|
جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غريب بعد ثورة 14 تموز 1958 بصيغة حوارية
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 00:59
المحور:
سيرة ذاتية
يونس صالح خلف الجبوري المعروف ب يونس بحري شخصية عراقية من مدينة الموصل ، كثر حولها الجدال ورويت عنها الاساطير وتعددت لديها المواهب وسجلت مواقف يعجز عنها الإنسان السوي ، فقد دوخت شخصيته المخابرات العالمية ، وفقا لما كتب عنه عبد الكريم الحسيني في مقال له على موقع الكاردينيا في 27 كانون الأول 2013، بينما وصفته الوثائق البريطانية بأنه إنسان متجرد من المبادئ بسبب عمله كمذيع في إذاعة برلين وما قام به من دعايه لألمانيا النازية في الدول العربية.
يتناول المقال هذا التعريف بجانب من حياة يونس بحري اضافة الى معلومات ممتعة و مواقف طريفة لما مر به في سجن ابو غريب بعد ان زج فيه مع رجال العهد الملكي بعد يوم واحد من ثوره 14 تموز من عام 1958.
ولد يونس بحري سنه 1900 وهناك من يقول سنة 1903 في الموصل ، حيث نشأ وترعرع في محلة الخضر، وهو من عشائر الجبور التي استقرت في ضواحي مدينة الموصل منذ حوالي الخمسة قرون، وتسمى عشيرته الجوابنة، وكان بحري طويل القامة أشقر ذو عينان زرقاوان، وصوته عالي النبرة. درس في مدارس الموصل، وفي عام 1921 دخل دار المعلمين إلا أنه لم يستطع إكمال دراسته فيه ، ، فالتحق بوظيفة كتابية في وزارة المالية التي تركها في عام 1923 ليتوجه في نفس العام إلى مدينة استانبول وانخرط هناك لدراسة العلوم البحرية ، ولكن الظروف الصعبة التي عاشتها تركيا بعد الحرب الأولى جعلته يعزف عن البقاء فيها ليرجع ثانية الى العراق ، ولكنه قرر أن يقوم في نهاية عام 1923 برحلة حول العالم ، فانطلق من بغداد نحو إيران ومنها الى افغانستان والهند وصولا الى الشرق الأقصى والملايو واندونيسيا ثم مر بـ الصين واليابان ، وانتقل الى الأمريكتين بدأ من الولايات المتحدة الأميركية وكندا ، ثم عبر الاطلسي الى أوروبا ، فانتقل من بريطانيا الى بلجيكا وهولندا وفرنسا وألمانيا ، ثم وصل إلى مصر التي وثق علاقاته وأدبائها ومثقفيها وكتب في صحافتها ، ثم عاد الى العراق في العام 1925
بعدها غادر الى الكويت ومنها الى السعودية حيث اخترق الاحساء ونجد والحجاز وعسير والربع الخالي وحده مشيا على الاقدام حتى وصل الى اليمن والتقى الإمام يحي بن حميد الدين زعيم اليمن ، ومن هناك عبر البحر الأحمر نحو افريقيا واخترق ارتيريا والحبشة والسودان الشرقي ومن ثم السودان الغربي وعبر الصحراء الكبرى مشيا على الأقدام وحده ، وصل بعد 48 يوما الى جبال الاطلس ، ووجد نفسه في المغرب ، فزار فاس ومكناس و مراکش و كازابلانكا والرباط وطنجة ، ومن هناك عبر إلى أوروبا نحو إسبانيا ووصل فرنسا وألمانيا وبلجيكا وابحر الى انكلترا ، و في إحدى جولاته فيها كسائح في منتصف الثلاثينيات إلى الساحل الذي ينطلق منه سباحو العالم لعبور بحر المانش، تقدم یونس باسمه وبعٓلم بلاده العراق لدخول المسابقة قبل ساعات معدودة من بدئها دون تهيئة سابقة أو تدريب فعبر البحر وفائزاً بالمركز الأول مسجلاً سابقة لا مثيل لها في التاريخ الرياضي العراقي ، فأطلق عليه أثرها اسم يونس بحري، واصبح يعرف محليا وعالميا بهذا الاسم ، وبعدها منح جواز سفر دبلوماسيا ألمانيا بهذا الاسم ولأول مرة ، ثم رجع إلى العراق وكتبت الصحافة العراقية مغامراته الجغرافية.
غادر العراق مرة أخرى عام 1929 ليلتقي بمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل السعود الذي كان معجبا به وبصديقه الكويتي الاديب الامير عبد العزيز الرشيد ، فكلفهما بنشر الدعوة الى الحج في جزر الهند الشرقية ، غادرا معا الى جنوب شرق آسيا ، وانطلقا إلى الشرق الاقصى، فوصل يونس بحري وعبدالعزيز الرشيد إلى إندونيسيا، و أصدرا هناك العام 1931 جريدة ( العراقي والكويتي).
تزوج يونس بحري لأول مرة من امرأة موصلية اسمها مديحة من منطقة متفرعة من شارع النجفي في الموصل، وأنجب منها ابنين وبنتاً ، هم الدكتور لؤي بحري ، الدكتور سعدي ، الدكتورة منى بحري ، كما ورد في موقع الويكيبيديا أن لبحري من زوجته هذه ابنا ثالثا هو الممثل المعروف هاني هاني. تزوج بعدها خلال رحلاته عشرات المرات في بلدان مختلفة ، لتصل عدد زوجاته إلى أكثر من أربعين ، ويقال إنه تزوج تسعين امرأة زواجا شرعيا ، وأكثر من مائه وعشرين زواجا مدنيا. انجب ثلثمائة وخمسة وستين ذكرا ولا يعلم عدد الاناث ، بل كما يقول مقدم برنامج اطراف الحديث مع ابنته الدكتورة منى انه انجب امة متوزعة على دول العالم .
ذات يوم كان يونس بحري في مجلس الملك عبد العزيز آل سعود حين جاء من يبشر الملك بمولوده الثالث والستين. وكان الملك عبد العزيز لماحا، فلاحظ نظرة ولده فيصل وابتسامته، فسأله عما عنده فقال ولده بلغ عدد أولاد يونس بحري أربعة وستين. فسأله الملك عبد العزيز: هل صحيح يا يونس أن عدد أولادك أربعة وستون ؟ فرد يونس بحري قائلا الذكور منهم فقط يا طويل العمر. بعدها كلفه الملك عبد العزيز بمهمة نشر الإسلام في مناطق جنوبي شرق آسيا. لم يكن بحري داعية إسلامية، ولا متديناً بما فيه الكفاية. ولكنه كان خطيباً مفوهاً ينفذ إلى قلوب سامعيه في التو واللحظة، وهذا ما سهل عليه النجاح فيما كلف به، وكان عند حسن ظن الملك عبد العزيز.
ترك يونس بحري اندونيسيا وشد الرحال الى تايلند . سمع يونس بحري أن هناك موسما دينيا بوذيا سنويا سيحل قريبا, حيث يختار الرهبان فتاة في عمر الزهور لتوضع في غرفة من معبد بعد أن تتم تعرية نصفها الاعلى من كل قطعة قماش, وتكون جاهزة لاستقبال الرهبان لوضع قبلة سريعة على وجهها. كان طابور الرهبان طويلا. فيما وقف يونس بحري في هذا الطابور، وقد لبس ملابسهم الصفراء اللون وحلق شعر رأسه على آخره. كان يونس بحري يحاول كلما اقترب دوره للدخول الى العذراء في خدرها أن يتراجع للوراء ويسمح لمن خلفه بأخذ دوره . وهكذا الى ان اصبح يونس بحري في آخر الصف. وجاءت اللحظة المنتظرة له, فدخل الى العذراء وكانت آية في الجمال دقيقة الأعضاء و البنية . وهاله ما وجدها عليه . فجلس القرفصاء على الأرض, وطبع قبلة عميقة وطويلة على وجهها خلافا للتعليمات التي اخذها من كبار الرهبان الذين أوهمهم باعتناق البوذية. وخرج من خدر الفتاة مزهوا و مرددا في سره الآن عرفت سر انتشار البوذية.
عمل بحري كمذيع في إذاعة قصر الزهور العائدة الى الملك غازي التي اهداها له ادولف هتلر بالذات بواسطة يونس بحري . كان الملك يذيع بنفسه جانبا كبيرا من برامجها. وكثيرا ما كان يعبر عن ارائه من خلال هذه الإذاعة وبصوت يونس بحري. وعند اغتيال الملك غازي كتب يونس قصة مقتله في إحدى الصحف وقام بنفسه بتوزيع نسخ الصحيفة على دراجة نارية موضحاً أن عبد الإله ونوري السعيد قد تآمرا مع الإنكليز و اغتالوه ، و شارك اثر مقتل الملك غازي في تظاهرة بمدينة الموصل التي تحولت الى هجوم على القنصلية البريطانية قرب منطقة محطة القطار في مدينة الموصل حيث قتل القنصل البريطاني.
أدرك بحري أثر كل ذلك خطورة وجوده في العراق ، فاتفق مع القنصل الألماني في بغداد الدكتور فريتز كروبا على الهرب إلى خارج العراق. فوصلت إلى بغداد طائرة ألمانية تحمل وفداً صحافياً وعند هبوط الطائرة صعد إليها يونس باعتباره صحافياً لمقابلة الوفد فعادت إلى التحليق متجهة إلى ألمانيا. وهناك أصبح أحد أقرب المقربين للقيادة النازية وبالذات جوزف غوبلز وزير دعاية الرايخ الألماني. ومنح بحري بعدها من رتبة عسكرية ألمانية بدرجة ماريشال، وكان يحمل على كتفه الصليب المعقوف في الحفلات الرسمية التي يحضرها وأسس الإذاعة العربية في برلين بإعلانها ذائع الصيت هنا برلين حي العرب) وخصصت هذه الإذاعة تعليقاتها الرئيسة لمهاجمة الحلفاء ، ويقال ان بحري كان يدخل على غوبلز في مكتبه من دون استئذان ، ووصل الى هتلر . ووثق علاقاته مع الضباط الكبار ومع اعضاء الرايخ الألماني، فضلا عن دوره في استقدام العرب الهاربين او المتعاطفين مع ألمانيا ومع المكتب العربي كما زار يونس بحري الدوتشي موسليني الذي اعجب به.
بعد سقوط برلين بيد الحلفاء هرب بحري بطريقة عجيبة إلى فرنسا ، و يذكر احد اصدقائه عن ذلك ، انه في احد صباحات عام 1945، جمعتنا الصدفة في مرسيليا بيونس بحري طليقا ، يندفع نحونا يهنئنا ويعانقنا، فسألته: كيف استطعت الوصول إلى مرسيليا من دون أن تقع بيد الحلفاء ؟ فقال : إنه خرج من برلين مع عدد من الأجانب قبل أن يحاصرها الروس، وحرّف اسمه المسجل في جواز السفر بالأحرف اللاتينية يوني باري جبوري محرفا من يونس بحري الجبوري وزعم للمحققين أنه كان معتقلا في ألمانيا وأطلعهم على أثر جرح قديم في جسمه من أثر شجار قديم، كأنه من آثار التعذيب فسمحو له بالسفر إلى باريس.
يقول يجري عن سفير ألمانيا في كل من العراق والسعودية الدكتور فريتز غروبا انه يعتبر من أعز أصدقائي، وهو الذي مهد لي الطريق واختارني لتأسيس إذاعة برلين العربية والقيام بإدارتها والإذاعة فيها من ٥ نيسان ۱۹۳۹ إلى ۲ مايس .١٩٤٥
لم يقف طموح يونس بحري عند هذا الحد بل طلب من غوبلز أن يوافق على أن يفتتح برامج إذاعة برلين بآي من الذكر الحكيم،. إلا أن غوبلز تريث في ذلك ليقابل الفوهرر هتلر أولاً، ويأخذ رأيه في الأمر، فطلب بحري من غوبلز ترتيب لقاء له مع الفوهرر، وتم اللقاء بالفعل، واستطاع بحري إقناع هتلر بنجاعة ذلك ، لانه سوف يكون عاملاً يشد مستمعي عرب المشرق إليها، والعزوف عن إذاعة الـ B.B.C انها كانت تخلو من ذلك ، وبدأت إذاعة برلين بث برامجها الصباحية بآي من الذكر الحكيم، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى راحت الـ B.B.C، تبدأ بثها الصباحي بتلاوة من القرآن الكريم.
وهو مؤسس أول إذاعة عربية في اوروبا العام 1939 تبث من المانيا التي كان يفتتحها بعبارة : هنا برلين ... حي العرب . هذه الإذاعة ، كما يقول موسى الشابندر في مذكراته (ص241) ، كان يستمع اليها بعض العراقيين ولا يصدقون الا بأقوال يونس بحري رغم انها كما يضيف الشابندر في مكان اخر انها كانت بذيئة. ولعبت اذاعه بحري دورا في زيادة كره العراقيين للانكليز ، و وفقا ل موسى الشابندر ( الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة رشيد عالي الكيلاني التي شكلها بعد حركته التي عرفت بحركة مايس 1941) أنه حتى في دور السينما كان يهتف الناس للجنود الألمان ويصفرون للانكليز.
اثناء وجوده في باريس ، تفتق عقل يونس بحري عن حيلة بعد ان كان يعاني من الجوع والعوز وكان برفقته احد اصدقائه اللبنانيين ، اذ كانت هناك جزيرة مسيجة ويحرم الاقتراب منها كونها مليئة بالتماسيح ، فما من إنسان أو حيوان يقترب منها حتى تبتلعه التماسيح، فاحتال يونس بحري على الناس ، اذ تحدى الجميع واعلن انه سيخترق الجزيرة، وان من يشاهده عليه دفع خمس روبيات ، فجمع مع صاحبه بحدود 300 روبية ، واستعد لمنازلة التماسيح ، وكان صديقه اللبناني يجمع النقود، ظهر يونس يونس بحري لابسا الشورت ، وهو يذهب ويأتي راكضا ويقول لهم لابد لابد من الاحماء والاستعداد ركض بعيدا مرسلا صاحبه إلى مركز للشرطة مبلغا عن مجنون عراقي يريد الانتحار ، فهرعت الشرطة ليقبضوا على المجنون العراقي، وهو يصيح بصديقه اللبناني و الله اشلع بـ المدخولات ، حتى لا تراك الشرطة بعد ذلك خرج من مركز الشرطة ليقاسم صديقه اللبناني الأموال !!.
وصل الملك فيصل الثاني وكان ( صبياً ) الى باريس برفقة خاله الوصي عبد الاله ونوري السعيد وقد جاؤوا ليؤدوا صلاة الجمعة في جامع باريس الكبير الذي افتتح بمساهمة عراقية ، فسمعوا خطيبا مفوها بلحيته الحمراء وعمامته البيضاء وجبته السوداء وهو يخطب خطبة عصماء وبلهجة تقرب من لهجة اهل المغرب . فاعجبا به ثم أم الجميع في الصلاة ، وبعدها التقى بهم للسلام ،
فقال له نوري باشا السعيد : شيخنا الجليل اين تعلمت هذا الكلام العظيم ؟ فأجابه إمامهم : تعلمته في مدينة الموصل !! فأندهشوا وقالوا له ما علاقتك بالموصل ؟ فنزع لحيته ورفع عمامته وقال لهم : انا يونس بحري ! فأسقط بيدهم واكرموه ، بعد ان كان يصب عليهم عبر إذاعة برلين ايام هتلر بسيل من شتائمه المقذعة ، واوصلهم الى الباب مودعا ، وقال لهم هناك في نهاية الشارع ملهى رائع يقدم برنامجا شرقيا مدهشا في الليل ، فلا يفوتكم .. وفي الليل كان الثلاثة يجلسون في الصدارة وبدأ البرنامج ، وكان يونس بحري يعمل راقصاً في الفرقة الموسيقية.
اثناء مكوثه في بيروت في اواسط الخمسينات ، كان له صديقا حميما فيها اسمه تويني مؤسس جريدة النهار ، وهو الذي عرفه باللبنانية سميرة أيوب وزوجه إياها، والتي توفيت في حادثة سيارة بعد ثورة ١٤ تموز (يوليو) بفترة قصيرة جداً، وكانت تزوره فترة سجنه في سجن ابو غريب ، بعد ان سافر إلى بغداد قبل يوم واحد فقط من وقوع ثورة 14تموز 1958 ، و عند وصول يونس بحري الى بغداد ، علمت الحكومة الملكية بذلك ، فارسل في طلبه نوري السعيد، وكان هناك خلاف بين السعيد وعبد الناصر فطلب إليه نوري السعيد أن يذيع مقالاته ضد عبد الناصر فوافق ، وبات ليلته في دار ابن أخيه العقيد في الاستخبارات العسكرية ، ولكن صباح اليوم الثاني وقعت الثورة ، وجاءت مفرزة عسكرية واعتقلته و إلى السجن، وكان السجين رقم الذي٢ في قاعة سجن أبو غريب (بعد سعيد قزاز وزير الداخلية ) بين كبار رؤساء الوزارات والوزراء وغيرهم الذين تم اعتقالهم ذلك اليوم مع انه كان من معارضي العهد الملكي. وله عن فترة سجنه هذه مذكرات سيتم تناولها في مقال لاحق. واستمر معتقلا في السجن لفترة تقارب السبعة أشهر ، وبعدها أطلق سراحه دون محاكمة لعدم كفاية الأدلة، وعدم وجود قضية أصلاً، وذلك بعد مقابلة حامية مع الزعيم عبد الكريم قاسم الذي سبق لبحري وهو في السجن في الأيام الأولى للثورة أن أطلق عليه بالزعيم الأوحد في حديثه مع مدير السجن الرائد عبدالستار سبع العبوسي (قاتل الملك فيصل الثاني وبقية أفراد العائلة الملكية) ، فنالت إعجابه ، و نقلها للزعيم عبدالكريم قاسم وهذه تسمية ظلت ملازمة للزعيم طوال فترة حكمه.
تميزت حياة يونس بحري بطراز غريب وفريد ، فقد كان بحق رجلا عجائبيا ، فتراه في ألمانيا فترة الحرب العالمية الثانية مارشالا المانيا ،، وبعدها تراه صديق مقرب من الملوك مثل الملك عبد العزيز ملك السعودية ، كما عمل في الصحافة وأصدر عدة صحف ، في فترة من حياته بالهند، كان يعمل كراهب في النهار وراقص في ملهى بالليل ويجد مع ذلك وقتاً ليقوم بعمل إضافي مراسلا لاحدى الصحف الهندية، وفي وقت آخر أصبح مفتياً في إندونيسيا التي جاءه فيها مرة أحد سكان الجزيرة المعروفين مصطحباً معه فتاة في منتهى الجمال يريد منه أن يعقد قرانه عليها ، فأستحيفها يونس لأن الرجل كان مسناً ودميماً وأفهمه أنه لا يجوز شرعاً عقد قرانه عليها، فصدقه الرجل لأنه (مفتي) وترك الفتاة، فتزوجها المفتي يونس.
وبحري في أواخر حياته لم يكن يتحسر على شيء لأنه عاش حياته بكل تفاصيلها ، من الرهبنة والتعبد والتصوف إلى الرقص واللهو والسكر بالإضافة إلى السياحة والرياضة والصحافة والإذاعة والتنقل بين الزوجات كما لو كانت بلداناً يطوف بها، وكان الحصول على المال من أيسر الأشياء بالنسبة له. ومع هذا مات وحيداً مفلساً في دار أحد معارفه في الباب الشرقي في بغداد وأوردت نبأ وفاته وكالة رويتر للأنباء، وكالة الأنباء الفرنسية، ونشر الخبر في الصفحة الأولى لجريدة (النهار) اللبنانية. وكان والد غسان
يظهر هذا كله أن يونس بحري كان شخصية تتصف بمزيج من الواقعية والعجائبية والاسطورية التي تحملها تلك الشخصية من سيرة المغامرات التي خاضها هذا الرجل العجيب. فقد كان رجلا متعدد المواهب والاختصاصات ولا غرابة فقد حمل خمس عشرة جنسية وأسس ست عشرة إذاعة ، وأتقن سبع عشرة لغة عالمية أساسية قراءة وكتابة عدا اللغات واللهجات المحلية العراقية، فيتقن مثلاً على المستوى العالمي اللغة السواحيلية.
رغم كل ذلك ، كانت علاقة بحري بأولاده واهية بسبب رحلاته الطويلة ، و تركهم صغاراً فربتهم جدتهم لأمهم (مريم) (خانم) والتي كانت تملك في الثلاثينيات في مدينة الموصل مدرسة لتعليم الخياطة. وقد لحقت به (أي بيونس) أمهم (مديحة) إلى باريس وأصبحت تمتلك صالون حلاقة هناك.
وبعدها كما تقول ابنته ، الدكتورة منى الاستادة كلية الادارة والاقتصاد في جامعة بغداد ، في لقاء معها باطراف الحديث ، انتقلت العائله الى اطراف بغداد وكانت وحينها عبارة عن منطقة زراعية ، وكثيرا ما كانت العائلة تقوم بزراعة حديقة المنزل بما يوفر لهم جانب من حاجاتهم ، وحاليا توجد فيها بناية المجمع العلمي. العراقي و جامعة بغداد.
ومن طريف حديثه قبل وفاته بفترة قصيرة أن جاءه أحد الزوار وكان يتحدث بشكل بطولي عن مقدرته حيث خدع أحد أفراد شرطة الحدود وهرب بعض المواد حين دخوله العراق من الحدود التركية.. وبعد مغادرة هذا الرجل قال بحري : ضحكنا على ذقون ملوك ورؤساء سنين طويلة وهذا يتفاخر بأنه خدع شرطياً ..!) ولم يكن يخاف من السجن لأنه لم يكن خائناً، وقد سبق أن حكم ثلاث مرات بالإعدام خارج الوطن وداخله حيث أصدر نوري السعيد حكم الإعدام بحقه غيابياً... وفي أثناء الحرب العالمية الثانية حكمه الحلفاء أيضاً.. وحكم مرة في إفريقيا أثناء الحرب أيضاً حيث أرسل مبعوثاً عن الحكومة الفرنسية المفاوضة إحدى القبائل الحاكمة، وحين رأوا اسمه على الجواز JOHANS BAHRI) تصوروه عميلاً فرنسياً وحكموا عليه بالإعدام... وحين سأله الضابط المسؤول عن رغبته قبل ان ينفذ فيه الحكم في اليوم التالي طلب قنينة ويسكي.. فقال له : كيف تطلب مشروباً و تستسيغ شربه وأنت مقبل على موت محتم؟ فأجابه أنا مجنون حيث جئت هنا.. فلماذا لا أطلب المشروب؟ فضحك الضابط وجلب ما طلبه. وفي الهزيع الأخير من الليل جاءه لا ليقتاده إلى ساحة الإعدام بل ليهربه. أصدر يونس بحري حوالي ستة عشر كتاباً منها (العراق اليوم)، الحرب العراقية البريطانية وسلسلة (هنا برلين حي العرب) حوالي عشرة أجزاء و سبعة أشهر في سجون قاسم).. ومن الصحف التي أصدرها كان صاحب ورئيس تحرير صحيفة (العرب) الصادرة في باريس أواخر الخمسينيات باللغة العربية كما أصدر صحيفة (أبو ظبي نيوز) باللغة الإنكليزية في أبو ظبي) وأصدر مجلة العراق والكويت) في أندونيسيا في منتصف الثلاثينيات
قضى يونس بحري حياته متنقلا من مكان الى اخر وكان يتنقل حاملا في حقيبته الدبلوماسية أربعة أشياء : جواز سفر، قنينة عرق، فرشاة أسنان وأدوات الحلاقة. عمل الى اخر ونهج نهجا متفردا وزار مختلف الدول في مشارق الارض ومغاربها نسج حول أسفاره قصصا أسطورية تصلح حديثا للمجالس وبعدها وهو في اواخر ايامه عاد إلى العراق ليقضي ما تبقى من عمره في بيت أحد أقربائه وهو الصحفي نزار محمد زكي الجبوري الذي كان يعمل في وكالة الأنباء العراقية ، وقد مات يونس بحري في آذار من عام 1979 في بغداد وقامت امانة العاصمة بدفنه في مقبرة الغزالي .كما ورد في الويكيبيديا نقلا عن كتاب أعلام الموصل في القرن العشرين الدكتور عمر محمد الطالب
عن وفاته تقول ابنته الدكتورة منى ، الاستاذة في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد ، انها لم تشاهد والدها إلا في صورة كانت تحتفظ بها تحت مخدتها والتي كثيرا ما ترجع لها لتتأمل ملامحه. عندما علمت بوفاته في احد مستشفيات بغداد ودفنه في مقبرة الغزالي ، ذهبت اليها على الفور وفتشت بين القبور لتهتدي الى قبر والدها ولكنها لم ترى شاهدا باسمه يدلها عليه و اهتدت اخيرا الى قبر حديث فجلست بجواره وافترضت أنه قبر والدها، وتقول بانها احست وكأنها تضع راس والدها في حجرها وتضع يدها على شعره وتلمس وجهه وهو في كفنه ثم قرأت الفاتحة عليه بعد أن عانقته ، ولكنه كان عناقا عند الرحيل فقط ، وعادت بعدها الى دارها .
طاف يونس بحري أطراف الدنيا كلها اربع مرات ولم يرى اولاده كما يتوجب أن يرى الآب ابنائه ويرعاهم ويعيشوا معه ويتابع دراستهم حتى يكبروا و يتخرجوا و يتزوجوا.
هكذا انتهت حياة هذا الرحالة الكبير بعد أن طاف العالم، والتقى كبار الرؤساء والملوك، وشبع من الدنيا ومن فيها ، ليرحل بصمت بعد أن ملأ الدنيا ضجيجاً لفترة طويلة.
المصادر المعتمدة:
1- عبد الكريم الحسيني يونس بحري الشخصيه
تعديل من خلال WPS Office
العراقيه الاسطوريه
مقال نشر بتاريخ 27 كانون /1 / ديسمبر 2013 في موقع الكاردينيا
http://www.algardenia.com/maqalat/8030-2013-12-27-11-39-24.html
2- خالد عبد المنعم العاني مذكرات الرحاله يونس بحري في سجن ابو غريب مع رجال العهد الملكي في العراق بعد مجزره قصر الرحاب 1958، الدار العربيه للموسوعات 2005
3- لقاء مع ابنته الدكتوره منى يونس -3- اطراف الحديث ، بحري الجزء الاول
http://www.vietvideos.vn/mpg/aFJTTkNqTXBYZG8.html
4- اطراف الحديث ، لقاء مع ابنته الدكتوره منى يونس بحري الجزء الثاني
http://www.vietvideos-vn/mpg/RkZKM0hicm1nMjg.html
5- الويكيبيديا، الموسوعة الحرة
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3_%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A#cite_ref-1
6- جريدة الصباح ليوم 2013/9/9
http://www.alsabaah-iq/ArticleShow.aspx?ID=53763
ب. د. خالد محمود خدر
………………………………
ولنعش معه الآن، ولنقرأ مذكراته عن سجن ابو غريب بصيغه حواريه ولمن يريد التفاصيل عليه بأصل الكتاب.
تقديم: يونس صالح خلف الجبوري المعروف ب يونس بحري شخصيه عراقيه من مدينه الموصل ، كثر حولها الجدال ورويت عنها الاساطير وتعددت لديها المواهب وسجلت مواقف يعجز عنها الإنسان السوي ، فقد دوخت شخصيته المخابرات العالمية ، وفقا لما كتب عنه عبد الكريم الحسيني في مقال له على موقع الكاردينيا ، بينما وصفته الوثائق البريطانية بأنه إنسان متجرد من المبادئ بسبب عمله كمذيع في إذاعة برلين بما بثه من دعايه لألمانيا النازية في الدول العربية. يضم المقال هذا التعريف بجانب من حياة يونس بحري اضافة الى معلومات ممتعة و مواقف طريفة لما مر به في سجن ابو غريب بعد ان زج فيه مع رجال العهد الملكي بعد يومين من ثوره 14 تموز من عام 1958 والمأخوذه عن مذكراته في سجن ابو غريب في بغداد مع رجال العهد الملكي في العراق التي قدمها السيد خالد عبدالمنعم العاني ، التي صدرت سنة 2005 من قبل الدار العربية للموسوعات
تنويه:
الحوار هنا بصيغه سؤال وجواب جاء بتصرف بغيه تسهيل متابعه قراءه الملاحظات المقتطفه من مذكرات يونس بحري في سجن ابو غريب واي اضافه يقتضيها الحوار ماخوذة عن الكتاب نفسه وكتبت بخط مختلف يسهل ملا حظته والارقام اسفل اجابات بحري تشير الى الصفحة
ومن النوادر التي حدثت له في الموقف العام فترة سجنه في سجن ابو غريب ، بعد يوم واحد من وقوع ثورة 14تموز 1958 أنه وعدد كبير من رؤساء وزراء ووزراء وغيرهم من رجال العهد الملكي في قاعة واحدة في السجن ، وكان من بينهم توفيق السويدي رئيس وزراء العراق السابق ، وكلاهما يكنى بأبي لوي ، وفي يوم جاء ضابط السجن صائحاً : من هو (أبو لؤي) ، فخاف السويدي أن يرد عليه لأنه توقع أن يكون وراءه شر ولم يجب ، وأجابه يونس بحري وكانت المفاجأة أن الضابط أحضر مظروفاً يحوي مائة دينار فوقع بحري واستلمها. وبعد أيام جاءت رسالة إلى توفيق السويدي تقول : هل استلمت المائة دينار ؟.
ب. د. خالد محمود خدر
-1- عبد الكريم الحسيني يونس بحري الشخصيه
تعديل من خلال WPS Office
العراقيه الاسطوريه
مقال نشر بتاريخ 27 كانون /1 / ديسمبر 2013 في موقع
الكاردينيا
http://www.algardenia.com/maqalat/8030-2013-12-27-11-39-24.html
2 خالد عبد المنعم العاني مذكرات الرحاله يونس بحري في سجن ابو غريب مع رجال العهد الملكي في العراق بعد مجزره قصر الرحاب 1958، الدار العربيه للموسوعات 2005
، لقاء مع ابنته الدكتوره منى يونس -3- اطراف الحديث ، بحري الجزء الاول
http://www.vietvideos.vn/mpg/aFJTTkNqTXBYZG8.html
-4- اطراف الحديث ، لقاء مع ابنته الدكتوره منى يونس بحري الجزء الثاني
http://www.vietvideos-vn/mpg/RkZKM0hicm1nMjg.html
-5- الويكيبيديا، الموسوعة الحره
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3_%
D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A#cite_ref-1
-6- جريدة الصباح ليوم 2013/9/9
http://www.alsabaah-iq/ArticleShow.aspx?ID=53763
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشييع دفعة جديدة من رفات شهداء حملة إبادة إيزيديي سنجار على
...
-
لا تتناول خصوصيات الناس وتلمس جراحاتهم إن لم يكن قصدك فيها ن
...
-
للحوار لغة على منصات التواصل الاجتماعي كما في واقع الحياة
-
طوبى للطفولة عندما تستشهد كالكبار تحديا للدواعش في حملة اباد
...
-
نسبية الزمن في تقييم وقائع حياة الناس الإجتماعية
-
وقفة حوارية ثانية مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه ال
...
-
وقفة سريعة مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه البرمجة ا
...
-
قراءة وملاحظات على ديوان شعري الموسوم بعنوان : نرجسه في حقل
...
-
تبقى تبعات نزوح وهجرة الأقليات ، بعد جرائم داعش بحقهم دون قص
...
-
خواطر صباحية في محطات دروب الحياة
-
حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني
-
لم يعد عند الكثير ذلك الاهتمام المفروض في قراءة الكتب الثقاف
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمه المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمه المياه في إقليم كوردستان / العراق (الأسباب والحلول) / ا
...
-
يبقى العالم المنشود هو العالم الذي تجمعه القيم والفضائل الإن
...
المزيد.....
-
لحظة درامية.. شاهد ضابط شرطة يسحب رجلاً فاقدًا للوعي من سيار
...
-
وزير خارجية روسيا يعلق على تصريحات ماكرون -النووية- ومساعي ا
...
-
حسن البلام يواجه انتقادات بسبب -السخرية- من جورج وسوف
-
صورة متداولة لأضرار هجمات الدعم السريع على مطار مروي.. ما حق
...
-
فانس يزور الحدود المكسيكية ويشيد بسياسة إدارة ترامب الصارمة
...
-
فرنسا: السجن خمسة أشهر مع وقف التنفيذ للمؤثر الجزائري -دوالم
...
-
زاخاروفا: وضع أوكرانيا المحايد هو أفضل ضمانة لأمنها
-
أبو تريكة يرد على منتقدي ظهوره في إعلان القلعة الحمراء
-
-العدل الأوروبية- تغرم ألمانيا لتقصيرها في حماية المبلغين عن
...
-
-واجب أخلاقي-.. لاتفيا تدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف تأش
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|