سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 13:11
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
اسم الكتاب: في خط النار
المؤلف: جوليانا سيغرينا
إصدار دار ليوبارد للنشر
ترجمته الى السويدية مارغريتا زترستروم
تعد الصحافية الإيطالية جوليانا سيغرينا, المحررة في صحيفة منفستو اليسارية, واحدة من ألمع الصحافيين الذين قاموا بمتابعة الصراعات المسلحة في مناطق عديدة من العالم.
وقد تميزت هذه الصحافية عن غيرها بأمر خاص, هو اهتمامها بالبعد الاجتماعي للنزاعات المسلحة, وعلى وجه التحديد بمشاكل المرأة ومعاناتها إبان الحروب. كما أنها صحافية تتحلى بموقف ثابت, وشجاعة فكرية تجعلها لا تخفي مواقفها المعادية للحرب والاحتلال, والمؤيدة لحق الشعوب في الحرية والاستقلال والتقدم.
في الرابع من فبراير 2005 اختطفت سيغرينا من قبل مجموعة مسلحة, مجهولة الهوية, حينما كانت تقوم باجراء تحقيق صحافي مع بعض مهجري مدينة الفلوجة. لبثت سيغربنا رهينة لدى مختطفيها, فشغلت قضيتها الرأي العام العالمي كله لأربعة أسابيع, حتى يوم إطلاق سراحها من قبل مختطفيها في 4 مارس 2005. لا أحد يعرف حتى الآن الخفايا المتعلقة بصفقة إطلاق سراحها, لكنها وقعت في لحظة تمتعها بحريتها في كمين عسكري أميركي, على طريق مطار بغداد, أدّى الى مقتل ضابط أمن ايطالي مكلف بحمايتها وإصابتها إصابات خطيرة, لذلك حمل كتابها تسمية " نيران صديقة". وقد ترجم الكتاب فور صدوره الى لغات أوروبية عديدة, وحمل أسماء عديدة, منها "كمين في بغداد" بالفرنسية, و "عند خط النار" بالسويدية. والعناوين جميعها تشير الى الجانب العنفي ( الإثارة) من الحدث. لكنها تفتقر الى دقة العنوان الأصلي, الذي يشير الى عنصرين: الأول, توجيه الاتهام الى جهات محددة, مسؤولة عن إطلاق النار. والثاني, النبرة التهكمية في استعارة العبارة المازوخية السادية, التي أذاعها الإعلام الأميركي: " نيران صديقة". وهي عبارة, لها دلالات ثقافية تاريخية خطيرة. فهي تشي بخجل تلك القوات من عار الموت على يد الأعداء, وتفضيل الموت على يد الأصدقاء! لكي لا يكسب العدو نصرين: قتل جندي في معركة, ونتائج الإعلام المرافق للحدث. فالموت بنيران صديقة يعلن عن حادثة القتل حسب, لكنه يجرد الخصم حق التمتع بفوائد الخبر الإعلامية. وهذا الميل الإعلامي المرضي, صورة جديدة من فصول التربية العدوانية الحديثة, الموجهة ضد الشعوب الأخرى, تسعى الأجهزة العسكرية الأميركية الى زرعها في نفوس الناس, كنوع من مشاعر تفوق الرجل السوبرمان, الأميركي وحلفائه, على أمم وجماعات ثقافية وعرقية أقل شأنا. ولهذا فإن تجريد الكتاب, تجاريا, من عنوانه الأصلي, يعني تجريده من بعض رسائله, منها رسالة الكتاب الأساسية: الوقوع في كمين أعده الأصدقاء " المتحضرون", في لحظة تخلصها من براثن الأعداء "الارهابيين". والمغزى السياسي لهذا الكمين العسكري أهم جوانب كتاب سيغرينا.
وعلى الرغم من أن كتاب سيغرينا حوى القليل من الحقائق والمعلومات والأفكار الجديدة, والكثير من العجالة في نقل التجربة, إلا أنه عمل صحافي استثنائي, بكل ما تحمله كلمة استثناء من دلالة. واستثنائيته لا ترتبط بحسن مضمونه أو بسوئه, أي لا تنبع من طبيعة ما هو مكتوب فيه, وإنما تنبع من الإشكالات السياسية المحيطة به, بصرف النظر عن مستوى النص فكريا وفنيا.
عبارتان صغيرتان في الكتاب تثيران الفضول, أكثر من أي شيء آخر فيه. العبارة الأولى افتتحت سيغرينا كتابها بها, أما الثانية فقد اختتمت بها الكتاب. والعبارتان هما مجموعة من التساؤلات أو الهواجس, صيغت في هيئة قلق نفسي وعقلي, يتعلق بمصيرها كفرد. لكنه قلق مثقل بالألغاز يعبر المساحة التي تفصل الفردي ويصل الى العام السياسي. وفي تقديري, يتعدى أيضا حدود الحدث الخارجي, العلني: الاختطاف وإطلاق النار, الى البعد الداخلي, الخفي: صراع أجهزة المخابرات على أرض العراق. وهنا تكمن أخطر مواقع الكتاب, التي جعلتنا نصفها بالاستثنائية.
ترى سيغرينا أنها تعرضت الى نكسة مضاعفة. فقد تعرضت الى اختطاف, ولكن من قبل أشخاص أيدت قضيتهم. وفي حقيقة الأمر تعرضت سيغرينا الى سلسلة من عمليات الاختطاف, مرة على يد المختطفين في بغداد, وثانية على يد القوات الأميركية, وثالثة على يد الناشرين الأوروبيين وأجهزة الإعلام.
لماذا انا بالذات؟ سؤال تبدأ وتختتم به سيغرينا كتابها, ولا تنفك تكرره, من دون أن توفق في البحث عن جواب له. ففي حزمة تناقضات الواقع العراقي يكون مثل هذا السؤال, في قضية ملتبسة كقضية سيغرينا, ضربا من الألغاز المبهمة! ولكن الواقع العراقي, وتراث حزب البعث, يجيباننا عن ذلك, لو أمعنا النظر فيهما جيدا. فاليسار, في التراث المخابراتي البعثي, مصدر تسريب للخلايا النائمة والنشطة. لقد اعتادت أجهزة المخابرات البعثية التقاط "متعاونين" من بين صفوف اليسار. ولهذا السبب لم يغب عن حسابات هذا الجهاز التشكيك في احتمال وجود يساري, متطرف في حماسته, غير هياب الى حد التهور, كسيغرينا, لا يتمتع بحماية , ولو خفية, من قبل من يمسك بمقاليد الأمور, في أرض تحرسها الدبابات وطائرات الأباتشي. ولهذا أيضا بدت سيغرينا, مضطربة الأفكار, كصحافية, لا كمختطفة, حينما جعلت مختطفيها أشبه بالأغبياء, لا يعرفون من هي, وماذا تكتب ولمن تكتب. فهي تقول إنها وقفت حائرة أمام الاتهام الذي وجهوه اليها: هل أنت شيوعية؟ وراحت تتساءل: أيهما أفضل لها, في عيون مختطفيها, لو أنها شيوعية أم أنها تابعة لجماعة مسيحية؟
لايعرف المرء هل حقا أن سيغرينا فكرت في ذلك بروية قبل أن تكتبه؟
اليسار لعبة تقليدية بعثية. والازدواج في الولاء لعبة بعثية أميركية مشتركة. لقد وقعت سيغرينا في كمين يقع عند خط اطلاق النار بين جهازين للمخابرات: الأول مهزوم يحاول استعادة قوته, على أرضه, والآخر منتصر يحاول فرض إرادته على كل ما يدب على الأرض بالقوة, وبالعنف الوحشي اللامحدود. وقد أثبتت قضية سيغرينا تفوق الأول, وتمتعه بمقدرة إرباك خصمه وإنهاكه. لكنها أثبتت, في الوقت عينه, أن الثاني على استعداد تام لاستخدام كل الوسائل من أجل فرض سيطرته, بما في ذلك حل تناقضات الازدواج بالقوة والبطش المبالغ فيه الى حد التهور والجنون, ولا مانع لديه حتى من إطلاق نيران صديقة على حلفائه.
هذا الغموض, المنطقة الخفيّة, أو النيران الخفيّة, الكامنة في تحولات القوة بين عناصر الأجهزة الاستخبارية وتبدل أدوارها, ربما يجعل صورة الواقع العراقي في ذهن قارئ الكتاب, قبل قراءته, أكثر وضوحا. فمن النادر أن نقرأ كتابا, ككتاب سيغرينا, نخرج منه بحزمة من الصور الضبابية, عن بيئة كانت أقل التباسا في وعينا قبل أن نشرع في القراءة! هل تخفي سيغرينا بعض الحقائق؟ أم أن صورة الواقع, بسبب تعقيدها وتداخل أجزائها, تغدو أكثر غموضا كلما توغل المرء في أعماقها. فالحفر في التربة العراقية المعقدة لا يجلو الغوامض, بل قد يزيدها التباسا. فقبل الاختطاف كانت صورة المشهد العراقي لدى سيغرينا أكثر بساطة, مما هي عليه في الواقع, وأكثر بساطة من الصورة التي خرجت بها عقب اختطافها. إن الواقع العراقي على درجة عالية من التعقيد لا تجدي معه نفعا التحليلات السريعة, ولا الانطباعات العابرة والأحكام المسبقة. كان على سيغرينا, كصحافية محترفة, أن تطيل التأمل أكثر, كي تخرج بحصيلة أغنى من مجرد مشاعر مضطربة, وحقائق مكررة, ومعلومات تخلو من الجدة. وسيغرينا خليقة, بخبرتها وتجربتها, لأن تصل الى حقائق أكثر عمقا. وإذا لم يكن ذلك متاحا في المدى القريب, كان الأجدر بها أن تكرس جهدها في وصف مشاعرها وانطباعاتها وتجربتها كحالة إنسانية ووجدانية تعوض نقص الحقائق. لكنها لم تفعل هذا ولا ذاك. أهو إغراء النشر؟ ربما, وربما غير ذلك أيضا.
لقد جرى تقاسم جهاز المخابرات العراقي من قبل ثلاث جهات وتم تحاصصه على الشكل التالي: قسم أصبح من نصيب الأميركيين, يعمل باستقلال مطلق عن الحكومة العراقية, ويشمل جهاز الأمن الخارجي والخلايا السرية المزروعة في جسم المجتمع العراقي, في هيئة متعاقدين أجانب أو محليين. وقسم أعيد تجميعه سرا ويخضع لتنظيمات تحت أرضية, منها ما يعرف بالمقاومة. وقسم ثالث تم استيعابه ضمن الجهاز الحكومي, الرسمي. إن القسم الأول, الأميركي, هو القسم الأكثر تنظيما وسرية وفعالية. فهو اليد الضاربة أمنيا وسياسيا, الذي يخلق الجو السياسي اليومي المناسب لإدارة الأزمات, وتحديد اتجاه التوجيه الإعلامي. فهو البوصلة الحسية, المسيّرة لاتجاه الأحداث المتعاقبة. والقسم الثاني هو القسم الأكثر صفاء وتجانسا ( من ناحية الاختراق). أما القسم الثالث الحكومي, فهو تجميع مصطنع, وهو الأكثر عرضة للاختراق من قبل الفريقين السابقين, يضاف الى ذلك تأثير أحزاب التكتل الحاكم فيه. وفي هذا الاختراق المتعدد تتجسد, بصورة واضحة, أزمة الحكومة العراقية ومأزقها, وعناصر مقتلها, وبالتالي أزمة المجتمع العراقي بأجمعه, وأزمة الأمن والقوة والعنف فيه بشكل خاص. وهنا يكمن سر الأزمة العراقية العامة, وتجليها العياني.
بعد صدور الكتاب تقدمت أفكار سيغرينا خطوة باتجاه الحقيقة, حينما صرحت للصحافة عند استضافتها في مكتبة العالم الثالث بالجزائر, بأنها لا تستبعد أن يكون مختطفوها من أتباع صدام حسين، ورأت أن سبب اختطافها سياسي خالص, يهدف الى خلق تعاطف عالمي يساند "الطرف السنّي في العراق".
لكن هذا التقدم لم يضيف شيئا, فقد بهتت قضية سيغرينا, وتقدم مشروع القتل اليومي, بخطوات عملاقة, وابتلعتها دوامة العنف اليومي العراقية, التي تجدد ثوبها, بشكل دوري, منتظم, مدروس, كل ستة أو أربعة أشهر. فالثابت في المشهد العراقي هو موت العراقيين. أما صور وأشكال وأقنعة الموت, فهي متجددة بشكل مثير للدهشة. فما أن يسقط الزرقاوي السني حتى يكتشف المكتشفون زرقاويا شيعيا, والذي يكتشفه نيابة عن الأميركيين هم اليسار دائما! وما أن يسقط الزرقاوي حتى يظهر المصري, ثم الأربيلي, ثم الليبي واليماني, وهكذا تتجدد الصورة. لذلك يتساءل كثيرون, متندرين, عن سر اختفاء ابن لادن, المؤقت, فقد طالت فترة إجازته الخريفية!
وإذا تركنا الجانب العسكري فإن ما يثير الاهتمام في الكتاب هو الصفحات القليلة المتعلقة بمشاعر سيغرينا الشخصية كإنسان, التي تحدثت فيها عن أحاسيسها الخاصة: الوحدة والقلق والخوف, التي عانتها في الأسر. ومن الصفحات المؤثرة ما خصصتها للمرأة العراقية. وهي أكثر صفحات الكتاب إيلاما,عرضت فيها سيغرينا باقتضاب معاناة بعض النسوة العراقيات, اللواتي تعرضن للسجن على يد المحتلين ثم تعرضن لجرائم غسل العار والإغتصاب والايذاء النفسي والاخلاقي على يد المجتمع أو الجهاز الحكومي.
" افكر بمثال, ذات العينين الخضرواين الواسعتين, التي عذبت في "أبو غريب", حيث مكثت هناك ثمانين يوما, والتي رأيتها قبل يومين من اختطافي. إنها المرأة الوحيدة من هذا المعتقل المجهول, التي رغبت في رواية ما عاشته: فقد جرى اعتقالها في سجن اميركي وتعرضت للعنف الجنسي هناك , وذلك عار لا يمحى, سيطبع حياتها برمتها ويسري تأثيره حتى على بناتها. بعض النسوة اللواتي اطلق سراحهن من "أبو غريب" لجأن الى الانتحار, وأخريات جرى قتلهن".
ولكن, حتى هذا الفصل المؤلم والمؤثر, لم يحو ما هو جديد. فقد سبق لسيغرينا أن تناولت هذا الموضوع في كتابات سابقة لها. فقد سلط تقريرها, الذي نُشر في يوليو 2004, بعضا من الضوء على الجانب الخفي من معاناة السجينات العراقيات, الذي أهملته التقارير السياسية والصحافية. فقد رأت سيغرينا أن السجينات وقعن تحت اضطهاد مزدوج, من قبل السجانين, ومن قبل ذويهن, الذين أساؤوا معاملتهن, بعد خروجهن من السجن. وفي هذه الناحية, نستطيع القول بثقة مطلقة, بأن نشر صور انتهاكات حقوق المعتقلين في سجن "أبو غريب", الجنسية منها, لم يكن عديم الفائدة للجانب الأميركي. فقد أحكم الأميركيون, باحتراف تام, إغلاق أية إمكانية لأن تنجب سجونهم رمزا نسويا وطنيا كجميلة بوحيرد. وهنا يكمن الاختطاف الحقيقي المركب: اختطاف الحرية, اختطاف الشرف, اختطاف الحق في الحياة, واختطاف إمكانية البوح بالألم.
إن تميز سيغرينا باهتمامها الكبير بالجانب الاجتماعي للكارثة, والنساء بشكل خاص, قد يكون أحد الأسرار التي جذبت اليها عيون المختطفين, الذين ربما رأوا في بحثها الانساني عن معاناة النساء, معتقلات "أبو غريب" مثلا, ما يسمح, من وجهة نظر استخبارية بعثية, باحتمال ازدواج عملها. فهي ناقدة للاحتلال, لكنها في الوقت عينه تجد أن المجتمع العراقي يحمل قدرا كبيرا من القسوة أيضا على النساء. فالمرأة واقعة بين نارين, كما هي حال سيغرينا.
وفي حقيقة الأمر ان المجتمع العراقي بأسره واقع بين نارين : نار الاحتلال ونار التقاليد السياسية المهلهلة, المشبعة بالأنانية وضيق الأفق والعنف.
وعلى الرغم من أن ضحايا الحرب في العراق كثر: المرأة, والمجتمع بشكل عام, والإعلام الذي تعرض الى "اضطهادين". الأول ممثلا بالعسكرة الاعلامية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها , " هناك الآن عسكرة للمعلومات لأن الكثير من الصحافيين في العراق يعملون في الخطوط الأمامية مع القوات العسكرية. ويعني هذا اتباع تعليماتهم وممارسة الرقابة الذاتية. وهذه طريقة جديدة للتحكم في المعلومات", والثاني ممثلا باحتكار تسويق المغازي المتعلقة بالحرب الغريبة الدائرة في العراق. فالأميركيون وحلفاؤهم, خاصة الحكومة العراقية, يصرون بعناد على نفي وجود حرب أهلية في العراق, على الرغم من أن بياناتهم الرسمية تفضح كل يوم وجه حرب الأشباح هذه. لأن الإعلان عن ذلك يجرد الأميركيين من غطائهم الإعلامي: الحرب على الإرهاب. وفي حقيقة الأمر, إن ما يجري في العراق ليس حربا أهلية, وإنما هو حزمة متعددة ومتشابكة من الحروب: حرب الاحتلال, وحرب طائفية, وحرب عرقية, وحرب ميليشيات, إضافة الى الحرب الأهلية. إنها مجمع للحروب, وليست حربا واحدة. لذلك كان المواطن العراقي والإعلام أبرز ضحايا هذه الخليط البشع من الحروب. وبهذا الصدد تقول سيغرينا إن" الذين اختطفوني كانوا أناس ينتمون لما يُعرف بالمقاومة. وهم أيضا لا يريدون أن يتحدث الناس عن الواقع. في العراق، أصبحت المعلومات ضحية للحرب", كما جاء في مقالة لأونوهيتا موجومدار, نشر في موقع "وُمينز إي نيوز".
فما حدث لسيغرينا كمين مزدوج, كازدواج النيران الصديقة. كمين لسيغرينا كفرد, وكمين لليسار المضطرب, الذي فقد بوصلته بسقوط دعامته السلطوية: المنظومة الاشتراكية, فأضحى يترنح بين الاستسلام للعدو التاريخي, الطبقي, "الامبريالية الأميركية", وهذا ما نراه شائعا في الوسط اليساري العراقي, وبين تأييد قوى غامضة عند آخرين. وهو كمين للإعلام العالمي. إنها كمائن التحولات التاريخية الكبرى. ذلك ما لم تتمكن سيغرينا من الوصول اليه, لأنها كانت محتجزة وسط نيران متعددة: مسؤوليتها الأخلاقية والايديولوجية كيسارية أوروبية معادية للحرب والاضطهاد, أصدقاء حكومتها الأميركان, مسهلو مهامها السابقة من بقايا النظام الديكتاتوري, ناشرو الكتب الجشعون, القراء الراغبون في كل ما هو مثير ومسل, والغرفة الإنفرادية المعتمة والضيقة, التي قضت فيها سيغرينا شهرا مليئا بالمخاوف والقلق, إضافة الى أمور أخرى غامضة كغموض أيامنا الراهنة.
لكن الحقيقة الوحيدة الواضحة في هذه اللوحة الضبابية هي أن ما حدث لسيغرينا كان فصلا من فصول الصراع بين أجهزة المخابرات المتنافسة. ولم يكن الطعم فيه " سيغرينا" سوى وسيلة من قبل الطرفين لإثبات مقدرة الفريقين الاستخباريين المتنافسين على تأكيد ذاتهما ووضع بصماتهما العميقة على صفحة الواقع السياسي العراقي المضطرب. الأول يريد, من طريق الاختطاف وسرية تنفيذه والتحكم به, تأكيد تفوقه الأرضي, أما الثاني فكان يريد التأكيد على أنه الأقوي سياسيا, وأنه صاحب الحق الأول والأخير في إطلاق النار على من يشاء.
أهو بحث خفي عن شراكة الأعداء؟ وربما هو تحا لف الشياطين!
إنها لعنة أميركا في العراق, مهداة للبشرية جمعاء في هيئة نيران صديقة!
#سلام_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟