حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 12:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن التزام الصمت حيال الجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية لا يمكن اعتباره مجرد تقاعس عابر، بل ينبغي النظر إليه كأنه شكل من أشكال التواطؤ الضمني مع مرتكبي تلك الجرائم. إن غياب الخطوات الحازمة والإجراءات الفعالة في مواجهة هذه الانتهاكات الجسيمة يُعَد بمثابة إشارة واضحة بأن حياة الضحايا بلا قيمة تُذكر، وهو ما يمنح الأنظمة القمعية ضوءًا أخضر للاستمرار في ارتكاب المزيد من الفظائع دون خوف من العواقب.
لقد أبدت الأنظمة العربية وكثير من حكومات المنطقة والعالم تأييدهم لحكومة الشرع الإسلامية في ما سمتها بمواجهة فلول النظام السابق ما شجع التكفيريين في التمادي في ارتكاب المجازر بحق العلويين الذين جرى تكفيرهم من قبل ابن تيمية والمعلمين الأوائل للسلفية والإرهاب الإسلامي.
إن دعم الأنظمة التي تنتهج القمع، على غرار ما يمثله نظام أحمد الشرع، لا يقتصر تأثيره على دعم سياسات غير إنسانية أو ظلم محلي، بل يفتح الباب أمام تكرار الكوارث التاريخية التي شهدتها البشرية، مثل الإبادة الجماعية في رواندا والفظائع البشعة التي ارتُكبت في البوسنة وغيرها من السياقات المروعة. إن تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم يخلق بيئة تُشجع على الإفلات من العقاب، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الانتهاكات وتفاقمها.
يتجاوز الدفاع عن حقوق الإنسان نطاق الشؤون الداخلية للدول ليصبح واجبًا أساسيًا على المجتمع الدولي ككل. إن حماية المدنيين والمعاملة الإنسانية لهم ليست مجرد التزام أخلاقي، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب من الأمم اتخاذ خطوات فعالة وسريعة لوقف الجرائم والانتهاكات. إن التخاذل أو تقزيم هذه المسؤوليات إلى مجرد تصريحات وشعارات فارغة يقوّض أي أمل في تحقيق العدالة الشاملة.
لقد أصبح من الضروري إعادة توجيه الدبلوماسية العالمية نحو اتخاذ أفعال ملموسة تتسم بالجدية والحسم. يتوجب فرض عقوبات صارمة على جميع المسؤولين الضالعين في هذه الانتهاكات، والعمل بجد لدعم آليات التحقيق الدولية التي تُسهِم في تقديمهم إلى المحاكمات العادلة. كما يجب التوسع في استخدام الأدوات الاقتصادية والقانونية لإجبار الأنظمة القمعية على وقف جرائمها وإنصاف الضحايا.
إن التضامن العالمي مع الشعب السوري، الذي يواجه معاناة مستمرة في ظل القمع والاستبداد، يشكل عنصرًا محوريًا لمواجهة هذه الأنظمة وتحقيق العدالة المنشودة. لابد أن تُكثف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني جهودها لدفع الحكومات إلى تنفيذ خطوات فعلية وملموسة لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم. فلا يمكن ترك هذا الشعب وحيدًا في نضاله الطويل من أجل الحرية والكرامة.
يرمز نضال السوريين من أجل الحرية والعدالة إلى نداء عالمي يلهم البشرية بضرورة السعي لتحقيق عالم أفضل قائم على العدالة والمساواة. وعلى المجتمع الدولي أن يحتضن هذا النضال ويدعمه بكل الوسائل السياسية والإنسانية الممكنة. فالتصدي للجرائم ضد الإنسانية لا يُعتبر مجرد أولوية سياسية أو قانونية، بل هو واجب أخلاقي وإنساني يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجتمع الدولي على الوقوف بجانب الحق.
علينا أن نتحلّى بالشجاعة الأخلاقية وأن ننحاز للضحايا بدلًا من تجاهل آلامهم أو التواطؤ مع من ارتكبوا الجرائم بحقهم. التاريخ ليس مجرد شاهد غير مبالٍ، بل يحمل معه دروسًا ينبغي أن تهتدي بها الأجيال القادمة. فهو يسجل الجرائم التي حدثت، كما يوثق الصمت العالمي الذي رافقها. وبذلك، ستترك أفعالنا أو تقاعسنا اليوم عبئًا ثقيلًا على كاهل الأجيال المستقبلية لتحمل مسؤولية تصحيح هذه الأخطاء.
لا شك أن ورد أعلاه يشكل واقعًا مليئًا بالمعاناة الممتدة وتجددًا مأساويًا لسيناريوهات إنسانية مفجعة. إنه تكرار يتسم بصمت دولي مؤلم. التشابه بين ما يجري في سوريا والمآسي التي شهدتها أرمينيا والبوسنة ورواندا وحلبجة فيه مرارة عميقة؛ إذ يُبرز الفشل المستمر للمجتمع الدولي في حماية المدنيين والوفاء بمسؤولياته الأخلاقية. يبدو جليًا أن الدروس المستخلصة من التاريخ لم تُستفد منها، وأن الشعارات حول "عدم التكرار" بقيت عبارات فارغة بلا أثر حقيقي. ما نشهده في سوريا يكشف بوضوح عن هشاشة الآليات الدولية التي يُفترض أن تمنع وقوع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. مجلس الأمن الدولي، المسؤول عن صون السلم والأمن العالميين، أصبح عاجزًا بفعل الانقسامات بين أعضائه، ما أتاح للقوى الضالعة في هذه الفظائع الإفلات من أي محاسبة حقيقية.
غالبًا ما يلجأ المجتمع الدولي إلى تقديم تبريرات دبلوماسية ضعيفة لتفسير تقاعسه، مثل الحديث عن "احترام السيادة الوطنية" أو "عدم التدخل في الشؤون الداخلية". هذه التبريرات تتجاهل تمامًا أن حماية المدنيين تُعدّ مسؤولية ذات أولوية على المستوى الدولي، وأن جرائم الحرب والإبادة الجماعية لا يمكن القبول بها أو التغاضي عنها تحت أي ظرف.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها منظمات حقوق الإنسان الدولية في توثيق جرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة في سوريا، إلا أن ردود فعل المجتمع الدولي بقيت محدودة وضعيفة. التصريحات المليئة بالإدانة والتحذيرات لم تتجاوز مرحلة الكلام إلى الأفعال الملموسة التي يمكن أن توقف العنف أو تحمي السكان المدنيين. نتيجة لذلك، يشعر السوريون بخيبة أمل عميقة تجاه المجتمع الدولي، الذي ودّعهم في أكثر لحظاتهم قتامة.
هذا الشعور المتنامي بفقدان الثقة يزيد من وتر الإحباط واليأس بين الناس، ويفتح الباب أمام انتشار التطرف والعنف. إن استمرار تجاهل المجتمع الدولي للأوضاع في سوريا وصمته إزاء الجرائم المرتكبة هناك لن يمر دون عواقب مدمرة. الأمر ينذر بترك أثر دائم على الأجيال المقبلة، مزيدًا من ترسيخ مشاعر الظلم والرغبة في الانتقام، مما يجعل تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة تحديًا أصعب بكثير.
ينبغي على المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم وجاد لمحاسبة الذين ارتكبوا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، حيث يشكل ذلك خطوة أساسية نحو استعادة العدالة والكرامة لضحايا هذه الجرائم. وتجب المبادرة الفورية لاتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين السوريين، بدءًا من إنشاء مناطق آمنة توفر لهم الأمان من القصف والعنف، مرورًا بضمان تقديم المساعدات الإنسانية التي تلبي احتياجاتهم الأساسية وتخفف من معاناتهم المستمرة.
كما أن الحل السياسي الشامل للأزمة السورية يظل هدفًا محوريًا لا غنى عنه، ويتطلب تعاون المجتمع الدولي لضمان تحقيقه. لا بد أن يكون هذا الحل قائمًا على أسس العدالة واحترام حقوق الإنسان، وأن يضع في اعتباره المصالحة الوطنية التي تسعى لترميم النسيج الاجتماعي الممزق وضمان مستقبل أفضل لجميع السوريين دون تمييز.
إن عبء التاريخ يشهد على سنوات طويلة من الصمت والتخاذل الدولي تجاه المجازر والانتهاكات التي ارتُكبت داخل سوريا. وإذا استمر هذا الصمت، فسيُدَوَّن في صفحات التاريخ إخفاق المجتمع الدولي في حماية الأبرياء وتحقيق العدالة لهم، وهي مسؤولية أخلاقية لن يستطيع أحد التملص منها.
نحن اليوم أمام لحظة حاسمة تتطلب منا جميعًا أن نختار المسار الذي سنتبعه بوضوح وجدية. إما أن نصطف مع العدالة والإنسانية، ونبذل جهودًا حقيقية لصنع فرق إيجابي يغير الواقع المؤلم، أو نجعل أنفسنا شركاء ضمنيًا في حالة اللامبالاة التي لا تؤدي إلا إلى تعميق الظلم وتعزيز أنظمة القهر. هذا القرار ليس مجرد موقف سياسي، بل هو امتحان جوهري لقيم الإنسانية وشراكتنا في بناء عالم أكثر عدلاً وكرامة للجميع.
مالمو
2025-03-12
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟