أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - جميع فنون الحرب وقواعد القوَّة في عمل واحد: ألكسندر دوما















المزيد.....


جميع فنون الحرب وقواعد القوَّة في عمل واحد: ألكسندر دوما


نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)


الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


يحاول الإنسان دومًا الوصول إلى طريقة فعَّالة للتعامل بها مع أقرانه البشر، دون أن يقع تحت طائلة أحدهم أو يتعرَّض لألوان شتَّى من الظلم والهوان. وقد قد يعتقد البعض أن برامج التنمية البشرية التي عظُم انتشارها سواء على أرض الواقع في شركات أو مؤسسات مرموقة أو يتم بثَّها على وسائل التواصل الاجتماعي وليدة العصر الحالي، وأنها خير معلِّم لفنون التعامل مع الآخرين في عالمنا المعاصر الذي استشرت فيه جرائم أخلاقية تُقتَرَف بدم بارد. وأغرى النجاح الجماهيري العالمي الذي تحرزه برامج التنمية البشرية البعض لتأليف كتب تكون لقارئها مرجعًا حاضرًا لأي مناسبة يصعب إتختاذ قرار فيها؛ فكل فصل فيها وصفة عملية للتصرُّف السليم في أي ظرف شائك.
وأحد أشهر كُتب التنمية البشرية الحديثة كتاب "قوانين السُّلطة ال48" Laws of Power (1998) لكاتبه روبرت جرين Robert Greene والذي حقق نجاحًا جماهيريًا؛ لكونه دليلًا لاستراتيجيات تلافي معضلات يجابهها أي فرد في الحياة اليومية. وما يمتاز به هذا الكتاب أنه يضم الوصفات الأخلاقية واللاأخلاقية للوصول للمآرب الشخصية. ولربما كان السرّ وراء نجاحه هو تعليم الجرأة لمن لا يمتلكها عند المطالبة بحقوقه.
ولا يعدّ هذا الصنف من الكتب اختراعًا حديثًا، فهناك كتب عتيقة مماثلة، مثل كتاب "فن الحرب" لكاتبه "سان تسو" Sun Tsu. والذي ظهر تقريبًا في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو كتاب مقتضب، وإن كان يقع في ثلاثة عشر فصلًا، كتبه قائد في الجيش الصيني ليكون بمثابة وثيقة لتعليم فنون واستراتيجيات الحرب في كل المواقف. ولقد أثَّر هذا الكتاب على استراتيجيات وفنون الحرب في شرق آسيا لقرون طويلة تمتد بما فيها العصر الحالي، لكن مع مراعاة اختلاف الزمان والمكان. وبسبب فاعلية جميع الاستراتيجيات المطروحة، وجد خبراء علم النفس والاجتماع إمكانية تطبيقها على التعاملات البشرية في الحياة اليومية. ولهذا، أصبح هذا الكتاب حاليًا ذو أهمية قصوى لمن يرغب في تعلُّم فن التعامل مع الآخرين. والاستراتيجيات العقلانية التي لا تتنافى مع قواعد الأخلاق والسلوك التي يحض عليها الكتاب أصبحت سببًا في تناوله وانتشاره وتطويع استراتيجياته طبقًا لاختلاف العصور المتعاقبة. وتعدّ سمعة الكتاب الحسنة، والتي اكتسابها لكون جميع وصفاته لا تتنافى والأخلاق، مما جعل منه مرجعًا لا يشعر الإنسان بالخزي عند الإشارة له، على عكس الحال بالنسبة لكتاب "الأمير" The Prince الذي ألَّفه الديبلوماسي والمنظِّر السياسي الإيطالي "نيكولو ميكيافيلي" Niccolò Michiavelli والذي يحض على اتباع أساليب غير أخلاقية للوصول للمآرب الشخصية، تحت شعار صار قولًا مأثورًا: "الغاية تبرر الوسيلة".
والعجيب أنه بالرغم من وجود هذا الصنف من الكتب على مرّ العصور، لا يزال البشر يقعون في شراك الآخرين، حتى ولو كانوا ممن درسوا واتَّبعوا الاستراتيجيات التي تحض عليها هذه الكتب. فليس من السهل التعلُّم وفهم دروس الحياة القاسية من خلال كتب تتناول نظريات سياسية واجتماعية جامدة، وتظهر فيها المعلومات كسيل عرمرم يتطلَّب توافر وقدرة رائعة على الاستيعاب والتحليل. أضف إلى ذلك، لم تكن تلك المؤلفَّات مُتاحة إلا للنخبة في العصور السالفة. وحتى في العصور التالية أو الحديثة، لا يقبل على قراءتها إلا من هم على قدر من التعليم والثقافة، أو الرَّاغبين في تعلُّم محتواها بعد اختبار فاعليتها. لكن وجود هذا الكمّ من المعلومات القيِّمة في شكل حكاية لا ينقصها التشويق والمغامرة يعمل على زيادة نسبة الاقبال على قراءتها، واستيعابها. ولعل أفضل مثال على ذلك هو رواية "كونت مونت كريستو" Le Comte de Monte Cristo (1844) للكاتب الفرنسي "ألكسندر دوما" Alexandre Dumas (1802-1870).
ومن الجدير بالذكر أن رواية "كونت مونت كريستو" Le Comte de Monte Cristo منذ ظهورها في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الألفية الثالثة لا تزال تحقق نجاحًا جماهيريًا مُبهرًا، والسبب ليس المغامرات الشيِّقة التي تنطوي عليها الرواية؛ فلقد كتب "ألكسندر دوما" أيضًا بعدها في نفس العام (1844) رواية "الفرسان الثلاثة" Les Trois Mousquetaires والتي أيضًا تحقق نجاحًا باهرًا، بيد أن هذا النجاح لا يضاهي نجاح رواية "كونت مونت كريستو" التي لا تزال مادة خصبة يتلقَّفها المؤلفين وصناع السينما والدراما المسرحية والتليفزيونية؛ ويكمن السبب وراء نجاحها كونها دليلًا شيقًا لفنون الحرب والانتصار على أعتى المشكلات والتغلُّب على الأزمات النفسية باستخدام استراتيجيات نتائجها مضمونة.
ومن أهم الاستراتيجيات والحيل النفسية التي يؤكِّد عليها "ألكسندر دوما" أهمية الصبر والهدوء من أجل التخطيط الدقيق للنيل من الأعداء؛ فالانتقام لا يمكن أن يكون عشوائيًا أو وليد فورة غضب. وكلَّما كان الانتقام باردًا، كلمًا أصبح من السهل على المظلوم أخذ حقَّه مضاعفًا بدم بارد؛ وذلك لغياب عنصر العاطفة التي قد تقوِّض الرغبة في الانتقام.
وهذا يضاهي ما أكَّد عليه "سان تسو" في كتابه "فن الحرب"، حين قال أنه يجب "الوصول لساحة القتال منتصرًا، فالنصر يُكتَب فقط للمنتصرين"، ويتأتَّى هذا الانتصار من خلال مراقبة العدو عن كثب ودراسته دراسة دقيقة لاكتشاف نقاط ضعفه، فمن خلالها يسهل اختراق صفوفه والنيل منه. وذلك مثلما فعل بطل الرواية "إدموند دانتي" حينما طبَّق تعاليم السجين الإيطالي "إيبي فاريا"، الذي كان قسًّا إيطاليًا ودارسًا على درجة رفيعة من العلم، لكن سجنه نابليون ظلمًا لإحجامه عن إفشاء مكان الذي خبَّأ فيه سيده ثروته قبل موته؛ فالأمانه تمنعه من الخضوع لطامع. وبالرغم من الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في أسوأ السجون، لكن لم يتسرَّب اليأس إلى نفسه حتى حينما أفضت به خطته في الهرب - بحفر نفق إلى خارج السجن - إلى زنزانة سجين آخر. ولقد نقل "إيبي فاريا" الإيجابية والمرونة عند التعامل مع الأزمات إلى "إدموند دانتي" الذي كان اليأس نال منه بعد سجنه لست سنوات، فرغب في الموت. لكن بدَّل كل هذا لقاؤه بالقس الذي علَّمه أن الذهاب إلى أعداءه منتصرًا يقتضي تسليحه بالعلم أولًا، حتى يستطيع استخدام عقله بطريقة صحيحة سواء عند الانتقام أو عند إظهار شخصه الجديد علنًا. وعلى عكس كتاب "الأمير" و"قوانين السلطة ال48"، كانت رسالة القس ل"دانتي قبل موته" أن يستخدم ثروته في فعل الخير بعد الانتقام من أعداءه.
ووفقًا ل"دوما"، اتباع استراتيجيات التي لا تتنافى مع الأخلاق وعدم اللهث وراء السيطرة على الآخرين بطرق غير شرعية هي السر وراء النجاح المحقق، تمامًا مثل كتابي "فن الحرب" وأغلب كتاب "قواعد السلطة ال48"، وإن تفوَّق عليهما "دوما" لإضافته حبكة مشوِّقة لوثيقته التعليمية.



#نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ)       Naeema_Abdelgawad#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -بوشكين- مؤسس الأدب الروسي وزعيم الحرِّية
- ميجل دي ثربانتس والسعي للجنون لمزيد من السعادة
- عدم حتمية القانون وقنبلة العقاب الموقوتة: بنتهام وبيرجس
- عندما تحدَّث -سبينوزا- و-ستيندال- عن ممارسة الإرادة الحرَّة
- إذا أردت تعريفًا للجيل الضائع، إسأل ديلمور شوارتز وصناع المح ...
- القوة والمعرفة ما بين فوكو والبحتري وتأثير السلطة الحيوية
- حرب الأسياد والعبيد وفلسفة الحقّ: هيجل
- -دوستويفسكي- الأديب الذي يحسد الأدباء هزائمه
- الكاتب الذي ظلمه عصره وكرَّمه المستقبل: -جول فيرن-
- رواية -وشم-والنقد الوجودي للمجتمع
- سحرية الواقع حلم مرعب: ستيفن كينج
- حلقات التاريخ ما بين روسو والذكاء الاصطناعي
- روسو وفلوبير بين السيادة على الأفكار وعبودية الشعور
- هروب فرانسواز ساجان من سجن النُّخبة
- عندما خرج ويلز من بلد العميان
- هكذا تحدَّث زوربا: حُرِّيات كازانتزاكيس
- الواقع الجمعي للأمَّة والمجموعات المرَضِيَّة: فؤاد التكرلي
- أدب المقاومة بنكهة كافكا: إميل حبيبي
- الذكاء البشري أسير الخوف
- أعداءك ضمان النجاح والبقاء


المزيد.....




- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - جميع فنون الحرب وقواعد القوَّة في عمل واحد: ألكسندر دوما