاز بنية اقتصادية ،لصالح القطاع الخاص وتحجيم القطاع العام
2- شكل حكومة انتقالية من لون سياسي أيديولوجي واحد بتاريخ 30 كانون ثاني الماضي من أدواته وحلفائه من تنظيمات الإرهاب في إدلب ، لم تضم أي من المعارضين قي الخارج.
3- لجأ بتوجيه من تركيا إلى استخدام مصطلحات سياسية جديدة في سياق تكتيكي لا تنتمي لقاموس هيئة تحرير الشام، مثل نبذ الطائفية والتأكيد على السلم الأهلي وسيادة القانون والحفاظ على الحقوق على أساس المواطنة ، وأن سوريا لا تقبل القسمة، والتأكيد على وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ،وتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تقدم المجرمين للعدالة، والحفاظ على وحدة وسيادة سورية والانتماء القومي .
وفي إطار هذا السياق التكتيكي ، قام الجولاني ( أحمد الشرع) بخلع جلبابه واستبداله ببدلة عصرية وربطة عنق فاخرة ، وقام بتشذيب لحيته ، من أجل أن ينفي عن نفسه وعصابته تهمة الإرهاب، لا سيما وأن هيئة تحرير الشأم مصنفة دولياً وفي الأمم المتحدة ،بوصفها تنظيم إرهابي شأنها شأن تنظيم " داعش".
4- وفي إطار تسميته كرئيس تحدث عن دستور جديد يصار إلى إنجازه في غضون ثلاث سنوات ، على أن تجري انتخابات تشريعية بعد مضي أربع سنوات ، وأعلن عن توجهه في هذه المرحلة بتشكيل مجلساً للشعب بالتعيين وليس بالانتخاب.
5- والأهم من ذلك أنه عقد مؤتمراً وطنيا في 24 شباط (فبراير) الماضي وفق شرط مركزي لعضويته، وهو أن يكون التمثيل فيه للأفراد فقط ،وليس للهيئات السياسية، ما أدى إلى استثناء أحزاب المعارضة التي لم تغادر سورية، والهيئات والأحزاب المعارضة في الخارج ، التي تضم اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة : إسلامية وقومية ويسارية وليبرالية ، وحملت مسميات مختلفة مثل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الذي تشكل في قطر في نوفمبر 2012 ، و"مؤتمر الرياض" الذي تشكل في نوفمبر 2017 ، ومجموعة القاهرة ومجموعة موسكو ألخ، ومن ثم فإن المؤتمر كان مؤتمراً للمتشابهين من لون واحد ومن بعض المتسلقين الذين يبحثون عن حصة لهم في كعكة الحكم .
في إطار التكتيكات سالفة الذكر ، تمكن الشرع من إخراج نفسه شكلياً من جوقة الإرهاب وبدعم عربي رسمي ، وراحت هذه العاصمة العربية أو تلك تستقبله وتفرش له السجاد الأحمر في مطاراتها ، مضفية عليه صفة الشرعية ،وتمنحه مقعد سورية في الجامعة العربية وفي قمة القاهرة ، ما دفع الدول الغربية لإرسال وزراء خارجيتها ، للحوار معه وليستمعوا منه حول توجهاته وبرنامجه الذي لقنه إياه معلمة أردوغان ، وقد أسفرت هذه اللقاءات عن صدور قرار من دول أوروبية عديدة ، برفع الحصار الاقتصادي عن سورية وإبدائها الاستعداد لدعمها اقتصادياً.
نبذ تكتيك الحداثة والعصرنة والعودة إلى استراتيجية الذبح والتكفير
لكن البدلة الحديثة ضاقت على برنامجه برنامج ( هيئة تحرير الشام - تنظيم القاعدة في بلاد الشام سابقاً)، بحكم نزقه ونزق حلفائه وأدواته من الفصائل التكفيرية الأجنبية ، التي شاركت في مذابح الساحل السوري ، وعاد الشرع ليكشف عن وجهه الحقيقي الطائفي وعن أيديولوجيته الوهابية التكفيرية ، وعادت هيئة تحرير الشام وحلفائها لترفع شعارات" جئناكم بالذبح....العلويون في التابوت والمسيحيون إلى بيروت"
عاد حاكم سورية الجديد وأدواته ، إلى تكفير كل من لا ينتمي لنهجه وطائفته" ، فقام بطرد الضباط السوريين من مساكنهم في دمشق ، وإحلال عائلات الإرهابيين محلهم، وقام بعملية تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، من خلال إجلاء بعض العائلات في حي السيدة زينب وبيوت وأحياء في حمص ، لإسكان عناصر وعائلات الإرهابيين محلهم ، كما بدأ مسلسل المطاردات ، لكل ضابط أو مسؤول خدم في العهد السابق في العاصمة دمشق وغيرها والتنكيل بهم ، وعبر زفة إعلامية من قناة الجزيرة القطرية وغيرها من وسائل الاعلام الخليجية.
لقد استثمر الجولاني (أحمد الشرع) العمليات العسكرية للمجلس العسكري لتحرير سورية - الذي شكّله العميد والضابط السابق "غياث دلا" بالتحالف مع ضباط سابقين- التي أسفرت في زمن قياسي يوم 6 مارس – آذار الجاري ،عن سيطرة قوات المجلس بشكل مؤقت على مواقع رئيسية في اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس ، وقتل العديد من مسلحي العهد الجديد (الأمن العام) ، ليعلن النفير العام عبر وسائل الاعلام والمساجد بنداءات حي على الجهاد لارتكاب حرب تطهير وجرائم حرب في الساحل السوري ، حيث تم استحضار الفصائل الإرهابية العربية والأجنبية إلى مدن وقرى الساحل وهي ( هيئة تحرير الشام التي كان يرأسها الجولاني ( أحمد الشرع) والأوزبك والإيغور ، والقرغيز والشيشان ،والطاجيك، والتركستان ،وحراس الدين والفصائل السورية المدعومة من أنقرة، مثل فرقة سليمان شاه "العمشات"، وفرقة الحمزة "الحمزات" ) ، ليعيثوا بأبناء لطائفة العلوية وبالمسيحيين قتلاُ وحرقاُ وإعدامات ميدانية .
"وتجاوزت الأرقام ( 1383) شهيداً من العلويين والمسيحيين- حسب تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان- الذي بين "أنّ الحصيلة تواصل الارتفاع ،لأنّ توثيق أعداد القتلى لا يزال مستمراً" في حين أن عدد المفقودين – حسب تقديرات العديد من المراقبين -يشكل عشرة أضعاف الذين جرى إعدامهم أمام بيوتهم ، بينما هام الآلاف على وجوهم في الغابات والبراري وتمكن الآلاف من الهرب إلى منطقة السهل اللبنانية في عكار ذات الغالبية العلوية، وإلى قاعدة حميميم الروسية طلباً للحماية.
لقد عاقبت فصائل الإرهاب طائفة بأكملها ولا تزال، رداً على عملية المجلس العسكري السوري في مدن الساحل ، التي لم تدم طويلاً ، واعتبرت أبناء الطائفة العلوية من عمال وفلاحين فقراء من فلول النظام السابق ، ما يذكرنا بإقدام العدو الصهيوني على شن حرب إبادة جماعية على عموم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ، تحت مبرر أن رجال المقاومة من أبناء هذا الشعب ، وتم استحضار الخلفية الأيديولوجية في سفر يوشع التي تدعو إلى قتل الفلسطينيين دون تمييز .
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد ، بل تجاوزتها إلى ما هو أكثر من ذلك ،عبر إلقاء جثث الشهداء في الوديان لإخفائها ، بعد أن تناهى إلى مسامعها وصول بعثة أممية لتقصي الحقائق وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ، لكن لجان التحقيق لم تعد بحاجة إلى شهود إثبات ، لأن المجرمين قاموا بتصوير عملياتهم الإجرامية بهواتفهم الخلوية ، والتي باتت في متناول الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، ووصلت الأمور بهم عندما لم يتمكنوا من إخفاء هذا الكم الهائل من الجثث، إلى وضع جعب عسكرية بجانب كل شهيد ، ليبرهنوا أن القتلى من المسلحين وليسوا من المدنيين .
وأخيراً فإن جرائم التطهير العرقي تقدم أكبر خدمة للكيان الصهيوني ، ولا تخدم السلم الأهلي بل تقود إلى الفوضى وتعميق الانقسام الطائفي ، وقد تؤدي إلى تقسيم سورية إلى كانتونات طائفية وعرقية، فسورية تحتاج إلى نظام وطني ينبذ الطائفية ، يتمتع بسيادة كاملة ، ويرسي مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية ، على قاعدة رفض الخصخصة ، والتوزيع العادل للثروة ويؤكد على انتمائه الوطني والقومي ، وعلى تحرير الأراضي السورية المحتلة .
وكم كان بود المواطنين السوريين الشرفاء، أن تصدح المساجد (بنداء الله أكبر ، حي على الجهاد ) للتوجه إلى الجنوب السوري لتحريره من الاحتلال الصهيوني الجديد، وعدم إطلاق النداء التعبوي بالتوجه للساحل السوري لارتكاب المجازر بحق العلويين.
وأخيراً : ما يريح العدو الصهيوني ويثلج صدره ، أنه لم يسمع من قيادة الحكم الجديد تصريحات قوية تطالب بانسحاب الاحتلال من الجنوب السوري ، أو اللجوء إلى أضعف الإيمان بتقديم شكوى لمجلس الأمن ، لاتخاذ قرار يلزم الكيان الصهيوني بالانسحاب من الأراضي التي احتلها مؤخراً، والتي تقدر مساحتها بما يزيد عن 250 كيلومترا مربعا، تمتد في أجزاء من محافظات القنيطرة وريف دمشق ودرعا جنوب غرب سوريا، والتي سيطرت عليها منذ مطلع شهر ديسمبر 2024.
انتهى
#عليان_عليان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟