أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور















المزيد.....


قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 08:24
المحور: الادب والفن
    


في حضرة الكلمة التي تنبض بالحياة وتستحضر عبق التاريخ وروح العصر، يسطع نجم الشاعر صلاح عبد الصبور الذي ارتقى بفنه إلى مراتب سامية تجمع بين الحِكمة والروحانية، مانحًا لنا نصَّ "الناس في بلادي" لوحة شعرية تتناغم فيها مشاعر الحنين مع صوت الواقع المرير. إن الشاعر، الذي يُنظر إليه على أنه معلم للكلمة ومُلهم للروح، يبث في نصه عبق الأصالة مع لمحات التجديد، فيصوغ بأسلوبه المبدع قصيدة تتجاوز حدود الزمان والمكان لتصبح مرآة تعكس تناقضات الوجود البشري.
وسيميائيا نجد أن النص يكشف عن تصور معقد تتداخل فيه الرموز والصور لتشكل فسيفساء من الدلالات المتعددة؛ إذ يُشبه الشاعر الناس بالصقور جارحة تحمل معاني القوة والعدوانية، في حين يصبح غناؤهم رجفة الشتاء في ذُؤَابَة المطر رمزًا لهشاشة الحياة وسط برودة الوجود، ويئن ضحكهم كاللّهيب في الحَطَب فيشير إلى تناقض الفرح الظاهري مع الألم الكامن. تبرز صورة عزرائيل حاملًا دفتراً صغيراً وعصًا ممدودة بسر حرفي "كُنْ" و"كان" لتجسد بذلك أمر الخلق والفناء في آنٍ واحد، حيث تتحول هذه الحروف من مجرد أدوات لغوية إلى بذور ترمز إلى البداية والنهاية، مُعلنةً أن القدر لا مفر منه وأن النظام الكوني يرتكز على قوانين ثابتة لا يخترقها زيف الواقع.
أما كيفيا فيتعمق التصور الكيفي في إظهار طبيعة النص كتحفة فنية تُسرد فيها معاني الوجود والمصير عبر صورٍ ورموز تتشابك في مشهد درامي يجمع بين بساطة الوجود وقسوته. يتحول ضحك الناس إلى وترٍ يهتز بدقات الألم والحنين، وخطواتهم التي "تُريد أن تسوخ في التراب" تبرز كرمز للمسير الحتمي نحو الزوال، مما يُثير تساؤلات عميقة حول مصير الإنسان الذي يضطر بين التناقضات، بين الوجوه المشرقة في مظهرها وبين عتمة الروح التي تخفيها التحديات اليومية.
إن كل صورة في النص لم تُخترع عبثًا، بل هي مفتاح لفهم طبقات متعددة من المعاني التي تُعيدنا إلى أسئلة الوجود والحقيقة المُختبئة خلف واجهات الحياة.
ففي تداخل الصور والرموز نجدها بمثابة مرآة تعكس تناقضات الحياة وصراعاتها الداخلية، فينبثق منها معنى وجودي عميق يحمل بين طياته رسالةً فلسفية عن مصير الإنسان والقدر المحتوم. على سبيل المثال، تُشبَّه عبارة "الناس في بلادي جارحون كالصقور" الإنسان بطيورٍ مفترسة، ليس فقط للدلالة على شراسته وحدّة طباعه، بل لتكشف أيضاً عن جمال القوة التي تنطوي على وحشية التمييز والعدوانية؛ إذ تُبرز الصقور كرمزٍ للقوة الجسدية والهيبة الطبيعية التي تتخلل طبيعة الإنسان، ما يجعلنا نتساءل عن الحد الفاصل بين الكبرياء والوحشية في آن واحد.
ومن جهة أخرى، يُستعان بتشبيه "غناؤهم كرجفة الشتاء في ذُؤَابَة المطر" ليدل على هشاشة الوجود وسط قسوة الظروف؛ فالشتاء هنا ليس مجرد فصل، بل هو حالة شعورية تنمّي شعوراً بالبرودة والعزلة، حيث تعكس رجفة المطر اضطراب النفس والقلق من مصير مجهول. ويُضاف إلى ذلك تشبيه "ضحكهم يئز كاللّهيب في الحَطَب"، الذي يحوّل الفرح إلى صرخةً مؤلمة، فاللهيب في الحطب يرمز إلى لهب يحرق كل ما يقابله دون رحمة، فيُبرز بذلك التناقض بين المظاهر السطحية للبشر وبين أعماق الألم والاضطراب الداخلي الذي يخفيه كلٌ منهم.

كما يُعبّر النص عن دلالات رمزية متداخلة في صورٍ أخرى، ففي ذكر "خطاهم تُريد أن تسوخ في التراب" يظهر تصورٌ للمشية كقوة دافعة نحو الفناء والاندثار، مما يرمز إلى أن كل خطوة، مهما بدت قوية، تحمل في طياتها بذور الزوال والانحلال؛ إنها صورة تحمل نقداً لاذعاً لحتمية النسيان والتلاشي الذي يُخيم على وجود الإنسان. وعلى مستوى آخر، تُظهِر العبارة "لكنهم بشر وطيّبون حين يملكون قبضتي نقود" ازدواجية الطبيعة الإنسانية؛ فالمال هنا يصبح مفتاحاً يُغير الوجوه والمواقف، فيُبرز كيف أن الإنسانية قد تتبدل بتغير الظروف، وكيف يتحول الخير إلى معاملات سطحية تخضع لقوانين المصلحة المادية.
وتتعمق الرمزية في الجزء الذي يستحضر فيه الشاعر صورة "عزرائيل" حاملًا دفتراً صغيراً وعصاً تمدُّ بسر حرفي "كُنْ" و"كان"، وهذه الرموز تتعدى كونها أدوات لغوية لتصبح معالم كونية تُعيدنا إلى أسس الخلق؛ فـ "كُنْ" تحمل أمر الخلق الإلهي الذي ينطلق منه الوجود، بينما "كان" تشير إلى حالة الفناء والانتهاء، فيمثلان معاً مفهوماً شاملاً للخلق والدمار، يعكسان فكرة أن كل شيء في هذه الدنيا هو مؤقت وتحت رحمة قوة قاضية لا تُرحم. كما يُظهِر هذا التداخل الرمزي الغاية من النص في تذكير القارئ بأن مصير الإنسان لا يحدده إنما الظروف القهرية والقدر الذي يتغلغل في كل تفاصيل الحياة.
ولا تقتصر الدلالات الرمزية على الجانب الكوني فحسب، بل تمتد لتشمل التباين الاجتماعي والاقتصادي؛ إذ يتصاعد التناقض بين قصص الثراء والمآسي الاجتماعية، كما في صورة القلاع المزخرفة وغرف الذهب اللماع التي تبنيها شخصيات عالمية تتهافت على المجد، مقابل بساطة "كوخ" عمّي مصطفى الذي يعبّر عن الواقع الشعبي، فيبرز هنا نقدٌ اجتماعيٌّ حادٌّ للثغرات الطبقية والفوارق الاقتصادية التي تهشم قيم الإنسان وتفقده إنسانيته.
وهكذا، تستحضر دلالات الصور والرموز في النص روحاً فلسفية تسبر أغوار الإنسان وتكشف عن معاناته الوجودية؛ فهي ليست مجرد أوصاف بل هي مفاتيح لبوابات فهم أعمق لحقيقة الوجود، تدعو القارئ إلى إعادة النظر في مفاهيمه التقليدية عن الحياة والموت، عن القوة والضعف، لتُعيد تشكيل الوعي بما هو أبعد من المظاهر الدنيوية. إن الرسالة التي يحملها الشاعر من خلال هذه الرموز هي بمثابة نداء إلى الاستيقاظ والبحث عن المعنى الحقيقي وراء زيف الواقع، حيث تتداخل الأصوات والأشكال لتخلق سيمفونية من المشاعر والأفكار تعكس جدلية الزمن وتجعل من القصيدة مرآةً تنطق بالحقيقة الأزلية لكل من يبحث عن بصيرة تلامس عمق الوجود.
أما عن رمز الإله في النص والذي قد يصدم الكثيرين:
نجد أن لفظ "الإله" في النص يمثل محورًا رئيسيا ومحوريًا يُجمع بين معاني السمو الروحي والنقد اللاذع للسلطة التي يستولي عليها الإنسان. ففي عباراتٍ مثل "أيها الإله" تنبثق صرخة استغاثة تُعيدنا إلى التصور التقليدي للإله كرمز للعدالة والرحمة، لكنها في نفس الوقت تكشف عن فجوة عميقة حينما يُختطف هذا المفهوم ويُستبدل بسلطة بشرية مُتعالية. يستحضر الشاعر من خلال استخدامه لهذا اللفظ روح الانتقاد السياسي والاجتماعي، كما تجلت في مقولته من مسرحية "مسافر ليل": "أنتم قتلتم الله وسرقتم بطاقته الشخصية"؛ حيث يُشير بذلك إلى أن الأنظمة الديكتاتورية استولت على مفاهيم القداسة والإلهية، معلنةً أن حكمها واستبدادها الذي أصبح بديلاً عن حكم الله الحقيقي.
ويُمكن اعتبار هذه الإشارة صدمة مفاجئة للقارئ العربي الذي نشأ على تصور أن الإله الذي هو رمز للرحمة والنظام الأخلاقي، في حين يتحول إلى رمز للنقض والفساد عندما تُسيء السلطات استغلاله لتبرير السيطرة والاستبداد.
ويتلاقى النص مع تجارب الشعر العالمي في تناوله للقضايا الوجودية والاجتماعية، حيث يجد صدىً بين أبيات الشعر الغربي إذ يمكن مقارنة النص من خلال استحضار صورة الطبيعة كرمز للتجدد والصرامة في آن واحد، كما في أبيات شارل بودلير الشهيرة من "Les Fleurs du Mal":
"La Nature est un temple où de vivants piliers
Laissent parfois sortir de confuses paroles"
(وترجمتها: "الطبيعة معبدٌ تكون فيه أعمدة حية، تفرج أحيانًا عن كلمات غامضة")
إذ تشبه هذه الصورة استخدام الشاعر لصورة المطر والشتاء في نقل هشاشة الحياة وسط قسوة الوجود، كما تنساب الدلالات في النص العربي لتعكس حالة الإنسان الذي يتأرجح بين القوة والضعف.
ويمكن رؤية تردد صدى هذا التشكيك في نظام الطبيعة البشرية في أبيات ت. س. إليوت من قصيدته "The Waste Land":
"April is the cruellest month"
(وترجمتها: "أبريل هو أشد الشهور قسوة")
ففي كلا النصين يظهر الزمن والطبيعة كقوى محركة تدعو للتأمل في واقع متناقض يتداخل فيه الألم مع الأمل.
كما يتلاقى صوت النص مع التجارب الشعرية الروسية التي عكست صراعات الوجود وتناقضات السلطة، كما يتجلّى في أبيات فلاديمير ماياكوفسكي الثائرة:
"Послушайте! Ведь, если звезды зажигают,
Значит – это комунибудь нужно?"
(وترجمتها: "استمعوا! فإن كانت النجوم تُضيء، فهذا يعني أنها لأحد ما تُفيد")
وهذه العبارة تحمل تساؤلاً وجوديًا عن معاني القدر والغاية، ما يتوافق مع تصوير الشاعر لرموز مثل "عزرائيل" وحروف "كُنْ" و"كان" كرموز للخلق والفناء، لتكشف عن صدمة القارئ عندما يُستبدل النظام الكوني بمفاهيم السلطة البشرية الملتوية.
كما نجد أن النص يشترك مع تجارب شعراء من أمريكا اللاتينية في المزج بين رموز الطبيعة والحالة الوجدانية العميقة، وحيث يتجلى ذلك في أبيات بابلو نيرودا من قصيدته الخالدة:
"Quiero hacer contigo lo que la primavera hace con los cerezos"
(وترجمتها: "أريد أن أفعل معك ما تفعله الربيع مع أشجار الكرز")
حيث تُستعمل صورة الربيع والتجدد للتعبير عن القوة الخفية للمشاعر، وهو ما يقابله استخدام الشاعر العربي لصورة الشتاء واللهيب التي تبرز صراعات النفس بين دفء الحياة وبرودة الواقع.
كما نجد في إبداع الشاعر المكسيكي أكتافيو باز قوله المقتضب في "Piedra de sol":
"Un sauce de cristal, un chopo de agua"
(وترجمتها: "صفصافٌ من الكريستال، وحُورٌ من الماء") إذ تنطق هذه الصورة بنعومة الرمزية وتُظهر تلاقي عالمين متناقضين، حيث يختلط الصلابة بالشفافية، في تجسيدٍ يعيد إلى الأذهان تداخل المشاعر الإنسانية مع أسرار الطبيعة.
إن كل هذه التجارب الشعرية تسعى إلى استحضار صور ورموز تتجاوز حدود الواقع الملموس لتفتح آفاق التأمل في معاني الوجود والقدر؛ فكما يستخدم بودلير وإليوت خصائص الطبيعة في تصوير تقلبات النفس البشرية، يستعين ماياكوفسكي بأسلوبه الثائر في نقد النظام والقدر، فيما يعبر نيرودا وباز عن حالة التجدد والحنين بأسلوب يدمج بين جمال الطبيعة والحالة الوجدانية العميقة، ويتجلى التشابه مع نص صلاح عبد الصبور في استخدام الرموز؛ فالصقور، والمطر، واللهيب تتوازى مع رموز الطبيعة والكون التي يعتمدها الشعراء العالميون للتعبير عن صراعات الإنسان الداخلية وتناقضات السلطة.
إن هذا التقاطع يُظهر أن البحث عن الحقيقة الوجودية والقيم الإنسانية المشتركة يتجاوز الفروق اللغوية والثقافية، ليشكل حواراً عالمياً يرتكز على الرمزية والتأمل في معاني الحياة والموت، في صورة تبعث على إعادة النظر في النظام القيمي الذي يشكل واقع الإنسان.
وتتسم لغة النص بثراء لغوي يجمع بين لهجة الشارع الحقيقية وسلاسة اللغة الكلاسيكية، حيث تُنسج التراكيب اللغوية بإبداع لتخلق موسيقى لفظية متجددة. إن استخدام الشاعر للصور البلاغية والرموز المركبة يُضفي على النص روحاً تنبض بالحياة، مما يجعله جسرًا يربط بين واقع الألم والأمل، بين الظاهر والباطن، في لغة تجمع بين البساطة والعمق.
كما تمتاز أنغام النص بإيقاع موسيقي يتردد صداه في أعماق الوجدان، حيث تتحول الكلمات إلى لحن حيّ يتمازج فيه صوت الطبيعة مع نبض القلب. يتحول ضحك الناس إلى وترٍ حزين، وخطواتهم إلى إيقاعٍ يوحي بدقات قلبٍ يتأرجح بين الحياة والموت، ما يجعل من النص سيمفونية شعرية تتداخل فيها الآهات مع الألحان، وتُحاكي معاني الزمن الذي يتلاشى وسط هموم الوجود.
ولا يجب أغفال أن النص يتناول قضية الإنسان المعاصر الذي يكافح بين قسوة الواقع وتناقضات القدر، في صراعٍ داخلي ينعكس على حياته اليومية وعلى علاقته بالقيم الروحية والأخلاقية. يُظهر الشاعر أن الانفصال عن المرجعية الإلهية يؤدي إلى زوال النظام الأخلاقي والاجتماعي، حيث يتحول الإنسان إلى أداةٍ في يد الأنظمة الديكتاتورية التي تسرق منه "طاقته الشخصية" وتعلن سيطرتها على كل شيء. هذا الصراع يظهر جلياً في التداخل بين الصور الرمزية والعبارات القوية التي تدعو إلى إعادة النظر في المعاني الأصيلة للإيمان والعدالة.
إن هذا النص يبلور رؤية شاملة لجودة وبراعة الشاعر في رسم لوحة إنسانية تجمع بين نور الحقيقة وظلام التناقضات، إذ أن صلاح عبد الصبور، استطاع، أن ينحت من حروف قصيدته صرحاً أدبياً يعبّر عن معاناة الإنسان وسعيه الدائم نحو النور وسط عتمة الطغيان.
إن كل كلمة في النص تحمل نبضة من قلب الكون، وتروي قصة نضال داخلي صادق يقاوم انحلال المعاني وسط زيف السلطة والفساد الاجتماعي. ويصبح النص من خلال هذا كله، مرآة تعكس رحلة الإنسان من الانهيار إلى البعث، ومن الفناء إلى التجدد، معيداً للروح مكانتها بين أصوات الطبيعة ونغمات الزمن المتقلب. وحيث هذا السرد الشعري تتداخل فيه الموسيقى مع الفلسفة، وتتوحد الرموز مع الدلالات في سيمفونية خالدة تُعيد إلى الأذهان عظمة الإبداع وحقيقة الوجود، فتظل قصيدة "الناس في بلادي" نبراساً يلهم الباحثين عن الحقيقة ويحفزهم على استعادة بريق الإيمان والإنسانية في عالمٍ أصبح فيه ضوء الإله منقلباً إلى ظلام الطغيان.

قصيدة الناس في بلادي للشاعر صلاح عبد الصبور:
الناس في بلادي جارحونَ كالصقورْ
غناؤُهم كرجفةِ الشتاءِ في ذُؤَابَة المطرْ
وضحكُهم يِئِزُّ كاللّهيبِ في الحَطَب
خُطَاهُمُ تُرِيدُ أن تَسُوخَ فِي الترابْ
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأُونْ
لكنهم بَشَرْ
وطيِّبُون حينَ يَملِكونَ قَبضَتَي نقودْ
ومؤمنون بالقدر.
وعند باب قريتي يجلس عمّي "مصطفى"
وهو يحبُّ المصطفى
وهو يقضي ساعةً بين الأصيل والمساءْ
وحوله الرجالُ واجمون
يحكي لهم حكايةً .. تجرُبةَ الحياه
حكايةً تُثير في النفوس لوعةَ العدَمْ
وتجعلُ الرجالَ ينشِجون
ويطرُقون
يحدِّقون في السُّكونْ
في لُجَّةِ الرُّعبِ العميق، والفراغِ، والسكونْ
"ما غاية الإنسان من أتعابهِ، ما غايةُ الحياهْ؟
يا أيها الإله!!
الشمس مُجتلاكَ، والهلالُ مفرقَ الجبينْ
وهذه الجبال الراسياتُ عرشُكَ المكين
وأنتَ نافذُ القضاءِ أيها الإله
بنى فلانٌ، واعتلى، وشيّدَ القلاعْ
وأربعون غرفةً قد مُلِئتْ بالذهب اللماعْ
وفى مساءٍ واهنِ الأصداءِ جاءهُ عِزْريل
يحمل بين إصبعيهِ دفتراً صغير
ومدَّ عزريلٌ عصاهْ
بسرِّ حرفَيْ "كُنْ"، بسر لفظِ "كان"
وفى الجحيم دُحرجتْ روحُ فلان
(يا أيها الإله …
كم أنت قاسٍ موحش يا أيها الإله)
بالأمسِ زرتُ قريَتي، قد ماتَ عمِّي مصطفى
ووسَّدُوه فِي التُّرابْ
لم يَبتَنِ القِلاعَ (كان كُوخُه من اللَّبِن)
وسارَ خلف نعشِه القدِيمْ
مَن يملِكُون مِثله جلبابَ كتانٍ قدِيمْ
لم يذكروا الإله أو عزريل أو حروفَ (كان)
فالعامُ عامُ جوع
وعندَ بابِ القبرِ قام صاحِبي خليل
حفيدُ عمّي مصطفى
وحينَ مدَّ للسَّماءِ زِندَهُ المَفتُول
مَاجَت على عَينَيهِ نَظرَةُ احتِقارْ
فالعامُ عام جوع ...



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...
- بابلو نيرودا: الكلمة التي حملت سرّ النار
- بين الفلسفة والتصوف والعلم: هل آن الأوان للثورة الفكرية الجد ...
- محمود ياسين صوت مصر ونجمها الذي أحبته
- -مسرح رمسيس- وقيمة الفنان في الشرق
- مسرحية لحظة حب على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون في مصر
- نظرة على تاريخ المسرح العربي في مصر
- نساء في حياة سيد درويش
- ثورة الفلاحين في قرية -بهوت- هي من صنعت صلاح جاهين !
- فولتير يعلن تفاؤله على خشبة المسرح القومي بمصر
- مهرجان المسرح التجريبي 2020 الدورة السابعة والعشرون - تغطية ...
- هل سيكون ( لقاح ) كورونا وسيلة لإختراق دماغ البشر والتحكم بأ ...
- قراءة قصيرة في كتاب -مسرح الشعب- للدكتور -علي الراعي-
- الإنسانية .. العدالة .. الحرية ( من القصص السياسي )
- بهائم العمدة .. ( من القصص السياسي )
- سيدنا عاشور .. ( من القصص السياسي )
- عشق الخالدين ( رومانسية سياسية ليست من وحي الخيال )
- الأراجوز - من القصص السياسي


المزيد.....




- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...
- المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
- عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
- للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال ...
- من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “ ...
- فنانون يبحثون عن الهوية بين أرشيف التاريخ وصدى الذاكرة
- أمير كوستوريتسا: الأداء الأفضل في فيلم -أنورا- كان للممثل ال ...
- جماعة تحت السور التونسية.. أدباء ساخرون من المجتمع والاستعما ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور