أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد الأسطل - أحلى من التفاؤل مفيش














المزيد.....


أحلى من التفاؤل مفيش


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 22:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المسلّم به أنني لم أكن متفائلا أبدا. كنت أعتبر الحياة دائما عبارة عن سلسلة من الإزعاجات التي غالبا ما تحوّل كل شيء إلى جحيم لا يطاق. من المؤكد أنني لم أعرف أبدا كيف أعيش، أو أحب، أو أمضي في الحياة مستمتعا باللامبالاة التي لطالما رأيتها ولمستها وتذوقتها وشممتها في معظم الذين التقيت بهم. من المؤكد أنني لم أفهم أبدا ما هو المقصود بالضبط بـ "السعادة"، مثلما فهمت التطلع إلى "أن نكون سعداء"، وهي حالة تبدو لي غير متوافقة تماما مع معطيات الوجود التي نرثها عند ولادتنا.

ومع ذلك، كنت أجدني في بعض الأحيان أتمتع بما يسميها البعض الإيجابية: أضحك على كثير من الأشياء الموجودة في الحياة، أشعر بنوع معيّن من السلام والطمأنينة الداخلية التي تعطّر وجودي برائحة الاحتفال. ألّا تكون سعيدا -يا له من رعب- ولكنك تميل إلى الاحتفال بجمال وعظمة الحياة!

ولكن في الأشهر الأخيرة، لم يعد هذا هو الحال. ينتابني شعور لا يتركني أبدا، بأنني على حافة الهاوية القادرة على ابتلاعي في أي لحظة. لا أرى شيئا في مشهد العالم يدعو إلى الفرح. والأسوأ من ذلك، يبدو لي أننا دخلنا مرحلة من التسارع حيث لا شيء مضمون على الإطلاق، بخلاف اليقين بأننا سلكنا بشكل جماعي الطريق الخطأ، الطريق المؤدي إلى الهاوية.

لكن الجديد والمثير للقلق بشكل رهيب هو أن هذه الأفكار المظلمة يتقاسمها الآن أكبر عدد ممكن من الناس. عندما كنت في الماضي أستخدم السخرية التي تعبّر عن تعبي من العالم، كان الناس يدينونني بشكل مبالغ فيه. أما الآن فقد أضحت تعليقاتي "الشريرة" تكسبني المزيد من الاحترام والتقدير. وفي بعض الأحيان، لا يوافقني جلاسي عليها فحسب، بل يضخمونها، بحيث أجدني مضطرا للتخفيف من "تشاؤمهم".

يوضّح هذا مدى عمق وعناد الانزعاج. نحن جميعا، وفقا لحساسياتنا وخصوصياتنا المميزة، لدينا انطباع بأننا دخلنا عصرا يشبه رؤية واضحة إلى حد ما للجحيم. في عالم فقد بوصلته، يجب علينا توقع الأسوأ. نسي الناس اللامبالاة وسذاجة الأمس، وكأنهم عالقون في فخ جمّد الدماء في عروقهم، فخ جعلهم مصابين بقلق مزمن. وهذا مردّه إلى ظهور الشعبوية، إلى الاحتباس الحراري، صعود قوة الذكاء الاصطناعي، تجدد الحروب، العنف اليومي، الركود الاقتصادي، غباء الجماهير من خلال الاستخدام غير العقلاني لوسائل التواصل الاجتماعي، غياب السلطات الأخلاقية القادرة على تحديد وجهات النظر المستقبلية، ظهور شخصيات مكرّسة للعب الأدوار القيادية في الشؤون العالمية، رغم أنها لا تملك مثقال ذرة من الانسانية والعقلانية. كل هذا جعل الخطابات المتفائلة أمرا عفا عليه الزمن، بل منكرا من القول وزورا.

هناك شعور بالعجز في الأجواء، نوع من الإحباط العام، كما لو أن العالم يتحرك بسرعة مجنونة، لذا فإنه غير قادر على تلبية توقعاتنا. وعلى الرغم من كل جهودنا، ورغبتنا في الإيمان بمستقبل أفضل، فإننا نشعر أننا ندخل عصرا متزايد التعقيد، مفرطا في الميكنة، حيث أصبحت مكانة الإنسان نفسه موضع تساؤل، حيث لم نعد موقنين بأي شيء، باستثناء اليقين بتوجهنا نحو أوقات غامضة.

لا شك أن هذا يزعجني إلى ما لا نهاية. يبدي الجميع نفس التشاؤم مثلي. لم أعد الشخص الوحيد الذي يتذمر ويتشكّى، حتى أن جاري الإفريقي -الذي كنت أعتبره التجسيد المثالي للتفائل- أصبح يشاركني يأسه. والخباز الذي أشتري منه الخبز كل صباح، يخبرني بأنه يرتعش من الخوف عندما يفكر في الغد، وألفيته يطرح أسئلة ميتافيزيقية حول مصيره! ماذا تبقّى لي لأميّز به نفسي عن الآخرين؟ البواسير ربما؟!

لهذا السبب قرّرت، وبضمير حي، أن أصبح أكثر الرجال تفاؤلا: لا مزيد من الأسئلة المثيرة للقلق، سأفسح المجال للأمل وتمجيد المستقبل: سيتحد العرب، ستحرر فلسطين، سينعم العالم بالسلام، سيعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين ظروفنا المعيشية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، ستحل مشكلة الاحتباس الحراري، سيتعلم دونالد ترامب القراءة والاعتذار عن كل هرائه، وسيفعل فلاديمير بوتين الشيء نفسه، سيشتري فولوديمير زيلينسكي لنفسه بدلة أنيقة، سيصبح الرائع جان لوك ميلينشون رئيس فرنسا، سأغرم بمارين لوبان -التي لا أطيقها- لأنها ستتوقف عن مزاولة السياسة لفتح ملجأ للقطط، وأخيرا، ستنتهي معاناتي من البواسير.

لكن ماذا عن المجازر المروعة في الساحل السوري؟ ألم يسبق لي أن أخبرتكم بأن الوضع فظيع. إن العالم يتجه نحو الكارثة.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الكتابة والكُتّاب
- مستقبل الحرب في أوكرانيا
- لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية
- مستقبل علاقة الرياض مع واشنطن وتل أبيب
- هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟
- أوربا وقيمها.. التحديات والحلول
- هل سيفي ترامب بوعده ووعيده؟
- تعليق عدم التصديق
- رواية الخوف من النور.. دوجلاس كينيدي
- ثلاثة كتاب كبار أدركهم الموت قبل نوبل
- وعاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
- هل ستصبح كندا الولاية الأمريكية 51؟
- مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية كما أراه
- رواية قبل أن تختفي.. ليزا جاردنر
- عن رواية قصة خرافية.. ستيفن كينغ
- ستيفن كينغ والأدب الخفيف
- عن رواية حجر القمر.. ويلكي كولنز
- خواطر
- فرانك.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- قصة بعنوان توم. من مجموعتي القصصية (شيء مختلف)


المزيد.....




- شاهد كيف علق بوتين على اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا
- -لا أحد سيطرد أي فلسطيني من غزة-... هل وافق ترامب على الخطة ...
- ماذا يشكل الإعلان الدستوري في العملية السياسية الجديدة بسوري ...
- مشاهد لمبنى سكني مدمر جراء غارة إسرائيلية على دمشق
- عودة الأمل: الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس بعد 15 شه ...
- ترامب: ويتكوف يجري مباحثات -جادة للغاية- في روسيا بشأن أوكرا ...
- بوتين يتحدث عن التعاون بين واشنطن وموسكو في مجال الطاقة وعود ...
- بوتين: العديد من زعماء العالم مهتمون بالتسوية الأوكرانية
- بوتين يشكر ترامب على اهتمامه بحل الأزمة في أوكرانيا
- ترامب يعرب عن رغبته في لقاء بوتين ويؤكد أن الوضع في أوكرانيا ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد الأسطل - أحلى من التفاؤل مفيش