أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - يوسف المنياوي - لعبة التوازنات والقتل على الهوية في الساحل السوري















المزيد.....


لعبة التوازنات والقتل على الهوية في الساحل السوري


يوسف المنياوي

الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 18:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أعلن أمس المتحدث باسم وزارة الدفاع التابعة للإدارة الجديدة الحاكمة في دمشق، انتهاء العمليات العسكرية في الساحل السوري بعد نجاحها في إبعاد “فلول النظام السابق” من المراكز الحيوية، تلك العمليات التي بدأت يوم الخميس 6 مارس 2025، والتي تخللها اعتداءات طائفية موجهة نحو مدنيين، وثق بعضها مراكز حقوقية، حيث يتحدث المرصد لحقوق السوري عن مقتل حوالي ألف مدني، بجانب مقتل ما يقارب 250 من بقايا النظام السابق، و231 من القوات التابعة للإدارة الجديدة. تلك الأحداث المأساوية التي انفجرت بعد وصول تعزيزات عسكرية إلى الساحل السوري، اللاذقية وطرطوس وضواحيها، بهدف توقيف أحد الشخصيات من الطائفة العلوية، أعقبه كمين نصبه مجهولون قُتل فيه 16 عنصرًا أمنيًا أغلبهم من “هيئة تحرير الشام”.

الأرقام الحقيقية لضحايا تلك الأحداث المأساوية لم تُعرف بعد، على الرغم من تصريحات مراكز حقوقية عن 39 مجزرة، قُتل فيها أسر بأكملها على أسس طائفية. في حين تصور الإدارة الجديدة والدوائر الإعلامية الداعمة أحداث الساحل السوري باعتبارها انقلابًا نظمه “فلول النظام السابق”، وكان لا بد من مواجهته، واعترف أحمد الشرع، رئيس الإدارة الجديدة ضمنًا بحدوث اعتداءات على مدنيين، لكنه بررها بأن النظام السابق “ولد جروحًا من الصعب أن تندمل”، وأن من قام بهذه الاعتداءات عناصر غير منضبطة، شاركت مع القوات الأمنية في حملتها العسكرية! ووعد بلجنة لتقصي الحقائق تصدر تقريرها بعد شهر.

ما حدث خلال الأيام الخمسة الماضية له سوابق نبهت لها مجموعة من القوى اليسارية والديمقراطية السورية بعد أقل من ثلاث أسابيع فقط من سقوط نظام الأسد، حيث تحدث البيان الصادر في 28 ديسمبر 2024، عن انتهاكات خطيرة ترتكبها “سلطات الأمر الواقع الجديدة تحت ذريعة ملاحقة فلول النظام البائد”. حيث وقعت اعتداءات ممنهجة ضد مدنيين عزل، تبدو في صورة انتقام جماعي على أسس طائفية، وطوال الأشهر الثلاثة الماضية، لم تتخذ الإدارة الجديدة أي إجراءات لوقفها، والآن تنفجر في شكل مجازر موثقة.

السؤال الآن، ما هي مخاطر تطور التوترات الطائفية في سوريا؟ ما هي مخاطر انقسام سوريا؟ هل يمكن للإدارة الجديدة أن تتخذ إجراءات توقف هذا المسار الكارثي؟
إن انفجار أحداث الساحل السوري مؤشر خطير على أولويات الإدارة الجديدة، التي يهمها في المقام الأول تدعيم سلطاتها وقوتها، أكثر من خلق وحدة وطنية لبناء نظام جديد يحقق أحلام السوريين في مستقبل أفضل. إن سقوط بشار الأسد، كأحد تداعيات الضربات التي وُجهت لمحور “حزب الله-إيران-بشار الأسد”، ووصول أحمد الشرع في ظل تفاهمات إقليمية ودولية إلى حكم سوريا، بشكل يبدو سلسًا نسبيًا، ودون معارك حقيقية من قوات النظام السابق، بشكل فاجأ الجميع، يؤشر إلى أن نظام الأسد كان من الهشاشة والضعف، الذي يجعل الحديث عن انقلاب من “فلول النظام السابق” في الوقت الحالي مبالغًا فيه، الحديث الذي يشكل غطاءً أيديولوجيًا لسياسات انتقامية لها أهداف أخرى. هذا لا ينفي تواجد بعض الشخصيات من النظام السابق تحاول حماية أنفسها باستخدام مليشيات مسلحة، والتي كان من الممكن ضبطهم ومحاكمتهم دون قتل وترويع المدنيين العزل، الذين هم أغلب الضحايا.

لفهم المشهد السوري الحالي وإدراك المخاطر القائمة، من الضروري تحديد أولويات النظام الجديد، الذي يبدو كنظام براجماتي يستند إلى التوازنات الإقليمية والدولية لنيل شرعية “خارجية” تضمن استمراره في الحكم. في الوقت نفسه، يحرص هذا النظام على احتكار السلاح والتخلص من القوى المنافسة ذات القدرات العسكرية أو تحييدها على الأقل، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

في حين تتجنب الإدارة الجديدة الإشارة إلى إسرائيل واعتداءاتها المستمرة على الأراضي السورية، فإنها واصلت إطلاق تصريحات حادة وصارمة ضد قسد، مطالبةً إياها بإلقاء سلاحها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وصولًا إلى توقيع اتفاق الشرع وقسد في 10 مارس. كما تستمر تصريحاتها العدائية ضد ما تسميه “الفلول” والقوى الخارجية، في إشارة إلى إيران والحشد الشعبي في العراق. وربما يكون هذا الخطاب ضروريًا للحفاظ على التفاف الفصائل المسلحة حول الإدارة الجديدة، خاصةً أنها ذات خلفية سلفية وخاضت معارك طويلة خلال الثورة السورية ضد نظام الأسد وقوات حزب الله الداعمة له، وكذلك ضد قسد، في إطار المصالح التركية.
رغم أننا تعودنا أن قضية فلسطين كانت جزءًا أساسيًا من خطاب تيار الإسلام السياسي في العالم العربي وكذلك الخطاب الجهادي على مدار نصف قرن، حيث تم استخدامها لكسب أنصار لتلك التيارات، إلا أننا لم نجد موقفًا واضحًا مُعلنًا ضد إسرائيل من قبل تلك الفصائل المسلحة التي خاضت معارك طوال ثلاثة عشر عامًا من الثورة السورية، ولا حتى بعد سقوط بشار الأسد، منذ ثلاثة أشهر، رغم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني ورغم الاعتداءات على الأراضي السورية. الأمر الذي قد يبرره البعض باعتباره سياسة مرحلية يفرضها عدم قدرة الإدارة الجديدة على الخوض في معارك متعددة في نفس الوقت. لكن الأمر له وجه آخر، وهي طبيعة موازين القوى للدول الإقليمية التي سمحت ومولت تلك الفصائل طوال السنوات الماضية.

إن سُلَّم أولويات حكومة الشرع وإدارته تحدده التوازنات الإقليمية والدولية التي جاءت به على رأس السلطة، وكذلك القوى الإسلامية الملتفة حوله. لا يجب تجاهل موازين القوى تلك عند تحليل المشهد الحالي، خاصة بعد إعلان انضمام أحمد الشرع للنظام الرسمي العربي في قمة القاهرة، المنعقدة في 5 مارس الحالي، قبل يوم من انفجار الوضع في الساحل السوري، الذي كان خطاب الشرع فيه صورة نموذجية لخطاب “النظام السوري السابق”، ملتزماً باتفاق فض الاشتباك لعام 1974. هكذا دشنت الإدارة الجديدة نفسها جزءًا من هذا النظام العربي المعادي لمحور إيران-حزب الله، المهادن لإسرائيل، الراغب في رضا الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكل ما يتمناه هو إزالة العقوبات في إطار من التفاهمات مع تلك الدول.

هناك مخاطر حقيقية، باشتعال الموقف وتهديد وحدة الأراضي السورية، بسبب تلك التوازنات التي جاءت بالشرع إلى السلطة، فالفصائل المسلحة الملتفة حول الشرع، تتبنى تصورات طائفية عن الشيعة والعلويين، وكذلك الأنظمة العربية الداعمة له تعمل فقط من أجل استمرارها في سدة الحكم، وليس لديها أي مانع من إشعال المنطقة في نزاعات مسلحة طالما تحقق استمرارها في السلطة بهدف قمع الثورات، وخير مثال على ذلك التدخلات الخارجية في الثورة السورية طوال ثلاثة عشر عامًا، وكذلك السودان، وليبيا، واليمن وغيرها.

أما النظام الحاكم في تركيا، الذي يعتبر الشعب الكردي العدو الأول للدولة التركية، فقد حرصت الفصائل المسلحة “السورية” المدعومة من أنقرة على استهداف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بشكل مستمر، حتى أثناء الزحف الأخير نحو دمشق في ديسمبر 2024 بهدف إسقاط بشار الأسد. وظلت تلك الفصائل تشن هجماتها على المناطق الكردية دون توقف، فمصالح الدولة التركية لها أولوية خاصة أهم من أي اعتبار آخر. وكما رأينا، كان هناك موقف متعنت من قبل الإدارة الجديدة ضد مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في الحوار الوطني قبل إلقائها السلاح.

إن تعقيدات القضية الكردية ومعاناة الأكراد الممتدة على مدار ما يزيد على قرن من الزمان، تجعل حل تلك القضية مسألة أساسية أمام أي نظام جديد، تتطلب مراعاة الحقوق القومية والثقافية، مع أهمية الوحدة بين مختلف مكونات الشعب السوري، الأمر الذي يتطلب التخلص من أي خطابات طائفية أو عرقية، وضمان حقوق متساوية للجميع في ظل حرية ممارسة العمل السياسي والنقابي، وهو ما لا يبدو ضمن أولويات الإدارة الجديدة، حتى الآن، التي تعمل وفق توازنات إقليمية، قد تتناقض مع مصالح الشعب السوري ومكوناته المختلفة.

ربما كان الاتفاق الذي وقع يوم 10 مارس الجاري بين أحمد الشرع وقسد، والذي يسمح، حسب ما تم تداوله، لقوات الإدارة الجديدة بالدخول إلى المناطق الكردية، جزءًا من التوازنات الإقليمية والدولية، في ظل التحالف بين قسد والولايات المتحدة الأمريكية. إن تفاصيل الاتفاق الأخير لم تتضح بعد، لكنه يبدو اتفاقًا مؤقتًا، قد يكون مرتبطًا بالأحداث الأخيرة في الساحل، وقد يكون من تداعيات دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان من سجنه في تركيا في فبراير الماضي، لتخلي الفصائل الكردية عن السلاح وحل حزب العمال الكردستاني نفسه.

ما يزيد المشهد السوري تعقيدًا هو غياب التنظيمات السياسية بسبب قمع نظام الأسد على مدار خمسة عقود، والعنف الدموي خلال الثورة السورية من جانب، وتسليح الثورة والتدخلات الخارجية من جانب آخر، فكانت الكلمة العليا للسلاح وليس للجماهير السورية التي ثارت في 2011 ضد النظام. إن الاعتداءات الطائفية التي جرت في الساحل السوري، والتي انفجرت خلال الأيام الماضية، لا يمكن تفسيرها فقط بأحقاد ولدتها سنوات من قمع نظام الأسد (العلوي)، كما يزعم أحمد الشرع، ولا فقط بالخطاب الطائفي للفصائل المسلحة الملتفة حول أحمد الشرع بحكم بنيتها السلفية، بل إن الأمر مرتبط في الأساس بسلطة أمر واقع جاءت في ظل توازنات إقليمية ودولية هي من تحدد أولويات للسلطة الجديدة ليست من ضمنها حل المشاكل الحقيقية التي تواجه الشعب السوري، من فقر وبطالة واحتلال وتهديد مستمر من قبل إسرائيل، التي تعمل يوميًا لفرض واقع جديد في جنوب سوريا. بجانب غياب العدالة الانتقالية والرقابة الشعبية، التي تضمن محاسبة المجرمين في حق الشعب السوري.

الأيام القادمة قد تكون اختبارًا مهمًا لكيفية تفاعل تلك التناقضات. فرغم وحشية المجازر التي وقعت، فربما تلعب دورًا في التنبيه لأهمية الوحدة ونبذ الخطابات الطائفية وضرورة العمل السياسي الجدي لمواجهة المشاكل الحقيقية، فالآمال ما زالت قائمة في نهوض القوى الفاعلة في المجتمع السوري بتنظيم نفسها، وفرض واقع جديد يعبر عن آمال الجماهير التي خرجت في عام 2011 لتصنع مستقبلًا أفضل.



#يوسف_المنياوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة التوازنات والقتل على الهوية في الساحل السوري


المزيد.....




- اجتماع وزاري عربي بالدوحة لبحث تمويل الخطة العربية بشأن غزة ...
- زيلينسكي يتحدث عن خط أحمر لن تتجاوزه كييف في مفاوضات السلام ...
- فريق الطوارئ الأمريكي ينقذ مسنا مفقودا بوساطة مروحية
- الاعتداء على سوريين مقيمين في العراق
- ترامب يروج لـ-تسلا- ويحول البيت الأبيض لمعرض سيارات
- السلطات الباكستانية تعلن تحرير رهائن -قطار جعفر- وإنهاء العم ...
- زيلينسكي: وافقنا على هدنة الـ30 يوما لتحقيق السلام وأريد أن ...
- حماس: -إسرائيل تستخدم الحصار الإنساني على غزة كسلاح- ومنظمة ...
- انتهاكات متصاعدة في الساحل السوري: حصيلة الضحايا المدنيين تر ...
- الرسوم الأمريكية: شولتس يرحب بالرد الأوروبي ويدعو لحل توافقي ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - يوسف المنياوي - لعبة التوازنات والقتل على الهوية في الساحل السوري