أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط1














المزيد.....


وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط1


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 06:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط


إبراهيم اليوسف

المحرِّض: عقلية مأزومة وضمير ميت
تتجذر ظاهرة التحريض في أي وسط اجتماعي أو حتى نخبوي، كداء اجتماعي خطير، حيث يتحرك المحرض ككائن مريض، مشبع بالحقد والدناءة، غير قادر على مواجهة من يتفوق عليه بجدارة، فيلجأ إلى وسيلة جبانة، لا تستند إلى شرف المواجهة، بل إلى دسائس خفية، تستهدف محاولات إسقاط الآخر عبر أدواته المشبوهة والرخيصة، التي غالبًا ما تكون مجرد دمى، إما ساذجة أو مأجورة أو شريكة في الجريمة. ويكمن جوهر وأسُّ التحريض في انعدام الأخلاق، حيث يستغل المحرِّض غياب الوازع الأخلاقي لدى أتباعه، ليحركهم كأدوات لتنفيذ أجنداته القذرة.
المحرَّض: الأداة العمياء والضحية المستترة
المحرَّض- بفتح الرَّاء- هو في الواقع، ليس مجرد أداة، فحسب، بل هو شخص يفتقد إلى القدرة على التفكير المستقل، أو لديه استعداد مسبق لارتكاب الشر. إنه شريك في الجريمة، حتى وإن كان تابعاً، سواء بوعي منه أو من دون وعي. وقد يكون في بعض الأحيان مغرَّرًا به، إلا أنه انتهازي أو مرتزق، يقتات على الفتات، مستعد للتحول إلى أداة تنفيذية في أي لحظة، دون إدراك أنه هو الآخر ضحية في نهاية المطاف. فالمحرّض بفتح الراء، غالبًا ما يجد نفسه مستنزفًا، وعندما تنتهي مهمته، يتم التخلي عنه بسهولة، بل ربما يصبح هو ذاته هدفًا لتحريض جديد، من قبل محرضه، أو يغدو الأخير هدفاً له، بعد زوال الرابط الواهي القصير بينهما.
ولا يقتصر التحريض على المستوى الفردي، بل يتسع ليشمل المؤسسات وحتى الدول. إذ يتحول المحرضون في الحياة الوظيفية، إلى عيون للسلطة،" إمعيين"، وأدوات قذرة تُستخدم لإزاحة المميزين و أصحاب الكفاءة. كما ويكون التحريض في المعارك السياسية، بمثابة السلاح الأخطر، حيث تُصنع الفتن في مختبراته العفوية أو المنظمة بين الشعوب، ويتم التلاعب- بوساطته- بالعواطف، لإثارة العداء بين الجماعات. وقد برعت أجهزة الأنظمة الدكتاتورية في استغلال التحريض، فزرعت الريبة بين أفراد المجتمع ليسود حكامها، وتحكمت بمصائر الشعوب عبر صناعة الكراهية والوشاية.
التحريض والمرض النفسي: حاجتهم إلى العلاج أم الإدانة؟
وإن كان المحرِّض بكسر الراء والمحرَّض بفتحها، يشتركان في الجريمة، فإنهما يشتركان أيضًا في المرض. فالمحرِّض يعاني من اضطراب أخلاقي ونفسي، يخلق لديه رغبة دائمة في الانتقام وتشويه الآخرين، بينما يعاني المحرض بفتح الراء من ضعف الشخصية وسهولة الانقياد. حيث كلاهما بحاجة إلى علاج، إما نفسي أو مجتمعي، لإنقاذهما قبل أن يصبحا نواة أدوات دمار شاملة. وقد يكون الحل في مواجهتهما لا بالانتقام، بل بكشف حقيقتهما وتعريتهما أمام المجتمع، لأن النور وحده كفيل بكشف عتمتهما وأمثالهما..!
وغالبًا ما يكون الهدف الأسمى للمحرِّض- بكسر الراء- هو النخب، المفكرين، القادة الحقيقيين، المميزين، الذين يشكل وجودهم تهديدًا للمحرضين، لأنهم يعكسون الضوء على قبحهم الداخلي. لذلك، تتوجه حملات التحريض إليهم أولًا، في محاولة لاغتيالهم معنويًا، وإقصائهم عن المشهد، عبر نشر الافتراءات، أو عبر تجنيد قطعان من البلطجية الإلكترونيين، الذين يمارسون الاغتيال الرمزي، عبر التشويه المستمر. ويشمل التحريض أيضًا تدمير العلاقات الإنسانية، بين الأصدقاء، بين العشاق، كما حدث في قصة مم وزين، حين لعب بكو دور المحرض الذي أشعل الفتنة، فكان سببًا في مأساة العاشقين. وكثير من أمثاله في التاريخ تحولوا إلى أدوات تخريب.
ورغم ذكاء المحرض في التخفي خلف الأدوات التي يديرها، إلا أن الزمن كفيل بفضحه. حيث غالبًا ما يسقط في الفخ الذي نصبه لسواه، إذ لا يمكن للخبث أن يستمر طويلاً دون أن ينكشف. فمن المثير للسخرية أن المحرض غالبًا ما يكون شخصًا قريبًا من الضحية، شخصًا كان له فضل عليه، أو لم يؤذه يومًا ما. هذا الوجه المزدوج للمحرض يعكس عمق خسته ونذالته، لكنه أيضًا يحدد المصير الذي ينتظره: الانكشاف ثم السقوط المدوي. وما أكثر المحرضين الذين سقطوا، بعد أن انقلبت أدواتهم ضدهم، لأن هذه الأدوات لا تبقي على سر، إما لسذاجتها، أو لأنها منفعية، قلقة، زئبقية، حرباوية، وحربية، تتنقل من موقع إلى آخر، نتيجة حاجتها، أو لافتقادها إلى مقومات الشخصية المتماسكة التي تصدر أفعالها عن وعي وقناعة؟!
وإذا كان التحريض قد توسع ليصبح وباءً يفتك بالمجتمعات، فلا بد من وضع حد له. ولا يتم ذلك عبر سن قوانين تجرّمه، فحسب، بل أيضًا عبر بناء وعي جماعي يرفض هذا النمط من السلوك. فالمجتمع الذي يسود فيه التحريض والفتنة، تنتشر فيه الجريمة، يسيطر عليه الشك، كي تتلاشى الثقة، وتنهار القيم الأخلاقية. لذلك، فإنه لا بد من فضح المحرضين، وتعريتهم أمام الآخرين، ورفع مستوى الحصانة ضد أكاذيبهم.
تأسيساً، على كل ما سبق، وأمام بعض توصيفات هذه الظاهرة الخطيرة، بل هذا الداء الناخر في الجسد الاجتماعي، أرى أنه ما أشد حاجة مجتمعاتنا إلى رفض هؤلاء المحرضين، وإلى نبذ المحرضين بفتح الراء الذين طالما كانوا وقود أجهزة النظام وأسماعها وآذانها، نتيجة ما يغتلي في نفوسهم من غل وكراهية،، باعتبارهم أدوات رخيصة في لعبة قذرة، جاهزين للولاء لأية سلطة. بل وما أشد حاجتنا إلى مواجهة هذا الوباء، قبل أن نكون في مواجهة قطعان مسعورة، تنهش محيطها بلا وعي، كي تتوسع الدائرة، وتبدأ ردود الفعل عليها، لصالح من يتخفى في الظل، ضاحكًا من سذاجة ضحاياه!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط
- في العنف والعنف المضاد أو ثقافة العبث وجذور العنصرية القديمة
- من أسقط الأسد؟ أو سقوط وهم القوة وصمود هم المصالح
- الالتفاف على القضية الكردية في سوريا الجديدة: إعادة إنتاج ال ...
- تشويه صورة الأقليات في سوريا: وهم الأكثرية وصناعة الإقصاء
- تشويه الصورة المصطنعة ل- الأقليات- في سوريا: وهم الأكثرية وص ...
- الكرد في سوريا بين الإقصاء الممنهج ووعود الخداع
- أول رمضان سوري دون حكم البعث والأسد
- سحر أنقرة ينقلب على رؤوس طباخيها.1
- ضدَّ إعادة تدوير نظام البعث – الأسد
- الشاعرة البوطانية ديا جوان: حياة مترعة بالكفاح والحلم
- بيان استنكار لماسمي بمؤتمر الحوار الوطني
- ملك العود ملك المقامات: رشيد صوفي ما كان عليك أن تغادرنا الآ ...
- زمن الزور زمن التزوير: إلى روح الموسيقار الكردي الكبير رشيد ...
- الكتابة عبر الذكاء الاصطناعي وسلطة الكاتب
- أبواق الفتنة والتهليل لقرع طبول الحرب!
- فيمن ينتظرون حرباً تركية ضد الكرد السوريين: من يخرج بسواد ال ...
- العهد الجديد وتحريض الشوفينيين ضد الكرد والدروز والعلويين
- ضيف جديد الليلة على مقبرة خزنة
- انتقام وتشفٍّ بالجملة: عنصريون يستثمرون خلافاتنا ويحرضون علي ...


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مدينة كورية جنوبية بالقنابل عن طريق الخطأ
- ترامب يهدد حماس وواشنطن تؤكد إجراء اتصالات مباشرة معها.. كيف ...
- كوريا الجنوبية: طائرات مقاتلة تلقي قنابل عن طريق الخطأ وتتسب ...
- المغرب: قصبة أغناج.. جوهرة معمارية تسرد تاريخ تيزنيت الأمازي ...
- السودان يرفع دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية على خ ...
- أوروبا وأوكرانيا أمام -لحظة حاسمة-.. ما أهمية القمة الاستثنا ...
- مصر.. الخارجية تكشف تفاصيل جديدة عن الخطة العربية لإعادة إعم ...
- كتبٌ تُحرق.. مع شحّ غاز الطهي في غزة أصبحت المؤلفات هي الوقو ...
- مطبخ عرفات الخيري في طولكرم يُفطر يوميًا 700 نازح.. لفتة مضي ...
- مع إغلاق المعابر مع غزة، كيف يعيش سكان القطاع أيام رمضان؟ ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط1