أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المجرشة .














المزيد.....


مقامة المجرشة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


( المجرشة ) هي آلة تراثية كان أهلنا في العراق يستخدمونها لصنع الطحين بوضع الحبوب بهذه الآلة ومن ثم تدار بمقبض , وبمجرد أن يوضع القمح في المجرشة يطحن ويخرج ( الجريش ) من فتحة في الآلة ويصبح طحينا بعملية صعبة جداً , ويقولون ان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي (1861-1946) من عشيرة البو سلطان الزبيدية كان ذاهبا الى اقربائه , وفي القرية سمع فتاة تغني وهي تدير المجرشة وتقول : (( ذبيت روحي على الجرش وادري الجرش ياذيها , ساعة واكسر المجرشه وانعل ابو راعيها )) , سمع الكلمات فوجدها موزونه على نحو التفاعيل (( مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ) , فأخذ يكمل بها حتى صارت ملحمة رائعة , أو انها كانت تتغنى بهذا البيت من الدارمي (( ما تنسمع رحـاي... بـس ايدي أدير , اطحن بگايه الروح... موش اطحن أشعير)) , وانه هو من وضع حجر الأساس لمنبت القصيدة ومنبعها والطينة التي عجنتها وصاغتها وألبستها ثوبها الذي يليق ببيئتها ويتسق مع محيطها , وهي بلا شك طينة فراتية , وقد غناها مطرب المقام الاول الاستاذ المرحوم محمد القبنجي واعجب بها الشاعر العربي الكبير احمد شوقي .

تكمن أهمية المجرشة في كونها عالجت هموم ومعاناة المجتمع العراقي , وتقع القصيدة في مائة وخمسين بيتا , وترجمت إلى الفارسية , وتمثل جزءاً من تراثنا الشعبي وحاضنة لأوجاع المرأة العاملة وهمومها ومعاناتها , وتمثل مرحلة اجتماعية وتاريخية عاشتها المرأة الريفية في ظل الانسحاق الإنساني والتهميش والمحرومية , والازدراء لدور المرأة في المجتمع , وما يمكنها أن تقدم من اسهامات في هذا الإطار ضمن ما تشعر به من تهميش لدورها وغمط لحقوقها , في ظل مجتمع ذكوري يرفض أن يكون للمرأة اسهام أو نشاط أو مكانة في صناعة الحياة الإنسانية , في وسط تسيطر عليه نظرة أحادية الجانب , وهي النظرة الذكورية.

تلك كانت مجرشة الكرخي تصف حال العراق في النصف ألأول من القرن العشرين , ولكن ماذا عن مجرشتنا الحالية ؟ بعد غزو ألأميركان لبلادنا , بعد ان أصبحنا جريشا وتنوعت المجارش التي تسحقنا , ومنها مجرشة المحاصصة , تلك المفردة المدمرة التي وضعها الذي كتب الدستور لألف غاية وغاية في نفس يعقوب , وقبلتها الأطراف المغفلة وصارت طُعما لها , فتناثرت أوصال مجتمع معتصم بحبل الوطن , (( ساعة وكسر المجرشه والعن ابو راعي الجَّرش , كَعّدت داده اُم البَخت وَخلخالها يَدوي ويدش , واني استادي لو زعل يَمعَش شَعر راسي مَعش , هم هاي دنيه وتنقضي واحساب اكو تاليها )) .

تعتبرمجرشة الطائفية من أخطر السلوكيات التي عززتها القوى الطامعة بالبلاد والعباد بأنواعها , ووفرت لها الوسائل والعوامل الكفيلة بتطويرها وتحويلها إلى داء وخيم , فأخذت المجتمع إلى ميادين الذل والهوان , ثم هناك مجرشة المناطقية , حين قسمت القوى المفترسة لوجودنا البلاد إلى مثلثات ومربعات , وفقا لنوايا سيئة تهدف لإذكاء الصراعات البينية , وتبديد القدرات وإذلال أبناء المجتمع وزرع العداوات بينهم , وتسهيل قتلهم لبعضهم وفقا لمنطلقات آثمة , ((ساعة وكسر المجرشه والعن ابو راعي الشلب , جم ادوب اتم امرمره يارويحتي شَنهو الذَنب , وَجم كطايه بهَل الفلا من جوعها ترعى العشب , ودجاجة العميه الوكت تمن لقط ينطيها )) .

اما المجرشة الأدهى فهي مجرشة الفساد , حيث إنطلق مشروع الفساد بمؤازرة الطامعين وقطع أشواطا بعيدة , وتحول إلى وباء أصاب البلاد من أعلاها إلى أسفلها , وصارت ثروات المواطنين تغادر الوطن وتحط في المصارف الأجنبية بتسهيلات غير مسبوقة , حتى غدت سرقة المليارات سلوكا مقبولا وربما عاديا , وتصطف معه مجرشة التبعية التي صارت أمرا مفروضا بعد أن تمزق المجتمع وتحول إلى كينونات متناحرة , وكل منها تريد مَن يمدها بما يساعدها على السيطرة والبقاء , فـتأمنت مصالح المتبوعين , وتأكدت أدوارهم في تقرير مصير البلاد , والتابعون ينفذون ما يؤمرون به , (( ساعة وكسر المجرشه وبحركه واعيط ابعيطه , ومن راسي انزع فوطتي والبس البَرنيطه , ودنيا هل الوكت صارت يَول خَربيطه , الكَرعَه صُفت وام الشعر لو ضاقت انساويها )) .

المجرشة ألأعجب هي مجرشة المُلك المشاع , وهي من العجائب السائدة أن ما تحت الأرض وفوقها مجهول الملكية , وهو غنيمة وملك مشاع , يحق لمن هب ودب أن يضع يده عليه ويدّعيه , فلا مالك لثروات البلاد , والشعب أرقام على يسار الرقم المتسلط , ولا قيمة له فهو يساوي صفرا , ترافقها مجرشة اللاوطن بعد ان هيمنت القوى المؤدينة على مقدرات البلاد والعباد , لا تعترف بوطن , وهذا من صلب عقائدها ومنهاج عملها , وتم اقصاءالذين يتحدثون عن الوطن والوطنية , وأجبروا على أن يستوعبوا بواعث السلوك , وبات الخطاب الوطني لا وجود له , ويحسب من أدبيات الهذيان , فهل لدينا القدرة على تحطيم المجرشة , ونلعن أبو راعيها؟

(( ذبيت روحي اعلى الجرش وادري الجرش ياذيها
ساعة وكسر المجرشه والعن ابو راعيها
ساعة وكسر المجرشه ومن حيلي ابدا ما اضم
ليلي ونهاري ياعرب الطُم على خدودي لَطُم
الناس بالكيف اوصفت واحنا ابهضيمه وبسُكم
لحد يابوا الشاره علي زوج البتول يقضيها )) .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الذين يشبهوننا .
- مقامة قهر العهود .
- مقامة زمام ألأزمة .
- مقامة شعر الديجيتال .
- مقامة العقم والحبل .
- مقامة العقم و الحبل .
- مقامة لتبق َهامْتُكَ سامقة .
- مقامة البقاء للأفسد .
- مقامة الشارب والشنب .
- مقامة مشكورة .
- مقامة التعود .
- مقامة الفاتحة .
- مقامة الترجمة .
- مقامة عجوز الشتاء .
- مقامة الذوق السائد .
- مقامة التأني .
- مقامة الدهشة .
- مقامة نصيب الأرض .
- مقامة أفعى الكعبة .
- مقامة نهر عطشان .


المزيد.....




- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...
- المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
- عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
- للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال ...
- من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “ ...
- فنانون يبحثون عن الهوية بين أرشيف التاريخ وصدى الذاكرة
- أمير كوستوريتسا: الأداء الأفضل في فيلم -أنورا- كان للممثل ال ...
- جماعة تحت السور التونسية.. أدباء ساخرون من المجتمع والاستعما ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المجرشة .