الفرد عصفور
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 13:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يستعد الفاتيكان ومعه العالم المسيحي لمعرفة ما يستجد بشأن خلافة البابا فرنسيس وما يتسرب من أروقة الفاتيكان يشير إلى أن المشاورات الخفية والعلنية بدأت بين الكرادلة بشأن مرحلة ما بعد فرنسيس.
تتحدث الصحافة المتصلة بالفاتيكان عن عدد من الكرادلة ولكل منهم ميزات وصفات تؤهله لقيادة الكنيسة. أحد هؤلاء من أفريقيا (الكاردينال توركسون) والآخر من آسيا (الكاردينال تاغلي) والثالث من الولايات المتحدة (الكاردينال بوركي) وهناك رابع من أوروبا (الكاردينال بيتر إيردو) وثمة خامس من أميركا اللاتينية وعدد آخر من إيطاليا ومن بينهم بطريرك القدس الحالي الكاردينال بيير باتيستا بيتسبالا.
في الكنيسة الكاثوليكية مئتان واثنان وخمسون كاردينالا منهم مئة وسبعة وثلاثون مؤهلون للتصويت وفق القانون الكنسي إذ انهم دون الثمانين من العمر.
قبل الاجتماع للتصويت يشارك الكرادلة في قداس خاص يتوجهون بعده إلى كنيسة سيستين للاقتراع بعد أن يقسموا يمين الحفاظ على السرية فينعزلون عن العالم حتى انتخاب البابا الجديد بثلثي الأصوات في جولات متتابعة. وفي العادة لا يتم الانتخاب من الجولة الأولى التي تكون جولة مجاملة واستطلاع واستمزاج للمواقف ومعرفة التوجهات السائدة بين الكرادلة.
بحسب طريقة الانتخاب السائدة وهي الاقتراع السري المباشر لا يوجد مرشحون ولا يقوم أي كاردينال بترشيح نفسه أو الطلب من زملائه الكرادلة أن يختاروه ولا يقوم بعرض سياسته المتوقعة في حال فوزه. بل الأمر متروك لكل كاردينال ليختار من يراه مناسبا من بين زملائه الكرادلة. ولا شك أن المشاورات بين الكرادلة تأخذ مجراها فيما بينهم كما أنه يكون في العادة توجهات وتحالفات غير معلنة فيما بين مجموعات منهم.
من هم الكرادلة الأوفر حظا للفوز بمنصب البابوية؟
ليس سهلا توقع من هو الكاردينال الأوفر حظا ولا يمكن الجزم بأي توقع ولكن هناك مؤشرات على أن البابا الذي تحتاجه الكنيسة اليوم لا بد أن يكون منفتحا على العالم قادرا على القيام بالتغيير الإيجابي بما يناسب الظروف الدولية في ظل الأحوال الصعبة التي يعيشها المؤمنون وبخاصة في مواجهة تيارات الإلحاد والتفلت الأخلاقي والمصاعب الاقتصادية والمالية التي يمر بها العالم بالإضافة إلى الظروف الخاصة التي تعيشها الكنيسة نفسها.
هناك على الأقل خمسة عشر كاردينالا يمكن لأحدهم أن يكون البابا القادم. على رأس قائمة هؤلاء الكاردينال الفلبيني لويس أنطونيو تاغلي أسقف مانيلا البالغ من العمر تسعة وستين عاما محافظ مجمع التبشير في الفاتيكان. وصعد نجم الكاردينال تاغلي منذ وصوله إلى رتبة الكاردينالية في عهد البابا بندكتوس وهو يتمتع بقدرات عقلية وفكرية متميزة فهو مفكر ومثقف لكنه متواضع جدا ومحبوب من رعيته ويلقب بكاردينال الشعب ومعروف عنه سعيه للعيش ببساطة وقدرته على بناء لجسور مع الآخرين باحثا عن الأرضيات المشتركة معهم لأجل التوفيق بين التقاليد والحداثة.
يتمتع الكاردينال تاغلي بكاريزما روحانية عميقة وبرؤية كنسية تقدمية وقدرة على التواصل مع الجميع مع قدرات فائقة في مناقشة المسائل اللاهوتية الكبرى. ويلتقي مع البابا فرنسيس في مسائل الالتزام بالعدالة الاجتماعية ويجادل بأن الكنيسة لا يمكنها البقاء في حالة جمود ويؤكد الاستعداد للانخراط في القضايا المعاصرة والاستماع لأصوات المهمشين.
وإذا أراد الكرادلة الناخبون استمرارية نهج البابا فرنسيس فقد ينتخبون الكاردينال تاغلي فهو يتمتع ببعض صفات فرنسيس في التواضع والانفتاح على الحوار وتقبل التغيير. ولا يخشى مشاركة مشاعره وعاطفته ولشخصيته جانب مرح يظهر عادة عند لقائه الناس. ولديه خبرات رعوية وإدارية واسعة وتدريب لاهوتي مهم ولديه مهارة في التفاوض.
يمكن لبابوية تاغلي إذا ما حصلت أن تجد ترحيبا من اللبراليين الذين سيدعمونه في إحداث تغييرات جذرية لكنها قد تجد معارضة شديدة من المحافظين بسبب انفتاحه على مناقشة قضايا حساسة ومثير للجدل. البعض يعتقد أن تاغلي قادر على تحدي الوضع الراهن ومع أنه براغماتي فقد يكون أكثر حذرا من البابا فرنسيس. التحدي الأكبر للكاردينال تاغلي هو القدرة على الإبحار بتوازن بين المحافظة على تعليم الكنيسة والحاجات المتغيرة للمؤمنين وهي مهمة تتطلب الكثير من الشجاعة والحكمة.
الكاردينال الآخر الذي يحظى بفرصة كبيرة لمواصلة مسيرة البابا فرنسيس والحفاظ على تراثه هو الكاردينال الإيطالي بيترو بارولين أمين سر الفاتيكان وعمره سبعون عاما ويحظى باحترام كبير في أوساط الفاتيكان وخبرته في السلك الدبلوماسي الفاتيكاني تمتد لأكثر من ثلاثين عاما وكان ممثلا عن البابا في كثير من المناسبات العالمية وهو يتمتع بقدرات دبلوماسية مشهود لها وله علاقات دولية واسعة وقدرات تفاوضية كبيرة وهو واسع الخبرة بقضايا الشرق الأوسط والحالة الجيوسياسية في آسيا وكان له دور كبير في إقامة علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان والصين وكذلك إعادة العلاقات بين الفاتيكان وكوبا. استخدم الكاردينال بارولين مهاراته الدبلوماسية والسياسية لبناء شبكة واسعة من العلاقات في مناطق عديدة من العالم وكان له دور في مفاوضات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. ومارس دورا مهما في إيجاد حل لمشكلة سجناء غوانتانامو بتعليمات البابا فرنسيس.
يميل الكاردينال بارولين إلى تطوير الطقوس الكنسية حيث أنه من معارضي الطقوس التقليدية. ومعروف عنه معارضته الشديدة لرسامة النساء في سلك الكهنوت وهو بهذا يلتقي مع الأغلبية الساحقة من الكرادلة أما بالنسبة لعزوبية كهنة الكنيسة الكاثوليكية فمواقفه غير واضحة إلا أنه على الأغلب منفتح لمناقشة الأمر.
ومع أنه حظي بثقة البابا فرنسيس منذ العام 2014 إلا أن منتقديه يرونه حداثيا تقدميا برؤيا عالمية وبراغماتيا قد يضع الأيدولوجيا والحلول الدبلوماسية فوق حقائق الإيمان. أما مؤيدوه فيرونه مثاليا شجاعا وداعية متحمسا للسلام يسعى لبناء مستقبل جديد للكنيسة في القرن الحادي والعشرين.
يعتقد الكاردينال بارولين أن على أوروبا أن تعيد اكتشاف نفسها وجذورها الإيمانية لمواجهة التحديات الرئيسية في الثقافة والهجرة والاقتصاد ويرى أن أوروبا تعاني من أزمة أفكار تمنعها من مواجهة المستقبل.
الكاردينال الإيطالي الآخر الذي قد يحظى بثقة الكرادلة وينتخبونه خلفا للبابا فرنسيس هو بطريرك القدس الكاردينال بيير باتيستا بيتسبالا الذي ارتقى إلى رتبة الكاردينالية في العام ألفين وثلاثة وعشرين وكان أول بطريرك للمدينة المقدسة ينال هذه الرتبة. ومع أنه حديث عهد برتبة الكاردينالية إلا أن كثيرين يتحدثون عن إمكانية وصوله إلى كرسي البابوية لما يتمتع به من مواهب وقدرات قد تقنع مجمع الكرادلة لانتخابه. كونه في عمر الستين قد يكون عاملا مساعدا لانتخابه وقد لا يكون. فهذا العمر بالنسبة لبعض الكرادلة قد يكون نقطة إيجابية تعني ضخ الحيوية والتجديد في الكنيسة وكذلك مدة طويلة من البابوية تكون كافية لخدمة أهداف الكنيسة. وبالنسبة للبعض الآخر فهذه السن قد تعني افتقاد الخبرة والتجربة المؤهلة لقيادة الكنيسة.
على أي حال، خدمة بيتسبالا الطويلة نسبيا في الأراضي المقدسة قد تكون عاملا مساعدا فهذه الخدمة جعلته خبيرا في العلاقات المسيحية اليهودية وكذلك العلاقات المسيحية مع العرب والمسلمين خصوصا أن الأراضي المقدسة هي المكان المثالي لاختبار مثل هذه العلاقات.
جاء بيير باتيستا بيتسبالا الذي يحمل شهادة في اللاهوت الإنجيلي وهو من رهبانية الفرنسيسكان إلى الأراضي المقدسة في العام ألف وتسعمئة وتسعين حيث كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى مستعرة ولم يمض السنة الأولى حتى اندلعت حرب تحرير الكويت وهذا وضعه في عين عاصفة الشرق الأوسط واكسبه خبرات جديدة في التعامل مع الأحداث العالمية.
تولى في العام ألفين وأربعة رئاسة حراسة الأماكن المقدسة وفي العام ألفين وثمانية اصبح مستشارا في المجلس البابوي للوحدة المسيحية في لجنة الحوار مع اليهودية وشارك في العام ألفين وعشرة في سينودس أساقفة الشرق الأوسط وكان في العام ألفين وأربعة عشر منسقا للقمة التي جمعت البابا وبطريرك القسطنطينية والرئيس الفلسطيني ورئيس إسرائيل.
بدأت صلته المباشرة ببطريركية القدس في العام ألفين وستة عشر عندما كلفه البابا فرنسيس أن يكون مدبرا للبطريركية فاستطاع حل مشكلاتها الإدارية والمالية وهذا النجاح دفع البابا لتعيينه بطريركا للمدينة المقدسة في العام ألفين وعشرين وفي العام ألفين وثلاثة وعشرين تمت ترقيته إلى رتبة كاردينال.
يحاول الكاردينال بيتسبالا الموازنة في مواقفه السياسية مع ميل لتأييد الحق الفلسطيني فهو يرى أن الشعب الفلسطيني لا يزال ينتظر الإنصاف لنيل حقوقه والاعتراف به. وعندما اندلعت الحرب في غزة أصدر نداءً يدعو لوقفها وتمكن بجرأة وشجاعة من زيارة غزة والالتقاء باهلها وزار رعيته والرعية الأرثودوكسية فيها.
يتماهى الكاردينال بيتسبالا في كثير من المواقف مع البابا فرنسيس باهتمامه بقضايا المهاجرين والبيئة وحوار الأديان وهجرة المسيحيين من المشرق. وكان شديد التأييد لوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها البابا مع شيخ الأزهر عام ألفين وتسعة عشر. ومثله مثل فرنسيس يريد للكنيسة أن تكون منفتحة على الجميع ويؤكد على العدالة الاجتماعية والحقوق والواجبات ونقطة الارتكاز عنده هي الإيمان مع عدم الخوف من التغيير.
ومع أنه صاحب أفكار واضحة عن الكنيسة واللاهوت ويتمتع بحس واقعي حاد وفطنة حاسمة ولا يخشى الحديث الصريح إلا أن توجهات بيتسبالا اللاهوتية إزاء العديد من القضايا المعاصرة غير معروفة فهو نادرا ما يتحدث عن أفكاره بهذا الشأن.
بيتسبالا لبرالي بالمعنى الحقيقي مع أنه متقبل للتقاليد الطقسية القديمة. كما أنه مدافع قوي عن بعض الأعراف الكنسية مثل عزوبية الكهنة ورفض رسامة النساء للكهنوت.
من الملاحظ أن بيتسبالا تلقى ترقيات متعددة وسريعة خلال مدة قصيرة نسبيا بالقياس إلى غيره من الأساقفة وقد يؤخذ الأمر على أنه مؤشر إلى مستقبله الكهنوتي. كذلك فإن كل صفاته قد تجعل منه مرشحا محتملا لخلافة فرنسيس.
من وجهة نظري فإن أحد هؤلاء الكرادلة الثلاثة قد يكون البابا القادم ولكن هناك غيرهم أصحاب رؤى كهنوتية واضحة وتأثير ملموس في الكنيسة. ابرز هؤلاء الكاردينال الهنغاري بيتر إيردو وهو في الثالثة والسبعين من العمر ويحمل درجات علمية عالية في اللاهوت والقانون الكنسي وكان مدرسا جامعيا ورئيسا لمجلس أساقفة أوروبا. ويعرف عن الكاردينال إيردو أنه من المحافظين في الكنيسة مع أنه داعم ومؤيد لإصلاحات المجمع الفاتيكاني الثاني وللحوار بين الأديان ودفاعه عن الأسرة والزواج. وهو من المتابعين المتحمسين لأحوال المسيحيين في البلاد غير المسيحية ومعارض للهجرات إلى أوروبا.
هناك أيضا الكاردينال الإيطالي ماثيو ماريا تسوبي رئيس أساقفة إيطاليا البالغ من العمر تسعة وستين عاما وهو من اليسار الكنسي ومؤهل لمواصلة ارث البابا فرنسيس وهو مقرب منه ورافقه في العديد من زياراته الخارجية.
كذلك يبرز اسم الكاردينال الهولندي وليم آيك وهو في الثانية والسبعين من العمر وهو مختص باللاهوت الأخلاقي ومتخصص بالطب ويعرف عنه قدرته على التجسير بين المختلفين. يعتبر الكاردينال آيك من المحافظين المتمسكين بتقاليد الكنيسة وكان ناقدا لأسلوب قيادة البابا فرنسيس.
ويتداول كثيرون في أوساط الكنيسة اسمي الكردينال الغاني بيتر توركسون 76 عاما والكاردينال الكونغولي فريدولين بيسونغو 65 عاما. يتولى الكاردينال توركسون رئاسة المجلس البابوي للسلام والعدالة وهو صاحب أفكار متساهلة مع اللبراليين. يتمتع الكاردينال توركسون بخبرة راعوية ودولية كبيرة ويتردد صدى نهجه لدى اليسار السياسي ومؤيدي العولمة وهو مؤهل بحسب بعض المراقبين إلى مواصلة نهج البابا فرنسيس.
أما الكاردينال الأفريقي الآخر بيسونغو اسقف كنشاسا ورئيس مجلس أساقفة أفريقيا فهو مناصر متحمس للعدالة الاجتماعية ويشارك بلا خوف في السياسة نيابة عن الفقراء والمهمشين. ومكانته البارزة في الكنيسة الكاثوليكية في أفريقيا تسير جنبًا إلى جنب مع مشاركته في السياسة في الكونغو. حيث يُنظر إليه ليس فقط باعتباره زعيم الكنيسة الكاثوليكية في أفريقيا وبابا محتملاً، ولكن أيضًا كزعيم للمعارضة السياسية. ومع أنه كاثوليكي متشدد إلا أن رأيه بأن المعمودية غير ضرورية للخلاص قد يضيع عليه فرصة الوصول إلى البابوية.
لم يسبق أن تولى كاردينال أميركي منصب البابوية. ومن بين الكرادلة المؤهلين للتصويت يوجد سبعة عشر كاردينالا أميركيا. وأحد هؤلاء وهو الكاردينال ريموند بوركي وعمره ستة وسبعون عاما مرشح قوي مع أنه معارض لكثير من توجهات البابا فرنسيس ومعارض لتطوير قوانين الزواج والطلاق. وهو مدافع عن الليتورجية التقليدية في الكنيسة ومتمسك بمقررات المجمع الفاتيكاني الثاني.
قد لا تصدق هذه التوقعات بالنسبة للبابا القادم ففي كل مرة يتم فيها انتخاب بابا جديد تكون هناك مفاجآت ومعظم البابوات الذين انتخبوا في المئة سنة الأخيرة شكلوا مفاجآت. فهل يكون البابا القادم مفاجأة أخرى كأن يكون أفريقيا؟ أو أميركيا أو يكون بطريرك القدس مثلا؟ وقد انتخب الكرادلة في العام ألفين وثلاثة عشر البابا فرنسيس وهو من اليسوعيين فهل ينتخبوا هذه المرة كاردينالا من الفرنسيسكان؟
#الفرد_عصفور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟