|
(3).. ما بعد النبوّة .. الخلافة.
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 13:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
(لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 والقرآن مسوِّغ نبوّة محمد ومرجع المسلمين . ولم يكن وقت موتِ محمد قد جُمِع إلى مكان واحد يُحفَظ فيه ، بل كان مبعثراً بين الصحابة وكتبة الوحي. ولو أنّ النبي أمر بجمعه وأشرف بنفسه على تحريره لكانت حُلّت مشاكل كثيرة مما سيقلق الفقهاء والمفسرين في قابل الأيام . فالقراءات المختلفة ما كانت لتروج ، ولكانت حُدّدت الآيات الناسخة والمنسوخة، والأهم من ذلك أنّ السور والآيات كانت لتوضع بحسب ترتيب نزولها ، كما قيل إنّ عليّاً كان قد فعل . وبحسب بعض الروايات ، فإن زيد بن ثابت ، الذي كان ثاني إثنين من كتبة النبي الأساسيين ، قد قال : أرسل إلي أبو بكر - مقتل أهل اليمامة – فإذا عمر بن الخطاب عنده . قال أبو بكر رضي الله عنه : إنّ عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة ( وهي المعركة التي خاضها المسلمون وسط الجزيرة العربية ضدّ مسيلمة المرتد ) بقرّاء القرآن، وإني لأخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (ص) ، قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك رأي عمر . والنقطة المهمة هنا أنّ عمر هو الذي رأى الحاجة إلى هذه الخطوة وأقنع الخليفة أبا بكر باتخاذها . بيد أنّ سنوات كثيرة قد مرّت قبل أن يكتمل عمل التحرير. والمؤسف أنّ النص الذي أُعِدّ في النهاية بإشراف مجموعة عيّنها عثمان لم يُرتّب بحسب ترتيب النزول . كما أنه لم يُرجَع إلى النصوص التي كانت في حوزة علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود . فوضعت السور بلا منطقٍ بحسب طولها المتناقص، في الوقت الذي كان ينبغي فيه على الأقل أن تأتي السور المكية أولاً والمدنية ثانياً . وفي الأحوال جميعاً ، فإنّ عدم إعداد النبي لجمع القرآن وتحريره إنما يشير إلى أن الموت قد جاءه على حين غرّة دون أن يحتاط أو يحترس. وثمة أدلّة على أنه ظلّ يحسّ حتى يومه الأخير أن مرضه ليس بالمرض المميت. وقد سُجّلَ ذلك اليوم على أنه إما 28 من صفر عام 11، أو ( وهو الأرجح )13 من ربيع الأول عام11 الموافق 8 حزيران – يوليو 632. وفي ذلك اليوم اشتدّ وجع النبي حتى أغمي عليه . ولما أفاق وهو يدرك أنّ ساعته قد دنت ، قال لمن حوله : ائتوني باللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده . والمؤسف أنّ طلب النبي الأخير هذا لم يُلبّ . فمن كانوا حاضرين دهشوا في البداية ثم تنازعوا . وقال بعض من كان عنده : ما شأنه أهَجَرَ ؟ فقالت زينب بنت جحش وبعض الصحابة : ائتوا رسول الله بحاجته . لكنّ عمر قال : إنّ رسول الله قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما كثر اللغط والاختلاف وغمر رسول الله ، قال : قوموا عني . فما علم أحدٌ ما كان يرغب النبي في أن يكتبه أو يمليه ، لأنه ربّما لم يكن قادراً على الكتابة . فهل كان ينوي أن يسمي خليفته ؟ أم أنه كان سيتكلم في أمر لم يُشر إليه القرآن من قبل ، أو ينسخ أمراً من أوامر القرآن ؟ هل كان سيفصح عن سياسة تبتغي تقدّم أمة العرب ؟ وإذا ما كان الأمر ذا أهمية لمستقبل الإسلام ، فلماذا لم يفصح النبي عنه شفاهة ؟ إنّ هذا للغزٌ سيظل بلا حلٍّ أبداً . وثمة سؤال آخر طال النقاش فيه وكان وراء كثير من الجدال . لماذا وقف عمر ، وهو الرجل الصلب القوي الملتزم بالإسلام ونبيّه أشدّ الالتزام ضد أن يؤتي النبي باللوح والدواة فيدوّن وصيته الخيرة بحجّة أن القرآن فيه الكفاية ؟ أكان عمر يرى أنّ وجع النبي قد اشتد حتى راح يهذي ؟ أم أنه أحسّ ، وهو صاحب النظرة الثاقبة والتبصّر الواقعي ، أنّ النبي عازم على تسمية خليفته قبل أن يموت وأنّ هذا الخليفة قد يكون عليّاً ، وعندها لن تكون لعمر أية سلطة فعلية لأنّ قول النبي سيكون موضع احترام غالبية المسلمين العظمى ظ هذا ما يراه الشيعة ؛ وهو رأي قد لا يبتعد كثيراً عن الصواب ، إذ يصعب إيجاد سبب أشدّ إقناعاً يفسّر معارضة عمر تلبية طلب النبي . كان عمر شخصية بارزة في الإسلام ، أحد صحابة النبي الأشد احتراما ونفوذاً وعماداً يُرْكَن إليه في قضايا السياسة . وعلاوة على حنكته في هذا المجال ، لطالما أظهر عمر قدرة ً على تقويم الأشخاص والتبصر بالعواقب . ولذلك ، فإن من المحتمل أن يكون قد أجرى نوعاً من الحساب . فإذا ما كان النبي على وشك أن يسمي خليفة , فمن المحتمل أن يقع الخيار إما على عليّ أو على أبي بكر. فعليّ كان الأميز في بني هاشم ، فهو صهر النبي , والمقاتل الصنديد ، وكاتب الوحي ، وصاحب الفكر والإرادة المستقلين ، ومن غير المحتمل أن يقع تحت نفوذ شخص آخر, أما أبو بكر فكان صديق عمر الصدوق ؛فخلال السنوات العشر في المدينة ، كانت العلاقة التي ربطت عمر بأبي بكر أوثق بعلاقته بأي ّ صحابي آخر من صحابة النبي، وغالباً ما كانا يريان الرأي ذاته في أكثر المسائل. فإذا ما كان الخيار بين عليّ وأبي بكر , كان لزاماً على عمر أن يختار أبا بكر . ولأن عشيرة أبي بكر لم تكن تلك العشيرة النافذة ، ولأنّ أبا بكر كان رقيق الحاشية مسالماً ، كان بمقدور عمر أن يتطلّع لأن يغدو ساعده الأيمن . أما في ظل عليّ، الذي سيلقى دعم بني هاشم أجمعين واحترام كثير من صحابة النبي ، فكان بمقدور عمر أن يتوقع إلقاءه جانباً . أما الأمر الآخر الذي من غير المحتمل قد فات ذهن عمر الثاقب فهو سن أبو بكر، الذي كان قد تجاوز الستين آنذاك . فهذه الشيخوخة، التي كانت واحداً من أسباب ما حظي به أبو بكر من احترام الجميع ، لابد أن تكون قد عزّزت آمال عمر بأن يقع الخيار على أبي بكر وليس على عليّ, الذي لم يكن قد تجاوز الثانية والثلاثين . وباختصار، فإن تعيين أبي بكر كان كفيلاً بأن يوفر لمطامح عمر السياسية مجالاً أفضل . يمكن لهذه الاعتبارات أن تفسّر قلق عمر حيال طلب النبي عدّة الكتابة ونيّته المحتملة أن يكتب وصيته. ولعل أمراً آخر كان حاضراً في ذهنه. فليس من اليسير قبول أن يبقى الحكم في بني هاشم بعد النبوّة وأن يوصد الباب أمام سواهم من الطامحين . ويمكن بالطبع ألا يكون النبي قد نوى تعيين خليفة له بل معالجة أمر آخر مختلف تماماً ؛ غير أنه يبدو مؤكدا أن نيّة عمر كانت أن يتفادى خطر مواجهة أمرٍ واقع . ولأنه لم يكن يرغب لأي أن يفصح عن حدسه أنّ النبي كان على وشك أن يكتب وصيته ، زعم أن النبي إنما كان يتكلم وهو في حالة من الوجع الشديد وليس في حالة تتيح له أن يضيف شيئاً إلى القرآن، الذي كان قد تنزّل عليه وهو في حالةٍ من العافية واشتمل على كل ما يحتاجه المسلمون . ويخطر في الذهن سؤال آخر في هذا السياق . فإذا ما كان النبي قد نوى تعيين خليفته ، فلماذا لم يفصح عن اسمه شفاهةً ؟ وحين بدأ التنازع وحال عمر دون إحضار اللوح والدواة، أما كان بمقدور النبي أن يتلفّظ بما يكفي لإنفاذ مشيئته ، التي يعتقد الشيعة أنها كانت ستقطع بأنْ يخلفه عليّ؟ فعدد من كانوا مع النبي كان كبيراً تماماً ، وأنباء رغبته الأخيرة كانت سرعان ما ستنتشر بين المسلمين . هل كان ثمّة سبب حال بين النبي وبين النطق بمشيئته ؟ يبدو هذا الأمر للوهلة الأولى كأنه لغز آخر لا سبيل لسَبْرِ غوره . غير أننا لا يجب أن ننسى أنّ تصرّفات محمد كانت على الدوام محمّلة بالمقاصد . فخلال ثلاثة وعشرين عاماً من سيرته ، تجذّرت في ذهنه فكرة واستجمعت من القوة ما يمكّـننا من القول إنها قد غدت جزءاً من شخصيته . وهذه الفكرة هي خلق مجتمع جديد قائم على الإسلام ولمّ شتات العرب . ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكاتب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(2 )...ما بعد النبوّة ... الخلافة ..
-
(1) ما بعد النبوّة...الخلافة ..؟
-
تحية للدكتورة وفاء سلطان على منبر الحوار المتمدن ...
-
نشأة الكون وتقسيم الزمن ....؟
-
الجنّ والسّحر ...؟
-
..( 4 ) الله في القرآن..
-
.. وأد العقل العربي هل تفاقم إلى ظاهرة تراثية إرثية ..؟
-
....(الله في القرآن ...(3
-
..(.الله في القرآن ..( 2
-
..- الله في القرآن ..-1
-
... النساء والنبي -2-؟
-
.. النساء والنبي ....-1-..؟
-
... النساء في الإسلام ...؟
-
النبوّة والحكم .....؟
-
سياسة التقدم نحو السلطة ....؟
-
الكاتب القاص المدمن عشقاً صبحي دسوقي يبتهل لنارا....؟
-
بداية اقتصادية على أموال اليهود...؟
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - التغيّر في شخصية مح
...
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - الهجرة
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية-بشرية محمّد
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|