أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - طفيليات المجتمع 2: شيوخ العشائر ورجال الدين















المزيد.....


طفيليات المجتمع 2: شيوخ العشائر ورجال الدين


صادق جبار حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 00:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لطالما لعبت العشائر دورًا محوريًا في تشكيل المجتمع العراقي حيث كانت تمثل الركيزة الأساسية للتنظيم الاجتماعي قبل نشوء الدولة الحديثة .
ومع مرور الزمن لم تعد العشائر مجرد مكون أجتماعي بل تحولت إلى قوة موازية للدولة تفرض قوانينها الخاصة وتتحكم بمسارات السياسة والقضاء والاقتصاد وترسم صورة المجتمع .
ومع ذلك فإن هذا الدور الذي يفترض أن يكون تكامليًا مع سلطة الدولة تحول في العقود الأخيرة إلى عائق أمام بناء دولة القانون مما ساهم في تفتيت المجتمع وإضعاف مؤسسات الدولة.
حيث سادت الأعراف والتقاليد العشائرية محل القانون
والتي في أغلبها تتعارض مع القانون ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان حيث تطبق بعض التقاليد أحكامًا أشد قسوة من القوانين المدنية بل وحتى الأحكام الشرعية الإسلامية .
كان يفترض أن يكون الدور العشائري تكامليًا مع سلطة الدولة الحديثة إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا فخلال العقود الأخيرة وخاصة بعد انهيار مؤسسات الدولة وضعف تطبيق القانون أصبحت العشائر عائقًا أمام بناء دولة القانون حيث أستبدل القضاء الرسمي بالأعراف والتقاليد العشائرية التي باتت تحكم المجتمع في كثير من القضايا حتى في الجرائم الجنائية الكبرى كالقتل والاغتصاب هذه الأعراف في معظمها لا تتوافق مع القانون المدني أو حتى المبادئ الإسلامية الصحيحة بل إنها تكرّس منطق القوة والصراع على النفوذ بدلًا من تحقيق العدالة .
من أبرز هذه الممارسات "الفصول العشائرية" حيث يتم فرض تعويضات مالية ضخمة تُدفع إلى الضحية أو عشيرته بغض النظر عن طبيعة الجريمة بل وحتى في بعض الحالات يتم فرض التعويض على الضحية نفسه أو عائلته ولا يملك الحجة والقدرة على الدفاع عن نفسه خصوصًا إذا كان الطرف الآخر أقوى نفوذًا وسطوة ومن عشيرة كبيرة .
الأخطر من ذلك هو "الفصلية" وهي ممارسة تنص على تسليم نساء من العائلة المعتدية إلى العشيرة الأخرى كتعويض عن الاعتداء مما يعدّ شكلًا من أشكال العبودية الحديثة وانتهاكًا صارخًا لحقوق المرأة وكرامتها.
ظاهرة إخرى خطيرة ألا وهي "الدكة العشائرية" تمثل مظهرًا آخر من مظاهر الانفلات والفوضى حيث يقوم أفراد من عشيرة ما بتنفيذ هجمات مسلحة على منزل او منازل خصومها كوسيلة للتهديد أو الانتقام باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بل وأحيانًا القذائف مما يؤدي إلى ترويع العائلات وتدمير الممتلكات وفي كثير من الأحيان سقوط ضحايا أبرياء .
هذه الممارسات لم تعد مجرد تصرفات فردية بل أصبحت أداة بسط نفوذ تُستخدم لترهيب الأفراد وإجبارهم على الامتثال للأحكام العشائرية حتى لو كانت ظالمة.
العشائر لا تعترف بمبدأ المسؤولية الفردية فحين يرتكب فرد من عشيرة ما جرمًا فأنه غالبًا ما تتحمل عشيرته بأكملها العقوبة مما يعزز منطق العقاب الجماعي في تناقض صارخ مع المبادئ الحديثة للعدالة وبدلًا من أن تُحاسب الدولة الجناة وفقًا للقانون يتم فرض تسويات عشائرية قائمة على موازين القوة والقدرة على فرض الهيمنة مما يجعل المجرم أكثر نفوذًا من الضحية طالما أن عشيرته قوية وقادرة على حمايته .
وفي كثيرًا من القضايا الكبرى كجرائم القتل والاعتداء فيتم اللجوء إلى "المجالس العشائرية" بدلًا من المحاكم مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب .
لم يعد لشيوخ العشائر دور رمزي كما كان في السابق بل أصبحوا يملكون ميزانيات ضخمة تحت تصرفهم سواءً مما يكسبونه من الفصول العشائرية والطرق الأخرى او من خلال تبرعات إفراد العشيرة أو كما يُعرف بـ "صندوق العشيرة" الذي يُفترض أن يكون مخصصًا لدعم أبناء العشيرة المحتاجين أو لحل النزاعات التي تقع لأفرادها لكن في الواقع يتم استغلال هذه الأموال لمصالح شخصية حيث يحتكرها الشيوخ لأنفسهم بينما لا يجد أبناء العشيرة الذين يساهمون في تمويل الصندوق أي دعم عند الحاجة.
ولم يقتصر النفوذ العشائري على الشيوخ وزعماء القبائل بل وجد رجال الدين الشيعة وخاصة المنحدرين من نسل النبي محمد او كما يُعرفون بـ "السادة" طريقهم إلى هذه المنظومة الفاسدة .
هؤلاء الذين يُفترض أن يكونوا دعاة إصلاح وعدالة تحولوا إلى وسطاء في النزاعات إلى جانب الشيوخ لكن ليس دائمًا بدافع تحقيق الصلح وفض النزاعات وأنما من اجل الانتفاع المادي فا صبحوا جزء من شبكة المصالح التي تربطهم بزعماء العشائر .
في المجتمعات التي تسيطر عليها الأعراف والأحكام العشائرية أصبح لرجال الدين دور مزدوج فهم من جهة يمنحون الشرعية الدينية لهذه الأعراف ومن جهة أخرى يستفيدون ماديًا واجتماعيًا من هذه المنظومة حيث يتقاضون أموالًا مقابل التوسط في النزاعات أو يدعمون علنًا حلولًا عشائرية تتعارض مع القانون بحجة الحفاظ على السلم الاجتماعي .
المفارقة أن هؤلاء الذين يدعون التمسك بالشريعة لا يعارضون التقاليد التي تتنافى مع أبسط القيم الإسلامية بل يبررونها مما يمنحها بعدًا دينيًا زائفًا فبدلًا من أن يكون رجل الدين صوتًا للعدالة أصبح طرفًا في لعبة النفوذ مستغلًا سلطته الدينية لتحقيق مكاسب شخصية ، فلم نجد رجل دين واحد وقف بوجهه العشائر ورفض أعرافهم وأحكامهم الجائرة خصوصًا بما يتعلق بالفصيلة والدكات العشائرية .
التحالف بين شيوخ العشائر ورجال الدين الشيعة ليس مجرد تقاطع مصالح عابر بل هو جزء من منظومة حكم خفية تكرّس الفوضى لإدامة نفوذها والدولة في ظل ضعفها وغياب سيادة القانون وسطوة المليشيات أصبحت عاجزة عن مواجهة هذا التحالف بل إن كثيرًا من القضاة ورجال الأمن يتجنبون تطبيق القانون خشية الدخول في صراع مع العشائر أو رجال الدين الذين يمتلكون نفوذًا أقوى من مؤسسات الدولة نفسها .
هذا الخوف من المواجهة جعل القانون مجرد أداة شكلية يتم تطبيقه فقط عندما لا يتعارض مع مصالح القوى العشائرية والدينية
حيث بات المواطن العادي لا يرى فرقًا بين فساد السياسيين وسطوة العشائر وهيمنة رجال الدين إذ أن الجميع باتوا جزءًا من منظومة واحدة تقوم على نهب الدولة واستغلال المجتمع وقمع أي محاولة لبناء دولة مؤسساتية حقيقية.
لم يعد الصراع يدور فقط بين الدولة والمليشيات المسلحة بل بين القانون وتحالف شيوخ العشائر ورجال الدين الشيعة الذين شكلوا منظومة طفيلية تتغذى على معاناة المواطنين.
في بلد يُفترض أن القانون فيه هو السيد أصبح الواقع شيئًا آخر تمامًا فالقوة هي الحاكم الفعلي والقضاء بات خاضعًا للنفوذ العشائري والديني والمواطن البسيط لا يجد من يحميه
هذا الوضع لا يمثل مجرد خلل في منظومة الدولة بل هو استراتيجية مقصودة لإبقاء العراق غارقًا في الفوضى حيث تظل العشائر ورجال الدين مستفيدين بينما المواطن الذي لا ينتمي الى عشيرة قوية يدفع الثمن .
لقد تحول شيوخ العشائر ورجال الدين من رموز اجتماعية ودينية يُفترض بها تحقيق العدل إلى طفيليات تعتاش و تتغذى على معاناة المواطنين مما يجعل التغيير شبه مستحيل طالما بقي القانون عاجزًا أمام تحالف الفساد هذا فان لم تتم استعادة سلطة الدولة وهيبتها وإعلاء شأن القانون فوق كل الاعتبارات سيظل العراق رهينة لشيوخ العشائر في بلد تحكمه المصالح الشخصية بدلًا من العدالة و إحترام حقوق الانسان .



#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفيليات المجتمع 1: النواب وأعضاء مجالس المحافظات
- شهر رمضان فيه الفقير يهان
- السياسيون العراقيون ما اتركك ولا أترك رحمه الله تنزل
- العمائم السوداء ، غربان الخراب
- العشائر في العراق : بين ترسيخ الفوضى وإجهاض العدالة
- لم تعد الهند بلد العجائب بل العراق
- إيران ودورها في تجهيل عقول الشباب
- بوكا معهد أعداد الإرهابيين
- بلد الحضارات يحكمه القطاء
- فوضى مواقع التواصل الاجتماعي في العراق : فساد وانحدار القيم ...
- الارهابي الذي أصبح بطل
- جند السماء الفرصة التي ضاعت
- بين صدام والأسد : دكتاتورية صدام حسين وعائلة الأسد : مقارنة ...
- ماذا لو خرج المهدي المنتظر ؟
- ثمن سقوط الأسد
- رجال الدين وشيوخ العشائر السرطان الذي يجب أستئصاله قبل أي تغ ...
- حكومة العتاكة و بنات اليل
- يقاطعون الكنتاكي ويركبون التاهو: ازدواجية المقاطعة في العراق
- العمامة رمز الجهل والتخلف والظلم
- أقتحام البرلمان : مسرحية جديدة من تأليف وإخراج مقتدى الصدر


المزيد.....




- شاهد كيف علق بوتين على اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا
- -لا أحد سيطرد أي فلسطيني من غزة-... هل وافق ترامب على الخطة ...
- ماذا يشكل الإعلان الدستوري في العملية السياسية الجديدة بسوري ...
- مشاهد لمبنى سكني مدمر جراء غارة إسرائيلية على دمشق
- عودة الأمل: الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس بعد 15 شه ...
- ترامب: ويتكوف يجري مباحثات -جادة للغاية- في روسيا بشأن أوكرا ...
- بوتين يتحدث عن التعاون بين واشنطن وموسكو في مجال الطاقة وعود ...
- بوتين: العديد من زعماء العالم مهتمون بالتسوية الأوكرانية
- بوتين يشكر ترامب على اهتمامه بحل الأزمة في أوكرانيا
- ترامب يعرب عن رغبته في لقاء بوتين ويؤكد أن الوضع في أوكرانيا ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - طفيليات المجتمع 2: شيوخ العشائر ورجال الدين