عبد الإله بسكمار
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 04:51
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
حروب المياه .....إلى أين ؟
من الحقائق البديهية التي أصبحت تفرض نفسها على الجميع خطورة وأهمية الماء في حياة البشر، فلا تستقيم مثل هكذا حياة دون المياه التي تلبي عطش الإنسان وتنظفه وتسقي مزروعاته وتحرك مجمل الآلية الاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة يمكن الحديث معها عن ثقافية كاملة أصلها المياه، سواء كانت عذبة وهي المطلوبة أكثر، أو كانت مالحة كمياه البحار مثلا، باعتبار الخيرات المتعددة التي تجود بها المحيطات والبحاروهذا منطوق الآية الحكيمة " وجعلنا من الماء كل شيء حي " ونحن نعرف تماما أن أولى الحضارات البشرية أقيمت على ضفاف الأنهار والمجاري المائية، حيث نشأت الزراعة وتراجعت أنشطة الصيد البدائية لدى الإنسان ولنا في حضارات المدن ببلاد ما بين النهرين Mésopotamie أي العراق الحالي كالسومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين وحضارة رأس شمرا والحضارة الكنعانية والفرعونية حول النيل والفينيقية حول أنهار لبنان وسوريا وقصة سد سبإ والسيل العرم في اليمن ( كانت تسمى بلاد العرب السعيدة ) ثم حضارات وادي الكانج والميكونج والدانوب والراين، لنا في كل تلك الحضارات نماذج دالة على أهمية عنصر الماء في بنائها وتطورها وأيضا في فترات انحطاطها وتدهورها .
أكثر من ذلك فإن الصراع حول مجاري ومنابع المياه احتدم منذ أقدم العصوروحتى الزمن الراهن، كما أن هذا العنصر الحيوي ظل من أبرز أسباب الاستقرار والعمران ولنا في ما قام به الفقيه المتصوف ابراهيم التازي بزاويته في وهران خلال القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي خير مثال " يقول ابن صعد التلمساني " ونقل أي ابراهيم التازي أهل مدينة وهران عما كانوا عليه من التبدي إلى الحضارة، وجلب الماء إليها من مسافة بعيدة بعد أن كان قليلا ".
وفي مجال الصراعات حول المياه يمكن أن نستذل في الوقت الحالي بأطماع الصهاينة في مياه نهر الليطاني بلبنان وسيطرتهم على الجزء الأكبر من مياه نهر الأردن، علاوة على الأطماع القديمة في مياه النيل ودجلة والفرات، كما نذكر الصراع المحتدم بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، وتركيا والعراق حول مياه دجلة والفرات، وغيرها من النزاعات المشابهة، بحيث بات الماء يعد عنصرا بارزا في السياسة الدولية، إلى حد وضع عدة قوانين وصوغ نصوص أساسية حول تنظيم وتوزيع واستهلاك المياه عبر العالم من طرف الأمم المتحدة ويمكن أن نجزم أن تحديات المستقبل في هذا المجال أصبحت تكتسي صبغة ملحة وخطيرة، ويتحدث الكثيرون حاليا عن حروب المياه المقبلة، من هنا تعتمد اغلب الدول على برامج متعددة لحفظ واستغلال وترشيد مواردها المائية، باعتبارالتحولات المناخية السلبية من جهة وازدياد الاستهلاك وعدم توازنه من جهة أخرى، ثم محدودية هذه الثروة في كل الأحوال .
بالنسبة لبلادنا فلحسن الحظ ونظن أن هذا من الألطاف الإلهية والمزايا المجالية، فكل الموارد المائية المغربية هي داخلية وليست ذات طابع دولي، كاشتراك المغرب والجزائر في مجرى مائي واحد مثلا، الشيء الذي يعتبر طامة كبرى قد تزيد في تعقيد المشاكل المتراكمة بين الطرفين، ويمكن أن تطرح أمام المغرب تحديات صعبة فيما يتعلق بالماء الشروب كنموذج فحسب، وهذا مرة أخرى ولحسن الحظ لم ولن يحدث، فكل الأنهار المغربية تنبع من جبال الأطلس المغربية وتصب في الشواطئ المغربية، سواء منها المتوسطية أو الأطلسية، والاستثناء الوحيد وهو واد جيس الفاصل بين السعيدية المغربية ومرسى العربي بن مهيدي الجزائرية وهو ليس بذات أهمية كبيرة، على مستوى مد المنطقة بالمياه العذبة أو لأغراض السقي وذلك مقارنة مثلا بواد ملوية وواد مارتيل وواد لكوس، فالأقدار الإلهية والمجالية حفظت المغرب ولله الحمد من مشاكل عويصة هو في غنى عنها .
ولابد هنا من التأكيد على نجاعة السياسة المائية المغربية وخاصة عبر برامج السدود ( الرسمية منها أو التلية ) فقد ساعدت إلى حد بعيد على حفظ " الأمن المائي " للبلاد في وقت أصبحت فيه المياه العذبة على صعيد عالم اليوم أقرب إلى عنصر داعم للسياسات العمومية وأحيانا بمثابة ورقة ضغط قاهر بين الحكومات والدول، وهذا لا يعني نفي التهديد الخطير الذي قد تشكله ظاهرة الندرة وتناقص كميات المياه العذبة في المستقبل القريب وضرورة ترشيد هذه الثروة الحيوية والحد من استهلاكها المفرط .
إن الوضع المريح نوعا ما على المستوى المجالي فيما يتعلق بالإشكالية المائية في بلادنا، لا ينفي بالبات والمطلق وجود تهديدات محدقة بالبلاد حاليا من جهة وعناصر تجاذب وصراع في سبيل السيطرة على منابع أو مجاري المياه من جهة أخرى، بين هذه القبيلة أو تلك، بين مجموعة بشرية وأخرى، وقد تتدخل خلالها أطراف متعددة للصلح وإعادة الأمور إلى نصابها كممثلي المخزن والشرفاء والصلحاء وذلك طيلة مراحل كاملة من تاريخ المغرب كالقرن التاسع عشروبداية القرن العشرين إلى إعلان الحماية مثلا، يكفي أن نذكرصراع مدينة فاس مع قبيلة الحياينة ولو أن مشاكل المياه بفاس لم تعرف نفس الحدة مقارنة بالمناطق الأخرى والأمر يعود أساسا إلى وفرة المياه العذبة أسفل جبل زلاغ وحول المنطقة حيث بنيت المدينة وتوسع إشعاعها، ونذكر هنا قطع غياثة المياه عن تازة كرد فعل أو تعبير عن مواقف معينة سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، كما حدث عند زحف الجيش الاستعماري، حيث لم يتم فك الحصار المائي حول تازة إلا بعد السيطرة على مناطق بوكربة والشقة وراس الماء في نونبر 1917 ثم نذكرأحداث بوفكران بمكناس سنة 1937 .
لقد سبق أن أشار إلى نفس هذا الأمر الحسن بن محمد الوزان المعروف بليون الإفريقي Léon L’Africaine في القرن السادس عشر بقوله " وينحدر من الأطلس نهر صغير يمر بالمدينة ( يقصد تازة ) ويخترق الجامع الكبير، ويغير الجبليون أحيانا مجراه عندما يختصمون مع سكان المدينة " التي تتأذى كثيرا من جراء ذلك فلا تجد الساكنة وقتذاك إلا ماء الخزانات العكر ويضيف الوزان " ثم يرد الجبليون الماء إلى المدينة عندما يعود السلام " وغالبا لهذه الأسباب مجتمعة أقدم المولى اسماعيل العلوي ( حكم بعد أخيه المولى الرشيد من 1672 إلى 1727 م ) على بناء خزان " بيت الجبوب " بمشور تازة في محاولة للتغلب على المشكل إياه .
لقد عوضت القنوات الحديثة والحنفيات كلا من السواقي والآبار وحتى العيون في أكثر مدن ومناطق البلاد بعد الاستقلال وتم ذلك بشكل تدريجي وبطيء نوعا ما، في حين استمر الخصاص على صعيد بعض المناطق القروية بأقاليم الشمال وجبال الأطلس وبعض مناطق الجنوب الشرقي، ولا يمكن إغفال الأزمات الحادة في الماء الشروب التي عرفتها بعض المدن ذاتها كطنجة خلال السبعينات والثمانينات وكذا مدينة تازة خلال تسعينات القرن الماضي، ولم توجد الحلول إلا في التسعينات بالنسبة لطنجة وبداية الألفية الثالثة بالنسبة لتازة .
تبعا للتغيرات المناخية وأزمات الجفاف والتصحر، والتي أثرت بشكل جسيم على البيئة الطبيعية، لجأت العديد من الدول إلى تقنيات تصفية مياه البحار، وهي نفس التقنية التي لجأ غليها المغرب في بعض مناطقه، ولا يخفى أن مثل هذا المسلك مكلف جدا ماديا وبشريا، ولذا تكثفت في المقابل حملات التوعية من أجل ترشيد استهلاك المياه، ونعتقد أن المعني الأول قبل غيره هم أصحاب الضيعات والمسابح والوحدات الإنتاجية، علاوة على عموم المواطنين، لكن مثل هذه الحملات لا يمكن أن تؤتي أكلها في غياب تطبيق صارم للتشريعات المعنية وخاصة منها القانون رقم 36.15 والقانون 10.95 ولا سيما مواجهة التزايد السكاني وظاهرة عدم انتظام توفرالمياه العذبة الناشئة أساسا عن التساقطات المطرية والثلجية، كما أن تفعيل مهام شرطة المياه يعد عملا حيويا وهاما في مجال زجر المخالفات وأشكال الهدر والإهدار ونقصد أيضا تلويث المياه وهي المصدر الضروري للبشر والحيوان والنبات، هذه الآفة التي تكبد البلاد والعباد هي الأخرى خسائر تقدر بعشرات الملايين من الدراهم .
#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟