الطاهر كردلاس
الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 08:16
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة تحكى ما وقع بمرارة ونغص.. فوقع ما لم يُتوقَّع..
"حين احترق الغرابُ في عشِّ الفينيق المستفيق"
في بقعةٍ مكبلة بالزمن الرديء، ولكنها منغرسة في التاريخ، وعند تخومِ الأسطورةِ والواقع القميء، كان هناك عشٌّ من نار وكبة لهب، لم تكن نارًا عاديّة، بل لهبًا وُلد من رمادِ الأجداد وعبق التراث، كلما حاولَت الريحُ أن تُطفئه، استعرَ أكثر، كأنّه يتغذّى على محاولاتِ خنقه. كان هذا العشُّ بيتَ الفينيق، الطائرِ الذي لا يموت، والذي تعلّم كيفَ يولَدُ كلّما حاصرتهُ ألسنةُ الفناء وتكالب الجيف..
وفي إحدى الليالي، حينَ كان الفينيقُ يرفرفُ فوق أنقاضِ الأزمنة، أقبلَ غرابٌ معدنيٌّ أسود، محمولًا على أجنحةِ العواصفِ المصنوعةِ من الدخان. لم يكن غرابًا حقيقيًّا، بل مزيجًا من النارِ والحديد، ينعقُ بلغةِ الحربِ، لا يعرفُ إلا الحرقَ والتدمير. نظرَ إلى العشِّ المتوهّج، ورأى فيه تهديدًا لوجودهِ، فقرّر أن يُسقِطَ عليهِ المطرَ المدرار.. لكن ليس المطرَ الذي يروي الأرض، بل مطرًا من نارٍ ، تُطفِئ الحياةَ بدلَ أن تُحييها وتجلب البوار.
انقضَّ الغرابُ المعدنيُّ على العشِّ بجنون، نفثَ لهبًا أسودَ كأنه ظِلُّ الموت، وظنَّ أن الفينيقَ لن يستطيع أن يخرجَ من الجحيمِ الذي صنعَهُ له. لكن ما لم يفهمهُ الغراب، هو أنَّ الفينيقَ لم يكن يهابُ النار، بل كان يُبعَثُ منها!
احترقَ العشُّ، وصار رمادًا، لكن قبل أن يختفيَ اللهب، ارتفعَ من وسطهِ جناحٌ أحمرُ من نور، وخرجَ الفينيقُ من جديد، أكثرَ توهّجًا، أكثرَ تصميمًا على البقاء. صرخَ الغرابُ في خوفٍ، لأنه أدركَ أنَّ الحربَ مع كائنٍ يولَدُ من موتهِ هي حربٌ بلا نهاية. هي حتفه هو.. وربما نهايته المحتومة..
حينها فقط، ولأولِ مرةٍ، تساءل الغرابُ بصوتٍ مرتجف:
"ماذا لو كنتُ أنا الذي يُحترِقُ في النهاية؟ سأستنجد بالنسور والصقور والفهود والنمور.."
لكن كل استنجاداته باءت بالفشل.. فقد قُلِّمت أظافرها وأنيابها، والفينيقَ قد عادَ إلى الطيران والتحليق والانقضاض بعزم أشد، والعشُّ كان قد بدأ يتشكّلُ من الرمادِ من جديد…
#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟