أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودوره المفقود














المزيد.....


إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودوره المفقود


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 07:55
المحور: قضايا ثقافية
    


يواجه المثقف العربي أزمة وجودية مركّبة تتجلى في عزلته عن مجتمعه وتكبيله ضمن إطارات سياسية وفكرية تحدّ من قدرته على التأثير الحقيقي. ورغم أن المثقف يُفترض أن يكون ضمير الأمة ومرآة وعيها، إلا أن الواقع يكشف عن تراجعه أمام آلة السلطة، واستسلامه لمتطلبات العيش، وانجرافه نحو الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي، ما يجعله يفقد دوره الأهم في تشكيل وعي مجتمعه ودفعه نحو التغيير.

بين المثقف والسلطة: إشكالية التبعية والمهادنة

إن العلاقة بين المثقف والسلطة في العالم العربي ليست علاقة ندية قائمة على الحوار والتأثير المتبادل، بل هي علاقة مختلّة قوامها الهيمنة والاستقطاب. وكما يشير أحد المفكرين: “المثقف العربي اليوم إما موظف لدى السلطة، أو مُبعد عنها، فلا هو قادر على أن يكون مستقلاً، ولا هو قادر على التأثير الحقيقي في مجتمعه.” وبذلك، يجد المثقف نفسه عالقًا بين حجري الرحى: إما أن يكون صوتًا ناعمًا يردد شعارات النظام، أو معارضًا منفيًا، منزوع التأثير في الداخل، مما يحدّ من فاعليته ويجعله عاجزًا عن لعب دوره التنويري.

الاستقطاب الفكري وتآكل الدور النقدي

من جهة أخرى، يجد المثقف نفسه محاصرًا داخل دوائر الاستقطاب الفكري الحاد، حيث يتم تصنيفه وفقًا لمواقفه السياسية والدينية والثقافية. في هذا السياق، يصبح الخطاب الثقافي نفسه جزءًا من الأزمة بدلاً من أن يكون أداة لفهمها وتفكيكها. وكما قال أحد المفكرين: “إن المثقف عندما يتحول إلى ناطق باسم أيديولوجية ما، فإنه يفقد جزءًا من حريته النقدية، وبالتالي، يتنازل عن أهم ما يميزه: الاستقلال الفكري.”

وبذلك، بدلًا من أن يكون المثقف صانع وعي، يصبح جزءًا من ماكينة التوجيه والاستقطاب، حيث يتبنى خطابات جاهزة، وينخرط في معارك عبثية لا تخدم قضايا مجتمعه بقدر ما تخدم مصالح القوى المتحكمة في الفضاء السياسي والفكري.

الجماهير والمثقف: الفجوة المتزايدة

لقد ساهمت هذه العوامل في اتساع الهوة بين المثقف والجماهير، حيث أصبح المثقف في أبراجه العاجية، يتحدث بلغة منفصلة عن هموم الناس، في حين أن الجماهير، المُنهكة بالصراعات اليومية، لم تعد ترى فيه صوتًا يعبر عنها. وكما جاء في أحد التحليلات: “الجماهير فقدت ثقتها في المثقف كما فقدت ثقتها في المشاريع السياسية، لأنها لم ترَ تغييرًا حقيقيًا يُحدث فرقًا في حياتها.”

ومن هنا، فإن المثقف العربي لم يعد قادرًا على اختراق الوعي الجمعي، لا بسبب الرقابة والقمع فقط، بل لأنه فقد القدرة على التواصل الفعلي مع الناس. إن الثقافة التي تنعزل عن الواقع وتتحول إلى خطاب نخبوي مغلق تصبح عديمة الجدوى، وهو ما يعكسه قول أحد النقاد: “الثقافة التي لا تستطيع أن تتحدث بلغة الشارع، لا يمكنها أن تُحدِث تغييرًا في الشارع.”

المثقف في الفضاء السيبري: متنفّس أم عزلة جديدة؟

في ظل هذه الأزمة، وجد بعض المثقفين ملاذًا في الفضاء الرقمي، حيث باتوا يمارسون دورهم عبر الإنترنت، بعيدًا عن واقعهم المباشر. غير أن هذا الحل لا يخلو من إشكالية، إذ إن “المثقف الذي يتحول إلى مجرد كائن افتراضي، يفقد تدريجيًا قدرته على التأثير الواقعي، ليصبح مجرد ظل إلكتروني يتحدث إلى جمهور غير متجانس، بلا امتداد فعلي على الأرض.”

وبالتالي، فإن المثقف العربي الذي يعجز عن التواصل مع الناس في الواقع الحقيقي، لن يكون أكثر تأثيرًا في الواقع الافتراضي، بل سيجد نفسه مجرد مشارك في موجات من الجدل والنقاش غير المنتج، مما يعزز حالة العزلة بدلاً من كسرها.

نحو مثقف جديد: الاستقلال والتواصل الفاعل

المخرج من هذه الأزمة لا يكمن فقط في تحميل المسؤولية للسلطة أو في التذرع بظروف القمع والاستقطاب، بل في إعادة تعريف دور المثقف بشكل جذري. إن “المثقف الحقيقي هو الذي يستطيع تجاوز الحواجز المصطنعة بينه وبين مجتمعه، ويتخلى عن نخبويته لصالح خطاب بسيط لكنه عميق، يصل إلى العقول عبر القلوب.”

إن المطلوب اليوم ليس فقط الوعي بالمشكلات، بل امتلاك الشجاعة لمواجهتها بأساليب جديدة، بعيدًا عن الخطابات المستهلكة والمواقف المكررة. المثقف ليس موظفًا ولا داعية أيديولوجيًا، بل هو ذلك الذي يطرح الأسئلة الصحيحة، ويعيد تشكيل وعي الناس بطرق تحررية، وليس بأساليب سجالية عقيمة.

الخاتمة: المثقف بين الخيار والاستسلام

إن المثقف العربي اليوم أمام خيارين: إما أن يظل عالقًا في متاهات السلطة والاستقطاب، فيستمر في فقدان دوره، أو أن يعيد النظر في أدواته، ويتواصل مع الجماهير بأساليب أكثر بساطة وفعالية. إن دوره لا يمكن أن يُختزل في التنظير أو الانغلاق، بل يجب أن يكون جسرًا بين الفكر والواقع، بين المعرفة والحياة اليومية، وبين النقد والإبداع.

ختامًا، إن المثقف العربي الذي لا يستطيع الخروج من مأزق العزلة والاستقطاب، سيبقى مجرد “ظلٍّ في المشهد”، بينما تستمر الجماهير في البحث عن أصوات أخرى تعبّر عنها، سواء كانت هذه الأصوات من داخل المكون الثقافي أو من خارجه.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...
- بيئة العمل المسمومة: كيف تؤثر على نجاح الشركات؟
- البلد: روح مدينة جدة القديمة
- معضلة القنفذ: فلسفة المسافة الآمنة في العلاقات الإنسانية
- الحمار المظلوم وحكمة “موت يا حمار”
- مجتمع النبل والإنسانية: دروس مستوحاة من الذئاب
- الصراع العالمي القادم على الليثيوم: وقود معركة الطاقة المستق ...
- إتقان منهج يونغ: رحلة إلى أعماق النفس البشرية
- سبينوزا وفلسفة السعادة: طريق العقل إلى الحرية
- الإحباط من الواقع قد يقتل فرص النجاح
- قواعد التعامل الاجتماعي
- مصاصي الطاقة والعلاقات السامة
- خطاء المديرين في الإدارة
- طواحين الهواء (متلازمة دون كيشوت)
- أنواع العقد النفسية: تحليل لأشهرها وأسبابها وآثارها وطرق الت ...
- من مذكرات الكاتب التركي عزيز نيسين..- الفأر الصغير في زيت ال ...
- مخلوقات تهدد المرافق الصناعية
- -العفريت والمحيط- من مذكرات الكاتب التركي -عزيز نيسين-
- يا جملي الصغير
- الديك و الشادوف


المزيد.....




- أمريكا تعلن إلغاء 5200 برنامج من USAID والإبقاء على 1000
- احتيال على الطريقة الأوكرانية
- -الشرع زعيم متمردي سوريا تودد للعالم لكنه الآن متهم بارتكاب ...
- السلطات الأمريكية تعتقل الناشط محمود خليل قائد الحراك الطلاب ...
- بعد أيام دامية.. وزارة الدفاع السورية تعلن انتهاء -العملية ...
- الاستخبارات الروسية: لندن منزعجة من ترامب بسبب طريقة حواره م ...
- ظنها مجرد صدفة جميلة.. غواص ينجو بأعجوبة من كائن سام في البح ...
- مصدر أمني يتحدث عن عملية ملاحقة الإرهابيين الأوكرانيين في رو ...
- عقيد أوكراني سابق: إذا طال أمد النزاع فلدى كييف خيارات سيئة ...
- اصطدام ناقلة نفط أمريكية وسفينة حاويات برتغالية قبالة سواحل ...


المزيد.....

- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودوره المفقود