أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل














المزيد.....


الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 13:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صعب جداً تحديد بداية نشأة الأديان في العالم، فهي قديمة قِدم الإنسان ذاته، وظهرت كملاذٍ روحي للذين يبحثون عن الطمأنينة في مواجهة قسوة الطبيعة وغموض المصير، ومع مرور الزمن، تشعّبت حتى باتت تُعدّ بالآلاف، وبدلاً من أن تكون مصدراً للسكينة والسلام، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى شرارة تُشعل النزاعات، وأداة لتكريس الفتن بين البشر.

الإيمان مسألة شخصية، وحق مكفول لكل إنسان وفق الشرائع السماوية والأرضية، لكنه يفقد جوهره الروحي حين يُفرض بالقوة، ويتحول إلى أداة قمع واستبداد حين يُستخدم سيفاً مسلطاً على رقاب الآخرين.
فمَن منح البعض سلطة فرض معتقداتهم على غيرهم؟ وهل يحتاج الإيمان الحقيقي إلى وصيٍّ أو سجان؟

لطالما كانت الحروب الدينية من أكثر الصراعات وحشيةً، سالت بسببها أنهارٌ من الدماء، ودُمّرت حضارات، وسُفكت أرواح؛ لا لشيء إلا لاختلاف العقائد.
وما شهدته أوروبا في العصور الوسطى من محاكم تفتيش واضطهاد دموي كان درساً قاسياً، دفعها لاحقاً إلى تبنّي العلمانية وفصل الدين عن الدولة، إيذاناً بعصرٍ جديد من النهضة والتقدم العلمي والاجتماعي.

مجازر الطائفية في الساحل السوري.. جرحٌ نازف
لم يكن التاريخ وحده شاهداً على الجرائم الطائفية، فاليوم، وبعد كل ما شهده الماضي، لا تزال بعض المناطق تدفع ضريبة الانتماء لمذهب أو طائفة لم يخترها أهلها يوماً.
في الساحل السوري، لم تكن المجازر مجرد أرقام تُضاف إلى قوائم الفواجع، بل نكبات مكتوبة بالدم، ارتكبتها فصائل تكفيرية مسلحة اجتاحت مدناً وقرى آمنة، لا لشيء سوى أن سكانها ينتمون إلى طائفة بعينها؛ قُتل الآلاف، وجُرح آخرون، ونُهِبت بيوتهم وحُرقت ممتلكاتهم، ونزح من استطاع الفرار، بعضهم إلى لبنان وبعضهم إلى الأحراج، بين الغابات، وفي الجرود الجبلية. فقط لأنهم وُلدوا في بيئة قرّر القتلة أنها لا تستحق الحياة. في وقت تتابع فيه وسائل إعلام عديدة (سورية وعربية) محاولات طمس الجرائم، وتحميلها لـ«فلول النظام السابق».

التاريخ لا ينسى.. ولا البحر أيضاً
الطرقات ممتلئة بالجثث، والوديان شاهدةً على فصول الإبادة، حتى البحر نفسه لم يسلم من هذا الجنون، حين أُلقيت فيه جثث الأبرياء لتكون طعاماً للأسماك، كما تبجّح أحد القتلة في تسجيلٍ مصورٍ قائلاً: "يجب ألا يذكر التاريخ أنه في عصر هيئة تحرير الشام بقي فرخ سمك جائعاً".
أيّ وحشيةٍ هذه؟ وأيّ دركٍ سحيقٍ يمكن أن ينحدر إليه الإنسان؟!
هل كانت الطفلة التي قُتلت في حضن أمها من "فلول النظام" تحمل سلاحاً؟ هل كان العجوز الذي ذُبح في بيته يخطط لحرب؟ أم أن جريمتهم الوحيدة أنهم وُلدوا في مكان قرّر القتلة أن يصبغوه بلون الدم؟

في وقت كانت فيه يد الإجرام تعبث بحياة المدنيين وتغتال البراءة في كل زاوية، كانت السلطة الحاكمة في دمشق تتنصّل من واجبها الأساسي في توفير الحماية والأمن لرعاياها، وتقف متفرجة كأنها شريكة في الإجرام. تاركةً مدن الساحل وقراها فريسة للمجازر، وكأن دماء الأبرياء مجرد أوراق تُتخلَّص منها في لعبة السياسة القذرة، لا تعني لها شيئاً سوى أداة لتسوية حسابات لا علاقة لها بالإنسانية أو الواجب.

حين تصبح الطائفة بديلاً عن الوطن
لا تزال منطقتنا غارقةً في مستنقع الطائفية، حيث تُستخدم المذاهب أداةً لترسيخ التفرقة والتحكم بالبشر، فتتحوّل الهوية الدينية إلى سجنٍ ضيق، ويصبح الانتماء الطائفي بديلاً عن الانتماء للوطن. فإلى متى سنظل ندور في هذه الدوامة بينما العالم من حولنا يتقدّم بثبات نحو الحداثة والتطور؟
لا أحد يطلب من المؤمن أن يتخلى عن دينه، ولكن الإيمان الصادق لا يحتاج إلى ميليشيات تحميه، ولا إلى قوانين تفرضه، ولا إلى حروب تكرّس سلطته، بل يحتاج إلى قلوبٍ صافية تحمله، وعقولٍ واعية تفهمه، ومجتمعاتٍ متصالحة تدرك أن الدين علاقةٌ روحية بين الإنسان وربّه، لا وسيلةٌ لفرض الهيمنة أو تبرير الظلم.

ختاماً.. إلى متى؟
كم من المجازر علينا أن نشهد، وما كمية الدماء التي يجب أن تُراق، وكم من العائلات يجب أن تُشرّد، قبل أن نصل إلى لحظة وعيٍ حقيقية؟
هل ينبغي أن نعيد مأساة الماضي، أن نحرق أوطاننا بنيران الطائفية، أن نحفر القبور بأيدينا ونرثي ضحايانا بحسرة العاجزين، قبل أن ندرك أن العلمانية والعدالة الاجتماعية هما البلسم الشافي لجراحنا؟ أم أننا سنظل أسرى عصبيّات بائدة، نقاتل بعضنا بعضاً دفاعاً عن أوهام صنعها من يتلاعبون بمصائرنا؟
التاريخ أمامنا، والدروس واضحة، فإما أن نتعلم وننقذ ما تبقى، أو نستمر في هذا العبث القاتل حتى يأتي اليوم الذي لا نجد فيه ما نختلف عليه سوى الخراب نفسه.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق
- جراح الروح: بين غريزة الانتقام وضرورة النضال السلمي
- هل أهدرت هيئة تحرير الشام لحظة التحول في سوريا؟
- سوريا الجديدة: فلول النظام وإرهابيو المعارضة المسلحة.. عدالة ...
- من السلاح إلى السلام.. تحولات النضال الكردي في تركيا
- الليرة المحبوسة.. جوعٌ مُنظّم وسوقٌ بلا روح
- عذراً نيوتن.. الجاذبية ليست وحدها التي تسحبنا للأسفل!
- فراغ أمني وبطالة متفشية.. سوريا إلى أين؟
- كيف تصنع حرباً أهلية في ستة أيام؟ (دليل الطغاة والمغامرين!)
- تداعيات رسالة أوجلان: فرصة سلام أم بداية صراع جديد؟
- مؤتمر الحوار.. اجتماع 🚀 سريع لحلول مسبقة الصنع
- السرديات المتضاربة في المشهد السوري: استباق التقسيم أم سقوط ...
- شاوِروهم وخالِفوهم: الحوار الوطني السوري بين الوهم والحقيقة
- الإيزيديون في سوريا: تاريخهم ومعتقداتهم ومعاناتهم من الاضطها ...
- من التطرف إلى الاعتدال.. حقيقة التحول أم ضرورات البقاء؟
- ثقافة التصفيق والتهليل: متلازمة الاستبداد والتبعية
- دور الخوف في تخلّف الشعوب
- الغطرسة لا تُهزم إلا بمثلها
- الساحل السوري بعد فرار الأسد.. فرح عابر وتحديات مستمرة


المزيد.....




- بالصلاة والدعاء.. الفلبينيون الكاثوليك يحيون أربعاء الرماد ...
- 100 ألف مصلٍ يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- مأدبة إفطار بالمسجد الجامع في موسكو
- إدانات لترامب بعد وصفه سيناتورا يهوديا بأنه فلسطيني
- الهدمي: الاحتلال الإسرائيلي يصعّد التهويد بالمسجد الأقصى في ...
- تزامنا مع عيد المساخر.. عشرات المستعمرون يقتحمون المسجد الأق ...
- المسيحيون في سوريا ـ خوف أكبر من الأمل عقب ما حدث للعلويين
- حماس تشيد بعملية سلفيت بالضفة الغربية
- مجموعات الدفاع عن المسلمين واليهود تنتقد ترامب لاستخدامه كلم ...
- إصابة مستوطن في عملية إطلاق نار في سلفيت.. وقوات الاحتلال تغ ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل