أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - إكرام فكري - خبر عاجل














المزيد.....


خبر عاجل


إكرام فكري

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 00:21
المحور: الصحافة والاعلام
    


تخيل أنك تستيقظ صباحًا، تحتسي قهوتك، تفتح هاتفك، وإذا بالعناوين تصرخ في وجهك: "العالم ينهار!"، "حرب عالمية ثالثة!"، "انهيار اقتصادي يهدد الملايين!". للحظة، تشعر أن كل شيء على وشك الانفجار، لكنك عندما تنظر من نافذتك، ترى الجيران يمشون بهدوء، الحياة مستمرة، الناس يضحكون في المقاهي، والأطفال يلعبون في الشارع. هنا، يتولد السؤال: أيهما هو الواقع؟ العالم الذي تنقله لك الأخبار أم العالم الذي تراه بعينيك؟

منذ ظهور الإعلام، كان الهدف الأساسي نقل الأخبار إلى الناس، لكن مع مرور الوقت، لم يعد الإعلام مجرد ناقل للأحداث، بل أصبح صانعًا للواقع نفسه. الأخبار لم تعد انعكاسًا نزيهًا للحقيقة، بل أصبحت نسخة مضخمة منها، مشوهة، مصممة بعناية لتثير فيك الخوف، الغضب، أو حتى الأمل الزائف ... الإعلام ليس محايدًا، بل هو راوي القصة، والقصة دائمًا منحازة.

لم يعد الإعلام الٱن يبحث عن الحقيقة فقط، بل عن الربح أيضًا. الأخبار باتت سلعة، والجمهور هو المستهلك. وكأي سلعة، يجب أن تكون جذابة، ملفتة، ومثيرة للانتباه. في عصر الإنترنت، حيث المنافسة على أشدها، لم يعد يكفي أن تكون الأخبار صحيحة، بل يجب أن تكون مثيرة، عاجلة، ومشحونة بالعواطف.

لا أحد يهتم بخبر عن طقس معتدل في مدينة ما، لكن إعصارًا مدمرًا سيجعل الجميع يضغطون على الرابط. لا أحد سيشاهد تقريرًا عن انخفاض الجريمة بنسبة 10%، لكن جريمة بشعة واحدة ستتصدر العناوين لأيام. الأمر لا يتعلق بالحقيقة، بل بما يثير انتباهك أكثر.

وهنا يكمن الخطر. عندما تُعرض عليك الأخبار على هذا النحو، يبدأ عقلك في بناء صورة مشوهة عن العالم. يبدو لك أنه مليء بالعنف، بالأزمات، بالكوارث التي لا تنتهي، بينما في الواقع، هناك أشياء أخرى كثيرة تحدث، لكنها لا تُذكر ببساطة لأنها لا تحقق المشاهدات المطلوبة.

الإعلام لا يكتفي فقط بجذب انتباهك، بل يسعى أيضًا إلى السيطرة على طريقة تفكيرك. الأخبار تصنع لك تصورات معينة عن العالم، عن السياسة، عن المجتمعات، وحتى عن نفسك.

حين تسمع يوميًا عن جرائم العنف، ستبدأ في الشعور بأنك مهدد، حتى لو لم تواجه أي خطر فعليًا. حين تتكرر أمامك أخبار الأزمات الاقتصادية، ستشعر أن مستقبلك غير آمن، حتى لو كان وضعك المالي مستقرًا. هذا ليس مجرد تأثير جانبي، بل أداة تُستخدم بوعي شديد. الإعلام قادر على توجيه الرأي العام، ليس فقط من خلال ما يعرضه، بل من خلال ما يتجاهله أيضًا.

هناك قضايا يتم تسليط الضوء عليها لأسابيع، وأخرى لا يتم ذكرها على الإطلاق. أحيانًا يكون التجاهل الإعلامي أكثر تأثيرًا من التغطية نفسها. الكوارث التي تحصل في بعض الدول يتم إبرازها بشكل درامي، بينما أخرى لا تحظى إلا بسطور صغيرة في الأخبار، رغم أن الضحايا بالآلاف. إذًا، من الذي يقرر ما هو مهم وما هو غير مهم؟ ومن المستفيد من كل ذلك؟

الإعلام الحديث لم يعد مجرد وسيط لنقل المعلومات، بل أصبح أقرب إلى صناعة الترفيه. هناك أبطال وأشرار، هناك حبكات مشوقة، وهناك دائمًا مفاجآت غير متوقعة لإبقاء الجمهور في حالة ترقب دائم.

خذ مثالًا: كيف تم التعامل مع جائحة كورونا؟ في البداية، لم تكن الأخبار تعطيها أهمية كبرى، ثم فجأة تحولت إلى العنوان الرئيسي لكل نشرات الأخبار في العالم. الخوف انتشر بسرعة تفوق انتشار الفيروس نفسه. ثم، بعد فترة، بدأ الإعلام في تغيير السردية تدريجيًا، كأن القصة يجب أن تأخذ منعطفًا جديدًا.

هذا ليس مجرد نقل للأحداث، بل هو تحكم في الإيقاع العام للحياة. الإعلام يقرر متى تبدأ الأزمة، متى تصل إلى ذروتها، ومتى يجب أن تنتهي في عقول الناس، بغض النظر عن الواقع الفعلي على الأرض.

في عالم تتحكم فيه الأخبار في عقولنا، يصبح من الضروري أن نتعلم كيف نقرأها بطريقة مختلفة. لا يكفي أن تستهلك الأخبار كما تُعرض عليك، بل يجب أن تتساءل دائمًا:

لماذا يتم التركيز على هذا الحدث الآن؟

ما هي المعلومات الغائبة عن هذا الخبر؟

هل يتم تقديمه بطريقة تجعلك خائفًا أو غاضبًا دون داعٍ؟

هل يمكنك الحصول على وجهة نظر مختلفة من مصدر آخر؟


العالم ليس كما تصوره لك الأخبار. نعم، هناك مشاكل، وهناك كوارث، لكن هناك أيضًا ملايين اللحظات الجميلة التي لا يتم ذكرها. هناك تطورات إيجابية تحدث كل يوم، لكنها لا تجد طريقها إلى العناوين الرئيسية لأنها ببساطة لا تبيع.

الواقع لا يصنعه الإعلام، بل تصنعه أنت، بما تراه، بما تعيشه، وبما تقرر أن تصدقه.



#إكرام_فكري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة لحظة البداية
- المرأة بين الحرية و الاستغلال
- المرأة بين الاستغلال التسويقي وتفكك الأسرة: وهم التحرر أم فخ ...
- عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- حين تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- الماضي الذي لا يتركني
- هواتفي
- الغرائز الطبيعية: ممارستها بانسانية
- الإرث الاستعماري: بين مظاهر التحضر والاستغلال الطبقي
- تحسين النسل بين الماضي والحاضر: من سياسات الاستعمار إلى التع ...
- عندما يصبح الاختيار رحلة لفهم الذات
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- القوة الموازية في الفرد و المجتمع
- المجهول : الرحلة بين الحياة و الموت
- المجهول: الرحلة ما بين الحياة و الموت
- العشرينات
- عالم التسليع
- الرسم بالكلمات
- الخوارزمي


المزيد.....




- تحت ضغط رامز.. حسام حبيب يعترف بأنه لايزال يحب شيرين
- تحليل لـCNN: ماذا تريد -حماس- من أول محادثات مباشرة مع أمريك ...
- الخارجية الأردنية: المملكة تستضيف الأحد اجتماعا لدول الجوار ...
- لحظة وصول إعصار قوي يضرب أوكلاهوما الأمريكية
- الإمارات تندد برفع السودان قضية ضدها أمام محكمة العدل الدولي ...
- بوتين لـ -ماكرون-.. تذكر نهاية نابليون
- أوروبا تفقد توازنها وسط تحولات جيوسياسية
- -نيويورك تايمز-: الخارجية الأمريكية تضع خطة لإغلاق عشرات ال ...
- وزير الخارجية المصري: فلسطين قضية العرب المركزية وسنتصدى لأف ...
- الجيش العراقي يعزز انتشاره على الحدود


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - إكرام فكري - خبر عاجل