|
رمضان شهر الإنجاز الروحي والثقافي
صبري فوزي أبوحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 13:32
المحور:
الادب والفن
لا ريب عند العقلاء من الأدباء والدعاة والعلماء والفقهاء والباحثين أن (رمضان) شهر عظيم وله ذكرياته في حياة كل إنسان مسلم، فهو نفحة إلهية، تحيي الروح بالقربات وتطعمها بالإيمانيات، وتهذبها بالامتناعات عن الشهوات والملذات، فضلا عن المحرمات، وإن العقل فيه ليصفو ويزكو في هذا الزمان الصفي النقي، فيكون الإنتاج فيه فاعلا ومؤثرا. إن رجلا مثلي بلغ الخمسين من عمره، ومر عليه عشرات الرمضانات، لجدير به أن يسرد حكاياته ومرإياته عن هذا الشهر العظيم روحانيا وعقلانيا واجتماعيا. وأن يرصد حالاته معه في نهاراته ولياليه وطقوسه وأحوال الناس فيه بين من هو أهله ومحبيه، ومن هو من غير أهله والنافرين منه! (رمضان) في طفولتي هو زمان اللعب واللهو والتمتع بأجوائه الفنية من مسلسلات وبرامج لا سيما الدينية منها! ورمضان في شبابي هو زمان التعلم والتعبد والكفاح لإثبات الذات ثقافيا واجتماعيا. مع جنوح إلى الشغف بالعبادات الفريدة في رمضان مثل التراويح(واحد وعشرون ركعة)، وصلاة التهجد، وسنة الاعتكاف، وتعلم السيرة النبوية... مع صحبة عالية للقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا. و(رمضان) بالنسبة إلى شخصي في هذا الزمان الذي أعيشه الآن شهر إنجاز وتعمير؛ فلم يكن شهر رمضان شهر كسل ولا شهر نوم ولا شهر تعب أو شهر إحساس بالتعب ولا استكانة إلى الراحة، ولا ينبغي لي أن أستريح فيه، لابد في كل يوم من أيامه من إنجاز. بدءا بفرائض اليوم العبادية وفرائضه الوظيفية في مجال التعليم والدعوة، ومرورا لمتطلبات الحياة الاجتماعية، وانتهاء بالمستحبات التي تطرأ مثل هذا المقال مثلا! إن اليوم الرمضاني ينقسم بين نهار عملي وليل روحي، وبينهما نوم، ولحظات فارقة تتمثل في لحظتي الإفطار والسحور. إضافة إلى صلاة القيام إماما بالناس أو مأموما! وأقضيه باحثا ومفكرا، ومعدا لمادة علمية تصلح لمحاضرة جامعية حيث وظيفتي، أو محاضرة ثقافية في ليالي قصور الثقافة أو خطبة مسجدية منبرية أو درس عملي، أو كتابة مقال أو متابعة مشروع من مشاريعي البحثية، ومن عجب أن كل هذا التنوع يكمل بعضه بعضا، ويضيف بعضه إلى بعض، فالثقافة العربية متشابكة متداخلة متثاقفة، يتناص كل مجال فيها مع المجالات الأخرى في حوار بيني فاعل وساحر. و(رمضان) متنوع العطاءات في مجالات فكرية وخطابات ثقافية متنوعة، وهاك بيان ذلك: "رمضان" لغويا: --------------- من عجيب أمر رمضان أنه في استعمال العرب دال على الحرارة الحسية، جاء في لسان العرب: "رمضان : من أسماء الشهور معروف، قال الراجز :
جارية في رمضان الماضي تقـطـع الحديث بالإيـمـاض
أي : إذا تبسمت قطع الناس حديثهم ونظروا إلى ثغرها . قال أبو عمر مطرز : هذا خطأ ، الإيماض لا يكون في الفم إنما يكون في العينين ، وذلك أنهم كانوا يتحدثون فنظرت إليهم فاشتغلوا بحسن نظرها عن الحديث ومضت ، والجمع رمضانات ورماضين وأرمضاء وأرمضة وأرمض عن بعض أهل اللغة ، وليس بثبت . قال مطرز : كان مجاهد يكره أن يجمع رمضان ويقول : بلغني أنه اسم من أسماء الله عز وجل. قال ابن دريد : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها فوافق رمضان أيام رمض الحر وشدته فسمي به . الفراء يقال هذا شهر رمضان ، وهما شهرا ربيع ، ولا يذكر الشهر مع سائر أسماء الشهور العربية . يقال : هذا شعبان قد أقبل . وشهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش..ومن دلالات الجذر "ر/ م /ض"( الحدة والترقيق) جاء في اللسان: ورمض النصل يرمضه ويرمضه رمضا : حدده . ابن السكيت : الرمض مصدر رمضت النصل رمضا إذا جعلته بين حجرين ثم دققته ليرق . وسكين رميض بين الرماضة أي : حديد . وشفرة رميض ونصل رميض أي : وقيع ، وأنشد ابن بري للوضاح بن إسماعيل : وإن شئت فاقتلنا بموسى رميضة جميعا فقطعنا بها عقد العرا وكل حاد رميض . ورمضته أنا أرمضه وأرمضه إذا جعلته بين حجرين أملسين ثم دققته ليرق . وفي الحديث : إذا مدحت الرجل في وجهه فكأنما أمررت على حلقه موسى رميضا قال شمر : الرميض الحديد الماضي فعيل بمعنى مفعول وقال : وما رمضت عند القيون شفار أي : أحدت . وكذا نجد لهذا الجذر دلالة الوثوب، قال مدرك الكلابي فيما روى أبو تراب عنه : ارتمزت الفرس بالرجل وارتمضت به أي : وثبت به . والوثوب معنى غريب على هذا الجذر! ومن عجيب أمر هذا الجذر اللغوي أن له دلالة خاصة بالطعام جاء في اللسان: والمرموض : الشواء الكبيس . ومررنا على مرمض شاة ومنده شاة ، وقد أرمضت الشاة فأنا أرمضها رمضا ، وهو أن تسلخها إذا ذبحتها وتبقر بطنها وتخرج حشوتها ، ثم توقد على الرضاف حتى تحمر فتصير نارا تتقد ، ثم تطرحها في جوف الشاة وتكسر ضلوعها لتنطبق على الرضاف ، فلا يزال يتابع عليها الرضاف المحرقة حتى يعلم أنها قد أنضجت لحمها ، ثم يقشر عنها جلدها الذي يسلخ عنها وقد استوى ، لحمها ، ويقال : لحم مرموض ، وقد رمض رمضا . ابن سيده : رمض الشاة يرمضها رمضا أوقد على الرضف ثم شق الشاة شقا وعليها جلدها ، ثم كسر ضلوعها من باطن لتطمئن على الأرض ، وتحتها الرضف وفوقها الملة ، وقد أوقدوا عليها فإذا نضجت قشروا جلدها وأكلوها ، وذلك الموضع مرمض ، واللحم مرموض . والرميض : قريب من الحنيذ غير أن الحنيذ يكسر ثم يوقد فوقه . وارتمض الرجل : فسد بطنه ومعدته ، عن ابن الأعرابي" . وكأن العرب القدامى الذين اختاروا هذه اللفظة(رمضان) من هذا الجذر(ر/م /ض) للدلالة على هذا الشهر، كانوا كمن يختار عن علم غيبي بما سيكون عليه هذا الشهر إسلاميا من حرارة، وفرادة، وحدة، وترقيق، وعناية لأهله بصنوف الطعام! وبما قد يعتري بعض المسرفين فيه من فساد بطونهم ومعاداتهم! "و(رمضان) مشتق من الجذر "ر/ م /ض"، قال ابن فارس في معجمه الفريد المقاييس: الراء والميم والضاد أصل مطَّرِدٌ يدل على حدة في شيء من حر أو غيره. فلهذه المادة عدة معانٍ مرتبطة بالحرارة والاحتراق، فالرَّمَضُ: يعني شدة الحرارة، وبخاصة حرارة الشمس على الرمال أو الحجارة.و الرَّمْضاءُ: هي الأرض شديدة الحرارة. والارتماض: يعني الاحتراق. فرمضان حار حرارة مناخية، إذ يُقال: إن تسمية الشهر جاءت من شدة الحرارة التي كانت تصادف هذا الشهر في وقت تسميته في اللغة القديمة. وقد تكون حرارة معنوية خاصة بحرقه الذنوب، فهو مشتق من "الرمض"، بمعنى حرق الذنوب والمعاصي، حيث يُعتبر رمضان شهرًا للتوبة والمغفرة. وقد تكون حرارة رمضان حرارة جسدية، حيث حرارة الجوف لدى العبد الصائم يُقال: إن جوف الصائم يشتد حره من شدة الجوع والعطش خلال الصيام. فرمضان ذو حرارات متنوعة، منها الجغرافي المرتبطة بشدة الشمس وقت الصيف، ومنه الحسي الذي يظهر داخل جسد العبد بفعل عبادة الصوم، وأضيف الحرارة العقلية، فحالة الصفاء العقلية برمضان لا مثيل، ولا ريب انه خير معين على الإبداع والإشراق والتوهج والإمتاع والإبداع، لمن استطاع ان يعلو على جسده، ويعيش مع روحه تلك التي تجعله سماويا ملائكيا محلقا. رمضان شعريا ----------------- عبر الشعراء عن رمضان في أشعارهم حبا ومدحا وأحيانا نفورا وقدحا، ومن أبرز النصوص في ذلك قول الشاعر العباسي ابن الرومي شهـر الصيـام مبــاركٌ ما لم يكـن فـي شهر آبِ الليل فيه ساعة ونهاره يوم الحساب! خِفت العذاب فصمته فوقعت في نفس العذاب فقام بتشطيرها الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله شيخ الأزهر في زمانه فأبدل معناها السيء بآخر حسن. فقال: (شهر الصيام مبارك) في كل فصل مستطاب سهل عليّ صيامه (ما لم يكن في شهر آب) (خفت العذاب فصمته) ورجوت نافلة الثواب لمّا انقضى اشتد الأسى (فوقعت في نفس العذاب) ولأمير الشعراء هذه النفثة عن رمضان، والتي تعلن عن موقف بشري من قيود رمضان وتحكماته في بعض البشر، يقول فرحا بانتهائه وقدوم العيد: رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي. مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها. وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ ضَحِكَت إِلَيَّ مِنَ السُرورِ وَلَم تَزَل بِنتُ الكُرومِ كَريمَةَ الأَعراقِ وقد رد عليه الشاعر الإسلامي جابر قميحة فأبدع قصيدة معارضة لها بعنوان " لا يا أمير الشعراء" جاء فيها:
رمضانُ ودَّع وهو في الآماق يا ليته قد دام دون فراقِ
ما كان أقصَرَه على أُلاَّفِه وأحبَّه في طاعةِ الخلاق
زرع النفوسَ هدايةً ومحبة فأتى الثمارَ أطايبَ الأخلاق
"اقرأ" به نزلتْ، ففاض سناؤُها عطراً على الهضبات والآفاق
ولِليلةِ القدْر العظيمةِ فضلُها. عن ألفِ شهر بالهدى الدفَّاق
فيها الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا حتى مطالعِ فجرِها الألاق
في العامِ يأتي مرةً لكنه فاق الشهورَ به على الإطلاق
شهرُ العبادةِ والتلاوةِ والتُّقَى. شهرُ الزكاةِ، وطيبِ الإنفاق
لا يا أمير الشِّعر ما ولَّى الذي آثاره في أعمقِ الأعماق
نورٌ من اللهِ الكريمِ وحكمةٌ علويةُ الإيقاعِ والإشراق
فالنفسُ بالصوم الزكى تطهرتْ مِن مأثم ومَجانةٍ وشقاقِ
لا يا أميرَ الشعر ليس بمسلمٍ مَن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ
فإذا انتهتْ أيامُه بصيامِها نادى وصفَّق هاتها يا ساقي
الله غفار الذنوب جميعها إنْ كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي
عجبًا!! أيَضْلَع في المعاصِي آثمٌ لينالَ مغفرةً .. بلا استحقاقِ؟
أنسيتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه حينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟
وأرى أن أستاذنا الشاعر جابر قميحة قد تعامل بقسوة مع أمير الشعراء، وفهم قصيدة شوقي فهما ظاهريا سطحيا، فشوقي لم يرفض رمضان، ولم يضعه في سياق غير مناسب، كل ما فعله أنه بالغ في التعبير عن فرحه بالعيد وما فيه من انطلاق وإقبال على المتع والشهوات، كما أنه لم يذكر صمير التكلم فيه بل استخدم ضمير الغيبة،! وعندما ذكر ضمير المتكلم ذكره في الحديث عن بنت الكروم، وإنه لم يقصد التغزل بالخمر بل وصف حال البعض من شاربى الخمر الذين ينتظرون انتهاء رمضان لكى يعودوا إلى شربهم.والشعراء في كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون، ولشوقي أشعار في رمضان تجله وتوقره، غير هذه القصيدة القافية المشكلة! وهو القائل في كتابه النثري(أسواق الذهب): "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع، وكيف ألمه إذا لذع" ! ندوة (تجليات رمضان في شعر عبدالمجيد فرغلي) ---------------------- قام قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات بجامعة الأزهر، بالتعاون مع مدرسة شباب النقد الأدبي، والمستشار عماد فرغلي بعقد ندوة دولية عن هذه المناسبة الإسلامية في شعر رحالة الشعر العربي، باعتباره من أكثر الشعراء العرب نظما فيها، وقد جاء في تصدير الأستاذ الدكتور صابر عبدالدايم للكتاب الجامع لمقالاتها وأبحاثها، والمنشور سنة ٢٠٢١م: "ومما يسعدني حقًّا أن تسهم (مدرسة شباب النقد الأدبي بجامعة الأزهر)- التي أشرف برعايتها وتوجيهها، والتي يقوم بتنسيق جهودها الحبيب الدكتور صبري أبوحسين- تسهم بست قراءات لهذا الشعر الطيب شكلاً ومضمونًا، للأحبة الأزهريين الأصلاء، أبناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية: - أ.د/صبري فوزي أبوحسين، أستاذ الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، عن بحثه: (من سيميائيات الشعر الرمضاني في نتاج الأستاذ عبدالمجيد فرغلي). - أ.د/ياسر السيد البنا، أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بقنا في بحثه: (المعادل الموضوعي بين الاستهلال ومطلع الهلال درس في مطالع قصائد الشيخ عبدالمجيد فرغلي الرمضانية). - د/ عبدالرحمن فوزي فايد، مدرس الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية عن بحثه:(موكب هلال الصوم للأستاذ عبدالمجيد فرغلي رؤية نقدية). -د/محمود جلال ناصر، مدرس الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بإيتاي، عن بحثه:"قراءة في جماليات استقبال وتوديع رمضان في شعر عبدالمجيد فرغلي، قصيدة في وداع الصوم أنموذجًا". - د/محمود فؤاد أحمد محمد، مدرس الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بجرجا عن بحثه: (تجليات رمضان في شعر الشيخ عبدالمجيد فرغلي). - د/عبدالله محمد أديب القاوقجي، مدرس الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية عن بحثه: (نفحات شهر رمضان في شعر الأستاذ عبدالمجيد فرغلي). كما تعجبني تلك القراءات الحداثية للتجارب الرمضانية من قبل أساتذة مغاربة فضلاء، هم: - الأستاذ محمد الماطري صميدة، رئيس تحرير جريدة الأنوار التونسية، عن مقاله: (في ظلال شعر عبدالمجيد فرغلي الرمضاني). - الدكتور فاطمة الزهرة ناضر، من جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف بالجزائر، عن بحثها: (بدر من جغرافية المكان إلى هيكلة صرح الوطن في قصيدة(أضواء من التاريخ في ذكرى معركة بدر للشاعر عبدالمجيد فرغلي). - الدكتور معمر عفاس، من جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف بالجزائر، عن بحثه: (لحظات مع قصيدة في وداع شهر الصوم). وقد قلت في بحثي بهذه الندوة: يسجل كل قارئي شعر (شيخنا عبدالمجيد) خلال هذه الدورات العلمية الخاصة بنتاج شيخنا-رحمه الله - من جامعين محققين، ودارسين باحثين أن شيخنا الشاعر من أغزر الشعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن أطولهم نَفَسًا شعريًّا في إخراج القصائد المطولة؛ إذ يبلغ مجمل إبداعه ما يبلغ ثلث مليون بيت أو يزيد، ودواوين تتجاوز الأربعين ديوانًا، منها المطبوع ومنها المخطوط، وبعض قصائده تصل إلى المئتين والثلاثمائة من الأبيات الشعرية! وإن هذه الكثرة الإبداعية لدالة على شاعر متمكن أمكن من موهبته، تلك الموهبة السخية التي تطيعه في كل زمان ومكان، وفي كل حال ومقام، كما أنها كثرة دالة على هيمنة الشعر على شيخنا ليل نهار، صباح مساء، في معظم سني عمره؛ إذ ظل يبدع الشعر منذ سن الثانية والعشرين من عمره تقريبًا حتى آخر أنفاسه رحمه الله، يبدعه في مجال نصرة قضايا أمتنا الإسلامية، وقوميتنا العربية، وهويتنا المصرية بثبات وأصالة ورصانة وجهارة في مجالي التشكيل والرؤية... ولعل في تتبع مراحل حياة الشعرية ما يعطينا دلائل على هذه الحقيقة الكبرى في شخصيته؛ فقد مر إبداعه بأطوار عديدة متدرجة، عبرت عنها بجلاء آثاره الشعرية، التي منها آثار مخطوطة، كان يمارس فيه طريقته الخاصة في التعديل والتطوير والتطوير والتكثير والتفنين، على النحو الذي نعرفه، عن شعراء الصنعة الأوسيين الزُّهَيرِيين الجاهليين، عبيد فنهم، في حديثهم عن طريقتهم في الإبداع. ومن هنا تظهر سيميائية المبدع، إذ عندما يذكر اسمه على أي عمل شعري يعرف أنه صادر عن ريفي صعيدي مصري عربي مسلم، معلم، محافظ، وداعية يحيا بشاعريته لسان ذاته، ولسان بيئته، ولسان وطنه، ولسان قوميته ولسان أمته، ولسان دينه، رحمه الله تعالى؛ فقد استمر شيخنا مع إبداع الشعر الكلاسيكي الدعوي المجاهد المؤرخ ماضي أمته وواقعها، ستين سنة أو يزيد، في كل ملتقى ومحفل ومجمع وحادثة ومناسبة. وإن لشهر رمضان خصوصيات على بقية الشهور؛ فهو شهر مفضل إلهيًّا ونبويًّا واجتماعيًّا، تتغير فيه الحياة، وتتطور فيه الأحياء، زمان معروف بالذكر والذكرى، وقد تنوعت مشاعر المسلمين حوله قُبيل مقدمه شوقًا، وحين قدومه استقبالاً وفرحًا، وخلال فيوضاته هيامًا وانشراحًا، وعبادة وسلوكًا، وقُرَيب انتهائه حزنًا على انتهاء أكثره، وبعد رحيله توديعًا، ثم تشوقًا ثانيًا... ومن ثم كثرت التجارب حول هذا الشعر الكريم، الممثلة في الأشعار الإيجابية الخيِّرة الهادفة المُنيرة الشادية، المصوِّرة هذا الشهر قديمًا وحديثًا ومعاصرًا، والتي تناولت وصف هذه المشاعر استقبالاً له، وانفعالاً به، وتوديعًا له! وقد ندرت الأشعار السلبية تجاه هذه النفحة الإلهية السنوية الكريمة، وكان أصحابها في حالة شاذة خاصة! ولا ريب في أن القراءة الكلية في مجمل نتاج الأستاذ عبدالمجيد فرغلي لتقدم دليلاً على انفعال شيخنا المحافظ الملتزم بجل مناسبات الإسلام وشعائره الكبرى وأحداثه الفذة- ومن أبرزها مناسبة شهر رمضان الكريمة المباركة، التي هي من أيام الله المعدودات المكرورة سنويًّا، والتي لها أثر على الكون كله إنسانًا، ومكانًا وزمانًا؛ فلرحالة الشعر العربي نتاج شعري غزير، متنوع في تناوله مناسبة شهر رمضان، رحل فيها ومعها روحيًّا وقلبيًّا ونفسيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا رحلات طيبة دالة؛ إذ نظم فيها وحولها عشرين قصيدة، هذه التجارب الرمضانية منشورة في دواوين مخطوطة ومطبوعة، هي: دموع وأنداء/ تائب على الباب/من نبع القرآن/في رحاب الرضوان، صرخة ذبيح، وأصداء وأضواء، وتكرر نشر القصيدة في غير ديوان؛ فقد ضم ديوان (تائب على الباب) إحدى عشرة قصيدة، هي في موكب الرؤية، في موكب هلال الصوم، هلال الإخاء، عودة إلى الله، أضواء من التاريخ في معركة بدر، بعشرهن في الشهر اعتكاف، ليلة القدر، أريد إكرامًا لعاقبتي، في وداع شهر الصوم، اليوم عيد الفطر، بسمة العيد، بيت السماء. بينما ضم ديوان (من نبع القرآن) ست قصائد هي: هلال الصوم، في موكب استطلاع هلال رمضان، درس من مأدبة رمضان، إليها دعاني القرب، ليلة القدر، في خاطر الليل. وهذه التجارب الرمضانية الممثلة لموقف شيخنا فرغلي -رحمه الله- من شهر رمضان في كل أحواله الروحية والفكرية والاجتماعية والتاريخية زمانًا ومكانًا. ودلالة هذه التجارب تتبدى في عتبة عنوانها، كما تتبدى في مناسباتها؛ إذ تجد العنوان واضحًا مباشرًا غالبًا، فمن خلال العنوانات يمكننا تصنيف هذه التجارب موضوعيًّا إلى: - شعبانيات استقبالية: كما في قصائد: [نداء في ليلة النصف من شعبان، بيت السماء، عودوا إلى قبلة أبيكم إبراهيم، حمائم وغصون]، وهي ليست في المضمون الرمضاني مباشرة، لكنها دالة على انفعال الشاعر-رحمه الله - بمناسبات الإسلام والمسلمين، على مدار العام الهجري كله، انفعل بما قبيل رمضان، وانفعل برمضان، وانفعل بما بعد رمضان!. - استهلاليات رمضانية: قصائد مستطلعة للهلال الشريف فرحة به، كما في التجارب الأربع: [في موكب الرؤية، هلال الإخاء، في موكب هلال الصوم، في موكب استطلاع رمضان]. - مناسك رمضانية خاصة، حيث ليلة القدر، وسنة الاعتكاف، والمدارسة العلمية، وعبادتا القيام والمناجاة، كما في التجارب الخمس: [ليلة القدر، بعشرهن في الشهر اعتكاف، درس من مأدبة الصوم، في خاطر الليل من وحي شهر رمضان، أضواء من التاريخ: في ذكرى معركة بدر]. - وداعيات: كما تجربة [في وداع شهر الصوم]. - عيديات: كما في التجارب الثلاث: [عيد الفطر، بسمة العيد، بؤس في يوم عيد]. - ذاتيات: كما في التجارب الثلاث: [أريد يا رب إكرامًا لعاقبتي، عودة إلى الله، إليها دعاني القرب] - اجتماعيات في تجربة[ لقاء في رحاب الرضوان] - وطنيات: كما في تجربة[معجزة العبور]. وهذا التنوع الفكري في الشعر الرمضاني لدى شيخنا الشاعر راجع إلى أنه معلم وداعية ومصلح، وإلى أنه عاش تجربة رمضان عيشة حقة روحيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وأدبيًّا. وحقًّا كما يقول شيخنا: رمضان مائدة التقى في بره وطعامها ذكر معظم شانِ جمع الأحبة في خوان محبة وأمدهم بغذائه الرباني من كل موضوع تناول عرضه فذ ضليع الفكر في الأذهان من عالم أو واعظ أو شاعر ومحاضر سلس العبارة حانِ يحنو بموعظة تبدد ظلمة وتبث نبع النور للظمآن فلشهر رمضان فيوضات وانفتاحات كثيرة ومتنوعة، تظهر على من يتعامل معه بإيجابية وانسجام، كشيخنا، فينطلق معه ذاتًا، وينطلق معه زمانًا، وينطلق معه تاريخًا، وينطلق معه شعائر ومشاعر، وينطلق منه إلى أمته، مناجيًا ومفكرًا ومحللاً وداعيًا مصلحًا، منيرًا عن عبدة، وعن حياة وعن أحياء، وعن صلة سامية بالله تعالى الخالق.... وبقراءة المناسبة التي أبدعت فيها القصائد، أو التاريخ أو ما كتب حولها من ملاحظات نلحظ مدى تنوع التجارب، ومدى حضور شاعرنا بها في مجتمعه؛ ففي هذا النتاج شعر حضر خارج العقلية العربية؛ إذ نجد قصيدة (عيد الفطر) قد تمت ترجمتها إلي اللغة الفرنسية من الباحثة التونسية / سارة معتوق. وقد نظمت في مدة عمرية طويلة، بلغت سبعًا وثلاثين سنة، منذ سنة 1962م إلى سنة 1999م؛ مما يدل على خضرمة شاعرنا وخبرته بهذا الشهر الكريم، وكيفية الإبداع في التعبير عن مضامينه وشعائره ومشاعره. وتدل مناسبة بعض القصائد على عمد شاعرنا إلى معاودة النظر فيها، وتطويرها، هي: - قصيدة (هلال الإخاء) وردت بصياغة أوجز في عدد أبياتها، التي بلغت 38 بيتًا، تحت عنوان (عودة إلى الله)، وبهذا الإيجاز نشرت في المجلة العربية السعودية، في العدد (140)، الصادرة في رمضان 1409هـ، الموافق شهر إبريل 1989م، كما نشرت مؤرخة بـ: 4/7/1982م، في أخبار الأدب المصرية. - قصيدة (أضواء من التاريخ، في معركة بدر الكبرى)، لها صياغتان إحداها في مخطوط تحت عنوان (في ذكرى موقعة بدر) و الأخرى مكتوبة على الكمبيوتر و قام الشاعر بتشكيلها بخط يده . . - قصيدة (ليلة القدر) لها صياغتان: ترجع أولاهما إلى 17/7/1982 الموافق 27 من رمضان 1402هـ بالمجلد الرابع من أعماله الكاملة (أصداء و اضواء)، و لها عنوان آخر: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، والثانية في 1/4/1992م، في ديوان (دموع وأنداء)، وعدد أبياتها (112) بيتًا. وهذه التجارب تحتاج قراءة تحليلية في ضوء المنهج النفسي، لتبين طرائق الإبداع ومعالمه عند شاعرنا من خلال تتبع المسودات العديدة المخطوطة لكل قصيدة، والفارق بين كل مسودة شكلا ومضمونًا، وزمانًا ومكانًا، وحالة عاطفية. وأعتقد أن لرحالة الشعر العربي تجارب كثيرة جدًّا تعين على إنجاز مثل هذه الدراسة .. وهذا الصنيع الفني دال على مذهب الشاعر الإبداعي أولاً، ودال على حرص الشاعر على الحضور بشعره في جُلِّ مناسبات شهر رمضان وأحداثه. والظاهرة البادية في هذه التجارب هي تعانق الذات مع المناسبة فرحًا بالاستقبال للشهر أو لقدومه، أو تضرعًا في روحانياته، أو حزنًا لرحيله، أو حزنًا لبؤس شخصي حدث له بسبب اغترابه عن وطنه في تجربة وحيدة! فلم يقف شاعرنًا عند حدود المناسبة بل إن انطلق هادرًا بشاعريته في كل معنى ومرمى سواء أكان خاصًّا بالمناسبة أو خاصًّا بوطنه، أو خاصًّا بأمته أو خاصًّا بذاته! ، فكانت المناسبة مفجر إبداع وسبب تحريك للشاعرية! ومن ثم خلت هذه التجارب العشير من علائم الضعف المعهودة عن شعر المناسبات السطحي التقليدي، الذي تتحكم فيه المناسبة في الشاعر، ولا يستطيع أن ينطلق منه إلى أجواء عليا! إنها تجارب تمثل ما قاله شيخنا في ختام قصيدته (نداء في ليلة النصف من شعبان): دعوة من قلب شاعر صاغها من لحن أطيار السماء وتظهر الذات في مطلع قصيدة(ليلة القدر): لي فيك ما قدر الرحمن لي وطرُ وبي رجاء لعفو الله ينتظرُ ويقول من القصيدة ذاتها: لي في سجلك نور أستضيء به من ظلمة ليس في آفاقها قمرُ حملته بيقين لا مراء به و بين جنبي من القلب منبهر قد ضم صالح أعمالي وما حملت يداي إذ عنه حجب الغيب تنحسرُ حروفه كلمات بالشذى عبقت بروضة دوحها مخضوضر عطرُ غرستها في رياض الخلد لي أثرًا أرجو به وجه ربي وهو مدخر وهذا ديدن شاعرنا في كل رمضانياته، يعلن عن هيامه واندماجه مع الشعيرة قلبًا وقالبًا، ولسانًا شاعرًا متأثرًا هادرًا آسرًا... وبقراءة الكشاف الفني للتجارب الرمضانية الفرغلية نجد أنها كلها جاءت في قالب القصيدة البيتي الخليلي موحد القافية، في اثنتين وعسرين قصيدة. وقد نظم شيخنا تجاربه هذه على نسق سبعة أبحر(الكامل/البسيط/الطويل/المتقارب/الوافر/الخفيف /الرمل)، وتوزيعها مرتبة من حيث الكم، هي: - سبع قصائد على البسيط التام. - ست قصائد على نسق الكامل، منها واحدة على الصورة المجزوءة منه. - أربع على نسق البحر الطويل. - اثنتان على نسق البحر المتقارب التام. - واحدة على نسق الخفيف التام، وواحدة على نسق الوافر التام، واحدة على الرمل التام. وكلها أبحر ذات إيقاعات مناسبة للشهر الكريم، ففخامته ورحابة الخواطر والرؤى فيه نجدها في إيقاع نسقي البحر الطويل والبحر البسيط، والحالة الاجتماعية الغنائية الإنشادية نجدها في إيقاع أبحر الكامل الوافر والمتقارب، والتنوع الفكري نجده في إيقاع البحر الخفيف، وبحر الرمل. ومن شأن كثرة هذه الأنساق الإيقاعية وتنوعها أن تعطي مساحة للمبدع في أن يعبر عن المعاني الكثيرة المنداحة التي يثيرها هذا الشهر في النفس المنفعلة به وفيه، مبدعة أو متلقية. ويضاف إلى ذلك كمُّ القصائد فقد تنوعت من حيث عدد أبياتها إلى: - قصائد صغرى: في تجارب عشر تتراوح أبياتها بين أربعة وعشرين بيتًا وتسعة وأربعين بيتًا. - قصائد وسطى: في تجارب ثماني تتراوح أبياتها بين اثنين وخمسين بيتًا وتسعين بيتًا. - قصائد مطولة: في تجارب أربع، تزيد أبياتها على مائة بيت، هي[(ليلة القدر 112بيتًا)، و(في موكب هلال رمضان 115بيتًا)، و(في موكب استطلاع رمضان 180 بيتًا)، و(لقاء في رحاب الرضوان 209بيتًا)، وهي أكبر القصائد الرمضانية]. وغلبة القصائد الوسطى والمطولة، وغلبة الإيقاع التام، عند شاعرنا المخضرم الفحل يناسب كثرة المعاني والأشجان التي تثيرها مناسبة شهر رمضان المبارك، إنه كما يقول شاعرنا من مقدمة مطولته(لقاء في رحاب الرضوان): نفحاتُ أنوارٍ من الرحمنِ ودروسُ عِلْمٍ في الهدى الرباني وكتابُ هَدْي قُدِّمت صفحاتُه في خيرِ مائدةٍ من الإيمانِ ولطائفٌ يُهديكها قصصٌ سرَى بين القلوبِ مُخالطَ الوجدانِ من كلِّ لونٍ من حديث مُمْتِعٍ كمْ شاركتْ فيه هُواةُ بيانِ صنَعَتْ مزيجًا من كريمِ ثقافةٍ في الصومِ في التفسيرِ للقرآنِ وبحكمةٍ مُزِجتْ بألوانِ الهُدَى وبكلِّ ثوبٍ للفضيلةِ داني ذُقنا حلاوتُه وتُقنا سمعَه في كلِّ أُمسيَةٍ عظيمةِ شانِ إنْ كانَ في مصرَ استمعنا قولَه فلعلَّه أمسى بكلِّ مكانِ هي فكرةٌ روحيةٌ قد سنَّها علماءُ دينِ رسالةِ الديان فالشعر الرمضاني منداح على كل الأفكار والرؤى والاتجاهات، وفيه متسع أمام كل شاعر كي يصف ويصور وبعبر عن عواطف شتى، ومشاعر متنوعة، لا سيمًا إذا كان المبدع معلمًا وخطيبًا ومفكرًا واجتماعيًّا كشيخنا فرغلي، رحمه الله! إن النتاج الشعري الرمضاني مثال جيد لشعر القضية والرسالة الذي يوظف المبدع فيه شاعريته فيعلن عن زمانه ومكانه وأيدلوجيته، وحالة الحياة والأحياء حوله الآخر، وينصح القادة والرادة، معددًا الأدواء، ومقدمًا العلاجات، في صوت شعري صاخب مجلجل، غير خافت ولا هامس، ولا منزو ولا منغلق أو سائر في دروب المتاهات الحداثية، تلك التي أحدثت قطيعة شبه نهائية بين الإبداع والتلقي عن عمد أو جهل أو تجاهل حسب طبيعة المرسل ومن ثم ضاعت الرسالة، بل ماتت عند هؤلاء الموتورين المفتونين بكل شيء وافد، رغم ما فيه من سوءات مكشوفة للجميع. ففي كل تجربة نجد هذه النزعة الرسالية، يقول من تجربة(ليلة القدر) ناجيًا ربه لأمتنا: يا صاحب العفو أنت المرتجى كنفًا ومن بغيرك حصنًا سوف يستترُ هيِّئ سبيلاً تُنادي فيه أمتنا فإنها خيرُ مَنْ بالعرف تأتمرُ بدِّدْ خلافاتِها جَمْعًا لقادتنا على الطريق فما للحرب مُستعرُ أنت النصير لها في كل معركة فيها البغاة عليها ساقهم سعَرُ واجمعْ صفوفَ بَنِيها ضدَّ قاهرِهم فهمْ جُنودُك إنَّ البغي منقعرُ واجمع على الحبِّ والإيمانِ رايتَهم أمامَ جَورِ غُزاةٍ في الورى فجروا وانصـر شعوباً على الإسلام قد بقيت تناصر الحق لم يحلل بها خَوَرُ شعوبك اليوم يا رباه واقعة تحت الحصار وأنت الكهف والوزر أرسل ملائكة يا رب تنفذهم مما يعانون منك العون منتظر فتلك هجمة بغي ضد أمتنا لم ندر كيف بنا تمضـي وتنحدر وانصـر بني القدس في أرض حجارتها ثارت علي البغي إذ أشبالها زأروا وهاهم اليوم لا يألو مُفاوضهم جهدًا أمام عُدَاةٍ ضَلَّ ما ائتمروا إن لم يكن جنحوا للسلم واعترفوا بالحق في الأرض فليعصف بهم حجر ويدعو الشعوب إلى وقفة عملية في النصرة والمقاومة قائلاً في ختام القصيدة: ويا شعوب الورى جدوا بوقفتكم في نصـر شعب بنوه في الورى قهروا ويا بني العرب والإسلام موقفكم نعم الظهير لشعب سوف ينتصـر يا إخوة الحق في أوطان أمتنا عودوا إلى الله عنكم يُدفع الخطر إن تنصـروا الله تنصـركم كتائبه وأمة الله مكتوب لها الظَفَر وبادٍ في هذا الختام الجهادي التحريضي مدى هيمنة النص القرآني على شاعرنا، متجاوزًا الندب والتفجع إلى الموقف العملي الإيجابي المقاوم المحرر. إن هذه الفرغليات الدعوية نفثات خرجت من صدر ملؤه هموم الأمة التي تحالف أعداؤها عليها من الداخل والخارج، وحوصر فيها الإسلام حصارا محكما، فكه الله تعالى بقدرته, وخلصنا من أوضاره؛ فالكلمة عند شيخنا "فرغلي" سلاح فاعل لتجلية الحق وفضح الباطل والقضاء على الخبل والخبال، والتيه والهيام، الذي ينتشر في وديان شتى. بغير غاية عليا أو هدف سام. إنه شاعر مصري عربي إسلامي محافظ، هادف، عاش في طريق الفحولة بخطى ثابتة، وانطلق من المنظور القرآني".. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، ومن قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حين سأله: يا رسول الله ماذا ترى في الشعر؟ قال :" إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". إنه من الشعراء الرساليين، إنه "شاعر رسالة ينطوي عليها، يشعر بها في داخله، كأنها سبب وجوده، ويعيها في إبداعه كأنها العلة الأولى التي يصدر عنها هذا الإبداع. إن شيخنا فرغلي –رحمه الله- شاعر سار في رحاب شعراء الدعوة الإسلامية وفي ركبها سيرًا ثابتًا مستقرًّا، فدافع عن إسلامنا الحنيف بالقول الفصل والمنطق الجزل، بشعر علمي عملي خطابي، يجلو على الناس أنواره، ويطلع في سماء البيان شموسه وأقماره، ويدلهم على ما فيه للإنسانية من خير وبر وسعادة ومجد وجمال وجلال وفضل وكمال ونصر وتمكين وعدل وإخوة ومواطنة ومساواة.. والحق أنه ما زال في هذا الشعر الرمضاني الذي يمكن أن يقال نقديًّا، وأن يكشف عنه تحليليًّا، لا سيما في القراءة له قراءة ثقافية تُعنى بالكشف عن الأنساق الثقافية المضمرة فيه، مع تصنيفه موضوعيًّا، وأسلوبيًّا حيث البنياتُ المهيمنةُ من تكرار إيقاعي ولغوي وتعبيري وتفكيري وتصويري، وتناص بأنواعه العديدة حيث التناص المباشر، والتناص الامتصاصي، والتناص الذاتي، والتناص العام والتناص الخاص! ولعلي أحقق ذلك في قادم الوقفات مع مدونة الشعر الرمضاني كله تذوقا وتحليلا وتصنيفا واستنباطا!
#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صداقاتي في مسيرتي الخمسينية
-
أدب النكبات مفهوما ومسيرة
-
الموسيقى في آداب اللغة العربية
-
غانم السعيد البشير القاص
-
تعليم اللغة العربية ضرورة دينية ووطنية
-
البيئة الغربية والنقد الأدبي العربي الحديث
-
محاضرة في أوزان الشعر وموسيقاه
-
الجمال في فَضاءي الريف والمدينة لُغَوِيًّا وأدَبِيًّا
-
العلامة الدكتور محمد رجب البيومي مبدعا أزهريا ومثقفا مصريا
-
تصدير الأستاذ الدكتور خالد فهمي لكتاب أعمال المؤتمر الدولي ا
...
-
تصدير الناقد الأديب الأستاذ الدكتور علاوة كوسةالأستاذ بالمرك
...
-
تزوير فكري مُشَوِّه لقضية عروبة القدس
-
ثقافتنا بين القدامة والحداثة
-
إحياء الكتب مفهوما ودافعا
-
إحياء الكتب مفهوما ودوافع
-
محمود مفلح: الشاعر المقاوم المخضرم
-
بواعث السرد في حياة نشأت المصري وشخصيته
-
المشهد الروائي المعاصر في مصر
-
رائية الدكتور حسن جاد في الأزهر : دراسة أسلوبية إحصائية
-
منهج الكاتب نشأت المصري في تاريخياته السردية
المزيد.....
-
الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس
...
-
تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
-
فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
-
جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا
...
-
المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
-
عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
-
للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال
...
-
من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “
...
-
فنانون يبحثون عن الهوية بين أرشيف التاريخ وصدى الذاكرة
-
أمير كوستوريتسا: الأداء الأفضل في فيلم -أنورا- كان للممثل ال
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|