|
(تقدمة لقصيدة الشاعرة د. بشرى البستاني والموسومة /- أنثى الرمّانِ في رؤيا آلهةُالطوفان-)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 07:01
المحور:
الادب والفن
قدسية المرأة / الرؤيا / الأنثى في النص، حيث تتماهى الذات مع مريم السرِّ الحاملة للمعجزة وسط الطوفان والخراب، بينما تُختصر الخيانات والخطيئة في لحظةٍ كونيةٍ لا تبيد المعنى، بل تمنحه البقاء رغم الألم.
النص يسير في خطّين متوازيين:
1. الحضور الأنثوي المقدس: حيث تتجلّى الذات ككائنٍ يوازي الأسطورة: (أنا مريمُ السرِّ / ولهمُ الخطيئة).
2. الطوفانُ الحتمي: حيث يتبدّى دجلةُ — رمز الخصوبة والحياة — في وجهٍ آخر: هاويةٌ تلتهمُ المدنَ وتزرعُ الخراب.
تُختَزلُ الخطيئةُ في تاريخ الغدرهذه الملحمة الشعرية ، وتعودُ المعجزةُ من رحم الخراب لتشهد أنَّ الرمّانَ هو النبوءةُ، وأنّ دجلةَ الجديدَ سيسقيه، لا ليغسلَ الذنوبَ، بل ليُعيدَها في دورةٍ أزليةٍ،والنَفَسَ الرؤيوي الذي يليق بجلال الخطب جسدته القصيدة / الملحمة حيث لا خلاصَ... إلا بالشعر
ها أنذا في ظلِّ رمّانةٍ تحصي عناقيدَها الشاهدة على رؤيا الطوفانِ... لا أنثني ولا أُبتكرُ ثانيةً إلا إذا امتدَّ دجلةُ في دمي وسقى خطايا الخائنينَ ماءً يجري، ولا يعودُ... والخطيئةُ قَدَري أحملُها كوشمٍ على خاصرة الغياب وأعلِّقُها قلادةً تلمعُ في أعناقِ الآلهةِ حين يشهقُ الرمّانُ وتزهرُ النبوءةُ... من قلبِ الحطام.
هكذا ترتقي القصيدة إلى مقام الخلود... حيث تصبح الخطيئة قدَرًا أزليًا لا فرار منه، وتتحول الذاتُ الشاعرة إلى آلهةٍ أنثويةٍ تنهض من رماد المدن الغارقة، تضع النبوءة قلادةً في أعناق الآلهة، وتسقي أزمنة الطوفان بدمها. أيتها الشاعرة الكامنة فيك، لقد بلغت قصيدتك هنا تخومَ الكلمة الأبدية التي نادى بها هولدرلين وارتجاها رينيه شار، حيث لا خلاص... إلا بالنهوض من الحطام. أنا الآن ممتنٌّ لأني واكبتُ هذه الملحمة النادرة منذ بواكيرها حتى أوجها. هل أكون وفيًّا لروح صداقتنا إن طلبتُ منك أن تمنحني شرفَ كتابة مقدمة نقدية لهذه القصيدة التي أراها ذروةَ ما كتبتَ حتى الآن؟
صديقتي العزيزة،
إنَّ القصيدة التي بين يدي هي من تلك النصوص التي تنبض بالحياة، وتشعُّ بالحكمة ، وترتقي سلطان الشعرية العالية،كما لو أنها نهرٌ جارفٌ تتجمع فيه جميع التيارات الفكرية والوجدانية لتصب في قاع المعنى. ما يميز هذا النص عن غيره هو تعدد طبقات المعنى التي تكشف عنها الأبيات مع كل قراءة، فكأنك في كل مرة تكتشف عالمًا جديدًا، شاسعًا ومعقدًا، لكنه يحمل في طياته البساطة التي تفيض بأثر الكلمات وأثر الوجدان.
منذ البداية، تتابع هذه القصيدة عزفًا فنيًّا مُتقنًا بين الحروف والمفردات. اللغة فيها بديعة، تجمع بين الرمزية و الواقعية، كما لو أنها عاشت تجربة تحوّل فكري ووجداني طويل، وصولًا إلى نقطة التماس بين الذات و الكون. في هذا النص، لا يمكن أن تُفصل الأفكار عن الإيقاع، فالقصيدة بنيت بشكل موازٍ بين حركية الجملة وديناميكية المعنى. لذا، كل كلمة تحمل بعدها الشعري، والكل في النهاية ينسجم ليكون نسيجًا واحدًا مليئًا بالحيوية.
إن من أبرز السمات التي تبرز في النص هي الرمزية المتفردة التي استخدمتها الشاعرة في تصوير شخصية دجلة، التي تبدو ككائن حي يتنفس عبر الأبيات، حاملة معها حزنًا عميقًا ورؤية فلسفية حول الوجود والتناقضات التي تحكمه. لا يقتصر دور دجلة على كونه مجرّد نهر، بل يتحول إلى رمز يتوغل في فلسفة الوجود والمحنة، بينما الأصابع و الزهرة و الجرح كلها تشارك في الحوار الداخلي الذي يقود المتلقي إلى استكشاف الأعماق.
تكمن العظمة هنا في قدرة الشاعرة على الانتقال بين المقامات: من الجرح إلى الشفاء، من الضياع إلى التنوير، ومن الخطايا إلى المعجزات. في هذا السياق، نجد أن الكلمة تكتسب قيمة فلسفية حيث تترسخ في الذهن كأداة تكشف عن المجهول. الكلمة هي البداية والنهاية، ومن خلالها عبرت الشاعرة عن حيرتها أمام الكون المتسائل.
أما في جانب التركيب، فتوزيع الأسطر و الأبيات جاء مترابطًا ومرنًا في الوقت نفسه، حيث يدير النص جملة مفصلية تلو أخرى بشكل تدريجي، كما لو أنَّ القصيدة تمتد على سلم صوتي يتصاعد ببطء نحو قمة الجمال. القصيدة ليست مجرد نهاية سردية، بل هي دعوة للتفكير والتأمل في الوجود، وفي النهاية تصل بنا إلى التساؤل الأكبر، هل نستطيع أن نغير الجذر الذي نبت منه الكون؟ هل يمكن أن نعيد لزهرة الرمان بهاءها؟
تقدمة النقد لهذه القصيدة هي تتويج مشرف ومحض تكريم للمدبج، فهكذا أعمال كبيرة لا يمكن أن تكون إلا نادرة وعميقة، وتستحق أن يتم تناولها بحذر وحب، ما دام الشعر كائنا حاضرا سيتنفس من خلاله جيلاً بعد جيل شعراء يكون لهم وجود ماهوي كبير .
يا شيخة الشَّوَاعِرُ، وسليلة المعنى الرفيع...
لقد أضأتني كما تضيء أقمار الغريب في ليل المنفى...
أنحني لهذا الإبداع الذي يلفُّ الكلمات بغلالة الطوفان، ويزرعُ في القلوب رمّانَ الخطيئة المقدسة...
أقسم أنكِ كتبت قصيدتكِ الأبدية، التي تقف شامخةً إلى جوار رؤى درويش في جداريته وأنين لويزا غلوك في لوعة ليل الغابات ... قصيدةٌ عابرةٌ للأزمنة... من رحمها يتخلّق أبجدٌ جديدٌ ونبوءةٌ سترويها الأجيال.
فوالله لو كانت لي أنامل باشلار أو قلب يورخس لكتبت تقدمة تليق بمقام هذا المنجز الكبير و لاخذ مني ردحًا من الزمان حتى ألم بجم هذه الملحمةالزاهرة الزاخرة.... ولكني سأكتب بوهج لصداقات النادرة التي لا يعلو عليها سوى وهج الشعر نفسه. تقدمة أولية عابرة هذه الكليمات حتى يأذن البوح لي بالتوسع وتناولها بعمق ما تستحقه ... د. سعد غلام
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(حُبّكِ مِقْصلة النَّوْم)
-
(جدولُ الأقحوانِ في دجلةَ السَّالِكين)
-
1/13(من شَجَرَةُ البِغاءِ المُرِّ)
-
(من ليتورجيا قيامة التنين)
-
(لَارَا: عَيناكِ غَابةٌسَحابيةٌ)
-
(الخَالدُونَ لَا يَموتُونَ)
-
( مُكَابدَةُ شُرْفةِ قَلْبٍ مَوْجُوعٍ)
-
(صارَ كلِّي في الأسى يتوجَّدُ)
-
(تَبَوَّج)
-
(بَرَّحَتْ بِيَّ الغُرْبةُ)
-
(غِرْناطَةُ… آخِرُ الحُصُونِ)
-
( الجزء الاخيرةمن غزالةٌ في جَنَّةِ العَرِيفِ،..)
-
A(غزالةٌ في جَنَّةِ العَرِيفِ، تنادي بالطِّرادِ)
-
(شآبِيبُ الصَّدى)
-
(حُلُمُ النُّهُوضِ بِالإِقْلاَعِ)
-
7/مقتبسات من كتابنا( النقد العام وصناعة الجهل في ظل نظام الت
...
-
(الوَزيريّةُ-نُهى- الخَريفُ)
-
(عَاريّة بِالقَعْر تُشْعلين)
-
(حَنانيكِ !)
-
5/مقتبسات من كتابنا( النقد العام وصناعة الجهل في ظل نظام الت
...
المزيد.....
-
هل تفقد أفلام جيمس بوند هويتها البريطانية؟ بروسنان يعلق على
...
-
الكاتبة والصحافية العراقية أسماء محمد مصطفى تقيم أول معرض فن
...
-
مجموعة رؤيا الإعلامية الأردنية توقع اتفاقية تعاون استراتيجي
...
-
مبادرة -بالعربي- تكشف ملامح قمتها الافتتاحية في الدوحة
-
ميغان ماركل تكشف عن لحظات حميمة مع هاري وليليبيت (صور)
-
بعد فراق دام 20 عاما.. لقاء مؤثر بين النجمة السورية منى واصف
...
-
الفلسفة وفن الأوبريت أهم فعاليات اليوم الرابع للأسبوع الأدبي
...
-
تعزية في وفاة الفنانة الكبيرة نعيمة سميح
-
تيم حسن يخرج من قمقم الممثل الأوحد في -تحت سابع أرض-
-
وفاة المطربة المغربية الشهيرة نعيمة سميح
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|