|
أساطير الأم بين عشتار وآتروبوس
حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 19:05
المحور:
الادب والفن
أساطير الأم بين عشتار وآتروبوس: قصيدتان من شمال العالم.. * حكمت الحاج في مجموعتها الشعرية الثالثة المنشورة تحت عنوان “أساطير الأم”، وبعد مجموعتيها السابقتين، “ماريا لوسيا” 2012 و”عزيزي سوان” أو سڤن 2016، غاصت الشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد في غابات الأمومة العميقة، بين الكلاب والخيول والأرانب البرية، والأمهات تدفعن عربات الاطفال أمامهن، في مزيج من الأسطورة والحياة اليومية، للكتابة عن تجربة الأمومة شعرا. الشعر السويدي مثل السينما السويدية، عصي على الفهم، لا يشبه الا نفسه. ثمة المناظر الطبيعية والحيوانات، والعنف، والألم، والحنان والرعاية والهجران والفقد، تنسج بعضها البعض وتخرج من بعضها البعض. التوقعات والأعراف تحمل أيضًا حكايات خرافية. في “أساطير الأم”، تكمن الأسطورة خلف سرير طفل، وبين ملاءات ربما قذرة، بجانب جلد الطفل الناعم، ورائحة التالك، ممزوجة بالحليب. وكما قال الشاعر ت. س. اليوت فالإنسان ليس سوى ولادة وحياة وموت. أو هو مجرد قصبة مجوفة تفكر، على حد قولة بليز باسكال. وهذا الكتاب الشعري احتفاء بتفاصيل الحياة على الطريقة السويدية. فيما يلي ترجمتي لقصيدتين من الكتاب الشعري “أساطير الأم”، للشاعرة السويدية اليزابيث بيرشتولد، والصادرة عام 2021 في ستوكهولم عن دار نورشتيدس للنشر، ويندرج الأمر في سبيل تقديم شاعرة سويدية مهمة تنتمي لتيار ما بعد الحداثة، إلى قراء العربية الشغوفين بالأدب الإسكندنافي، وربما يكون ذلك لأول مرة.
القصيدة الأولى/=
عشتار.. إلهة الليل
قصيدة: اليزابيث بيرشتولد ترجمة: حكمت الحاج
لدينا آذان تسمع عبر الترددات أصواتا أخرى، آذاننا التي تميل مع الحافة أوراق شجر سوداء تضيء نومنا اللاسلكي مع الوهج الوردي.. أنا أحوكُ لكَ وأنت ضع يدك على بطن قطتك المشعر كل منا يجلس على طرف من الأريكة شريط الليلة السوداء أرجواني يطرز الزهرة على صورة العين والحلق الأحمر لا يزال يتدلى في اليد في منحنيات صغيرة صغيرة في حماقات صغيرة مفارش الكروشيه حزينة تغزل الزهور تثور أعصاب النبات من الغرز التي يدخلها الهواء إعادة غرس التعرجات يحمل خيطًا رفيعًا يربط الوجه بصفائح المساحات الخضراء الملاءات تدفن سرير حياتنا المخملي مع الفتحة المتبقية المرقعة وخلفك ما أنت تسميه البنفسج أعد زهور الدم الى صدرك على شكل حيوان من الخيط الأحمر – المس البراعم، المسْ براعمي. __________________
أهدي هذه الترجمة إلى من لا يمكن إلا أن يرد على بال كل من يقترب من اسم عشتار وظلال تاريخها واسطورتها وعلاقتها ببلاد وادي الرافدين، الى ابني العراق، الشاعرين الخالدين، بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، اللذين قالا عن عشتار ما لا يذوي أو يموت.
يقول السياب: نَابُ الْخِنْزِيرِ يَشُقُّ يَدِي وَيَغُوصُ لَظَاهُ إِلَى كَبِدِي وَدَمِي يَتَدَفَّقُ، يَنْسَابُ لَمْ يَغْدُ شَقَائِقَ أَوْ قَمْحَا لَكِنْ مِلْحَا «عِشْتَارُ» وَتَخْفِقُ أَثْوَابُ وَتَرِفُّ حِيَالِي أَعْشَابُ مِنْ نَعْلٍ يَخْفُقُ كَالْبَرْقِ كَالْبَرْقِ الْخُلَّبِ يَنْسَابُ لَوْ يُومِضُ فِي عِرْقِي نُورٌ، فَيُضِيءُ لِيَ الدُّنْيَا! لَوْ أَنْهَضُ! لَوْ أَحْيَا! لَوْ أُسْقَى! آهٍ لَوْ أُسْقَى! لَوْ أَنَّ عُرُوقِي أَعْنَابُ! وَتُقَبِّلُ ثَغْرِي عِشْتَارُ فَكَأَنَّ عَلَى فَمِهَا ظُلْمَهْ تَنْثَالُ عَلَيَّ وَتَنْطَبِقُ فَيَمُوتُ بِعَيْنَيَّ الْأَلْقُ أَنَا وَالْعَتَمَهْ.
ويقول البياتي: تبكي على الفرات عشتروت تبحث في مياهه عن خاتم ضاع وعن أغنية تموت تندب تموز فيا زوارق الدخان عائشة عادت مع الشتاء للبستان صفصافة عارية الأوراق تبكي على الفرات تصنع من دموعها حارسة الأموات تاجا لحب مات.
وربما من خلال هذه الترجمة المتواضعة للقصيدة الرائعة “عشتار، إلهة الليل” للشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد، والإشارة الى قصيدتي الشاعرين العراقيين الرائدين، بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، أن نلقي ضياءا خافتا على تجربتين ابداعيتين مختلفتين، لشعراء من حضارتين متباعدتين، من شمال العالم حتى جنوبه. وللتذكير أيضا، اليكم:
شاهدوا فيلم بعنوان “عشتار”، وهو من بطولة ايزابيل ادجاني وداستن هوفمان ومن إخراج إيلين ماي وانتاج وارن بيتي. عرض الفيلم عام 1987.
القصيدة الثانية/=
“أتروپوس”، اللامستدعى مع مقصاته..
قصيدة: إليزابيث بيرشتولد ترجمة: حكمت الحاج
اشحذ سكاكين البركان السوداء قطّع عصير الفاكهة وقدم لها الدم والبيض.
يحلم فم البركان بالحشرات التي تتجمع أسرابا حول وجهك الواسع كهوف العين بيضاء حيث يجلس البصر.
عثرة وسقوط اربطي الخيط الهش للطفل في لهيب الظلام عين النار على الجانب الآخر تبحث عن خدش القمر المفقود.
اغزل رحم اللحم العنب حار اشطفه للتو من المصدر هل تعيش هل تحترق أنت تحترق حيا.
قطّعَ مقصُ القطع خيطَ النبض ووجه النار نحو اللسان ———–
أهدي هذه الترجمة الى صديقتي الكاتبة التونسية عواطف محجوب التي سبق لها وأن نشرت قصة قصيرة بعنوان “أتروبوس” ضمن كتابها “لاعب الظل” الصادر عام 2021 عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة، في الوقت الذي قامت فيه بإخراج فيلم روائي قصير عن القصة نفسها وبالعنوان نفسه ومن بطولة الفنان شاهر المسعودي وشاركت به مؤخرا في مهرجان ابن جرير السينمائي بالمغرب. وربما من خلال هذه الترجمة المتواضعة لقصيدة “أتروپوس” للشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد، والإشارة الى قصة “أتروپوس” للقاصة التونسية عواطف محجوب، أن نلقي ضياءا خافتا على تجربتين ابداعيتين مختلفتين، لكاتبتين من حضارتين متباعدتين، من شمال العالم حتى جنوبه.
يمكن، وبإذن من الناشر مومنت، تنزيل نسخة من المجموعة القصصية “لاعب الظل”، للتونسية عواطف محجوب، متضمنة قصتها التي أشرنا اليها بعنوان أتروبوس، وذلك على وفق الرابط التالي:
https://www.mediafire.com/file/b9zwbzqhdlpa6uw/%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25B9%25D8%25A8_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B8%25D9%2584_%25D8%25A8%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25BA%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2581_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2583%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%2584.pdf/file
وإليكم هنا الرباط الى مشاهدة الفيلم الروائي القصير بعنوان أتروبوس المقتبس عن قصة عواطف محجوب بنفس الاسم والمشار اليه واليها أعلاه:
إشارات الترجمة:/= * عشتار: عشتار هي إلهة الحب والحرب عند البابليين، وهي إنانا لدى السومريين، وعشتروت عند الفينيقيين، أفروديت في اليونان القديمة، فينوس لدى الرومان. أطلق عليها السومريون اسم ملكة الجنة، وكان معبدها يقع في مدينة الوركاء، وقد تعددت صورها ورموزها وظهرت في معظم الأساطير القديمة وتغنى بحبها الشعراء وتفنن بتصويرها الفنانون رسما ونحتا. تصور عشتار على هيئة امرأة عارية على ظهر أسد ولها تاج ثماني الرؤوس (سرقه مصمم تمثال الحرية الشهير وألبسه رأس سيدة الحرية) وهي إلهة في بابل القديمة تجمع بين الجنس الإباحي والإجرام الدموي وتحكم الشرق الأوسط منذ آلاف السنين وهي التي خاطبها گلگامش في ملحمته الشهيرة قائلا: “ما أنتِ إلا مَوقد سرعان ما تخمد ناره في البرد أنتِ باب لا ينفع في صدِّ العاصفة أنتِ قصرٌ يتحطم في داخله الأبطال أنتِ بئر تبتلع غطاءها أنت حفنةُ قيرٍ تلوِّث حاملَها أنت قربةُ ماء تبلِّل صاحبها أنت حذاء تقرص قدم منتعلها” وعشتار هي التي يصفها الكتاب المقدس في سفر الرؤيا قائلا: “الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر الناس من خمر زناها، المرأة الجالسة على وحش دموي، المتسربلة بأرجوان، والمتحلية بذهب ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب، في يدها نجاسات زناها، وعلى جبهتها مكتوب سر بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض.
* أتروبوس: أتروبوس أو آيسا، في الأساطير اليونانية، آلهة القدر والمصير. معادلها الروماني هو (مورتا). وهي واحدة من المويراي أو المصائر في الميثولوجيا الإغريقية وهن ثلاث أخوات يُجَسدن القدر، وأسماؤهن كلوثو (الغزالة أو الناسجة)، لاشسيس (الموزعة)، وأتروبوس (حرفيًا “التي لا يمكن تفاديها”، أي الموت). في الأساطير الكلاسيكية، الأقدار هي ثلاثة آلهة تتحكمن في خيط الحياة. هن تجسيد للقدر (أو الاقدار). الأولى، كلوثو، تمسك بخيط الحياة، والثانية، لاشيسيز، تتحكم في طوله، والثالثة، أتروبوس، تقطعه. إنها ترمز إلى الولادة، والمرور عبر الحياة، والموت، على التوالي. تقليديا، تم تصوير كلوثو وهي تحمل بكرة، ولاشيسيس تحمل خيطًا ممتدا من البكرة، وأتروبوس تقطع الخيط بالمقصات. وقد تجسد ذلك ببراعة في لوحة الرسام الاسباني “غويا” بعنوان المصائر (المعروفة أيضًا باسم المصير أو أتروبوس). تعتبر أتروبوس هي الأكبر بين الأقدار أو المصائر أو الآلهة الثلاثة، وكانت أتروبوس هي من اختارت آلية الموت وإنهاء حياة البشر بقطع خيوطهم. إن أصل هذه الأسطورة غير مؤكد، على الرغم من أن البعض يطلق عليهن بنات الليل. أما في كتاب “الجمهورية” لأفلاطون فيتم اعتبارهن بنات أنانكي. غير أنه من الواضح أنهن لم يهتمن إلا بالموت وأصبحن أيضا القوة التي تقرر ما يمكن أن يحدث للبشر. من الممكن أن يكون الفيسلوف الاغريقي أفلاطون وراء إطلاق اسم أتروبوس كما العديد من الأوصاف المبكرة للمصائر الثلاث. ولكن يبدو أن الأدلة تشير إلى أن آيسا هو الاسم الأكثر استخداما في وقت سابق، مع اكتساب اسم أتروبوس شعبية في وقت لاحق. وعودا على موضوع لوحة فرانسيسكو غويا الشهيرة، نقول، في لوحة غويا بعنوان المصائر (المعروفة أيضًا باسم أتروبوس) نرى المصائر الثلاثة تحمل رجلًا، يفترض أنه شخص تم قطع خيطه للتو. تمسك كلوثو دمية بدلاً من البكرة، وتمسك لاشيسيس بزجاجة أو عدسة، بينما تمسك أتروبوس بمقص صغير بدلاً من مقصاتها الكبيرة. الأقدار آلهة، لكن لا يوجد شيء إلهي في هؤلاء النسوة كما رسمهن غويا. فلديهن نفس الوجوه المشوهة والوحشية التي رأيناها في العديد من لوحاته في مرحلته السوداء. تعمل المناظر الطبيعية الكئيبة المضاءة بضوء القمر على خلق جو مخيف. لوحة أتروبوس او المصائر أو الاقدار الثلاثة، معروضة في متحف ديل برادو في مدريد.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من النَّظْم إلى المعنى: مشروع رؤية جديدة للبلاغة تصل الأصالة
...
-
قل لا حتى ولو كنت على نعم
-
قصيدة و رباعية عن الولادة والرحيل
-
سين أقرب من سوف
-
قبر إدغار ألان- پو
-
الأسود: وَيَا حزنْ كمْ ليلكْ طويلْ..
-
اسمي غوست، اسمي أوبونتو: بورتريه لرفيق الليل والوحدة
-
تمارين في الدوبيت
-
أسكن في الاحتمال
-
أوصيك بالدقة لا بالوضوح
-
فرصة ليست أخيرة لاستنشاق القصيدة
-
كوخ من لبن النساء، وأشياء أخرى..
-
سلسلة كتاب القصيدة العربية الجديدة ما بعد النثر والتفعيلة
-
هاملت.. إديث سودرغران
-
مدينة الصحون الطائرة: قمة في العبث وانحلال في القيم
-
المنزل ذو الشرفات السبعة
-
تعقيبات على النسوية: بخصوص مقال عواطف محجوب عن رواية -سواك-.
...
-
-مثل زجاجة- ومعمار الحداثة في قصيدة النثر العربية: قراءة في
...
-
صورة للفنان بوصفه جُرواً: ديلان توماس بين القصة والقصيدة وال
...
-
وحيدة على الرصيف
المزيد.....
-
تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
-
فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
-
جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا
...
-
المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
-
عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
-
للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال
...
-
من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “
...
-
فنانون يبحثون عن الهوية بين أرشيف التاريخ وصدى الذاكرة
-
أمير كوستوريتسا: الأداء الأفضل في فيلم -أنورا- كان للممثل ال
...
-
جماعة تحت السور التونسية.. أدباء ساخرون من المجتمع والاستعما
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|