|
الطابع العالمي لعصر النهضة على مشارف الرأسمالية
مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)
الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 18:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مؤلف المقال: نيكولاي يوسيفوفيتش كونراد*
ترجمة: مالك أبوعليا
طالما كانت طبيعة ومُحتوى وحدود العصر المعروف في التاريخ الأوروبي بعصر النهضة، محل نزاعٍ دائمٍ بين المؤرخين. لقد كَتَبَ المؤرخون من مُختلف الاتجاهات حول عصر النهضة. ولكنهم، في حين يهتمون بمُحتواه الثقافي، الا أنهم يختلفون حول المسائل التالية: فبعضهم يتصوره باعتباره عصراً في تاريخ الثقافة، في حين يربط آخرون مُحتواه الثقافي التاريخي بجذوره الاجتماعية-الاقتصادية، أي أنهم يعتبرون عصر النهضة حلقةً من حلقات العملية التاريخية العامة. ومن ناحية أُخرى، توجد اختلافات في الرأي بين مؤرخي أصحاب وجهة النظر الأُولى: تستند هذه الاختلافات على ما إن كانوا يرون أن هُناك عُنصراً واحداً هو الذي يُميّز عصر النهضة، أم أن هُناك ظواهر ثقافية مُعقدة تطبع بطابعها ذلك العصر. هذه الاختلافات تعتمد الى حدٍّ كبير على مجال البحث الخاص بكل واحدٍ منهم. أما الاختلافات القائمة بين مؤرخي المجموعة الثانية، فتعتمد على نظرات المؤلفين التاريخية العامة، والمدارس التاريخية التي يُمثلونها. من الواضع اذاً أن المسألة معقدة، حتى لو اقتصرنا على دراسة موضوعات تم بحثها بدقة في السابق. ولكن كما هومعروف،، لم تُجرَ دراسات شاملة على ظاهرة عصر النهضة في ايطاليا وغيرها من بُلدان أوروبا الغربية، مثل ألمانيا وفرنسا وانجلترا واسبانيا. أما ما نعرفه عن عصر النهضة في دول أوروبا الوسطى، فهو أقل بكثير، وأقل كثيراً ما نعرفه عن هذه الظاهرة في القسم الشرقي من أوروبا. وتنشأ وضعية مُعقدة أُخرى، انطلاقاً من حقيقة الافتقار الى الفهم الكاف للجوهر التاريخي لعصر النهضة الايطالي، وبالتالي يُربَط المفهوم بالواقع الايطالي وحسب، دون الالتفات الى نفس الظاهرة في البُلدان الأُخرى، ومن ثم القول بأن عصر النهضة هو مُجرّد فترة نشاط ثقافي كثيف (غالباً في الفن والأدب). في السنوات الأخيرة، صارت المسألة أكثر تعقيداً لأن المستشرقين غَدوا أكثر اهتماماً بها. ففي عام 1947، أشارَ شالفا اسحاقوفيتش نوتسوبيدزه Shalva Isaakovich Nutsubidze في كتابه حول الشاعر الجورجي شوتا روستافيلي Shota Rustaveli والنهضة الشرقية، الى حياة هذا الشاعر الجورجي العظيم-الفترة من القرن الثاني عشر الى القرن الثالث عشر، باسم عصر النهضة الجورجي. وفي كتابه (تاريخ جورجيا) الذي نُشِرَ عام 1948، وَصَفَ المؤرخ ايفان جافاخيشفيلي Ivane Javakhishvili الفترة المُمتدة من القرن الحادي عشر الى القرن الثاني عشر، بأنها تُشبه في محتواها التاريخي،، العصر المعروف في تاريخ بُلدان أوروبا الغربية باسم عصر النهضة. وفي عمله المُعنون (في التربية الانسانية الجورجية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر)، الذي ظَهَرَ عام 1961، أكّدَ ف. د. شانتوريا V. D. Chanturiya أن الأفكار التربوية الجورجية في ذلك الوقت، كانت دليلاً على عصر نهضةٍ جورجي آنذاك. وفي كتابه (النهضة الأرمنية) لعام 1963، حاوَلَ فازجِن كاربوفيتش تشالويان Vazgen Karpovich Chaloyan، أن يُثبِتَ، على أساس دراسةٍ تحليلية للمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أن عصراً كهذا، كان موجوداً في التاريخ الأرمني. أن عمل تشالويان، هو الأوسع نطاقاً وشمولاً في حُججه ومُناقشاته من بين الدراسات الخاصة بموضوع النهضة في الشرق. لم تتوقف هذه الدراسات عند جورجيا وأرمينيا. ففي مقالٍ لي بعنوان (حول نشأة الاقطاع على الصعيد العالمي في الشرق والغرب، ومفهوم العصور الوُسطى)، كُنت قد تناولت مسألة عصر النهضة في الصين، والذي حلّ بين القرنين الثامن والثاني عشر، وأعربت عن وجهة النظر القائلة بأنه قد نتمكن من الكشف عن عصرٍ مثيل، مُشابه في المُحتوى التاريخي والثقافي في تاريخ تركمانستان الغربية وايران وشمال غرب الهند، والذي امتد من القرن التاسع الى القرن الثاني عشر. وفي مقالٍ تفصيليٍّ آخر بعنوان (صعود النهضة الصينية) -1957، تناولت مسألة عصر النهضة في الصين في سياق تاريخ الفكر الاجتماعي بمزيدٍ من التفصيل. كما تناولَت مقالتي (ثلاثة شعراء من سلالة التانغ)-1960 نفس المسألة في مجال تاريخ الأدب. وفي مقالتي (فلسفة النهضة الصينية) التي كتبتها عام 1965، تناولت هذه المسألة في سياق تاريخ الفكر الفلسفي في الصين. وقد وَرَدَت بيانات وفيرة حول مسألة النهضة في الصين، في مقالٍ كتبه فلاديمير ايفانوفيتش سيمينوف Vladimir Ivanovitch Semenov عام 1962 بعنوان (مفاهيم مُتنوعة حول النهضة الصينية). كما أكَّدَ فيكتور جيرمونسكي V. M. Zhirmunsky في مقالٍ له عام 1961 بعنوان (علي شير النوائي ومسألة النهضة في الآداب الشرقية) على وجود عصر النهضة الشرقية. وفي كتابه (الأدب العربي)، تناولَ اسحاق مويسيفيتش فيلشتينسكي Isaak Moiseevich Filshtinsky مفهوم النهضة في الأدب العربي من القرن الثامن الى القرن الثاني عشر. وفي العام نفسه، طرَحَ الكاتب يوسف سامويلوفيتش براجينسكي Joseph Samuilovich Braginsky في كتابه (المنمنمات الايرانية) فكرة وجود عصر النهضة في الشعر والفلسفة والعلم في ايران وتركمانستان الغربية من القرن التاسع الى القرن الثالث عشر. وشهِدَ عام 1965 أيضاً نشر كتاب (بعض المسائل العامة في تاريخ الآداب الشرقية)، الذي طَرَحَ مؤلفوه فيه تحليلاً تفصيلياً لمسألة عصر النهضة في البُلدان الشرقية، على خلفية التاريخ العام لآداب تلك البُلدان. من الطبيعي أن كمية البيانات التي طَرَحَها مؤلفو الأعمال المذكورة، تختلف اختلافاً كبيراً: هُناك أيضاً اختلاف كبير في عُمق التحليل. ولكن هُناك شيء واحد مُشتَرَك بين المؤلفين، وهو موقفهم مما يُسمونه بعصر النهضة، والذي لا يعتبرونه مُجرَّد فترة ازدَهَرت فيها الآداب والفنون، بل يرونه عصراً تاريخياً مُحدداً. إن هذا الاهتمام الشديد بمسألة النهضة في بُلدان الشرق، هو أمرٌ مفهومٌ تماماً. والواقع، أن المسألة لم يطرحها بعض العُلماء، بقدر ما يطرحها علم التاريخ نفسه. من المعروف أن حدود المعارف التاريخية اتسَعَت الى حدٍّ كبير، وصارَ التاريخ بكامل تاريخه المُعقَّد، جُزءاً من تلك المعارف، ولم يقتصر الأمر على أنه تم "إدراجه" فيها، بل أنه حلَّ في المكان المُناسب فيها. ولكي نقتنع بهذا، فما علينا الا أن ننظر في كتاب (تاريخ العالَم) السوفييتي، ذو المُجلدات العشر. لقد ظَهَرَت أعمال عديد رَسَمَت صورةً عامةً للعملية التاريخية في بُلدان الشرق، وجوانب مُختلفة من تلك العملية، وتمت دراسة الحياة التاريخية والثقافية لشعوب الصين والهند وايران وتركستان الغربية والقوقاز. ومن الطبيعي، أثناء هذه العملية، أن تتم مُقارنة بعض عصور تلك البُلدان بالعصور التاريخية الأُوروبية. لا يُمكننا أن نعتبر أن استخدام تعبير "عصر النهضة" في دراسة تاريخ البُلدان المذكورة أعلاه، مُجرد مُصادفةٍ أو اعتباطاً. لقد افتَرَضَ الباحثون وجود مثل هذا العصر عند تلك البُلدان التي عشات شعوبها حياةً ثقافيةً وتاريخيةً طويلة ومُتطورة. لقد عَرَفَ الباحثون أول عصر نهضةٍ أوروبيٍّ في ايطاليا، والذي يعود تاريخ شعبها الى القرن الثامن قبل الميلاد. سَبَقَ عصر النهضة الايطالي عصراً "قديماً" و"ووسيطا". كانت العصور القديمة الايطالية، هي الثقافة اللاتينية والهيلينية. نجد مُصطلح "النهضة"، والذي يعني "العودة الى التعليم القديم Ku-wen او Gǔwén، أو العودة الى القديم fu-ku، في تاريخ الصين، بوصفه أحد سمات العصر الذي يُذكرنا بعصر النهضة الايطالي. ويمتد تاريخ الشعب الصيني أيضاً، الى ماضٍ بعيد، الى القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد. اعتَبَرَ عصر النهضة الصيني، بأن العصر القديم هو الفترة التي أُرسِيَت فيها كُل أُسس الثقافة والتعليم. لا نلاحظ عند شعوب ايران وتركستان الغربية مُصطلح النهضة، ولكننا نُلاحظ عصراً يتميَّز بملامح النهضة بين القرنين التاسع والثالث عشر. بدأ تاريخ الشعوب الايرانية، مثل تاريخ الصين، في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، عندما ظَهَرَت القبائل الناطقة بالايرانية في شمال ايران. كانت الحياة التاريخية والثقافية للشعوب الايرانية، مُتشابكةً في مسار تطورها، مع الحياة التاريخية والثقافية لشعوب تركستان وشمال غرب الهند، والتي كانت أيضاً تتمتع بثقافةٍ غنية. نشأت أولى الدُوَل في خوارزم وباكتريا بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. وبالتالي، كان لشعوب ذلك القسم من العالَم، تاريخها القديم الخاص، والذي كان، الى حدٍّ كبير، مُشتركاً بينها جميعاً، مثلما كانت الحياة الثقافية والتاريخية مُشتركةً بين الايطاليين واليونانيين القُدامى. إن مجموعة الشعوب القديمة التي تتمتع بتاريخٍ طويلٍ مُتواصل وثقافةٍ غنيةٍ وقديمة، تشمل الجورجيين الذين كانت لهم دولة في القرن الثالث قبل الميلاد. وتتضمن هذه المجموعة، الأرمن، الذين بدأ تاريخهم في القرن السابع قبل الميلاد. لقد كان لدى هذه الشعوب القوقازية، عصورها القديمة، التي كانت تشترك ثقافياً، في عددٍ من الجوانب، مع العصور القديمة الايرانية والشرق الأدنى القديمين، وكذلك، تشترك بدرجةٍ أكبر مع العصور اليونانية والرومانية. كما عاشَت هذه الشعوب "العصور الوسطى" بثقافةٍ مُتطورة. ومن هُنا، فإن المسألة التي يطرحها علم التاريخ، تُثيره أحداث التاريخ نفسها في جوهر الأمر. وجوهر هذه المسألة بالغ الأهمية الى الحد الذي جَعَلَ المناقشة حوله أمراً ضرورياً. نحن هُنا، لا نتعامل مع الكشف عن "عصور النهضة" في تاريخ الشعوب المُختلفة وحسب (أي مع تفسيرٍ جديدٍ للعملية التاريخية"، بل مع مسألةٍ أكبر من هذه بكثير، وهي مسألةٌ تتعلق بالمعنى التاريخي لمثل ذلك العصر، والظروف المؤدية اليه، وأهميته التاريخية، وأخيراً، ظهوره الحتمي في تاريخ بعض الشعوب، أي، في التحليل النهائي، في تاريخ البشرية جمعاء. أعتقد أنه يُمكننا أن نستخلص بياناتٍ هامة لمُناقشة مجموعة المسائل المطروحة أعلاه، من خلال مُقارنة تلك الأمثلة التاريخية التي نشأت وتطورت بشكلٍ مُستقلٍ عن بعضها البعض في هذا العصر. المثال الأول، هو عصر النهضة في ايطاليا، وهو مثالٌ مألوفٌ لنا. المثال الثاني، هو عصر النهضة في الصين، والذي لم يتم التحقق من وجوده بشكلٍ كافٍ، الا أنني أعتقد أن ما كُتِبَ حوله، كافٍ لتبرير قبولنا بوجوده، بوصفها فرضيةً قائمةً على أُسسٍ كافية. نلاحظ، في كلتا الحالتين، أولاً وقبل كُل شيء، وجود تعبير مُتطابق يُستخدَم للإشارة الى العصر، يتشابه ليس فقط في معناه العام، ولكن أيضاً في شكله الاصطلاحي، وكان مُعاصروه يستخدمونه للاشارة الى ذلك العصر. كان الفنان جورجي فاساري Giorgio Vasari يُطلق عليه renaissance، بينما كان يُطلق عليه الشاعر والسياسي هان يو Han Yu تعبير Fu- ku. كانت الكلمة الايطالية تعني عصر النهضة، ولكنها كانت تُفهَم على أنها إحياءٌ للعصور القديمة. في حالة الصين، فإن مفهوم العصور القديمةمُدرَجٌ في نفس المُصطلح. تتألف الكلمة الصينية من قسمين: Fu بمعنى "العودة"،وKu بمعنى "العصور القديمة". ويُمكن فهمها بمعنى إحياء العصور القديمة. من المُثير للاهتمام أن نلاحظ الزمن الذي دَخَلَت فيه هذه التعبيرات حيز الاستخدام. عاشَ فاساري في القرن السادس عشر، من عام 1511 الى عام 1574 عندما كانت النهضة في بلده الأُم قد وَصَلَت الى نهايتها. عاشَ هان يو في النصف الثاني من القرن الثامن، والرُبع الأول من القرن التاسع 768-824 عندما كان عصر النهضة قد بدأ للتو في بلده. وكليهما نَظَرَ الى عصره بأنه العصر الحديث، وأن هُناك عصراً قديماً يسبق العصور الوسطى في بلده. ولكن كيف بالضبط تبدّى هذا العصر القديم من وجهة نظر فاساري وهان يو؟ لا بد وأنه تبدّى لهما وكأنه نورٌ حق. ونظراً لأن الجهود كانت مُوجهةً لإعادة احيائه، فلا بُدَّ وأنه حظيَ بتقديرٍ رفيع. ولكن ما هي النظرة الملموسة التي كان ينظر من خلالها هؤلاء المفكرين الى العصور القديمة؟ اعتَبَرَ الايطاليون في عصر النهضة، بأن العصور القديمة هي ماضي بلادهم، أي عصر روما القديمة. ولم يكن عصر الرومان بأكمله، بل قسم منه هو الذي اتسم بنشاط أدبي وفكري استثنائي: الفترة الختامية للجمهورية والفترة الأُولى للامبراطورية. وبعبارةٍ أُخرى، لم تكن بداية روما ولا نهايتها هي المقصودة، بل مرحلتها الوسيطة، أي ما يُعرَف بالمرحلة الكلاسيكية. وأضاف الايطاليون الى عصورهم القديمة، العصر الهيليني، الذي ورثه الرومان. ولكن هُنا أيضاً، لم يسعوا الى احياء الفترة الهوميرية أو الهيلينية المتأخرة، بل الفترة الكلاسيكية. ولكن ماذا كان تصور هان يو للعصور القديمة؟ لقد كان فهمه واضحاً تماماً في اطروحته المُعنونة (الطريق). فقد فهم الطريق بمعنى التنوير، الذي كان عزيزاً عليه للغاية. وكان هذا التنوير يشمل كل العصور القديمة في التاريخ الصيني حتى بداية القرن الأول بعد الميلاد. وآخر الشخصيات العظيمىة التي ذكرها في ثقافة الماضي القديم، هُم سيما خيانجرو Sima Xiangru (مات عام 117 ق.م)، وسيما تشيان Sima Qian (145-86 ق.م) ويانغ خيونغ Yang Xiong (53 ق.م-18 م). ومن هُنا يُمكن أن نستنتج أن هان يو، لم يقبل العصور القديمة المتأخرة-الفترة الثانية من الامبراطورية. وحين نتذكر أن هان يو اعتَبَر كونفوشيوس مؤسس "الطريق"، أي التعليم والتنوير، وأن المخطوطات القديمة التي ذكرها (كتاب التغيرات I Ching وكلاسيكيات الشعر Shih-ching وكتاب الوثائق Shūjīng) ظَهَرَت حتى قبل عصر كونفوشيوس وأحاطت بها هالة من الرفعة والسمو بسبب اسم كونفوشيوس، فإنه يبدو أن العصور القديمة في رأي هان يو تُشير في المقام الأول الى عصر دولة المُدن الصيني، وأن هذه كانت المرحلة الكلاسيكية الحقيقية في تاريخ الثقافة الصينية القديمة.
إن هذا التفضيل للفترة الوسطى من العصور القديمة، لا يُمكن أن يكون مُصادفةً، ويبدو لي أن هذا التفضيل يعود الى سمة مُعينة من سمات النظرة التاريخية لمُفكري عصر النهضة. إن أحد أكثر السمات نموذجيةً لهذا العصر، هو أنه في تمجيدهم للفترة الكلاسيكية، أظهَرَ رواد عصر النهضة الايطاليين، بأن تقديرهم للفترة التي تفصلهم عن العصور القديمة، مُتدنٍّ للغاية. وكانت هذه الفترة برأيهم، هي العصور الوسطى. وبما أن العصور القديمة كانت عظيمة، وكان عصرهم يسعى الى إحياء تلك الأمجاد، فإن العصور الوسطى تُمثل الظلام والجهل. لم يبتكر رواد عصر النهضة الصينيون مُصطلح العصور الوسطى، كشيء مُحدد، ولكن لا شك أنهم كانوا يتبنون نفس هذا التصور حول المرحلة الوسيطة في تاريخهم. ويتضح هذا من كتاب (تاريخ امبراطورية سونغ The Song History)، وهو عمل ظَهَرَ في القرن الرابع عشر، أي في الوقت الذي مرّت فيه عدة قرون من عصر النهضة، وكانت نظراته قد اكتَمَلَت تقريباً. وفي هذا الكتاب الذي يحكي تاريخ امبراطورية سونغ 960-1279، هُناك قسم يتناول ما يُعرَفُ بمدرسة سونغ الفلسفية، وهي المدرسة التي تُشكّل باعتقادي جُزءاً لا يتجزأ من عصر النهضة الصيني. يُعدد هذا القسم من الكتاب، الفلاسفة الرئيسيين لهذه المدرسة، ويُوضح المساهمات التي قدمها كُلٌّ منهم في تطويرها، ويطرح تقييماً عاماً لهذه المدرسة ككُل. ولكن ما هي أفكار العصور الوسطى أو "عصور الظلام" التي اعتبرها مُفكري عصر النهضة غريبةً عنهم؟ دعونا نُحاول الاجابة على هذا السؤال، أولاً على المُستوى الايديولوجي العام. إن تحليل نظرات هان يو، الذي نعتبره بدايةً لتاريخ حركة النهضة الصينية، يُبين لنا أنه كان مُعارضاً للبوذية والطاوية. وقد كان هذين النظامين الفكريين راسخين في العصور الوسطى (من القرن الثالث وحتى السابع). وخلال هذه الفترة، صارت البوذية، بنظامها المُتشعب، بالاضافة الى كهنتها وطوائفها الرُهبانية، أكثر الديانات انتشاراً في الصين. أما الطاوية، فتحولت الى تعاليم دينية حقيقية ذات عقيدة خاصة. كانت هاتين الديانتين تحويان فلسفات متطورة. لقد وَقَفَ هان يو ضد مبادئها الفلسفية، ووَقَفَ ضد مفهوم النيرفانا في البوذية، ومفهوم السكينة في الطاوية. كان هان يو يرى أن هذين المبدأين يصرفان انتباه الناس عن القضايا الرئيسية:عن الحياة والنشاط وخدمة المُجتمع. وعلى النقيض من البوذية والطاوية، أقامَ هان يو "التعاليم الحقيقية"، أي الكونفوشيوسية. وكان الفيلسوف الصيني منشيوس Mencius 289-371 م، هو مَثَله الأعلى، والذي خاض نضالاً لا يعرف الكلل ضد كُل ما يُمثل الشر الاجتماعي في عصره، ولم يخشَ حتى فضح حُكام البلاد. وكان هان يو يعتبر نفسه منشيوس زمانه. ولكن إن وقفَ المرء مع منشيوس فإن ذلك يعني وقوفاً مع العصور القديمة، وإن رفض المرء أفكار العصور الوسطى، فإن ذلك يُعادل استخفافاً بها. لم تَحظَ أعمال منشيوس في زمنه بشعبيةٍ كبيرة. وحتى كتاب لون يو Lun Yu (حياة وتعاليم كونفوشيوس)، الذي دوَّن فيه أقوال كونفوشيوس، لم يكن في مُقدمة الكُتُب آنذاك. وفي أيام هان يو، لم يكن الاهتمام مُنصباً على تطوير المبادئ الواردة في الكتابات القديمة، بل على ترسيخ ما هو "صحيح" فيها، سواءاً فيما يتعلق باستعادة النص الأصلي أو تفسيره. يُذكرنا هذا بظهور كتاب (الخلاصة اللاهوتية) Summa Theologica للقديس توما الاكويني في تاريخ الفكر الفلسفي الديني للكاثوليكية في العصور الوسطى. ولكن الا يُمكن أن يُساهم المُقارنة بين هذين الحدثين المُتباينين في ترسيخ فهم أكثر وضوحاً لما حدث في الفلسفة الكونفوشيوسية في الصين والفلسفة الكاثوليكية في ايطاليا؟ الا ينبغي لنا أن نعترف بأن هذه الأحداث تأتي في سياق نشوء نظام عالمي واحد؟ وبما أن هذا النظام الفكري القروسطي كان محصوراً في اطارات تفسيرية مُحددة بوضوح، ولم يكن بالامكان الابتعاد عن موضوعها، أفلم يحدث التحول الحتمي من نظام فلسفي الى عقيدة؟ وفي هذه الحالة، اليست هذه العقيدة الايديولوجية، التي ترسخت في ذلك الزمن، والتي لا تُعد مقبولةً في أذهان مُفكري عصر النهضة، هي التي تُشكل أساس موقفهم السلبي، سواءاً في الصين أو ايطاليا، من العصور الوسطى؟ أما فيما يتعلق بالصينيين، فإن هذا الأمر واضحٌ جداً. فقد كان هان يو، الاستاذ في احدى الجامعات الحكومية، مُلزماً بُحكم منصبه الرسمي، بتدريس "التعاليم" بنصها وتفسيرها المقبولين. ولكنه مع ذلك، أجرى أبحاثاً مُستقلةً تماماً. لم يكتب تعليقاتٍ على الكلاسيكيات، بل كَتَبَ اطروحاتٍ حول تلك المسائل التي يعتبرها الأكثر أهمية. هناك ثلاثة من أهم تلك الأُطروحات: (حول الانسان)، و(حول الطريقة) و(حول طبيعة الانسان). وقد كانت هذه الأُطروحات مُعالجات حُرة وابداعية لموضوعات، بالرغم من حضورها في المؤلفات الكلاسيكية، ظلَّت غير متطورة بشكلٍ عام، أو لم تُطرَح من الزاوية التي اعتبرها هان يو الأكثر أهميةً. لقد استلهَمَ فلاسفة دولة سونغ Sung الذين نشطوا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، أي في فترةٍ لاحقة، عندما دَخَلَ عصر النهضة مرحلةً جديدة، نفس الروح التي استلهمها هان يو. فقد كان موقفهم من البوذية والطاوية، ومن مفاهيمها الفلسفية، سلبياً في الغالب. ولم تكن البوذية والطاوية، بوصفهمها عبادتين دينيتين،، تجتذبان فلاسفة الكونفوشيوسية، الذين كان ظواهر العبادة الدينية غريبةً عليهم. اتضح هذا من السَخَط الذي عبَّرَ عنه هان يو في كُتيبه الشهير (حول عظام بوذا). بدأ هذا الدين يتغلغل في الصين انطلاقاً من امبراطورية كوشان Kushan Empire في تركستان الغربية في بداية القرن الأول الميلادي. قام نُبلاء وأباطرة التانغ انفسهم بالحفاظ على تأثير هذا الدين، وترسيخه. ويُستَدل على قوة هذا التأثير في أيام هان يو، عملية نقل عظام بوذا bone of Buddha الى الصين، وتم جلب جُزء منها الى تشانغان Chang an عاصمة الامبراطورية ووضعها في معبد القصر. احتجَّ هان يو على تشجيع ما اعتبره خرافاتٍ جامحة. وكتَبَ يقول: في النهاية، بوذا ماتَ منذ زمنٍ طويل. وهذه ليست سوى قطعةٌ من عظمٍ مُتحلل! انها مُجرد قذارةٍ وأوساخ. لماذا علينا أن نضعها في القصر؟". ولكن كقاعدةٍ عامة، خاض مفكرو عصر النهضة الصينية صراعاً ضد ما اعتبروه ذو أهميةً عظيمةً في هذه الأديان، أي مفاهيمها الفلسفية. ويكفي القاء نظرة واحدة على القسم الختامي من الكتاب الذي جمعه تشو زي Chu Hsi ولو كونغ Liu Kung في القرن الثاني عشر أثناء عصر السونغ، لإثبات أنه حتى بعد ثلاثة قرون من عصر هان يو، كان فلاسفة عصر النهضة الصينيون يعترضون على نفس مفاهيم النيرفانا والاستسلام، مُعتبرين اياها ليس فقط مُعاديةً للمُجتمع، بل ومُناقضة لطبيعة الانسان. اعتَرَضَ فلاسفة سلاسة سونغ، على المنهجية التفسيرية والتأويلية في دراسة الكلاسيكيات، وعارضوها بمبدأهم في التعاليم "الطبيعية والقانونية"، أي دراسة روح النص وليس حرفه. ليس النصوص بحد ذاتها، بل المسائل التي تطرحها. ولكن ما هو المُتوافر في ايطاليا والذي يُمكننا أن نُقارنه بما سَبَق؟ لقد كان مواقف فلاسفة عصر النهضة الايطاليين من الدين، مُختلفاً عن مُفكري عصر سونغ الصينيين. كان أكثر المواقف انتشاراً، هو موقف اللامُبالاة، التي اتخذت في بعض الحالات شكل عدم الايمان وحتى السُخرية. ولم يتجه سوى عدد قليل من رواد عصر النهضة الى الوثنية: ولنتذكر هُنا الانجذاب الذي وجده بعض عُلماء النهضة في النصف الثاني من القرن الخامس عشر في أعمال أفلاطون. وعلى الرغم من الاختلافات بينهما، الا أن هُناك سمة تُميِّز العديد من مُفكري ايطاليا تُذكرنا بفلاسفة عصر النهضة الصينيين. إن هذه السمة التي يعرفها بعض مؤرخي عصر النهضة الأوروبي، والمُتمثلة بعلمنة الفكر النظري، أي فصله عن مجال الدين. كانت هذه العملنة، تعني في الواقع، قطيعةً تامةً مع اللاهوت، ومع الدوغما الدينية، وبالتالي كانت أحد الأشكال التي اتخذها النضال ضد الدين. وفيما يتعلق بهذه النُقطة الأساسية، اتَفَقَ مُفكرو عصر النهضة في الصين وايطاليا. وهذا يعني أن النضال من أجل تحرير عقل الانسان من قيود العقيدة الدينية في ايطاليا والصين، يُشكل سمةً رئيسيةً لعصر النهضة في مجال الايديولوجيا. ومن الضروري أن نُشير، ليس فقط الى أوجه التشابه، بل وكذلك الى أوجه الاختلاف بين هاتين الحالتين التاريخيتين. ففي الصين، خَلَقَ عصر النهضة، فلسفةً تتسم بالاتساع والأصالة. بينما في ايطاليا، لم يخلق عصر النهضة، أي نظام فلسفي أصيل. في البداية، كان هُناك تراخٍ واضح وفقدان للاهتمام بالجانب الميتافيزيقي من النظرية الفلسفية من قِبَل فرانسيسكو بيترارك Francesco Petrarca والنهضويين الأوائل بشكلٍ عام، كما كان هُناك ميل الى اختزال الفلسفة الى أخلاق. وفي وقتٍ لاحق، في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، ظَهَرَ مفكرون أصيلون بسبب الاهتمام الخاص الذي أولوه لتعاليم لأفلاطون وأرسطو. ولكنهم لم ينجحوا في إقامة نظام فلسفي مُتكامل مثلما حَدَثَ في الصين. وعلى الرغم من هذا الاختلاف، فمن المُمكن اجراء مُقارنة من حيث الجانب الأكثر أهمية بين الفكرين الفلسفيين الايطالي والصين لعصر النهضة، وهو جانب المنهجية. لقد لاحَظَ العديد من العُلماء الذين أجروا أبحاثاً على عصر النهضة الايطالي والغربي عموماً، وجود عناصر العقلانية في وجهات نظر رواد النهضة. ويبدو لي أنه لا جدال في أن نفس العملية حَدَثَت في الفكر النظري أثناء عصر النهضة الصينين. كانت المقولة الرئيسية لفلاسفة سونغ هي "القانون" (Li)، وهي مقولة منطقية صرف. وكانت تعني بأن الادراك، يُعادل ايجاد "القانون" في "جميع الأشياء"، أي في كُل موضوعات الواقع، في حين كانت مراحل ونتائج هذا الإدراك تُحقق على مُستوى فكري صرف ويُعبَّر عنها بمفهومات عقلانية. وبرأيي، فإن هذا، وليس مسألة إقامة نظام فلسفي مُتكامل أم لا، هو أهم عُنصر في الثورة التي حَدَثَت في أذهان الناس خلال ذلك العصر المعروف في الشرق والغرب باسم عصر النهضة. إننا كثيراً ما نتصور أن مسألة وضع الانسان في المُقدمة، هي أهم سمة من سمات عصر النهضة الايطالي. فقد أصبَحَ الانسان، في فكر عصر النهضة، في مركز كُل شيء باعتباره مقولةً عُليا تتمتع بأعلى الحقوق والقِيَم. أما بقية الأشياء، مثل المُجتمع والتاريخ والعالَم فقد إعتُبِرَت ذات قيمة وأهمية بقدرما تتعلق بالانسان. ويُعتَقَد أن هذا التصور حول الانسان، بمثابة رد فعل ضد الموقف النموذجي الذي كان سائداً في العصور الوسطى الذي اعتَبَرَ طبيعة الانسان والعالَم الخارجي مصادر للاغراء، وسبباً للخراب، وبأنه تصور ناهَضَ الموقف من العقل باعتباره مبدأً لا يُمكن سوى أن يقود الانسان الى الكبرياء الفكري، أي الى الخطيئة المُميتة. ومن هُنا، جاء الاستنتاج بأن الانسان لا بُدَّ وأن ينسحب من العالَم ويُكافح باستمرار ضد احتياجاته الانسانية الطبيعية. إن هذا التفسير الشائع لعصر النهضة الأُوروبي يبدو لي صحيحاً جُزئياً، وزائفاً من جانبه الآخر. صحيح أن الموقف من الانسان أثناء عصر النهضة كان مُختلفاً عن الموقف السائد في العصور الوسطى: فقد وُضِعَ الانسان في المُقدمة. ولكن ليس صحيحاً أن جوهر التقدم الذي احرزه الانسان كان يُصوَّر على أنه يسمح بالتطور الحُر لجميع سمات طبيعته المُتأصلة فيه، وكأن مصدر جميع الشرور كان يكمن في "إماتة الجسد" الرُهبانية. أعتقد أن جوهر موقف عصر النهضة يكمن في شيءٍ أكثرأهمية. لا شكَّ في أن عصر النهضة قد وَضَعَ الانسان في الصدارة من جميع الموجودات الأُخرى. ولكن الجوهري في ذلك، لم يكن بأي حال، الاعتراف بحقه في إشباع احتياجاته، وخاصةً "حاجاته الجسدية".ولو أن الأمر اقتَصَرَ على هذا، لما كان هُناك سبب للتقدير الرفيع الذي يناله عصر النهضة. كان أهم ما في الموقف الجديد الذي اتخذه عصر النهضة، هو ما أطلَقَ عليه جول ميشوليه Jules Michelet وجايكوب بوركهارت Jacob Burckhardt"الكشف عن الانسان"، الأول، في صيغته "الكشف عن العالَم والانسان"، والثاني، في صيغته "الكشف عن الانسان والطبيعة". ولكن كيف تجلَّى هذا "الكشف عن الانسان"؟ أولاً، في فكرة أنه قادرٌ على التفكير بنفسه كما يُملي عليه العقل. وفي هذا، يكمن جوهر "علمَنَة" الفكر النظري الذي حَدَثَ أثناء عصر النهضة. ويفهم المؤرخون الغربيون هذا، باعتباره، تحريراً للوعي الانساني من الدوغما الدينية، وباعتباره انتقالاً من الفكر الديني الى الفكر العلماني.. "والعلمنة" هو مُصطلحٌ ينطبق أيضاً على الأخلاق، ويعني فصل الأخلاق عن العقيدة الدينية. إن كان لنا أن نعتبر المكانة البارزة التي حَظِيَ بها الانسان، هي من أهم السمات التي تُميِّز عصر النهضة-وهذا هو الحال فعلاً- فإن النهضة الأكثر أصالةً لا بُدَّ وأن تكون تلك التي حَدَثَت في الوعي الاجتماعي الصيني بين القرنين الثامن والخامس عشر. وقد أشرنا الى ثلاث أطروحات كتبها هان يو: (حول الانسان)، و(حول الطريقة) و(حول طبيعة الانسان). وتُشير عناوين هذه الأُطروحات الى أن الموضوع الرئيسي الذي تناوله هان يو، هو الانسان. ففي العمل الأول، يؤكد هان يو أن الانسان هو سيد كُل ما يعيش على الأرض. ويطرح العمل الثاني سبب اتخاذ الانسان لهذه المكانة في العالَم: لأنه يحوز على "طريقة الانسان"، ويتلخص هذا الطريق في "محبته لكُل شيء". ويؤكد هان يو، في الاطروحة الثالثة، أن الانسان خيِّر بطبيعته. كان هان يو هو أول من أعلَنَ عن أفكار عصر النهضة في المجال الفلسفي. وقد قُبِلَت هذه المبادئ لاحقاً، وخضعت لتطويرات كثيرة. كَتَبَ الفيلسوف تشو دانيي Zhou Dunyi (1017-1073) أن "الانسان من بين جميع الموجودات، يتمتع بأقصى درجة من درجات الروحانية". وعبَّرَ تشينغ هاو Cheng Hao (1031-1085) عن نفس الفكرة بصيغة مُختلفة: "ليس الانسان وحده هو الذي يتمتع بأقصى درجة من درجات الروحانية في العالَم. إن روحي هي كروح الأعشاب والأشجار والطيوروالوحوش. وُلِدَ الانسان وقد أصبَحَ وسطاً بين السماء والأرض". لا يمكن تقديم شرح مفصل لهذا المبدأ هنا، ولكن من الضروري الإشارة إلى أن مفهوم "الوسط" في لغة فلاسفة امبراطورية سونغ، يشير إلى ما لا يميل إلى أي جانب، وما لا يتسم بالتحيز، بل يكون شاملًا وذا قيمةٍ كاملة. إن فكرة أهمية الطبيعة البشرية، تشكّل الأساس لتقدّم الإنسان ليحتل الصدارة في الوجود. ويتم تحقيق ذلك ليس من خلال معارضة الإنسان لما سواه، بل عبر دمجه مع كل شيء آخر. كان تشانغ تساي Chang Tsai (1019-1077) يرى أن الإنسان هو تجلٍّ لـ"الروح الكونية"، وأن هذه الروح متطابقة عند البشر والأشياء. وقد عبّر عن هذه الفكرة بلغة تصويرية في الجملة الافتتاحية لنقشه الشهير: "النقش الغربي"، حيث قال: "السماء أبي، والأرض أمي، والناس إخوتي، والأشياء رفاقي". لذلك، إذا أردنا تطبيق صيغة بوركهارت Burckhardt على النهضة الصينية، وهي "اكتشاف الإنسان والطبيعة"، فيجب أن تُفهم على أنها "اكتشاف الإنسان في الطبيعة"، وفي الوقت ذاته "اكتشاف الطبيعة في الإنسان". وكما هو معلوم، كان اثنان من أتباع بترارك Petrarch، وهما كولوكيو سالوتاتي Coluccio Salutati (1331-1406) وليوناردو بروني Leonardo Bruni (1369-1444)، قد أطلقا مصطلح الانسانيات humanitas الذي وجداه في كتابات شيشرون القديمة. واعتبرا أنه المصطلح الأكثر تعبيرًا عن التمايز بين عصرهما والعصور الوسطى. وقد فهما هذا المصطلح humanitas على أنه تلك السمة المميزة للإنسان، والتي تحدد كرامته الإنسانية وتحثه على طلب المعرفة. وقد اختار هان يو الكلمة ذاتها، والتي تعني في الصينية "جن" (jen)، ليُميّز "الطريق" في زمنه عن "الطريق" المعروف قبله. وقد وجد هو الآخر هذه الكلمة في كتابات كونفوشيوس القديمة. وكان المعنى الذي قصده كونفوشيوس واضحًا؛ فعندما سُئل عن معنى "جن"، أجاب: "محبة الإنسان". لكن إجابة هان يو كانت مختلفة؛ حيث قال: "محبة الجميع". ووفقًا لهان يو، فإن "جن" هي مقولة من مقولات علم الأخلاق الاجتماعية، وهذا يعني أنها الأساس الذي يقوم عليه المجتمع البشري بأسره. أما فلاسفة النهضة اللاحقون، المنتمون إلى مدرسة سونغ، فقد منحوا هذه الكلمة معنى مختلفًا. وكما ذكرنا سابقًا، فقد طَرَحَ فلاسفة سونغ مفهوم "القانون" (لي - li)، أي "القانون الطبيعي" (تيان-لي - t’ien-li) للوجود، وهو القانون الفعّال في "كل الأشياء "وان-وو - wan-wu)، أي في الموجودات الطبيعية. وكان تشينغ هاو هو Ch’eng Hao هو أول من طرح هذه المقولة، إذ رأى أن طبيعة الإنسان في بعدها الكوني، تُمكّنه من فهم محتوى هذا "القانون الطبيعي". وبما أنه اعتبر أن الخاصية الأساسية لطبيعة الإنسان هي " الانسانيات " (humanitas)، فقد استنتج أنها، أي الانسانيات humanitas هي القانون العام لكل الموجودات، أي القانون الفعّال في "كل الأشياء". وقد عبّر تشينغ هاو عن هذه الفكرة بتعريف بسيط: "جن تشمل كل الأشياء". ولكن ما هي هذه "الإنسانية" بالمعنى الملموس؟ عبّر تشينغ هاو عن تصوره لها من خلال سلسلة من الأحكام، حيث قال: "الإنسانية في الإنسان لها مكان الى جانب خصائصه الأخرى"، والتي تشمل: الشعور الفطري بـ"الواجب"، أي السعي الدائم لفعل ما ينبغي فعله؛ والشعور بـ"القانونية"، أي فهم ضرورة الالتزام الدائم بحدود معينة أو نوع من الانضباط الداخلي؛ والتعطش إلى المعرفة والقدرة على تحصيلها؛ وأخيرًا، الاستقامة. ووفقًا لتشينغ هاو، فإن "جن" (humanitas) هي من بين هذه الصفات، لكنها في الوقت ذاته تشملها جميعًا. إن كانت النزعة الإنسانية، حتى في تفسيرها النهضوي الايطالي، تُعتبر السمة الأبرز لهذه الحقبة الجديدة، ألا ينبغي اعتبار النزعة الإنسانية، كما فهمها هؤلاء المفكرون الصينيون، دليلًا على أن عصرهم يستحق أن يُطلق عليه اسم النهضة، بالمعنى التاريخي الشامل ذاته؟ ومنناحيةٍ أُخرى، يبدو لي أنه من الضروري، من أجل فهم طبيعة التغيرات الجوهرية التي طرأت على الوعي الاجتماعي خلال عصر النهضة، النظر في التحول الذي حدث في كلٍ من الفلسفة والشعر. أما باقي الجوانب، مهما بلغت أهميتها، فإنها تندرج ضمن هذا الإطار، بما في ذلك العمليات التي شهدها الأدب ككل. يُعتبر ازدهار الأدب أحد أكثر العلامات تعبيرًا عن عصر النهضة في إيطاليا والدول الأوروبية الأخرى التي تأثرت بتلك النهضة. ومن المعروف أيضًا أنه خلال عصر النهضة الصينية، كانت هناك قوة إبداعية هائلة تعمل في مجال الأدب. وهنا نواجه ظاهرة ذات طبيعة فريدة، تُعد نموذجية لعصر النهضة في أوروبا، لكنها تجلّت في الصين بشكل أكثر وضوحًا. فقد ظهر إنتاج أدبي غزير، يمكن تصنيفه على أنه ذو طابع صحفي، فلسفي، وعلمي، واتخذ أشكالًا يمكن أن نطلق عليها مقالات ودراسات ورسائل علمية وأطروحات، وكلها تمتعت بقيمة أدبية عالية. أُشير إلى هذه الأشكال الأدبية مجتمعة بمصطلح كو-ون (ku-wen). يُترجم مصطلح كو-ون حرفيًا إلى "الأدب القديم"، لكن بما أنه يشمل على وجه الخصوص أعمال هان يو، وليو تسونغ-يوان Liu Tsung-yuan، وغيرهم من كُتّاب النهضة الممتدة من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر، فإنه بذلك لم يكن أدباً قديماً. كان هذا الأدب "قديمًا" فقط في روحه، لا في زمنه. في الواقع، نشأ هذا الأدب بالتوازي مع الحركة المعروفة باسم فو-كو (fu-ku) أو "العودة إلى العصور القديمة"، وهي الحركة التي منحت تلك الحقبة التاريخية طابعها المميز وأصالتها الفريدة. وبالنظر إلى ذلك، يمكن اعتبار مصطلح كو-ون معبرًا بدقة عن أدب عصر النهضة. ويمكن إثبات ذلك من خلال ما يلي: فقد تم حفظ مجموعة أدبية بعنوان كو-ون تشن-باو (Ku-wen chen-pao) أو "جواهر الأدب القديم الحقيقية". أقدم طبعة معروفة لدينا تعود إلى عام 1366، إلا أن الباحثين يفترضون أن ظهورها الأول كان في أواخر القرن الثالث عشر، حين أُتيحت الظروف لإجراء مراجعة جزئية لما تحقق أدبيًا في إطار حركة العودة إلى العصور القديمة. أول ما يُلاحظ في هذه المجموعة هو أنها تضم كُتَّابًا من الفترة الممتدة من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر، وهي القرون التي شهدت تطور هذه الحركة، حيث عبَّرَ عنها عدد كبير من أعمالهم. كما تضمنت المجموعة بعض الكتاب من العصور السابقة، وتحديدًا من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي، ولكن هؤلاء كانوا قلة، ولم يُدرج سوى عدد محدود جدًا من أعمالهم. وبذلك، تُعد هذه المجموعة في جوهرها مختارات من أدب عصر النهضة. أما إدراج أعمال المؤلفين القُدامى ومن العصور الوسطى، فقد كان له غرضان رئيسيان: أولًا، إبراز التقدير العالي الذي حظيت به روائع العصور القديمة لدى مفكري عصر النهضة؛ وثانيًا، التأكيد على أن أعمالهم الحديثة قد أعادت إحياء تألق الماضي، وأن "الأدب القديم الجديد" كان بحق وريثًا جديرًا بالكلاسيكيات القديمة. تتألف هذه المجموعة من مجلدين، يكرَّس الأول بالكامل للشعر، بينما يخص الثاني النثر من النوع الذي تمت الإشارة إليه أعلاه. ومن بين الأمثلة على ذلك: "حول التاريخ" On History، وهو أطروحة فلسفية-تاريخية لـ سو هسين Su Hsiin؛ "في حق الرعية في انتقاد الحاكم"، مقال لـ هان يو؛ "في العمل في الحقول"، أطروحة تعليمية لـ سو شيه Su Shih؛ "ضد الانتقام"، مقال لـ ليو تسونغ-يوان؛ و"جناح الشيخ المخمور" The Pavilion of an Intoxicated Elder، لـ أويانغ هسيو Ouyang Hsiu، وهو وصف شعري لجناح بناه المؤلف في موقعٍ خلاب حيث كان يلتقي بأصدقائه. كما نجد في هذه المجموعة مقدمات لمختارات من أعمال بعض المؤلفين الآخرين، ورسائل، وسير ذاتية، وأضرحة. لقد كان يُنظر إلى هذا النثر على أنه أدب بالمعنى الدقيق الذي تصوره هان يو. وخلال عصر النهضة في الصين، لم يشهد هذا الأدب ازدهارًا هائلًا فحسب، بل ارتقى إلى مصافّ الفن الحقيقي. ويمكن الحديث عن الأسلوب الشعري اللافت، والأجناس الأدبية، والأشكال والأساليب التي تميّز بها هذا الأدب، والتي يمكن اعتبارها بمثابة شعر في قالب نثري. اتجاه أدبي-نثري آخر ذو أهمية لا تقل عن ذلك في هذه الحقبة، بل وربما أكثر أهمية لمستقبل الأدب الصيني، كان السرد. كانت الرواية القصيرة تمثل النثر السردي في عصر النهضة الصيني، وقد مرت بمرحلتين أساسيتين في تاريخها: الأولى، بين القرنين الثامن والتاسع، والثانية، بين القرنين العاشر والثالث عشر. في مرحلتها الأولى، كانت تُعرف بـ الرواية القصيرة في عصر تانغ، حيث كانت تدور حول أحداث سلالة دولة تانغ، وفي المرحلة الثانية، كانت تُعرف بـ الرواية القصيرة في عصر سونغ، حيث نشأت خلال حكم سلالة سونغ. ورغم اختلاف المرحلتين، فإنهما تمثلان تطورًا متصلًا للأدب الراقي، مع سمات واضحة لكل منهما: كانت رواية تانغ أرستقراطية، بينما كانت رواية سونغ ديمقراطية. نشأت الأولى بين صفوة من المثقفين والأدباء الرفيعين، وكانت موجهة إلى الفئات المتعلمة من المجتمع، في حين كانت الثانية أكثر شعبية من حيث منشئها ومدى انتشارها بين القراء. وجود هاتين المرحلتين في تاريخ الرواية القصيرة هو بحد ذاته دليل على السمات المميزة لعصر النهضة الصيني. فقد بدأ هذا الحراك الثقافي بين الفئات المثقفة والمستنيرة، أي الأرستقراطية الروحية، ولكنه سرعان ما امتد إلى نطاق أوسع من المجتمع، حيث شهدت المرحلة الثانية من النهضة (من القرن الحادي عشر فصاعدًا) ازدهار الثقافة الديمقراطية. وعليه، فإن تاريخ ومصير الرواية القصيرة في عصر النهضة الصينية يعكسان بوضوح تطور تلك الحقبة بأكملها، وتطورها الداخلي. وبالتوازي مع ذلك، فإن هذه الرواية القصيرة تساعدنا على تتبع خطوط النهضة في مجالات أخرى، لا سيما في المسرح. فالعلاقة بين الرواية القصيرة في عصر التانغ والمسرح المعروف بـ مسرح يوان Yuan، وهو أول شكل بارز من أشكال المسرح الصيني. ولم يكن ذلك فقط لأن العديد من هذه المسرحيات، بما في ذلك بعض أعظم درامات القرنين الثالث عشر والرابع عشر، استندت إلى حبكات الروايات القصيرة (كما كان الحال في المسرح الأوروبي خلال عصر النهضة)، بل لأن المبادئ الإبداعية التي بُنيت عليها الرواية القصيرة أثبتت أنها قابلة للتطبيق في المسرح الدرامي أيضًا. إن انتماء روايات تانغ وسونغ القصيرة إلى عصر النهضة أمر واضح. فرواية سونغ القصيرة، وجزئيًا رواية تانغ القصيرة (بيين-وين)، كانت أقرب إلى الفولكلور والحكايات الشعبية؛ لكنها لم تكن فولكلورًا بالمعنى الدقيق، خاصةً رواية تانغ، فقد كانت أدبًا رفيعًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يتضح ذلك من لغتها، فقد كُتبت بلغة أدبية كما تُفهم اليوم في علم اللغويات. ومن خلال تاريخ اللغة الصينية لاحقًا، نعلم أن هذه اللغة الأدبية، أي اللغة التي تم تطويرها خلال عصر النهضة، ظلت سائدة في المجتمع الصيني حتى القرن العشرين، عندما بدأ استخدام لغة أدبية حديثة جديدة. واستمرارها لهذه الفترة الطويلة يفسر بوضوح، السبب في أنها تطورت على يد هان يو، لي بو، ليو تسونغ-يوان، دو فو Tu Fu، أويانغ هسيو Ouyang Hsiu، سو شيه، وانغ آن-شيه Wang An-shih وغيرهم من الأدباء العظماء. أما النقطة الأكثر جوهرية فهي أن انتماء هذه الروايات القصيرة إلى عصر النهضة يتضح من موضوعاتها. فالشخصية التي قدمتها هذه الأعمال كانت الإنسان، وهو الموضوع الذي كان محور اهتمام فلاسفة سونغ، وهو الإنسان الذي ناضل من أجله هان يو وليو تسونغ-يوان. لأول مرة في الأدب السردي الصيني، ظهر الإنسان كفرد، له نفسيته ومشاعره ومصيره الخاص. كما أن هذه الروايات تعكس مفهومًا كان حاضرًا في فلسفة ذلك الزمن، وهو الازدواجية في طبيعة الإنسان: الجانب الكلي، والذي يمثل الخير، والجانب المادي، الذي يمكن أن يكون خيرًا أو شريرًا حسب الظروف. وقد مثلت هذه الروايات القصيرة التيارات الإنسانية لعصر النهضة، تمامًا كما كان الفكر الاجتماعي التقدمي في ذلك الوقت. من هنا، نجد أن هناك أساسًا متينًا لاعتبار الرواية القصيرة والمسرح جزءًا من أدب النهضة الصينية؛ فالمسرح، ربما بشكل أكثر وضوحًا، جسّد شخصية الفرد، والهوية الشخصية، والطابع الإنساني، وبالتالي عكس المزاج الإنساني للشرائح التقدمية في المجتمع الصيني. يمكن إدراج الكثير ضمن هذا الإطار. لكن، نظرًا لضيق المجال، سأكتفي بذكر بعض المجالات الأخرى التي تجلّت فيها روح النهضة الصينية. أولًا، علم التاريخ، حيث ظهر آنذاك اتجاه نقدي جديد أدّى إلى تطور فلسفة التاريخ. كذلك، لا يمكن إغفال الفن، حيث تحتل لوحات البورتريه في عصر تانغ ولوحات المناظر الطبيعية والفن التصويري في عصر سونغ، مكانة في تاريخ الفن في الصين وكوريا واليابان تعادل مكانة الفن النهضوي في أوروبا. ولا بد من الإشارة، إلى التحولات التي شهدها البوذية خلال هذه الفترة في ضوء أفكار عصر النهضة. فمن المستحيل فهم نشأة العديد من مبادئ فلسفة سونغ دون الإحاطة بجذورها البوذية، فرغم الموقف السلبي لفلاسفة سونغ تجاه البوذية، إلا أن تأثرهم بالفكر البوذي كان واضحًا. وبالإضافة إلى ارتباطها بفلسفة سونغ، فقد شهدت البوذية آنذاك روحًا جديدة شبيهة بحركة الإصلاح الديني، والتي كانت من أبرز تجليات أفكار عصر النهضة في أوروبا. وإذا لم نربط تعاليم تشان (Zen في اليابانية) بأفكار النهضة، فسيكون من الصعب فهم هذا التيار الذي انتشر في الصين واليابان، وكان له تأثير عميق في تشكيل جماليات عصر النهضة. كل هذه الظواهر ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث، وبدون دراسة شاملة لها، لن يكون بوسعنا تجاوز الرؤى التقليدية الراسخة. وأنا مقتنع بأن هذه الأبحاث ستوفر بيانات ذات أهمية بالغة لدراسة عصر النهضة الصيني—مضمونه، نطاقه، أهميته التاريخية—ومن خلال ذلك، ستساعدنا على فهم العديد من الظواهر الثقافية في البلدان المجاورة، كوريا واليابان.
* نيكولاي يوسيفوفيتش كونراد 1891-1970، مُستشرق ماركسي سوفييتي، دكتور في الفيلولوجيا وأكاديمي في أكاديمية العلوم السوفييتية 1958. تخرّجَ من القسم الصيني الياباني لكلية اللغات الشرقية في جامعة سان بطرسبورغ عام 1912. دَرَسَ اللغتين اليابانية والصينية والثقافة اليابانية الكلاسيكية في جامعة طوكيو أعوام 1914-1917. كان استاذاً في معهد لينينغراد للغات الشرقية الحية منذ عام 1926-1938. في الوقت نفسه عمل أستاذاً في المعهد الجغرافي لجامعة لينينغراد. كان باحثاً في معهد الدراسات الاستشراقية التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية منذ عام 1931. وصارَ استاذاً في كلية موسكو للدراسات الاستشراقية في جامعة موسكو الحكومية منذ عام 1941-1950، وعضواً في قسم الأدب واللغة في أكاديمية العلوم السوفييتية منذ عام 1958. كان مجال اهتمامه يشمل الأدب الياباني الكلاسيكي والحديث، والتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ليابان العصور الوسطى ونظام التعليم الياباني والفلسفتين اليابانية والصينية واللغويات. نَشَرَ ترجماتٍ لعددٍ من كُتُب الأدب الكلاسيكي الياباني باللغة الروسية. حَصَل على وساميّ لينين عامي 1945 و1954، ووسام الشمس المُشرقة الياباني عام 1969. من مقالاته: (حول اللغة الصينية) 1952، (مُختصر تاريخ الأدب الصيني) 1959، (أدب شعوب الشرق ومسائل حول المعرفة الأدبية العامة) 1961. (شكسبير وعصره) 1964.
ترجمة مُختصرة لمقال: the renaissance epoch, N. I. Konrad, 1967 this article is one of articles collection in book: West-East Inseparable Twain
#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)
Malik_Abu_Alia#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النساء البابليات اللواتي لم يكنَّ تحت السُلطة الأبوية
-
نشوء مُجتمعات الاقتصاد المُنتِج (العصر الحجري الحديث)- وردٌّ
...
-
الاثنوغرافيا وتاريخ المُجتمع البدائي
-
حول نشأة الاقطاع على الصعيد العالمي في الشرق والغرب، ومفهوم
...
-
مسائل اقتصاد مُجتمعات الصيد واللقاط
-
الانسان في فجر الحضارة
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
-
المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط
-
الطبيعة والمُجتمع البدائي
-
التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية العبودية
-
تعليق ايغور دياكونوف على مقال هنري كلايسِن (الديناميكيات الد
...
-
المشاعات الزراعية في الشرق الأدنى القديم
-
الدراسات الاستشراقية الكلاسيكية والمسائل الجديدة
-
الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، ب
...
-
حول مسألة دراسة تاريخ المُجتمعات البدائية انطلاقاً من الاثنو
...
-
مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية الم
...
-
المراكز المدينية في المُجتمع الطبقي الباكر
-
تاريخ الري الزراعي في جنوب تركمانستان
-
الشروط الايكولوجية لنشوء الزراعة في جنوب تركمانستان
-
سوسيولوجيا الدين الانجلو أمريكية المُعاصرة: مُشكلاتها واتجاه
...
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يواصل التصعيد في الضفة
-
الصين تتهم الولايات المتحدة بالنفاق وازدواجية المعايير
-
رويترز: محادثات أمريكية مصرية حول إدارة قطاع غزة وأسماء الإد
...
-
علم بأرزة مشطوبة يثير الجدل في لبنان (فيديو)
-
مسيرة إسرائيلية تلقي قنبلتين صوتيتين في محيط تجمع للمواطنين
...
-
مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعد بإحالة قضايا فساد
...
-
شركة أمريكية تخطط لإطلاق قمر لمراقبة الأرض من مدار منخفض جدا
...
-
لبنان.. حكومة سلام تعقد جلستها الأولى بعد نيل ثقة البرلمان
-
الدفاع الروسية: خسائر أوكرانيا في محور كورسك تجاوزت 170 جندي
...
-
مجمع القرآن في الشارقة يتحول لمعلم سياحي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|