أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(3من3)















المزيد.....


فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(3من3)


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 10:21
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


فترجمة سعيد مضية

ترامب يتخيل نفسه ديكتاتورا ويكذب بلا خجل
"ارثوذكسيات العسكرة أشبه بالجثث، التطهير العنصري، فاشية الليبرالية الجديدة تؤشر الى إفلاس الضمير، حالة فشل اللغة وانهيار الأخلاق الى الهمجية، ونشاط سياسي يسخر من ويهاجم أي أثر للديمقراطية"، هذا هو الفيضان .
لست مشغولا بتشاؤم يشل الإرادة؛ إنما أبرز إلحاح اللحظة التاريخية التي توشك أن تدق ناقوس الموت لأمريكا الفكرة والوعد بمستقبل تفترضه الديمقراطية الراديكالية. نحن نعيش فترة من زمن الطوارئ – هبّوب أزمات بات معها الوقت يمضي في غير صالحنا؛ وبات الزمن العام ضرورة ودعوة يستغل للفكر والعمل الجادين. بدون الفاعلية تنعدم الإمكانية لتخيل مستقبل لا يردد صدى فاشية الماضي؛ بدون إمكانية ينعدم السبب للاعتراف بالتهديدات المادية والإيديولوجية الحقيقية التي تواجهها في الوقت الراهن الولايات المتحدة وبقية العالم. لم تعد الفاشية مدفونة في التاريخ؛ يجري إعادة تشغيل روح فايمار 1933. كيف يمكن للمرء أن يفسر مزاعم ترامب الفاشية الصريحة بأنه يخطط، بمجرد انتخابه، لسجن المعارضين السياسيين في معسكرات سجن؟ أو تعهده "باستئصال الشيوعيين والماركسيين والفاشيين واليساريين المتطرفين الذين يعيشون مثل الحشرات الضارة داخل حدود بلدنا، والذين يكذبون ويسرقون ويغشون في الانتخابات وسيفعلون أي شيء ممكن - سيفعلون أي شيء، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني - لتدمير أمريكا وتدمير الحلم الأمريكي". يدمج خطاب ترامب العدواني مفردات نزع الصفة الإنسانية مع لغة التطهير العنصري والتهديدات المتكررة بالعنف. يزعم أن المهاجرين "يسممون دماء بلدنا"، ويصرح بأن "رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق يستحق الإعدام"، ويشجع ضباط الشرطة على إطلاق النار على سارقي المحلات التجارية.
في حملته الانتخابية لعام 2024، بوقاحة تبنى ترامب الاستبداد، وصرح علانية بابتسامة ساخرة أنه يرغب أن يكون ديكتاتورا؛ وهذا ليس ادعاء مفاجئا على الإطلاق؛ فلدى ترامب تاريخ طويل في التعبير عن الإعجاب بالمستبدين والرجال الأقوياء، حيث باستمرار طوال حياته السياسية أشاد بالديكتاتوريين. وليست جديدة كذلك أوهام العظمة التي يبديها ــ فقد تخيل مرارا وتكرارا ممارسة السلطة بلا رادع، مما عزز طموحه الخطير لتقويض المؤسسات الديمقراطية. فقد "استضاف ترامب الدكتاتور المجري فيكتور أوربان ــ وهو مناصر آخر للنقاء العرقي القومي ومساعد متحمس لفلاديمير بوتن". وفي تجمع جماهيري في دايتون، تم التقاط صورة لترامب وهو يعلن عبر ميكروفون ساخن دكتاتور كوريا الشمالية، كيم جونج أون، هو أيضا رجل من طرازه : "إنه يتحدث، وشعبه يستمع إليه بانتباه. أريد من شعبي أن يفعل الشيء نفسه". بالإضافة إلى ذلك، فقد كرر بلا نهاية الكذبة الكبرى حول سرقة انتخابات 2020، ووعد بـ "حمام دم للبلاد" إذا لم يُنتخب عام 2024، وزعم أنه إذا انتُخب فسوف يعفو عن المجرمين المدانين الذين حاولوا في 6 يناير الإطاحة بالانتخابات الرئاسية بالقوة. تلاحظ تيموثي سنايدر أن ترامب يؤيد فكرة "أن التمرد العنيف هو أفضل أشكال السياسة". تضع سنايدر أكاذيب ترامب وتهديداته في سياق يردد صدى تاريخ من العنف الفاشي، وتكتب:
إن عبادة المجرمين كشهداء تشير أيضًا إلى سياق تاريخي: سياسة العنف الفاشية ... الاستشهاد وفق النمط الفاشي تبرر سياسة العنف الفاشية بأسلوبين. تجعل من المجرمين أبطالاً، وبالتالي تجعل الإجرام مثالا يحتذى؛ وتثبت البراءة المسبقة. عبادة المجرمين باعتبارهم شهداء تشير أيضًا إلى سياق تاريخي: سياسات العنف الفاشية - لقد عانينا أولاً، وبالتالي سيكون مبررا أي شيء نفعله لجعل الآخرين يعانون دائمًا ... بالنسبة للفاشيين، فإن المعارضين السياسيين هم أعداء لأنهم حيوانات أو مرتبطون بالحيوانات.
بالنسبة للساسة أنصار ماغا واليمين المتطرف تعرض السياسات الفاشية حاليا وتنفذ كوسام شرف. هنا يوجد من العمل ما يفوق صدى الأنظمة الاستبدادية السابقة؛ فالتهديدات المتلاحقة الصادرة عن ترامب وانماط جنوده المحاربين تفضي مباشرة إلى معسكرات الاعتقال في عهود الحكام السلطويين في السابق . عادت روح الكونفدرالية جنبًا لجنب مع نسخة أميركية مطورة من الفاشية. ارثوذكسيات العسكرة أشبه بالجثث، التطهير العنصري، فاشية الليبرالية الجديدة تؤشر الى إفلاس الضمير، حالة فشل اللغة وانهيار الأخلاق الى الهمجية، ونشاط سياسي يسخر من ويهاجم أي أثر للديمقراطية.
بروباغاندا الأكاذيب
ما هو واضح أن تمردًا هائلاً ضد الديمقراطية يجري في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم؛ لا تفرضه ببساطة ديكتاتوريات عسكرية من فوق. بات الناس الآن يصوتون لصالح السياسة الفاشية. الجمهوريون أنصار ماغا يحتفون علنًا بالسياسيين الذين لا يكتفون برفض الديمقراطية بلا خجل، إنما يطلقون كذلك تعليقات عنصرية. نقلت شبكة سي إن إن عن مارك روبنسون، المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية كارولينا الشمالية، أشارته مرة إلى نفسه بأنه "نازي أسود" و"أعرب عن دعمه لإعادة فرض العبودية"، وذلك قبل أكثر من عقد على لوحة رسائل موقع إباحي على شبكة إليكترونية. نشرت هانا نولز بصحيفة واشنطن بوست الطوفان التالي من التعليقات المسيئة التي أدلى بها روبنسون قبل فوزه بترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الحاكم:
"رغم أن لروبنسون تاريخ طويل في الإدلاء بتعليقات معادية للنساء وعنصرية ومعادية للمتحولين جنسياً، فقد أيده ترامب بحماس، وبأسلوب سخيف وصف روبنسون "مارتن لوثر كينج بمنشطات". أدلى ترامب بالتعليق الأخير على الرغم من حقيقة أن روبنسون اتهم مارتن لوثر كينج جونيور ذات مرة بأنه "داعية التفوق العنصري للبيض". يؤكد هذا الاصطفاف الصادم مع العنصريين المتزمتين على درب الفاشية مدى انحراف الحزب الجمهوري عن المبادئ الديمقراطية والأخلاقية.
الكثير من معدات ثلم الخيال، شأن الميديا الرئيسة والمنصات الإلكترونية لليمين المتطرف، والتي تستضيف المليارديريين ينشرون عبرها نظريات المؤامرة، باتت منابر للحكايات الخرافية تشيع بقوة أيديولوجيا - آليات بيداغوجية (أساليب تربوية) للأمية السياسية تفرض على الشعب الأمريكي فراغًا مذهلاً يرقى إلى غيبوبة أخلاقية وسياسية. وكما لخص أحد كتاب مجلة نيويورك بإيجاز، فإن منصات التواصل الاجتماعي القوية باتت الآن تؤوي حكايات خرافية خطيرة وأمية. يكتب:
بيل أكمان، الثري، مدير صندوق التحوط ، الذي تحول إلى مؤيد لترامب، بأسلوب لا يمكن السيطرة عليه شرع نشر نظرية يمينية مفادها أن هناك على فضائية إيه بي سي نيوز من ينشر تحذيرات تزعم ان الشبكة قدمت قبل المناظرة الرئاسية للمرشحة هاريس أجوبة على أسئلتها ، ثم لقي حتفه في حادث سيارة. [ويضيف أن] إيلون ماسك، أحد أغنى أثرياء العالم وداعم مالي كبير لترامب، توقع على منصته بالسوشيال الميديا ان أول عمل لهاريس إذا انتُخبت سيكون حظر فضائية إكس واعتقال ماسك.
إن الانتشار السريع للمؤامرات والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة يسلط الضوء على التقاطع الخطير بين الثروة والنفوذ السياسي والمعلومات المضللة. يتكدس فوق جبل الأكاذيب المتضخم ونظريات المؤامرة التي لا تتوقف والتي تروجها النخبة المالية اليمينية وآخرون ، قصص إعلامية لا تتوقف تروج للأكاذيب السخيفة والغريبة التي تضحي بالحقيقة والمسؤولية الاجتماعية من أجل مسرح سياسي أحمق وقاسٍ في كثير من الأحيان. دشن ترامب وأنصاره الموالون عصرًا من الروايات الملفقة التي أصبحت طُعمًا لمشهد إعلامي عديم الأخلاق، حيث تقوم كل من منابر الوسط ومنابر اليمين بتضخيم القصص المذهلة لتحقيق الربح. دعونا نكون واضحين، هذه المكائد تتجاوز مجرد سياسة حرف الانتباه .
كان دمج الأكاذيب والجهل والعنف واضحًا تمامًا عندما زعم ترامب زورا في مناظرة رئاسية مع نائبة الرئيس، كامالا هاريس، أن المهاجرين الهايتيين يسرقون ويأكلون الحيوانات الأليفة في سبرينغفيلد بولاية أوهايو. لم تقتصر هذه الأكاذيب العنصرية على إثارة الرسوم الكاريكاتيرية والنكات التي لا تنتهي على وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الكوميديا في وقت متأخر من الليل، بل " قدمت أيضًا نمطا مألوفا لمدينة باتت مهددة بقصف لقنابل ما أدى إلى إغلاق المدارس الابتدائية ... وهجمات قصف تهدف إلى ترهيب أفراد المجتمع، [وسلسلة] من المضايقات عبر الشبكات عالية السرعة والتي ركزت على مدار السنوات القليلة الماضية إلى حد كبير، على الأحداث المجتمعية للأشخاص المثليين والمتحولين جنسياً". تمنح مثل هذه الأكاذيب عصابة ترامب المرحة من دعاة التفوق العرقي للبيض وأشباه النازيين الفرصة لتشويه سمعة المهاجرين والأشخاص الملونين وأي شخص غيرهم يُعتبر "آخر". في هذه الحالة، تعد مثل هذه اللغة أكثر من مجرد وسيلة لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة. كما تذكرنا توني موريسون، فإن هذا التجريف المنهجي للغة ... لا يمثل العنف فحسب؛ بل إنه عنف بالفعل".
ما يتم تجاهله غالبًا في مناقشات وسائل الإعلام السائدة حول الهجمات على المهاجرين والسود وغيرهم من المجموعات المهمشة هو القوة الدافعة للقومية البيضاء. على سبيل المثال، غالبًا ما يتم تقليص هجمات ترامب على المهاجرين الهايتيين إلى عنصرية بسيطة، في حين أنه في الواقع يجب الاقرار أنها جزء من أجندة اوسع، قومية البيض. هذه الهجمات لا تتعلق بالعنصرية فحسب؛ إنها جانب رئيسي من قومية البيض، تستهدف أي شخص ليس ذكرًا أبيض أو ثريًا أو مستقيمًا أو مسيحيًا. تحت قناع نظرية إحلال البيض يجري "استبعاد" مجموعة واسعة من الناس – علاوة على الأشخاص الملونين-يعتبرون "آخرين".
هذه الأجندة الأوسع نطاقًا واضحة بشكل صارخ في الهجوم على حقوق الإنجاب للمرأة، والتي تسعى إلى السيطرة على أجساد النساء، وخاصة تشجيع النساء البيض على إنجاب المزيد من الأطفال خوفًا من زيادة نسبة الملونين. إن ما نشهده الآن هو هجوم مدروس ومتعمد على أسس الديمقراطية ذاتها، مما يقوض نسيج المجتمع مع كل كذبة تضاف. في ظل هذه الظروف، تختفي الأسباب الكامنة وراء الفقر والحرمان والاستغلال والبؤس والمعاناة الهائلة في ثقافة ممسرحة للصمت، والتسليع، والغموض الشبيه بالطائفية. مع انهيار الثقافة المدنية، يتلاشى التمييز بين الحقيقة والزيف، ومعه يتلاشى الضمير العام القادر على تمييز الفرق بين الخير والشر. عدد هائل من الأميركيين اجتافوا[ من جوف- ادخلوا في الوجدان] ما أسماه باولو فريري ذات يوم أدوات المضطهِد. هؤلاء الناس لا يقنعون بتحول السياسة الأميركية نحو الاستبداد، بل يدعمون الفكرة نفسها أيضا. إن الدعم الشعبي المستمر لترامب هو انعكاس مرعب لاحتضانه الصريح للسياسة الفاشية؛ فهو يدعو علنا إلى إلغاء الدستور، ويتفاخر برغبته في "إنهاء الدستور"، ويهدد بتسليح الرئاسة لسجن المعارضين السياسيين مثل ليز تشيني إذا استعاد السلطة. ويبدو أن هذا الخطاب الخطير، بدلا من تنفير قاعدته، يعززها ــ ويكشف عن استعداد مقلق بين كثيرين للتخلي عن المبادئ الديمقراطية لصالح الحكم الاستبدادي.
الثقافة العادمة ..كيف التطهر؟
على جانب المقاومة، كان ليز ليوبولد محقاً بالقول ان "الكفاح ضد صيغة ترامب من فاشية النيوليبرالية لن ينجح أبدا حتى يتسع إحساسنا بالممكن"، ونأخذ على محمل الجد "أن التربية الحقة حول قضايا الصورة الكبيرة يمكن أن يحدث فرقا في كيفية رؤية الناس للعالم". في الوقت نفسه، لابد لأي رؤية صحيحة للمستقبل، أن تستعين بالقيم المناهضة للرأسمالية القادرة على حشد حركة ذات قاعدة عريضة كجزء من نضال بيداغوجي حيوي، حيث الطلب على الحقوق الاقتصادية يجاري الدعوة إلى الحقوق السياسية والشخصية. لاحظ الراحل فاتسلاف هافيل، الكاتب المسرحي ورجل الدولة والناشط الإنساني الشهير، بحصافة، الحاجة إلى مقاومة جماهيرية ضد وضع المعنى واللغة والذاتية والمسؤولية الاجتماعية على مستوى واحد. نزلت دعوته لثورة في الضمير الإنساني صدى لنداء الثورة قيم، لمارتن لوثر كينج الابن. في نظر هافل ينبغي للأخلاق أن تسبق السياسة والاقتصاد والعلم، ولكي يتحقق ذلك أعلن أن "المهمة الرئيسة في المستقبل تجديد راديكالي لإحساسنا بالمسئولية. على ضميرنا ان يمضي مع العقل-وإلا فإننا عاقبتنا هي الخسران"
رأى هافيل أن قضايا الضمير والذاتية والفاعلية تشكل جزءاً بالغ الأهمية من النشاط السياسي المقاوم؛ غير ان هذه المفاهيم ليست سوى بداية النضال الطويل من أجل إعادة بناء جذرية للمجتمع . لابد أن تترجم الأفكار إلى أفعال كي نقارب الأمراض السياسية لزمننا. ما من مقاومة قابلة للاستمرار بدون شن حملة ضخمة ضد رأسمالية العصابات ـ بتأكيدها المدمر على اللامساواة الاقتصادية، وتخريب البيئة، والهجمات الواسعة النطاق على العدالة الاجتماعية ـ والحركة لإعادة بناء المجتمع، بدل إصلاحه، على أساس القيم الاشتراكية الديمقراطية. ولابد أن يقترن النقد الجاد بإحساس جاد بالإمكانية. أصاب هوارد زين كبد الحقيقة ً حين حاجج :
" التفاؤل في الأوقات الحرجة ليس رومانسية حمقاء ... فإذا لم نر سوى الأسوأ، فذلك يدمر قدرتنا على القيام بأي شيء . لنفترض أننا نتذكر تلك الأوقات والأماكن ـ وهناك الكثير منها ـ حيث تصرف الناس على نحو رائع. في تلك الحالة، يمنحنا هذا طاقة العمل، وعلى أقل تقدير امكانية إرسال قمة العالم المتحركة باتجاه مغاير... المستقبل هو تتابع لا ينتهي من هدايا ، والعيش كما نعتقد أن على البشر أن يعيشوا، في تحد لكل ما هو سيئ حولنا، هو في حد ذاته انتصار رائع".
نحن نعيش في مرحلة طوارئ مروعة. حالة الأوقات الملحة تطلب منا اتباع نشاط سياسي يقر بخطر الفاشية البازغ. يزودنا هذا الا قرار بلحظة تاريخية من الأهمية القصوى عدم التخلي عن التخيل وأن نأخذ على عاتقنا تنفيذ ما يزعم انه المستحيل على النحو الممكن، ونتسلح برؤية للمستقبل وبإحساس بالنضال الجماعي فيه حياة تتجاوز رأسمالية العصابات وسياسات فاشية محدثة، فاشية القرن الحادي والعشرين. ضد كابوس الاستبداد هذا، تنتصب الحاجة لنشاط سياسي متجذر في تكوين حركة عمالية طبقية تستند الى قاعدة من مختلف الأعراق تتجسد فيها الإحساس بالشجاعة الأخلاقية والتخييل المدني بمقدوره إحداث ثورة في القيم والالتزام بالتغيير الاجتماعي. ولابد للمقاومة أن تبدأ بالسؤال اي عالم نريد العيش فيه. تلخص ويندي براون أهمية هذا السؤال بشكل جيد، إذ كتبت :
إن السؤال بصدد نوع العالم الذي تريد أن تعيش فيه... يحتفظ بقيمة حين تكون حياتك بين يديك، تغذي او تكافح . وعندما يكون لديك القليل أو الكثير من القوة أو الإرادة المستقلة، حين تقرر كل يوم ماذا تساعد وماذا ترفض، تقرر كل يوم ما الذي ستدعمه أو تستنكره، تغذيه أو تكافحه . السؤال حول نوع العالم الذي تود العيش فيه يطلب منك أن تصبح مسؤولاً عن عالم لم تبنه، حيث شروط الدخول ليست عادلة وقد تكون صعبة.
في قلب الدعوة للمقاومة هذه تكمن فكرة تربوية ترشد الشباب وشغيلة الثقافية وأولئك الذين يعيشون على هامش المجتمع تقول أن الأخلاق والمسؤولية يجب أن تكون في مقدمة الفاعلية والسياسة والمقاومة والتغيير الاجتماعي. مع موت التخيل الأخلاقي، تتفكك روابط حياة المجتمع والمعاملة بالمثل، ويتم القضاء على المجالات العامة الحيوية، وتصبح مطالب العدالة والمساواة والحرية من مخلفات التاريخ. نحن نعيش في وقت تختفي فيه عادات الديمقراطية تمامًا كما تعمل ثقافة الخوف والكذب القائمة على نزع الطابع السياسي عن الناس. ومع تمزيق الروابط الاجتماعية التي توفر المعنى والكرامة والأمن، تبدأ الفاشية بلغة نزع الصفة الإنسانية، وقتل الأحلام، وفرض اليأس. لا مكان للذاكرة في ثقافة معادية للديمقراطية من القمع والعنف. مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، تقف الولايات المتحدة على شفا نهضة فاشية. الآن، أكثر من أي وقت مضى، من الضروري استجواب الماضي لفهم كيف يمكن لدروس التاريخ أن تنير الطريق إلى الأمام ضد هذا التهديد الاستبدادي. فقط من خلال مواجهة هذه الحقائق المظلمة يمكننا أن نأمل في الدفاع عن مستقبل الديمقراطية. كاثرين هودجكين وسوزانا رادستون على حقإذ تكتبان أن "الماضي له عواقب استراتيجية وسياسية وأخلاقية [وأن] الصراعات حول معنى الماضي هي أيضًا صراعات حول معنى الحاضر وحول طرق دفع الماضي قدما". ليس فقط الوقت المناسب لإعادة التفكير في نوع العالم الذي نريد أن نعيش فيه ودفعه قدما، بل إنه الوقت المناسب أيضًا لجعل التربية أكثر فعالية.
في قلب هذه الدعوة إلى المقاومة تكمن فكرة تربوية ترشد الشباب وشغيلة الثقافة والمهمشين أن الأخلاق والمسؤولية يجب أن تكون في طليعة الفاعلية والسياسة والمقاومة والتغيير الاجتماعي. مع موت التخييل الأخلاقي، تتفكك روابط العلاقات الاجتماعية، وتتردى المعاملة بالمثل، و تصفى المجالات العامة الحيوية، وتصبح مطالب العدالة والمساواة والحرية من مخلفات التاريخ. نحن نعيش في زمن تتلاشى عادات الديمقراطية وفي ذات الوقت تنشط ثقافة الخوف والكذب لإبعاد الناس عن السياسة . ومع تمزيق الروابط الاجتماعية التي توفر المعنى والكرامة والأمن، تشرع الفاشية بلغة نزع الصفة الإنسانية، وقتل الأحلام، وفرض اليأس. لا مكان للذاكرة في ثقافة معادية للديمقراطية سداها القمع والعنف. مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، تقف الولايات المتحدة على شفا نهوض فاشي. بات من الضروري، الآن أكثر من أي وقت مضى، تحري الماضي كي نفهم كيف يمكن لدروس التاريخ أن تنير الطريق إلى الأمام ضد مخاطر الاستبداد. ليس بغير التصدي لهذه الوقائع السود يحونا الأمل بالدفاع عن مستقبل الديمقراطية. كاثرين هودجكين وسوزانا رادستون محقتان إذ تحاججان بأن "للماضي عواقب استراتيجية وسياسية وأخلاقية [وأن] التنافسات حول معنى الماضي هي أيضًا تنافسات حول معنى الحاضر وخطوات واسعة لدفع الماضي إلى الأمام". لسنا فقط حيال وقت مناسب لإعادة التفكير في نمط العالم الذي نود العيش فيه والمضي به قدمًا ، إنما نحن أمام تحدي وضع التربية في مركز النشاط السياسي، حيث يغدو ممكنا " التحدي وتخيل مستقبلا يتجاوز حالتنا الراهنة"؛ وهذا يعني ان نعيد في السياسة والممارسة اليومية من خلال قوة الذاكرة التاريخية واللغة والتعليم والثقافة كي نربط الشخصية والتاريخي بالقوى الاجتماعية الأعظم .
تمت إعادة طباعة هذا المقال من مقدمة أحدث كتاب لهنري جيروكس، "عبء الضمير".
يشغل هنري أ. جيروكس حاليًا كرسي جامعة ماكماستر للمنح الدراسية في المصلحة العامة بقسم الدراسات الإنجليزية والثقافية ؛ هو باحث متميز في البيداغوجيا [ اصول التربية ،وسائلها وأساليبها] النقدية من مدرسة باولو فريري. تشمل أحدث كتبه: رعب غير المنظور (مراجعة كتب لوس أنجلوس، 2019)، في علم التربية النقدية، الطبعة الثانية (بلومزبري، 2020)؛ العرق والسياسة وعلم التربية الوبائي: التعليم في زمن الأزمة (بلومزبري 2021)؛ وقد قام غيرو بتأليف كتابين آخرين، هما: " بيداغوجيا المقاومة: ضد الجهل المصنع" (بلومزبري، 2022)، "الثورات: التربية في عصر السياسات المضادة للثورة" (بلومزبري، 2023)، كما شارك أنتوني ديماجيو في تأليف كتاب "الفاشية في المحاكمة: التعليم وإمكانية الديمقراطية" (بلومزبري، 2025) . غيروكس عضو مجلس إدارة مجلة تروث أوت



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(2من3)
- فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(حلقة 1من3)
- الأبارتهايد أصل الداء وتصفيته هي الدواء
- مرتزقة امريكيون في ممر نبتساريم بغزة
- إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة
- ترمب يرى غزة عقارا للاستثمار وليس ضحية إبادة جماعية
- هذه فاتشية، يجب إيقافها
- بالإرادة الصلبة المتماسكة تُفشل مخططات التهجير ويدحر الاحتلا ...
- سياسات سوقية تنتهجها إدارة ترامب
- ثقافة استسلمت لأسوأ غرائزها في مجتمع يعول على النسيان
- الميديا الرئيسة في عالم الرأسمال تزيف الوقائع وتحتفي بقتل ال ...
- الاستعمار الاستيطاني سينتهي في فلسطين وإسرائيل
- نظام يمارس الخداع بمهارة وعلة الدوام
- ذئاب ترامب شرعت العواء على فلسطين
- تنديد بتجار الموت – التحذير النبوئي للدكتور مارتن لوثر كينغ
- ألكابوس لن ينتهي، حتى لو توقف قصف القنابل.
- الدروب تنتهي بالوساطة الأميركية
- خطر حرب إقليمية ماثل بعد الانقلاب بسوريا
- الصهيوينة والامبريالية كيان واحد يفيض كتلة وينحسر ويزول كتلة
- تاريخ من العذابات المتواصلة


المزيد.....




- “المحامين” تلوح بوقف التعامل مع خزائن المحاكم.. احتجاجًا على ...
- نقل الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق إلى المركز الطبي بعد ت ...
- شبكة تقاطع للدفاع عن الحقوق الشغلية تخلد ذكرى 8 مارس، اليوم ...
- مواجهة حادة بين فانس ومتظاهرين مؤيدين لأوكرانيا أثناء خروجه ...
- كيف قادت الكراهية سياسيا هولنديا من اليمين المتطرف إلى الإسل ...
- م.م.ن.ص// المذابح الحلال
- الصدر عن إزالة البيوت العشوائية: أنصح بتجريف الفاسدين قبل من ...
- مدينة القرداحة حيث سكن الفقراء على أعتاب قصور آل الأسد
- صحيفة تركية تكشف مكان اجتماع -حزب العمال الكردستاني- لإقرار ...
- الليبراليون ينتخبون خليفة ترودو.. هل يفوز كارني برئاسة الحزب ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(3من3)