أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أزاد خليل - - مجزرة الساحل: حين ذُبح العلويون على مذبح الكراهية -














المزيد.....


- مجزرة الساحل: حين ذُبح العلويون على مذبح الكراهية -


أزاد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 00:48
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


مجزرة الصمت والدماء

في ليلٍ أسود، لا قمر فيه ولا نجوم، تسللت الوحوش بين الأزقة، وجوههم مغلفة بالسواد، وأرواحهم غارقة في قذارة الجريمة. طرقوا الأبواب، ليس كما يطرق الإنسان باب جاره، بل كما تقتحم الوحوش أعشاش الطيور. شقوا الجدران برصاصهم، واغتصبوا الصمت ببكاء الأمهات، ليبدأ مهرجان الدم حيث لا رحمة، ولا إنسانية، ولا معنى للوجود سوى فحيح الموت.

صرخت أم كريم:
“يا ابني، اسمع صوت خالتك! اركض، شوف شو صاير!”

لم يكن بحاجة إلى الركض، فالرعب جاء إليهم بنفسه. في عتمة المدخل، رأى جثثًا ملقاة، ورأى رجالًا يجرّون الناس كما تجرّ الذئاب فرائسها. وسط الضوضاء، شاهد أم كريم، عجوزًا ترتجف، يدٌ قوية تسحب رأسها إلى الخلف، وسكينٌ تلمع تحت الضوء الخافت قبل أن تفتح عنقها كما يُفتح كيسٌ من القماش. لم تصرخ. كان الهواء قد اختنق بالصراخ ولم يعد أحدٌ قادرًا على إضافة صوت جديد.

كريم، الطفل ذو العشر سنوات، وقف بجانب أبيه، يختبئ خلفه كما يختبئ العصفور خلف أمه. لكنه لم يكن يعرف أن الأوغاد لا يقتلون الطائر الأم أولًا، بل يقتلعون جناحيه أمام ناظريها.

“لا… لا تأخذوه، هو مجرد ولد!” صرخ الأب، لكن البندقية لا تفهم كلمات الاستعطاف. دفعوه على ركبتيه، أمسكوا برأسه، ومر السكين على رقبته كما يمر المنجل على سنابل القمح. دمه نُثر على الجدران، ليرسم علامة الشيطان التي جاءت تحصد الأرواح. الأب تقيأ روحه بالبكاء، قبل أن تأتي رصاصة لتنهي عذابه، وتسقطه فوق جثة ابنه، كما يسقط الجبل فوق النهر.

المجزرة لم تكن انتقائية. خرجوا إلى الشارع، جمعوا الناس كما تُجمع قطعان الماشية، أوقفوهم صفًّا، واحدًا تلو الآخر. رجلٌ مسن تمتم ببقايا قرآن، فردّوا عليه برصاصة في الرأس، فتناثر دماغه على قدميه. امرأةٌ حبلى صرخت: “أنا حامل! أنا حامل!”، فلم يزدهم ذلك إلا تعطشًا، فركلوها في بطنها حتى سقط جنينها كتمثال صغير محطّم. لم يكن المشهد مجزرة، بل طقسًا وثنيًا لعبادة الدم.

في الزاوية، اختبأت فتاة في الرابعة عشرة، اسمها لينا. عائلتها كلها ممددة على الأرض، بلا حياة. لم يكن لدى السفلة وقتٌ ليشعروا بأي شيء، كانوا يريدون المزيد. أمسكها رجلٌ خمسيني، رائحته نتنة، أنفاسه مشبعة بالخمر والوحشية. بدأ يمزّق ملابسها كما يمزّق حيوان مفترس فرو فريسته. كانت تصرخ، لكن صوتها لم يكن أقوى من ضحكاته. انحنى فوقها، لكن لم يكن يعلم أن تحت الأقدام المهشّمة، تحت الأجساد المذبوحة، تحت الدمار الذي خلّفه، هناك روحٌ لم تنكسر بعد. في لحظة خاطفة، امتدت يدها إلى خنجره، وسحبته بحركة لم يتوقعها أحد. ثوانٍ قليلة، وسال دمه القذر على جسدها الطاهر، وتدحرج رأسه إلى جوار الجثث الأخرى. لم تكن تبكي، لم تكن تصرخ. كانت تراقب عينيه الميتتين، كأنها تسأل: “هل كنتَ تشعر بالقوة عندما كنتَ تمزّق ملابسي؟ هل كنتَ تظن أنني لن أقاوم؟”

لكن هذه القصة لم تبقَ حبيسة جدران المجزرة. هاتفٌ ملقى على الأرض التقط كل شيء. الفيديوهات خرجت إلى العالم كعاصفة غضب. انتشرت في الإنترنت كالنار في الهشيم. رأى الناس الحقيقة، رأوا الرؤوس تتدحرج، والأطفال يُذبحون، والنساء يُغتصبن، والرجال يُحرقون. لم يكن بالإمكان إنكار شيء.

النظام في دمشق اهتز. لم يكن هذا جزءًا من السيناريو. كانوا يظنون أن الجرائم ستُدفن تحت ركام الحرب، كما دُفنت آلاف الجرائم من قبل. أحد المستشارين أسرع إلى مكتب القائد، وجهه شاحب، صوته يرتجف:
“سيدي… الأمور خرجت عن السيطرة، الفيديوهات في كل مكان!”

رفع القائد نظره ببرود، ثم قال:
“لن يصدقهم أحد. نحن نتحكم بالسردية.”

لكن العالم لم يكن بحاجة إلى سردية. كانت المشاهد وحدها تكفي. كانوا بحاجة فقط إلى أن يرى الناس الحقيقة، وها هي الحقيقة أمامهم، حية، دامية، تُلطم كل من يحاول إنكارها.

الشارع السوري انقسم. كان هناك من قال: “هذا ليس نحن، هذا ليس شعبنا!” وكان هناك من قال: “لكنهم قتلونا من قبل، وهذا القصاص!” وبين الاثنين، اتسع الجرح، ونزف الوطن أكثر، وفاحت منه رائحة الموت.

عشرة آلاف روحٍ بريئة صعدت إلى السماء، تلعن قاتليها، تلعن العالم الذي وقف متفرجًا، تلعن الإنسانية التي أصبحت مجرد كلمة تُقال في المؤتمرات، بينما تُذبح في الشوارع.

هذه لم تكن حربًا. كانت إبادة. كانت لحظة كشفٍ مخيفة، لحظة أدرك فيها الجميع أن الوحش لم يعد يختبئ في الظلال، بل يسير بيننا، يحكمنا، يتحكم بمصائرنا، ويطلب منا أن نصفّق له كلما ذبح أحدًا جديدًا.

الآن، السؤال ليس من المذنب، ولا من الضحية. السؤال هو: من القادم؟



#أزاد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبادة العلويون 6 و7 آذار… يوم العار والذبح على الهوية
- سوريا للجميع: لا مكان للتهميش أو الإنكار في وطن متعدد الهوية
- “زانيار وتيمور: حكاية الأرض المسلوبة والمقاومة التي لا تموت-
- كوباني: هوية لا تُمحى وتاريخ لا يُزوّر – في مواجهة محاولات ا ...
- لماذا اجتماع جنيف الموسع: نحو رؤى وطنية لسوريا المستقبل
- اجتماع جنيف الموسع للقوى والشخصيات الوطنية نحو سوريا ديمقراط ...
- - حمار بدرجة بروفيسور : عندما يصبح الجهل ذكاءً اصطناعيًا!
- المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكات ...
- - الطبقية: قيدٌ آخر للاستبداد، متى نحطّمه؟
- “حيث صار الأملُ جريمةً، بَكَتِ المدينةُ حتى تلاشى صوتُها”
- العبودية الحديثة: قصة الدمشقي وفنون التقديم والطاعة
- الكورد : صرخةٌ في وجه التاريخ وهوية متمردة في وجه التهميش
- ماذا بعد انتصار الثورة السورية؟ تحديات المرحلة الانتقالية وغ ...
- “من يحكم سوريا غدًا؟ جدل الشرعية والواقع العسكري”
- هل يفقد الشرق الأوسط أخر مسيحي!
- أكراد سوريا: بين هوية مهددة ومستقبل مجهول
- سورية بعد الحرب: هل يتحول الاستقرار الهش إلى سلام دائم؟
- -المسيحيون في سوريا: إرث تاريخي وحضاري تحت التهديد وخطوات دو ...
- -الفتنة القادمة من منغوليا: سقوط غابة السلام-
- “سوريا بين مطرقة الجهادية وسندان اللامركزية: فرصة ضائعة أم أ ...


المزيد.....




- قميصان نادران لمايكل جوردان وكوبي براينت قد يحققا 20 مليون د ...
- -جرح في ضمير الإنسانية-.. أول تعليق إيراني على أحداث الساحل ...
- سوريا تواجه أسوأ موجة عنف منذ سقوط الأسد.. ما الذي يحدث في ا ...
- بيونغ يانغ تجري خامس تجربة صاروخية هذا العام تزامنًا مع مناو ...
- حماس تكشف جانبا من لقائها بالمبعوث الأمريكي وتحذر إسرائيل من ...
- -العنف يزيد من تعقيد الوضع-.. إيران تعلق على أحداث الساحل ال ...
- -السيسي أحبط المخطط-.. وزير الخارجية المصري يتحدث عن تحديات ...
- العراق: وحدة سوريا وأمنها واستقرارها بحاجة إلى صوت العقل وال ...
- زاخاروفا تعلق على خبر حول احتمالية جولة جديدة من المحادثات ا ...
- روسيا.. تطوير خوارزمية لتقييم حالة الشرايين التاجية باستخدام ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أزاد خليل - - مجزرة الساحل: حين ذُبح العلويون على مذبح الكراهية -