|
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 09:34
المحور:
الادب والفن
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق يحسب للأدب الفلسطيني تناوله سلبيات منظمة التحرير الفلسطينية منذ البدايات، فقد كتب رشاد أبو شاور رواية "البكاء على صدر الحبيب" ونشرها في عام 1973، وهذا يعود لحرصه على المنظمة وعلى القضية الفلسطينية، وتبعه يحيى يخلف في رواية "نشيد الحياة" وحميدة نعناع في رواية "الوطن في العينين" وأن يأتي "جهاد الرنتيسي" ويضيف رواية "شامة سوداء أسفل العنق" فهذا يعد إنجازات إضافي، ويؤكد ديمقراطية الأدب الفلسطيني والحرية التي ينعم بها. فالحرية أساس أي إبداع أدبي/فني، من هنا وجدنا العديد من الأدباء والكتاب الفلسطينيين ينتقدون السلطة وبصورة (متطرفة) مؤكدين أنهم أدباء وكتاب ينتمون لوطنهم وليس لمن (يطعمهم)، وبهذا ألغوا مقولة: "من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه" فهم تجاوزوا هذا الأمر، ويكفي أن نستشهد بإنجازات الأدبية لكل من "المتوكل طه، وأحمد رفيق عوض، ووليد شرفا وعفاف خلف وغيرهم. العنوان إذن يمكننا القول إن الأدب الفلسطيني تميز عن غيره في المنطقة العربية بقدرته على انتقاد المتنفذين من أعلى الهرم وحتى أدنى متنفذ، بداية أنوه إلى أن المحرمات الثلاث التي يحظر تناولها في المنطقة العربية تتمثل في: الدين، السياسة، الجنس، والسارد في الرواية تناول السياسة والجنس ويبتعد عن تناول الدين مباشرة، وتناول رجال الدين. عنوان الرواية متعلق بعنق شخص/"غادة"، بمعنى انه يعرفنا على (خفايا) الجسد، فهناك علامات جسدية لا تظهر إلى بعد تعرية الجسد، وبما أن العنوان متعلق بما هو أعلى الجسد "العنق" الذي يحمل الرأس، فقد تم كشف لنا ما يفعله هذا الجسد الذي كان (مشاعا) لكل مشتهي، ومفتوحا على الرعبة والشهوة، من هنا وجدنا العديد من المشاهد الحمراء والمثيرة: "غمزة أم عامر دعوة للبقاء...أظنك بحاجة للاغتسال...تركت لك بيجامة رمزي على أحد أرفف الحمام، هي دعوة أخرى.. طبق الكاجو يتوسط المازات...أطلت من غرفة النوم، ردؤها الأسود يكشف بياض صدرها، نتوءي حلمتيها تحت قماش الساتان...خمن أنها بلا ملابس داخلية" ص18، الحديث هنا لا يدور عن أشخاص عاديين، بل عن مناضلين يفترض أن يكونوا أوفياء لبعضهم، ويحفظون على عروضهم وشرفهم، لكن، في ذلك الزمن، كان العديد من (المناضلين/المثقفين) يعتبرون ممارسة الجنس خارج العلاقة الشرعية مسألة شخصية ولا تمس العمل الوطني/الثوري، وأعتقد، بما أن أحداث الرواية تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وتنتمي إلى ذلك الأدب الذي نشر، فقد وجد السارد نفسه (مجبرا) على الحديث عن مثل هذه المشاهد، لهذا وجدنا العديد من الليالي الحمراء في الرواية. جاء ذكر عنوان الرواية في هذا المشهد: "تنورة غادة الزرقاء أعلى من الركبتين، ساقاها بلا جوارب، لم ينتبه لجمالها من قبل، يطل منبت نهداها بخجل من وراء أزرار قميصها المفتوحة، غضن النظر عنه عين صافحها، أطالت النظر في عينيه، أتاح قربه منها رؤية شامة سوداء أسفل عنقها" ص43، من هنا يمكننا القول إن رواية "شامة سوداء أسفل العنق" رغم أنها نشرت في عام 2024، إلا أنها تنتمي لأدب السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما نجده في أحداثها وطبيعة شخصياتها. نقد المنظمة والأنظمة قلنا إن الأدب الفلسطيني كان سباقا في نقد منظمة التحرير والمتنفذين فيها، وبين عيوبهم وكشف عوراتهم، تتحدث "أم عامر" عن هذا الأمر بقولها: "كل من يختلف معهم على خطأ" ص25، وهذا القول يعكس تجربتها مع المتنفذين في المنظمة، وكيف أنهم لا يرون إلا أنفسهم ورأيهم الصحيح، وما دونهم هم على خطأ ويجب عزلهم أو إقصائهم. وهناك موقف عام من حركة فتح جاء من خلال "إلياس شوفاني" الذي رأى فيها مجرد: "تنظيم انتهازي بقاعدة شعبية واسعة" ص38، ورأي في انشقاق فتح: "رفض الأخ أبو صالح عرض عرفات تشكيل تنظيم جديد يحتل المرتبة الثانية بعد فتح... اقترن العرض بصرف مخصصات مالية لعامين" ص58، هذا الموقف يشير إلى أنه كان يمكن تلافي الاقتتال الفلسطيني (حرب المخيمات) وما أحدثه من كوارث بشرية وسياسية في الساحة الفلسطينية. وينقل لنا موقف الممثل المصري "نور الشريف" في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر: "إن حضور مثل هذه الجلسات يكفي لتخريج الممثل بامتياز دون الذهاب إلى دراسة التمثيل" ص80، وهذه إشارة إلى أن المجلس كان يهتم بالشكل وليس بالجوهر، وما آل إليه الواقع الفلسطيني من خراب، إلا نتيجة الفساد الذي تفشى في المنظمة وفي مؤسساتها. أما الواقع العربي فنجده في هذا المشهد: "لم تخل نقاشاتهم من انتقادات لدونية العرب أمام الغرب، انبهارهم بالبلاد التي استعمرتهم، استثماراتهم فيها، سياحتهم إليها، وكانوا ينتقلون من حديث عقد النقص، إلى التنبؤ بمستقبل بلدان المنطقة في ظل الخضوع للسيطرة الأجنبية والاستعمار الخفي، ويسندون رؤاهم بمقولات مفكرين عرب" ص32، هذا الواقع ما زال سائدا منذ خروج الاستعمار من بلادنا وحتى اليوم، من هنا نجد الدول النفطية العربية تستثمر في الغرب وتترك البلاد العربية محرومة حتى من أدنى الخدمات، واللافت في هذا الاستثمار انه غير مجدي ولا يفيد العرب، فهناك عشرات المليارات استثمرت في لعبة كرة القدم، من شراء أندية أوروبية بمليات الدولارات، وشراء لاعبين بمئات الملايين من الدولارات يعد أكبر فساد في العلم. رجال الدين رجال الدين السياسي على مر الزمن لعبوا دورا سلبيا تجاه الأمة والقضايا الوطنية والقومية، فقد تم استخدامهم من قبل الأنظمة الرجعية والغرب وحتى الصهاينة لخدمتهم وتحقيق مصالحهم في المنطقة وحتى في العالم: "أظنك سمعت يا سعد عن توبيخ خطيب الجمعة في أحد مساجد لوس أنجلوس للذين شاركوا في تأييد امرأة وصفها بالشيوعية، حتى لو ناصرت الحق الفلسطيني ووقفت في وجه الصهيونية" ص53، اللافت في هذا الموقف أنه ما زال حاضر ومستمر حتى اليوم، ليس تجاه الشيوعيين الذي (انقرضوا) الآن، بل تجاه كل من يقاوم الصهاينة والمشروع الغربي الاستعماري، وما موقفهم من "حزب الله، حزب (الشيطان) إلا تأكيدا على عمالتهم وجهلهم وفسادهم في الأرض. الصهيونية يبني السارد موقفه من أي شخص/جهة/حزب على أساس معادته للصهيونية، فعندما تناول "رسل" اعتمد على تخلفه في معادة الصهيونية، وعدم اتخاذ موقف إنساني/أممي تجاه الفلسطيني: "كفر عن دعوته لاستخدام السلاح النووي ولم يكفر عن آرائه حول مظلومية الفلسطينيين" ص13، فالسارد على دراية وافية بخطورة المشروع الصهيوني على المنطقة العربية وحتى العالم: "بأن زوال القاعدة الصهيونية نقطة تحول حاسمة في التأثير على مستقبل النظام الإمبريالي" ص35، وهذه الحقيقة نجدها بعد معركة وطوفان الأقصى ووقوف الغرب الإمبريالي مجتمعا إلى جانب دولة الاحتلال التي أمدها بأحدث الأسلحة، وأسكت وقمع ومنع كل الأصوات التي نادت بوقف الإبادة الجماعية في غزة. زمن الرواية وشخصياتها الرواية تتناول العديد من الشخصيات الفلسطينية، أبو صالح، فاروق القدومي، أبو موسى، خالد الحسن، جورج حبش، أبو عمار، صلاح التعمري، محمود عباس، ناجي علوش، وغيرهم الكثيرين، وأيضا هناك شخصيات عربية: حسيني الزعيم، زكي الأرسوزي، إضافة إلى العديد من الشخصيات الأدبية والفنية والفكرية الفلسطينية والعربية والعالمية "برتراند رسل، فؤاد زكريا، محمود درويش، ماجد أبو شرار، إميل حبيبي، آرثر ميلر وغريهم، من هنا وجدنا ذكر للعديد من الكتب أو أبطالها "أبو الخيزران، بطل رجال في الشمس، كتب والمنشورات: "حكمة الغرب، التفكير العلمي، صحيفة القبس" وهذا يشير إلى أن الرواية كانت حاضرة/موجودة/مكتوبة قبل نشرها بثلاثة عقود على الأقل، وما تأخير نشرها إلى مسألة متعلقة بـ"جهاد الرنتيسي". إذن نحن أمام رواية أبطالها/شخصياتها من الخاصة والنخب، وهذا استدعى وجود حكم وأقول مأثورة متعلقة بهؤلاء الكتاب والمفكرين والمثقفين: "علينا التخلص من أوهام إعادة بناء حركة جديدة بعدة قديمة" ص37، "التعميم مقتل للحقيقة" ص67، "الناس الذين أحترمهم هم الذين يكافحون من أجل الجميع" ص78، "تعلمت أن التمثيل لخدمة المجتمع وليس لغايات الظهور" ص83، مثل هذه الأقوال تشير إلى نضوج قائليها، نضوجهم الفكري والأخلاقي، فهم ملتزمون تجاه قضاياهم الوطنية والقضايا الإنسانية، ويتفانون في نكران الذات، وما وجود العبارتين الأخيرتين إلا من باب الحرص على المصلحة العامة، مصلحة الشعب/الأمة/الإنسانية السرد الروائي والمكان من بداية الرواية حتى نهايتها استخدم السارد الحركة السريعة، وكأنه في سباق مع الزمن، يحاول أن يجمع/يلم العديد من الشخصيات في روايته، مما استدعى وجود فقرات قصيرة، وأفعال سريعة متتابعة في السرد، وهذا خدمة لاتساع زمن الأحداث واتساع الجغرافيا التي تجري فيها، فنجده ينتقل من الكويت، العراق، إلى دمشق، إلى الجزائر، إلى عمان، إلى لبنان.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
-
ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت
...
-
الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
-
المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم
...
-
فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرمى»
-
بين فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرم
...
-
الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
-
سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
-
العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
-
صلاح أبو لاوي في صباح الحرية
-
الصراع في ومضة -الولد الجني- المتوكل طه
-
صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوان
...
-
اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
-
الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
-
-إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية
...
-
الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
-
صلاح أبو لاوي والموت
-
السلاسة والوحدة في مجموعة -أسرار خزنة- هدى الأحمد
-
أثر القمع رواية -الثانية وخمس وعشرون دقيقة- طايل معادات
المزيد.....
-
اللقاء المسرحي العربي الخامس بهانوفر.. -ماغما- تعيد للفن الع
...
-
يرغب بنشر رسالته في -الخلاص- حول العالم.. توصية بالعفو عن نج
...
-
أهرمات مصر تشهد حفل زفاف أسطوري لهشام جمال وليلى أحمد زاهر (
...
-
الملتقى الإذاعي والتلفزيوني في الاتحاد يحتفي بالفنان غالب جو
...
-
“هتموت من الضحك ” سعرها 150 جنية في السينما .. فيلم سيكو عص
...
-
جوائز الدورة الـ 11 من مهرجان -أفلام السعودية-.. القائمة الك
...
-
ما الذي نعرفه عن العقيدة الكاثوليكية؟
-
روسيا ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لأفغانستان لدى موسكو
-
فيلم Conclave يحقق فقزة هائلة بنسب المشاهدة بعد وفاة البابا
...
-
-تسنيم-: السبت تنطلق المفاوضات الفنية على مستوى الخبراء تليه
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|