أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ














المزيد.....


عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 18:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


في ظلال التين والزيتون، وبين الميرمية والزعتر، هناك حيث تعانق الأرضُ السماءَ في سهول جنوب لبنان، وُلد عمر مصطفى المحمود (أبو مروان).

لم يكن مجرد رجلٍ، بل كان جذعَ سنديانٍ متأصّلاً في تراب عشيرة عرب السّمنيّة، يحمل في روحه عنادَ الأرضِ وصبرَ الفلاحين الذين لا ينكسرون أمام العواصف.

كان كالنهر، يسيرُ رغمَ الحجارةِ، وكالشمسِ، لا ينطفئ ضوؤها حتى وإن غطّاها الغيمُ، لكن النحس كان رفيقه اللدود، ظَلّاً أسودَ يطارده أينما حلَّ، يترصده كلما اقترب من بصيصِ أملٍ.

لم يكن محظوظاً، كأنّ المَصِيرَ قرّرَ أن يختبر صلابته حتى آخر لحظةٍ. وحين امتدّت يدُ الموتِ خطأً نحو صديقِ عمرهِ، محمود ظلام رميلي، كان كمن انكسر سيفه في منتصفِ المعركةِ، كمن سقط وهو يحمل رايةً لا يريد أن تسقط. لم يكن مقتله بيدٍ غريبةٍ، بل بيديه هو، وكان هذا الجرح أعمقَ من أن يندمل، ظلَّ ينزف في قلبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وبقي الحزن على فراقه وشماً لا يُمحى من ذاكرةِ الأيام، لكنه لم يكن من أولئك الذين ينحنون للحزن، بل حمل في داخله ناراً لا تنطفئ، وروحاً تأبى القيدَ.

وحين ضاقت عليه الجدران في معتقلِ أنصار، كان من أولئك الذين غرسوا أصابعهم في صلابةِ الأرضِ، يحفرون نفقاً نحوَ الحريةِ كما تحفر الجذورُ طريقها في الصخرِ.

لم يكن محظوظاً ليعبر، فبقي هناك، بين الجدران، لكنه لم يكن أسيرَ اليأسِ، بل كان يزرع في قلوب رفاقه صلابةَ السنديانِ، ويحفّز هممهم كما يُصقلُ الحديدُ في لهيبِ النارِ.



وحين أُتِيحَت له الفرصة، لم يتردد لحظةً.

حمل نايف توهان المحمود (أبو أيمن) على كتفه، كما حمل قضايا شعبه طوالَ حياتهِ. لم يكن الحمل ثقيلاً، فالرجال العظماء لا تُثقلهم الأعباءُ.

أخفاه في برميلِ قمامةٍ، لكنه لم يكن قمامةً، بل كان مجداً محمولاً على أكتافِ الشرفاء.

إلى جانبه كان عمر حميدي (أبو رامي) وعلي كلّم (أبو لافي)، رجالٌ من طرازٍ آخر، كتبوا أسماءهم في سجلِّ البطولةِ بدمائهم، لا بحبرٍ زائلٍ.



رحل عمر المحمود (أبو مروان) كما عاش، شامخاً رغمَ الحزنِ، كالسنديانِ الذي يظلُّ واقفاً حتى بعد أن يَجِفُّ.

رحل، لكنّ روحه بقيت ترفرف مع كلِّ نسمةٍ تمرّ فوق سهول جالين، مع كلِّ زخةِ مطرٍ تغسل ترابَ عشيرتهِ، عشيرة عرب السّمنيّة، مع كلِّ عودِ زعترٍ وميرميةٍ يشهد على أنه كان هنا، كان رجلاً لا يُنسى.



ترافقنا ذات صباحٍ تحت ظلّ الشمسِ الحارقةِ، على شاطئ البحرِ عند مدرسة الراهبات، عند مدخل مدينة صيدا الجنوبي، في حزيران 1982. كان البحر هائجاً، كأنما يعكس اضطراب الأيام القادمة، وكانت الرمال تحرق أقدامنا كما لو أنها تنذرنا بفراقٍ قادم.

يومها، كنت محظوظاً فلم يتم اعتقالي، لكن الحظ لم يحالفه. رأيتهم يقتادونه من أمامي، رأيت نظرةَ الوداعِ في عينيه، نظرةً حملت ألفَ كلمةٍ لم تُقل، ثم مضى، ومضت معه الأيام إلى معتقلِ عتليت قربَ مدينة حيفا، ومنها إلى معتقلِ أنصار في جنوب لبنان.



لم يكن حلم العودة مجرد فكرةٍ عابرةٍ في ذهنِ عمر المحمود (أبو مروان)، بل كان وطناً يسكن قلبه، ظلّ يحمله معه أينما ذهب، كما تحمل الريحُ رائحةَ الزعترِ والميرمية من سهول جالين إلى الأفقِ البعيد. كان يحلم أن يعود يوماً، أن يَطَأ ترابَ عرب السّمنيّة بقدميه، أن يتفيأ ظلَّ التين والزيتونِ، أن يسمع همسَ الأرضِ التي أنجبته وهي تهمس له: "عدتَ، يا ابنَ هذه التربةِ، عدتَ يا من لم تَنسَني يوماً."



لكن الحلم ظلّ حلماً، والحنين ظلّ جرحاً مفتوحاً لم يندمل.

لم يمنحه المصيرُ فرصةَ العودةِ، لكنّ روحَهُ بقيت هناك، في كلِّ شجرة زيتونٍ، في كلِّ حبّةِ ترابٍ، في كلِّ نسمة هواءٍ تحمل اسماً صار خالداً.

لم تطأ قدماه أرضه مجدداً، لكنه لم يغادرها يوماً، فقد بقي جزءاً منها، محفوراً في ذاكرتها كما حُفرت هي في قلبه.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!
- عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ
- حين لا يُمهلُ القدرُ الطُّيُورَ الأَصيلة.. وداعاً سليم فرحات
- الفنَّان شربل فارس: مِثالُ الإبداعِ وعِمَادُ الوطن


المزيد.....




- البرلمان الأوروبي يصنف 5 دول بينها روسيا -التهديد الرئيسي- ل ...
- بعد معركة قضائية دامت 10 سنوات.. -تيتان- تبدأ تعويض ضحايا ان ...
- من -الفلول- إلى -الطحالب-: كيف تغيّرت المصطلحات السياسية في ...
- هل دقت ساعة تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل؟
- أفريقيا.. ماذا يعني تصنيف العبودية والاستعمار إبادة جماعية؟ ...
- سوريا.. الإدارة الذاتية تعلن مغادرة 161 عائلة عراقية مخيم ال ...
- خامنئي يهاجم ترامب -المخادع- ويتوعد الأمريكيين بـ-خسارة كبرى ...
- هل ستوافق روسيا على اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا؟.. تر ...
- الكويت تعزز منظومتها الأمنية بتقنيات عالمية بتوجيهات الأمير ...
- ترامب يتراجع عن مقترحه بشأن غزة: لن يطرد أحد من القطاع


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ