أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 08:31
المحور:
الادب والفن
لم يرسم رامبرانت فان راين (1606-1669)() الوجوه فحسب، بل ورسم أيضًا حالات ذهنية، شظايا من الروح البشرية التي خلدت في لحظة الضوء العابرة. وإذا كان معاصروه يسعون إلى الانسجام المثالي، فقد استكشف النقص وإرهاق الوقت، وكأن كل ضربة فرشاة لا تصور فحسب، بل تعترف. إن صورك الشخصية هي اعترافات صامتة، حيث لا تكون النظرة زينة، بل هاوية، انعكاسًا للحياة النابضة تحت الجسد. بل يفكك تحولها من شاشة قماش. إلى روح فنية عميقة تلوح بنا ريح روحها. أجوافنا. جدل أنفاسنا الباغتة السر. بفتك لوني. يهرس أواصر جمودنا اللماح إلى للأشياء. إن شئتم.
أمام لوحاته، لا نلتقي بشخصيات بعيدة، بل بحضورات تخترقنا، وتسألنا بنفس الشدة التي سألها عنها الفنان نفسه. في رامبرانت، لا يكون العلاج الطبيعي قناعًا، بل شفافية. فهو لا يخفي التجاعيد، ولا يخفف الظلال حول العينين، ولا يمحو قلق الشفاه نصف المغلقة. لا تقدم شخصياتهم أنفسهم للمشاهد بغطرسة وضعيتهم، بل بضعف من يعتبرون أنفسهم بشرًا.
إن الصور الذاتية هي الدليل الأكثر نقاءً على البحث عن الحقيقة. فعبر أكثر من ثمانين لوحة فنية، رسم رامبرانت تشريح مرور الوقت على نفسه. في شبابه، واجهنا بازدراء وسخرية، بغطرسة أولئك الذين يتحدون القدر. ومع مرور السنين، تتجعد البشرة، وتزداد العيون ثقلاً، وتصبح صورتك مرآة للحياة التي تستهلك، والمجد الذي يتكشف. إن آخر ضربة فرشاة ليست وداعًا، بل تسليم: فهي لا تخفي اضمحلالها، بل تديمها.
وفي صور القسم الثالث، يكون التعاطف هو نفسه. فالبرجوازيون الهولنديون ليسوا تماثيل للفخامة والقوة، بل رجال ونساء تمسهم الشكوك والمخاوف. إن كبار السن الذين نجدهم على شاشاتهم يحملون ثقل العالم على أكتافهم، ليس فقط بسبب العمر، بل بسبب ما عاشوه - وما فقدوه. إن النبل الذي يسعى إليه رامبرانت لا يكمن في فخامة الملابس، بل في كثافة نظرته. فهو يكشف أكثر مما يرسم، وكأن كل وجه هو نتيجة حفر.
إن تلمسه للفرشاة لا تُصف بل تلمح. إن ظلالها لا يخفي بل يكشف. إن نورها وظلامها ليسا مجرد تأثيرات درامية، بل إنهما استعارات للحالة الإنسانية، حيث لا يستبعد النور والظلام بعضهما البعض، بل يندمجان مع جوهر كل كائن. وإذا كان كارافاجيو قد حول الضوء إلى مسرح، فإن رامبرانت حوله إلى اعتراف.
ربما لهذا السبب عندما نقف أمام شاشاتك، نشعر بشيء يتجاوز الإعجاب الجمالي. نشعر بأن تلك الوجوه لا تزال تتنفس، ولا تزال تحمل شكوكها وآمالها وندمها. لم يرسم رامبرانت الصور فحسب - بل رسم ضوء الروح، ونور الروح، كما نعرفها، لا يمكن محوها أبدًا. بل يفكك تحولها من شاشة قماش. إلى روح فنية عميقة تلوح بنا ريح روحها. أجوافنا. جدل أنفاسنا الباغتة السر. بفتك لوني, يهرس أواصر جمودنا اللماح إلى للأشياء. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 03/10/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟