أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حميد كشكولي - انتهاء حقبة وابتداء أخرى جديدة في مسار الحركة القومية الكردية















المزيد.....


انتهاء حقبة وابتداء أخرى جديدة في مسار الحركة القومية الكردية


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 02:21
المحور: القضية الكردية
    


تفكيك حزب العمال الكردستاني سلمياً وطوعياً يمثل نقطة تحول مهمة في مسار الحركة القومية الكردية، خاصة فيما يتعلق بالأساليب النضالية التي تبناها على مدار عقود. لقد كان الحزب عنصرًا أساسيًا وبالغ التأثير في هذه الحركة، مجسدًا ما يمكن اعتباره النهج التقليدي للنضال القائم على العمل العسكري والتنظيم السري. ومع الإعلان عن هذه الخطوة المفاجئة بحل الحزب نفسه طوعًا وبشكل سلمي، يبدو هذا التحرك كإشارة بارزة لبداية مرحلة جديدة في تاريخ الحركة القومية الكردية ككل.

هذا القرار لا يمثل مجرد إجراء تنظيمي داخلي، بل يعكس تغيرات سياسية واجتماعية عميقة شهدتها المنطقة وأثرت على القضية الكردية وظروفها المحيطة. هذه المتغيرات أصبحت تلقي بظلالها على واقع النضال، ما يستدعي البحث عن استراتيجيات أكثر مرونة وملاءمة للتحديات الراهنة. في عالم لم تعد فيه الطرق التقليدية تحقق الغايات المطلوبة، يمكن اعتبار حل حزب العمال الكردستاني لحظة فاصلة تؤرخ لانتهاء حقبة وابتداء أخرى جديدة في مسار القضية.

من العوامل الرئيسية التي دفعت الحزب لاتخاذ هذا القرار كانت الرسالة التي وجهها عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي للحزب، والتي شددت على أهمية التخلي عن السلاح واعتماد أساليب سلمية للنضال. لم تكن هذه الرسالة مجرد تصريح موجّه للداخل الكردي، بل كانت دعوة واضحة نحو تحول استراتيجي شامل. وقد تعزز هذا التوجه من خلال الإعلان الذي أصدرته قيادة الحزب وفروعه المختلفة، حيث جاء مؤيدًا لهذه الرسالة ومؤكدًا التزامهم بتبنّي هذا التغيير الجوهري. الدعم الذي أبدته التنظيمات المرتبطة بالحزب عكس موقفًا موحدًا يعزز الانطباع بجدية الحزب في السير نحو استراتيجية جديدة.
على مدى تاريخ الحزب، مرت مواقفه وأهدافه بتحولات عديدة، تعكس عمق التعقيدات المحيطة بالقضية الكردية. لكن الإعلان الأخير يشكل نقلة نوعية مختلفة، فهو لا يُعتبر مجرد تعديل تكتيكي محدود، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا عن النهج والأساليب التقليدية. وللمرة الأولى، يبدو أن الحركة القومية الكردية تتجه بوعي نحو تجاوز الأنماط القديمة، مع تبني أشكال نضال وسياسات تتماشى مع المستجدات الدولية والإقليمية.

بوجه عام، يمكن النظر إلى قرار تفكيك حزب العمال الكردستاني على أنه خطوة صعبة لكنها ضرورية في إطار فهم جديد للواقع المعاصر. يشكل هذا القرار فرصة لإعادة توجيه الأهداف والاستراتيجيات نحو مقاربة أكثر حكمة وانفتاحًا تخدم القضية الكردية بشكل فعال، مع إمكانية تحقيق تغييرات أكثر عمقًا واستدامة في المنطقة على المدى البعيد.

لقد أثبتت الأساليب التقليدية التي تتبعها الأحزاب القومية الكردية أنها لم تعد مجدية. فقد تميز النضال الكردي بطابع تقليدي يغلب عليه الطابع الريفي ويعتمد على أنماط ما قبل الرأسمالية، وهو ما يتعارض مع طبيعة المجتمعات الحديثة المبنية على أسس رأسمالية. ومع هيمنة الأنماط الحضرية بالكامل في المناطق الريفية بكردستان، إلى جانب التحولات الجذرية التي أحدثها العالم الرقمي، لم تعد البيئة التي اعتمدت عليها الحركة القومية الكردية سابقًا قادرة على دعم بقائها أو نجاحها في ظل الظروف الراهنة
في الوقت الحاضر، أصبح العمال بالإضافة إلى البرجوازية في المدن والمناطق الريفية المتطورة يشكلون العمود الفقري الرئيسي لهذه الحركة، بعدما كان الفلاحون والقرويون يشغلون هذا الدور في الماضي. كما أن المطالب الاجتماعية المتعلقة بحقوق العمال والنساء والطلبة والموظفين باتت تهيمن على المشهد، متجاوزة المطالب القومية التقليدية في أهميتها.

قرار أوجلان بهذا الصدد مثّل نقطة تحول جوهرية ساعدت الحركة الكردية على الخروج من أزمتها المستمرة لسنوات طويلة. يمكن النظر إلى تفكك حزب العمال الكردستاني كمرحلة تاريخية تعكس التحولات العميقة التي أصابت الفكر القومي الكردي. فالنهج التقليدي لم يعد يلبّي احتياجات الواقع الحديث، ما يعزّز الحاجة إلى تبني استراتيجيات مبتكرة تتوافق مع طبيعة التغيرات الحالية. هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية أعادت ترتيب المشهد داخل المجتمع الكردي، وهو ما يستلزم تغييرات جذرية في أساليب الكفاح لتحقيق الطموحات المنشودة.
تسعى الحكومة التركية إلى توظيف قضية مكافحة الإرهاب ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني كوسيلة للخروج من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها في الوقت الراهن. ومن هذا المنطلق، تستغل الحكومة هذه القضية لإسكات الأصوات المعارضة وقمع الاحتجاجات الناشئة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والتوترات السياسية الداخلية. يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلجأ بشكل مدروس إلى توسيع نطاق القومية الفاشية ولو بدرجة محدودة، بهدف تهيئة الأوضاع والظروف التي تناسب استراتيجياته السياسية.

في هذا السياق، تتبنى السلطات التركية سياسات عسكرية وإجراءات قمعية تعكس تصعيداً ملحوظاً على المستويين الأمني والسياسي. ويتجلى ذلك بشكل خاص في الهجمة التي تقودها التيارات القومية الفاشية التركية ضد طموحات الشعب الكردي داخل البلاد. هذا القمع المتزايد لا يساهم فقط في تعميق أزمة الثقة بين الحكومة والمجتمع الكردي، بل أيضاً يُعقّد المساعي الرامية إلى إيجاد حلول سلمية، مثل محاولة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني والعمل على حله. بذلك، تتحول إجراءات الحكومة إلى أدوات تزيد من التأزم بدلاً من تهدئة الأوضاع أو التمهيد لأي تسوية شاملة ومستدامة. أردوغان والتيارات القومية التركية المتطرفة بحاجة غالبا ما إلى عداء حزب العمال الكردستاني ومكافحة "الإرهاب" لأهدافه الداخلية والإقليمية. وإذا استمرت العملية السلمية التي بدأت برسالة أوجلان، فستعود بالضرر على حكومة أردوغان والقومية الفاشية التركية.
النزعة القومية في تركيا تُستخدم كوسيلة لتضليل الشعب التركي وقمع الأكراد داخل البلاد. كما أن التصعيد العسكري التركي ضد حزب العمال الكردستاني يؤدي إلى زيادة التطرف لدى الجانبين، ما يخلق حزازات بين أفراد شعوب تركيا.

تعمل تركيا على توسيع نطاق جهودها لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني لتمتد إلى القوات الكردية في سوريا. ويأتي إعلان نزع السلاح الفوري لحزب العمال الكردستاني كخطوة تخدم هذا الهدف. ومع ذلك، يتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تدعم هذا القرار، بينما تحافظ في الوقت نفسه على تسليحها للتصدي للتحديات التي تواجهها القوات الكردية في سوريا، بما في ذلك مكافحة تنظيم داعش والجماعات الإسلامية المدعومة من تركيا، بالإضافة إلى مواجهة النظام القمعي الحاكم.
تختلف هذه التحديات عن تلك التي يواجهها الأكراد في تركيا. فالولايات المتحدة تقدم دعمها للقوات الكردية في سوريا، حيث تعتبرهم حلفاء إقليميين في مكافحة تنظيم داعش. كما أن هناك إمكانية لاستغلال الفرص الناجمة عن تضارب مصالح القوى الكبرى والإقليمية على الساحة السورية، إلى جانب الدعم القادم من قوى الشعب السوري ذات الطابع المدني والتقدمي. ومع ذلك، في حال تم القضاء على تهديد داعش، يجب توخي الحذر؛ إذ إن اعتماد الأكراد السوريين على الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تكرار المأساة التي تعرض لها أكراد العراق في عام 1975.
إن السعي لإلغاء التمييز وتحقيق مفهوم المساواة الحقيقية بين الشعوب يستدعي بالضرورة تقبّل الحلول الطوعية والسلمية لأي جماعة أو حزب يتسم بطابع قومي. فالأحزاب ذات التوجهات القومية لم تُؤسس بهدف القضاء على التمييز أو تعزيز الوحدة، بل في الكثير من الأحيان لعبت دورًا في تأجيج الانقسامات وزيادة الفجوة بين مختلف المجتمعات. وفي ظل الظروف الراهنة، لا تُضفي هذه الأحزاب أي طابع تقدمي يمكن أن يسهم في تحقيق الانسجام الاجتماعي أو خدمة القضايا العادلة.

وفي هذا الإطار، يُمكن النظر إلى حل حزب العمال الكردستاني باعتباره خطوة تصب في مصلحة شعب كردستان وشعب تركيا بأكمله. إذ إن المضي قُدمًا باتجاه انضمام أعضاء هذا الحزب إلى حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يُعد كيانًا سياسيًا ذا طابع قومي غير مسلح، يمثل بديلاً أكثر اعتدالًا وعقلانية بالمقارنة مع البقاء ضمن صفوف الحركات المسلحة ذات الطابع المتطرف. إن هذه الخطوة توحي بتفضيل الخيار السياسي السلمي على النهج العنيف، الأمر الذي يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من الحوار البنّاء والتقدم نحو حلول دائمة تسعى لتحقيق تطلعات كافة الأطراف بشكل مسؤول وسلمي.
إن الدوافع الأساسية للتيارات اليسارية ذات الطابع القومي تتركز بالدرجة الأولى حول حماية وتعزيز مصالح الجماعات القومية، وليس حول الدفاع عن حقوق العمال والكادحين أو التعبير عن تطلعات جماهير الشعب العريضة. وفيما يتعلق بالظروف السياسية الراهنة في تركيا، فإن تطور الرأسمالية وتوسع المجتمع الحضري أديا بشكل مباشر إلى تضييق الخناق على أي تقاليد قديمة كانت تشكل أساس الحركات القومية الكردية. ورغم ذلك، يلاحظ أن تركيا تتمتع بمستوى نسبي من الحريات السياسية بالمقارنة مع العديد من دول المنطقة الأخرى، على الرغم من السياسات القمعية التي ما تزال تمارس في بعض الأحيان.

مالمو
2025-03-09



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجر من الشرق الأوسط وجاذبية الرأسمالية
- الاقتصاد السياسي لمكافحة الهجرة
- سرّ محبة الزعيم
- عهد القسوة في عهد ترامب
- كيان كردي صديق لتركيا في روج آوا
- تأملات في قصيدة فرات اسبر -كما يمرُّ الماءُ من فم ِالحَجر-
- حناجر الينابيع
- انقلاب 8 شباط وكلام مختلف
- اتحاد الجسد والروح في شعر فروغ فرخزاد
- قارب المغيب
- الأكاذيب التي أطلقها ترامب في بداية ولايته
- المسرح المتهالك
- سيمفونية الفوضى
- أثرياء مسالمون لا يؤمنون سوى بالحرب الطبقية
- رداً على هجوم شبح يتسكع في الحوار المتمدن
- الابداع والمنفى
- الموت من أجل كلية: هل يستطيع أحد أن يمنع السوق السوداء المزد ...
- ومضات عدنان الصائغ
- معجزة رأسمالية الدولة والصراع الطبقي في الصين
- يلدا انتصار النور على الظلام وبداية دورة جديدة


المزيد.....




- إسرائيل تعترف بفشلها في تحديد أماكن احتجاز الأسرى الإسرائيلي ...
- 762 حالة اعتقال بينهم 90 طفلاً الشهر الماضي
- حماس تحدد أولوياتها بالمفاوضات وعائلات الأسرى تطالب بـ-تفويض ...
- اعتقال ناشط فلسطيني شارك في احتجاجات جامعة كولومبيا الأميركي ...
- المبعوث الامريكي: اتفاق قريب مع حماس لإطلاق الأسرى في غزة
- اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- عدوان إسرائيلي متواصل في الضفة… اقتحامات واعتقالات وحصار متص ...
- صحف عالمية: غزة بالمنطقة الرمادية وملف الأسرى يؤرق إسرائيل
- بعد وفاة طفلة.. وزير الداخلية التركي يتعهد بإعدام ملايين الك ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حميد كشكولي - انتهاء حقبة وابتداء أخرى جديدة في مسار الحركة القومية الكردية