|
رايس وصلت إلى رام الله في زيارة للعراق!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 12:44
المحور:
القضية الفلسطينية
"سَمِعَت".. فجاءت لـ "تستمع". سَمِعَت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، بحسب ما أعلنت في مؤتمرها الصحافي المشترك مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، الدعوة القوية والواضحة لتعزيز المشاركة الأمريكية في عملية السلام (التي لا تُرى حتى بالمجهر الإلكتروني) بين إسرائيل والفلسطينيين، فعقدت العزم على المجيء، ثمَّ جاءت بالفعل في جولة هي الثامنة تقوم بها منذ توليها منصبها هذا قبل سنتين ، ثمَّ خرجت من اجتماعها مع عباس لتبلغ إلى الصحافيين أنها "استمعت لرؤيته لخريطة الطريق، وكيفية الوصول إلى هدف الدولة الفلسطينية في النهاية"، مؤكِّدة أنَّ "الاتصالات (من أجل الإصغاء والاستماع إلى أطراف النزاع والمعنيين به) ليست بالشيء السيئ؛ ولكن من الأهمية بمكان التحرك، وسوف نبحث عن سُبُل التحرك، وسوف أُركِّز جهودي، في الأشهر المقبلة، توصُّلا إلى الإسراع في تنفيذ خطة خريطة الطريق حتى نُظْهِر للشعب الفلسطيني كيف يمكن أن نتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية".
على أنَّ تشديد رايس على التزام الولايات المتحدة تعزيز دورها في عملية السلام (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) في الأشهر المقبلة، أو في خلال السنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس بوش، اقترن بحرصها على إظهار جهودها الجديدة على أنها ذات أهداف مستقلة عن الأزمة العراقية، وعن الاستراتيجية (العراقية) الجديدة لإدارة الرئيس بوش، ولا تأتي تلبية، ولو جزئية، لتوصية تقرير "لجنة بيكر ـ هاملتون" باتخاذ إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ماءً تطفئ به الولايات المتحدة بعضا من نار الأزمة العراقية، أو أزمتها في العراق، فرايس حاولت منذ نشر ذاك التقرير أن تدحض فكرة أن التقدم في هذا الاتجاه (عملية السلام تلك) مع السعي إلى اجتذاب إيران وسورية إلى جهود الحل للأزمة العراقية، يمكن أن يكون له مثل هذا الأثر.
وعليه، أعلنت رايس أنها تفهم تعزيز الجهود الأمريكية وغير الأمريكية من أجل إقامة دولة فلسطينية على أنه عملية قائمة في حد ذاتها. كما حرصت رايس إذ أسمعها عباس رفضه الحلول الانتقالية والمؤقتة مع الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة (وهو الاقتراح الذي جاءت به لتبحثه مع عباس وغيره في خلال مهمتها الاستماعية) على تأكيد رفضها "حَرْق المراحل" في عملية تنفيذ "خريطة الطريق"، أي أنها أرادت أن تقول لرئيس السلطة الفلسطينية إنَّ تفضيله لخيار التوجُّه فورا إلى مفاوضات الحل الدائم والنهائي لا يتَّفِق مع ما تفضِّله وتلتزمه إدارة الرئيس بوش وهو التنفيذ المرحلي للخريطة، أي مرحلة بعد مرحلة.
وغني عن البيان أنَّ الرئيس عباس قد فهم هذا الإصرار الأمريكي على "المرحلية" في تنفيذ "خريطة الطريق" على أنه تعبير عن رغبة تلك الإدارة في أن يكون الصدام بين الرئاسة والحكومة، بين "فتح" و"حماس"، هو فاتحة عملية التنفيذ لتلك الخريطة، التي نجحت الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل في إقامة الدليل تلو الدليل على أنَّ هذه الخريطة ليست سوى خريطة لطريق، يكفي أن تسير فيها أطراف النزاع خطوة إلى الأمام حتى يتراجعوا عشر خطوات إلى الوراء، وكأنَّ منطق "خريطة الطريق" يقوم على مبدأ "الحركة كل شيء أمَّا الهدف النهائي فلا شيء"!
تلك الخريطة لم تبتكرها إدارة الرئيس بوش، وتدفع في اتجاه التبني الدولي (والعربي) لها عبر "اللجنة الرباعية الدولية"، التي استُحْدِثت من أجل تبنيها، إلا في سياق حربها على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وعلى الصلاحيات والسلطات الواسعة التي كان يتمتع بها.
وهكذا تضمَّنت "خريطة الطريق"، وفي مرحلتها الأولى على وجه الخصوص، إجراءات من قبيل إقامة حكومة فلسطينية جديدة، واستحداث منصب رئيس للوزراء بـ "صلاحيات" Empowered مع توحيد كل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في أجهزة أمنية ثلاثة، على أن يتمتع "وزير الداخلية ذو الصلاحيات" بالسيطرة عليها.
وبعد إنجاز عملية نقل السلطة على هذا النحو من الرئيس عرفات إلى تلك الحكومة، مع رئيسها ووزير داخليتها وأجهزتها الأمنية الثلاث، تجرى انتخابات برلمانية للمجيء بمجلس تشريعي، تتأكَّد فيه وتَظهر "الديمقراطية البرلمانية القوية"، فيُقِرُّ هذا المجلس مشروع الدستور الفلسطيني، حتى قبل قيام الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة.
وفي سياق هذه العملية لتحويل سلطة الرئيس عرفات إلى ظل، تُصْدِر القيادة الفلسطينية بيانا لا يقبل التأويل تعيد فيه تأكيد حق إسرائيلي في العيش في سلام وأمن ، وتدعو إلى وقف فوري لكل أعمال العنف ضد الإسرائيليين، ولكل أشكال التحريض ضد الدولة اليهودية.
أمَّا الدول العربية فعليها التحرك الحازم لوقف كل تمويل حكومي أو خاص لـ "الجماعات المتطرفة"، وتقديم الدعم المالي للفلسطينيين عبر وزارة المالية الفلسطينية. وكلما أحرز الفلسطينيون مزيدا من "النجاح الأمني" تسارع الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة منذ 28 أيلول 2000.
هذه هي "المرحلة الأولى" من المراحل الثلاث لـ "خريطة الطريق". أمَّا "المرحلة الثانية" والتي كان ينبغي لها أن تنتهي سنة 2003 فلا تبدأ إلا عندما تقرِّر "اللجنة الرباعية" بدأها، على أن تبدأ بعقد "المؤتمر الدولي الأول"، والذي هدفه افتتاح مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، توصُّلا إلى إنشاء دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. وضمن هذه المرحلة يُسْتَكمل جمع الأسلحة غير المشروعة، ونزع سلاح المنظمات العسكرية.
وفي "المرحلة الثالثة" والأخيرة والتي كان ينبغي لها أن تبدأ سنة 2004 وتنتهي سنة 2005 يُعْقَد "المؤتمر الدولي الثاني"، الذي يُقِرُّ "اتفاق الدولة ذات الحدود المؤقتة"، ويَفْتَتِح مفاوضات الحل النهائي بين إسرائيل وتلك الدولة.
الآن، تولَّدت الحاجة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى "طريق" يمكن أن يؤدِّي سير الفلسطينيين فيها إلى الإسراع في تنفيذ "خريطة الطريق". وهذا التنفيذ إنَّما يعني، عمليا وفي المقام الأول، إذا ما ظل له معنى، عقد "المؤتمر الدولي الأول" لبدء مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، توصُّلا إلى اتفاق على إنشاء الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة".
وتلك الطريق إنَّما تعني إنهاء الحصار المالي والاقتصادي الدولي المضروب على الفلسطينيين عبر تلبية "حكومة حماس" لشروط ومطالب "اللجنة الرباعية الدولية" أو تأليف حكومة فلسطينية جديدة يمكن أن تَنْظُر إليها تلك اللجنة على أنها مستوفية لتلك الشروط والمطالب. وبالاقتران مع ذلك، تتوقف (بالتبادل والتزامن) كل أعمال العنف، ويُفرج عن أسرى فلسطينيين في مقابل الإفراج عن شاليت، ويُتَّخَذ من الإجراءات والتدابير الأمنية الفلسطينية ما يشجِّع إسرائيل على سحب جيشها من المناطق التي تحتلها منذ 28 أيلول 2000.
هذه الطريق المؤدية إلى تنفيذ "خريطة الطريق" مزروعة بكثير من الألغام التي تستهدف الفلسطينيين، والتي مع انفجارها وتفجيرها ينشأ وضع يسمح لإدارة الرئيس بوش بأن تدَّعي أنَّ الفلسطينيين لم يساعدوها في إنجاح جهودها للإسراع في تنفيذ "خريطة الطريق"، ثمَّ يحل موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية.
رايس جاءت لتؤكِّد، وليتأكَّد لنا، أن ليس لديها من الأهداف والدوافع إلا ما يجعل جولتها ومهمتها جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية (العراقية) الجديدة لإدارة الرئيس بوش، فهذه الإدارة لا تريد، في الوقت الحاضر، سوى تأييد عربي لمسعاها الأخير في العراق، والذي يستهدف إنجاز حل للأزمة العراقية يمكن إظهاره على أنه نصر أو نجاح لتلك الإدارة، ويمكن أن يتمخَّض، في الوقت عينه، عن تحويل العراق من جسر للنفوذ الإيراني فيه، وفي جواره انطلاقا منه، إلى حاجز قوي في مواجهته.
وتذليلا لبعضٍ من العقبات من طريق هذا التأييد العربي يمكن أن تتحرَّك إدارة الرئيس بوش في اتجاه إقناع العرب بأنَّ عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ستعرف إنجازا عظيم الشأن بعد، وليس قبل، نجاح الاستراتيجية (العراقية) الجديدة لإدارة الرئيس بوش.
وتتوهم تلك الإدارة أنَّ المالكي وحكومته سيُغيِّران، ويتغيَّران، بما يؤدي إلى نجاح تلك الإستراتيجية. وتتوهم، أيضا، أنَّ دعما عربيا أكبر للمالكي وحكومته سيشجِّعهما على "التغيير" و"التغيُّر".
ورسالتها إلى العرب هي الآتية: قفوا معنا في حربنا الأخيرة لإنجاح الاستراتيجية الجديدة. ادعموا المالكي وحكومته حتى يغيِّران، ويتغيَّران، بما يضر نفوذ إيران وحلفائها. قفوا معنا في مواجهة نفوذ إيران (العراقي والإقليمي) وحلفائها على المستوى الإقليمي، فإنَّ لكم مصلحة في أن ننتصر في هذه المعركة. انتصروا لنا ومعنا فهذا الانتصار هو وحده الطريق لتنفيذ "خريطة الطريق". أمَّا إن قصَّرْتُم وتقاعستم، وساهمتم، بالتالي، في إحباط سعينا العراقي الأخير، فسنترك العراق ينفجر، ويُفجِّر، وستلتهم إيران العراق وجواره، وستصبح عملية السلام أثرا بعد عين!
إنَّ "العراق"، أي أزمة الولايات المتحدة في العراق، هو، وحده، "العين" التي من خلالها ترى إدارة الرئيس بوش كل شيء؛ أمَّا "فلسطين" فليست سوى الرماد تذرُّه تلك الإدارة عبر رايس في عيوننا!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوش.. من -العجز- إلى ارتقاب -معجزة-!
-
الوعي
-
درءا لنصر يُهْزَم فيه الشعب!
-
في الدياليكتيك
-
هذه هي -الاستراتيجية الجديدة-!
-
المرئي في -المشهد- ومن خلاله!
-
موت كله حياة!
-
حَظْر الأحزاب الدينية!
-
أوْجُه من الفساد!
-
حذارِ من -حيلة الهدنة-!
-
ملامح -التغيير- كما كشفها غيتس!
-
قصة -الروح-!
-
ما ينبغي ل -حماس- قوله وفعله!
-
-المقارَنة- و-التعريف-
-
بعد خطاب عباس!
-
قبل خطاب عباس!
-
الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-
-
وللعرب سياسة -الوضوح اللانووي-!
-
ما قبل -الخيار الشمشوني-!
-
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. حديث خرافة وكذب!
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|