بهاء الدين الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 17:51
المحور:
الادب والفن
نجيب محفوظ ومشروع عصر
جاء نجيب محفوظ كأبن شرعي لحركة التنوير المصرية وبالتالي أنه ولد 1911 وتخرج عام 1934 من كليه الآداب جامعة القاهرة وبالتالي جاء وعي نجيب محفوظ محفوفا بحكايا الأباء والأخوة والجدات حول ثورة 1919 وبالتالي أشترك مع مصطفى أمين في أن الثورتين شكلت وعيهما من خلال أن الأول إنتاج لذلك المجتمع الشعبي المقيم في حي الجمالية حيث بؤرة التجمع الخاصة بمصر وطبيعة الطبقة الوسطى التي تأوي إلى مسجد مولانا الامام الحسين خاصه مع فكرة حب المصريين لأل البيت وبالتالي إتساع مساحة الأسطورة حيث الإستسلام لفتنة الحكي المصاحبة لبدايات الطفولة الأولى في واقع لا يؤمن إلا بالولاية والكرامات الخاصة بالأولياء وبالتالي جاءت تلك المسألة كبداية لفكرة الإلتباس الذي قابل نجيب محفوظ عندما كان دارسا للفلسفة في جامعة القاهرة حيث جاءت الفلسفه كمرحلة ثانية وبالتالي نما في وعي نجيب محفوظ ذلك الوقود المعرفي الخاص بفكرة الإسطورة المؤدية لفكرة الدين ،وفكرة الدين هنا ملتبسة بالفهم الشعبي بعيدا عن فكرة المتون خاصة وأن قطاع كبير من مشايخ الأزهر كانوا من أنصار فكرة الصوفية وكرامات أهل البيت وفي قضية أل البيت، ما هي المساحة ما بين فكرة الأشخاص وفكرة الدين المجرد وهي مساحة ملتبسة ، هنا يبدو مفهوم غامض جديد تبلور مع ثورة 1919 ولكنه مفهوم قابل للتعقيل من خلال مساحة الوعي الذي قابله وتعلمه نجيب محفوظ في قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة القاهرة ومن هنا ظهرت المشكله التي عاناها نجيب محفوظ عبر جميع إبداعاته وهي مشكلة الفرد ومسؤوليته عن إفساد المجتمع وكذلك مشكلة المجتمع وقدرته على تشكيل عقلية وأداء الفرد والعلاقه الجدلية القائمة بينهما.
ولما كانت هموم الكاتب مرتبطة بطبيعة البيئة التي نشأ فيها ونما فيها وعيه وتفاعل فيها مع أشخاص مؤثرين ومن حاز على دور إجتماعي معين أو لم يحز كل هذه أمور تشكل القضايا الوجودية والهامة لدى المبدع.
ومن هنا جاء التنوع في أدب نجيب محفوظ ولكن الأشد ابداعا فيه هي الثلاثيه وأولاد حارتنا وهما العملان اللذان أثارا جدلا كبيرا حيث تلازم ذلك العملان مع فكرة الازمة والمشروع الفكري الذي قدمه نجيب محفوظ حيث تكون وعيه على مجموعة الأساطير الدينية المرتبطة بسيدنا الحسين ومجموعة المريدين المقيمين حوله ذلك هؤلاء هم المدعمون بفكرة التراث الديني ذي البعد الصوفي المتسامح عبر التاريخ والذي يتعامل مع فكرة أسطورية مجردة حيث إرتباط الدين بفكرة الأسرة وهي فكرة مصرية قديمة حيث إرتبطت أزوريس بإيزيس بإبنهما وبالتالي تكونت أسطورة إيزيس كعقيدة دينية مرتبطة بالأسرة وإنعكس ذلك البناء الاسري كفهم رئيسي للدين على فكرة الحسين والسيدة زينب كأسرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ما علاقه كل ما سبق بنمط إنتاج نجيب محفوظ؟ تأتي الإجابة بإستطلاع الطبيعة الموضوعية لإنتاج نجيب محفوظ حيث جائت الحرافيش درة إنتاج نجيب محفوظ وهي مرحلة تحول مفهوم الشعب من مفهوم أولاد العرب أو الزعر إلى مفهوم الأفندي ومفهوم المجتمع ومفهوم الفتوة ومفهوم المعلم ومفهوم الطوائف وهي ملحمة تعكس نمط تطور مفهوم الشعب في العصر الحديث وهو مبحث سوسيولوجي خاص يقابله هلامية النشأة أو عدم تحديد النشأة لعاشور الناجي وتبني ذلك الصوفي المقيم في مقامه لذلك العاشور ليكتسب العاشور دوره أو وجوده من فكرة الدين الشعبي وكذلك فكرة خضوع ذلك التجمع الشعبي الغير مقنن والقائم على الحراك غير المنظم إلى فكرة المجتمع فلم يعد الحرافيش مجموعة أشياء مهمشة بل تحولوا إلى عناصر أساسية في بناء المجتمع المصري مع نمط الوعي المرتبط بثوره 1919 وفكرة الإستقلال وبالتالي كانت تلك البنية المجتمعية المتمثلة في مجموعة البشر المقيمين على تلك الأرض وحاجتهم لإثبات إنسانيتهم وبذلك ظهرت الحاجة الإنسانية لمفهوم التحضر وبالتالي إعطاء المعنى الانساني لمفهوم القوة بدلا من المعنى الوحشي القائم على السيطرة البدنية وهنا لب الإبداع في شخصية عاشور الناجي، ويأتي البعد التسجيلي لدى نجيب محفوظ من خلال عدة ملامح متعلقة بمراحل السرد الثلاثه وهي القصة الغلف: المادة الرئيسية للحدث والتي تتميز بنمط خطي متصاعد ،وكذلك القصة :وهي الترتيب الذي نما في وعي المبدع وكذلك ما استلفت نظر المبدع في تلك الحدوته التي كانت قائمه، ثم جاء النص كخطاب إجتماعي يعكس فكرة المترادفات الخاصة باللغة والسياق والعلاقة ما بين الأشياء وإعلاء شخصيات على شخصيات كجزء متبقي من فكرة القصة، هنا فكرة الخطاب الروائي الذي أراد نجيب محفوظ تقديمه عبر مجموعة الحرافيش وباقي أعماله ومن هنا نستطيع القول أن نجيب محفوظ هو المؤرخ الشعبي لثوره 1919 من خلال سرده لتطور مفهوم الشعب المصري وهو يتوازي في ذلك مع مصطفى أمين الذي سرد يوميات ثوره 1919 من واقع مشاهداته العينية في كتابه من واحد الى 10 وأجزائه المتتالية لأحداث الثورة من خلال طفولته في بيت سعد باشا زغلول حيث كان يقيم هو وأخيه علي أمين في بيت الأمة حيث كان مثل جده من الأم سعد زغلول، ونعود إلى الطبيعة البنيويه لنجيب محفوظ كموظف في وزاره الاوقاف حيث يرصد، وهنا المهارة عند نجيب محفوظ والروعة حال الموظفين ما بين عهدين حيث يرصد هذا في السمان والخريف، وكذلك حضرة المحترم وهي أعمال تعكس فئة معينه من ذلك الشعب الذي إهتم به نجيب محفوظ وثقافة تلك الفئة وقدرتها على إحداث حراك إجتماعي يليق بدورها المفروض عليها وغياب ذلك الدور مما أدى إلى قطيعة معرفية ما بين هؤلاء الموظفين وواقعهم الإجتماعي وأدى إلى وجود سلوك إنتهازي أدى إلى خلق وئد معرفي عبر التاريخ الإجتماعي.
ولكننا هنا بصدد نجيب محفوظ على مرحلتين : نجيب محفوظ الذي يتكون وعيه وفق معطيات ما قبل 52، ونجيب محفوظ الذي ساد وأصبح رائدا ما بعد 1952 ونحن هنا نسعى لتتبع درجات الوعي لدى المبدع وقياس ذلك الوعي وانعكاسه في على فكره الإبداع حيث أبدع ما قبل 52 الثلاثيه ثم الحرافيش وما بعد 52 السمان والخريف وكذلك ميرامار لنستطيع القول أن نجيب محفور هو عينه ما قبل 52 على احداث 52 وتاثيرها في الواقع المصري.
والدليل الابرز على ذلك نهايه الثلاثية ب 1952، فلما كان المنظور النقدي لنجيب محفوظ أنه متعدد الاستجابات لتطورات الاجتماعيه وانه عبر عن جيله سواء من حيث التعبير المباشر أو من حيث التعبير الريادي خلاصة الامر هنا أنه جيل يحكم على جيل حيث القطيعة المعرفيه ما بعد نهايه الثلاثيه ليكون الامر دليل على تاريخ الوعي المصري وهنا يكون نجيب محفوظ رائدا ثقافيا وليس فقط مجرد مبدع يتم تناول أعماله على مستوى إجادته للأدوات المنهجية داخل ذلك العمل وهي الرواية حيث بناء الشخصيات وما إلى ذلك من أنماط النقد المدرسي، هنا يصبح النقد لنجيب محفوظ نقدا سياسيا قادر على طرح السياق المجتمعي من خلال الإنتاج القصصي لنجيب محفوظ.
#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟